كلمة جليلة

الخطيب المفوه
1433/04/30 - 2012/03/23 06:45AM
[align=justify]
كلمة جليلة
خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبةُ في الله ، من ذا الذي يمر عليه يومٌ دون كدر ، أو دون أمر يحزنه ، لا أحد ، وليس الأمر عجيباً ؛ لأن هذه الدنيا جُبلت على كدر ؛ فلم تصفُ لأحد ممن كان قبلكم من نبيٍّ أو ملِك ، ولن تصفوَ لكم ؛ لذا فالعاقل يوطِّن نفسه على توقع السيئ ، وليكن عزاؤه أن ما أصابه مكتوب في حسناته ، وتمحى به سيئاته إن أحسن النية والقصد ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ..
لكن أيها المحب ، ما كان الله ليذر المؤمنين وهم أحباؤه دون أن يمدهم بما يخفف لوعتهم ومصابهم متى حل بهم ، بل هو سلاح يدرءون به في نحور أعدائهم متى ما أحسنوا استعماله ، ووقفوا على عظيم تأثيره ، وإن من الأسلحة الناجعة في مواجهة الأعداء إذا استحكم شرهم ، وعظم مكرهم ، واستطال إجرامهم ، قول المؤمن : « حسبُنا الله ونعم الوكيل » ، وهي كذلك تأسوا الجراح بعد وقوعها ، فما أعظمَ هذه الكلمة ! وما أشد تأثيرها ! ؛ لقد قالها إبراهيمu حينما رأى النار العظيمة تضطرم وتتأجج؛ فقال الله للنار : كوني برداً وسلاماً على إيراهيم ، واستشعر محمد r هذه الكلمة ؛ فكان له التمكينُ والغلبةُ على العدو ) الَّذِيْنَ قَالَ لَهمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ؛ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَم يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ( .
هذه الكلمة العظيمة أيها الأحبة في الله ، تجعل من الإيمان بعظمة الله ركيزةً في النفوس المؤمنة ؛ فأنت حين تقولها ، تطَّرح كلَّ قوة في الكون إلا قوة الله ، وتتبرأُ من كل نصر وعون إلا نصرُ الله وعونُه ؛ فهي تترجم التوحيد إلى عمل ، وعندما تتحول الأقوالُ إلى أفعال ؛ فإنها تسكن بحبوحة الحبِّ والرضا من الله ، ومن أحبه الله ورضي عنه أعانه ونصره ومكَّن له .
وإذا العناية لا حظتك عيونها نم فالمخـاوف كلهن أمان
وأنت أيها المحب ، عندما تقول هذه الكلمة وأنت تستشعر معناها ومؤداها ؛ فأنت تستشعر القرب من الله ، وتنتظر الإجابة منه ، وأنت هنا تلغي اليأس من قلبك ، وفي هذا إيمانٌ ؛ لأن اليأس والإيمان في قلب عبد لا يجتمعان ؛ ) إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَومُ الكَافِرُونَ ( ، فقولوا أيها الأحبة في الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل إذا دهمكم العدو ، وقولوا حسبنا الله ، إذا استعلى المنافقون وأفسدوا ، وقولوا : حسبنا الله إذا أعيتكم الحيل وضاقت عليكم الدنيا بما رحبت ، وقولوا : حسبنا الله إذا تسلط عليكم الظلمة ؛ بل قل : حسبنا الله في شأنك كله ، ستجد أن أمرك إلى فرج ، ولكن ليكن القول منك يأرز إلى يقين وثقة بالفرج ، والله عند ظن عبده فيه؛ فظن الخير، والله كافيك وحسيبك عندها ..
ولعظمِ هذه الكلمة وكبيرِ تأثيرها ، كان النبي r يعلمها أصحابه ، ويأخذ بأيديهم إلى محاضنها ، رأى الصحابةُ النبيَّ r لا يكاد يضحك ؛ فاستفهموا ؛ فقال لهم : كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ينتظر الإذن بالنفخ في الصور ؟ فوقع ذلك في نفوس الصحابة وتأثروا ؛ فقالوا : ماذا نفعل يا رسول الله ؟ قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ..
وليس أمر هذه الكلمة أيها الجمع الكريم ، قاصراً على دفع المضار ، بل إنه أكبر جالب للمنافع ؛ فإذا طلبت أمراً ؛ فاجعل حسبنا الله ونعم الوكيل في صدره ، عندها سترى الإجابة ، وترى الخير يتنزل مدراراً ، ) ولَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ( ، بل إنَّ الخير المجلوب والشر المدفوع بهذه الكلمة ، ورد مضمناً آية واحدة من كتاب الله ؛ فتأمل قول الله تعالى : )قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ(
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكمبما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله على إحسانه ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وسلّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد ُ:
فأيها الأحبة في الله ، في هذا الزمن بقدر ما يُزرى على أهل الخير بقدر ما يُرفع أهل الكفر والإجرام ، فأهل الخير من علماء وعامة ، قوم يبغون للعالم الشر ، ويبغون للناس ما يكدر صفو حياتهم ، وهم ذوو تأصيل للإرهاب ، وأهل الشر والكفر هم أهل النبل ، وهم دعاة السلام والراعون له ، وكلُّ خير إنما يأتينا منهم ، وهذه أمارة من أمارات الساعة وشرط من أشراطها ؛ فقد أخبر النبي r أن من أشراط الساعة وعلاماتها : أن يخوَّن الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وهذا حاصل في الجليل والصغير من الأمر ، وإليكم مصداق ذلك واقعاً ؛ فقبل أيام نفق كبير النصارى في أرض مصر المدعو البابا شنوده ؛ فأعلى الناس ذكره ليس من النصارى وحسب ، بل ومن المسلمين ؛ فتناقلته قنوات المسلمين ، وأطنبوا في ذكره ، بل وترحموا عليه ، وليس هذا من عوام المسلمين فيعذرون مع أنه لا عذر في ذلك ، بل من العلماء ومن يعتد بقولهم ، بل إن أحدهم شبَّه جنازتَه بجنازة الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ، بينما لو تأملوا ونظروا في حقيقة الرجل ، لوجدوه حقداً يمشي على الأرض ، فالرجل ظاهر العداوة للمسلمين ، بل كان كثيراً ما يستثير الغرب ضد المسلمين ، بل كانت مواقفه من المسلمين الجدد من نصارى مصر قبيحة ؛ فكم قتل من مسلمة ومسلم عندما دخلوا الإسلام ، وكم آذاهم ، فتاريخه حافل بالسوء ، ومع ذلك يأتي من أبناء المسلمين من يمجده ويثني عليه ، ويذكر أعماله الخيرة ، بل ربما وجد من ظن أن من فعل الخير فإنه يدخل الجنة ولو كان كافراً ، وهذا من تغييب المفاهيم ، ومن المغالطات التي يسعى أعداء الإسلام لتمريرها علينا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
[/align]
المرفقات

كلمة جليلة.doc

كلمة جليلة.doc

المشاهدات 2358 | التعليقات 1

جزاكما الله كل خير