كلمت التوحيد «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»

محمد البدر
1437/01/24 - 2015/11/06 00:47AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أمّا بعد عباد الله : قَالَ تَعَالَى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
وًعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ شَهِدَ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأنَّ مُحَمداً عَبْدهُ ورَسُولُهُ ، وَأنَّ عِيسى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
فلأجل كلمة التوحيد (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) خُلقت الخَليقة، وأُرسلت الرُسل، وأُنزلت الكتب، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء وأشقياء ، وَهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدين وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وأصل الدين وأساسه ورأس أمره .
عباد الله : ولهذه الكلمة فضائل عظيمة، منها ما ورد في القرآن الكريم أن الله جل وعلا جعلها زبدة دعوة الرسل، وخلاصة رسالاتهم، قَالَ تَعَالَى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وًقَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}وًقَالَ تَعَالَى : { يُنزلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} وهذه الآية هي أول ما عدد الله على عباده من النعم ، فدل ذلك على أن التوفيق لذلك هو أعظم نعم الله تعالى التي أسبغها على عباده قَالَ تَعَالَى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً }.
وًقَالَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ( مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ عَرَّفَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , فَإِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَالْمَاءِ فِي الدُّنْيَا) .
وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أنها هي الكلمة الطيبة، قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }.
وهي القول الثابت قَالَ تَعَالَى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.
وهي العهد قَالَ تَعَالَى : {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } .
وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن لم يتمسك بها هلك، قَالَ تَعَالَى : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى }وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .
وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم عليه السلام في عقبه لعلهم يرجعون، قَالَ تَعَالَى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
وهي كلمة التقوى التي ألزمها الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أحق بها وأهلها، قَالَ تَعَالَى : {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } .
وَمِنْ فَضَائِلِهَا: أنَّها منتهى الصواب وغايته، قَالَ تَعَالَى : {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلاَئِكَةُ صَفاًّ لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ‍مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ/38]
روى أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون قال:ما تكلم الناس بشيء أفضل من لا إله إلا الله، فقال سعد بن عياض: "أتدري ما هي يا أبا عبد الله؟ هي والله كلمة التقوى ألزمها الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا أحق بها وأهلها رضي الله عنهم.
أقول قولي هذا .... 
الخطبة الثانية :
وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أنها هي دعوة الحق المرادة بقوله تَعَالَى : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ }.
وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أنها هي الرابطة الحقيقية التي اجتمع عليها أهل دين الإسلام، فعليها يوالون ويعادون، وبها يحبون ويبغضون، وبسببها أصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضها بعضا.
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان : "وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّابِطَةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي تَجْمَعُ الْمُفْتَرَقَ وَتُؤَلِّفُ الْمُخْتَلَفَ هِيَ رَابِطَةُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الَّتِي تَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ كُلَّهُ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ ، وَتَجْعَلُهُ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، عَطَفَتْ قُلُوبَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْأَرْضِ مَعَ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي رَبَطَتْ بَيْنَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ ، وَبَيْنَ بَنِي آدَمَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى دَعَوُا اللَّهَ لَهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ الصَّالِحَ الْعَظِيمَ ، إِنَّمَا هِيَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا.
إلى أن قال رحمه الله: وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي تَرْبُطُ أَفْرَادَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَتَرْبُطُ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، هِيَ رَابِطَةُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»،فَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةَ النِّدَاءُ بِرَابِطَةٍ غَيْرَهَا " اهـ.

الا وصلوا ....
[/align]
المشاهدات 1737 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا