((كلمة التوحيد وشروطها))

algehani algehani
1441/02/01 - 2019/09/30 09:21AM
كلمة التوحيد وشروطها
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ)  والحمد لله الذي خلَق الخلق ليَعبُدوه ويُوحِّدوه، ووعَد مَن وحَّدَه وأطاعَه بالخير والفلاح، وتوعَّد مَن عصاه وأشرَكَ به بالويل والثبور:
(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .
وأشهد أن “لا إله إلا الله” الواحدُ الأحدُ الفرد الصَّمد، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله إلى العالمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.
الحمد لله القائل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
(عباد الله) إن من رحمة الله بخلقه أنْ بعَث إليهم الرسل، وأنزَل معهم الكتب والشرائع التي تتَّفق مع فطرة هذا الإنسان التي فطره الله عليها؛
والرسل جميعهم جاؤا بدعوة الإسلام وكلمة التوحيد، والتوحيد: هو قاعدة كلِّ دِينٍ جاء به رسولٌ من عند الله تبارك وتعالى
قال جل وعلا (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
فالتوحيد مفتاح دعوة الرُّسل -عليهم الصلاة والسلام- وهو أوَّل واجبٍ، وأوَّل ما يدخُل به المرء في الإسلام؛ لذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم- لمعاذ بن جبل -رضِي الله عنه- عندما بعَثَه إلى اليمن: “إنَّك تأتى قومًا أهلَ كتاب، فليكن أوَّل ما تدعوهم إليه عبادة الله وحدَه” وفي رواية: “فادعُهم إلى شهادة أن “لا إله إلا الله”، وأنِّي رسول الله“، “فإنْ هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- افترض عليهم خمسَ صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإنْ هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنَّ الله -تعالى- افترضَ عليهم صدَقةً في أموالهم، تُؤخَذ من أغنيائهم وتُردُّ إلى فُقَرائهم”
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم-: “أُمِرتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن “لا إله إلا الله”، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقِيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام وحِسابهم على الله -عزَّ وجلَّ-”.
شهادة أن “لا إله إلا الله”، وأنَّ محمدًا رسول الله  كلمةٌ تعصمُ الدم والنَّفس، وينجو بها العبد،
إنها  الكلمة التي يدخُل بها العبد الجنَّة برحمة الله، وهي الكلمة التي تعصمُ صاحبها من الوُقوع في النار -قال صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد، غيرَ شاكٍّ فيهما، إلا دخل الجنة)
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم-: “مَن مات وهو يعلمُ أنَّه “لا إله إلا الله” دخَل الجنة”
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم- “ما من عبدٍ يشهدُ أن “لا إله إلا الله”، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله صِدقًا من قلبه إلا حرَّمَه الله على النار”.
هذه الكلمة (عباد الله) أمرُها جلل، وأهميَّتها من الدين بمكان، فالواجب العنايةُ بها، وتحقيق معناها وشروطها.
وأوَّل هذه الشروط  أنْ يعلم العبد معنى كلمة التوحيد “”لا إله إلا الله””، فهي تنفي الألوهيَّة عن غير الله -تعالى- وتُثبتها له وحده سبحانه، فلا معبودَ بحقٍّ إلا الله، قال تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ “لا إله إلا الله” وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)   وقال صلَّى الله عليه وسلَّم-: “مَن مات وهو يعلمُ أنَّه “لا إله إلا الله” دخَل الجنَّة“.
وثاني شروط (لا إله إلا الله) اليقين المنافي للشكِّ؛ ومعناه أنْ يستيقن العبد يقينًا جازمًا بمدلول كلمة التوحيد؛ لأنها لا  تُقبَل شكًّا، ولا ظنًّا، ولا تردُّدًا ولا ارتِيابًا، بل ينبغي أنْ تقوم على اليقين القاطع الجازم؛ قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)  فلا يكفي مجرَّد التلفُّظ بالشهادتين، بل لا بُدَّ من استِيقان القلب، والبُعد عن الشكِّ، فإنْ لم يحصل هذا اليقينُ فهو النِّفاق، فالمنافقون هم الذين ارتابَتْ قلوبهم؛ قال تعالى-: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) .
وإذا علم العبد وتيقَّن فينبغي أنْ يكون لهذا العلم أثره، وهنا يأتي الشرط الثالث لـ(لا إله إلا الله) وهو: القبول لما اقتضَتْه هذه الكلمة بالقلب وباللسان: فمَن ردَّ دعوة التوحيد ولم يقبَلْها كان كافرًا، سواء كان ذلك الردُّ بسبب الكبر أو العناد أو الحسد.
أمَّا الشرط الرابع فهو: الانقياد للتوحيد الذي دلَّت عليه هذه الكلمة العظيمة، انقيادًا تامًّا، وهذا الانقياد والخضوع هو المحكُّ الحقيقي للإيمان، وهو المظهر العملي له، وهو: أنْ يُسلِمَ العبد ويستسلمَ بقلبه وجوارحه لله تعالى وينقادَ له بالتوحيد والطاعة؛ كما قال سبحانه: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) .
وقال سبحانه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
والشرط الخامس (عباد الله) الصدق في قول كلمة التوحيد، صِدقًا مُنافيًا للكذب والنِّفاق؛ حيث يجب أنْ يُواطئ قلبه لسانه ويُوافقه، فإنَّ المنافقين يقولونها بألسنتهم، ولكن لم يطابق هذا القول ما في قُلوبِهم،
قال سبحانه عن المنافقين:
(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) .
والشرط السادس لتحقيق كلمة التوحيد: المحبَّة، فيحبُّ المؤمن هذه  الكلمة، ويحبُّ العمل بمقتضاها، ويحبُّ أهلها العاملين بها، وإلا لم يتحقَّق الإيمان، ولم تُكتَب له النجاة، وعلامة حبِّ العبد ربَّه تقديم محابِّه وإنْ خالفت هواه، وموالاة مَن والى الله ورسوله، ومعاداة مَن عاداه، واتِّباع رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- واقتفاء أثره وقبول هداه، ومتى استقرَّت هذه الكلمة في النفس والقلب، فإنَّ حبَّها يملأ القلب فلا يتَّسع لغيرها، وعندئذٍ يجدُ حلاوة الإيمان؛ جاء في الحديث : “ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أنْ يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواه، وأنْ يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأنْ يكره أنْ يعودَ في الكُفر كما يكره أنْ يُقذَف في النار“.
وسابع هذه الشروط: الإخلاص؛ ومعناه: صِدق التوجُّه إلى الله -تعالى-، وتصفية العمل بصالح النيَّة من كلِّ شائبة من شوائب الشرك وألوانه،  قال تعالى-:
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .
وهذا الشرط (عباد الله) هو سببُ القبول عند الله
-عزَّ وجلَّ-، فلا يَقبَلُ الله -تعالى- من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، وموافقًا لشرعِه.
هذه (عباد الله) شروط كلمة التوحيد، فتعلموها وعلِّموها فالنجاة مَنُوطةٌ بها والفوز الحقيقي معلَّقٌ بها     أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
  
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.
أمَّا بعدُ عبادَ الله: وبعدَ تحقيق هذه الشُّروط مجتمعةً لا بُدَّ من الإقامة على هذه الكلمة حتى الموت؛ ليختم للعبد بها ختامًا حسنًا، فإنما الأعمالُ بالخواتيم؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم : “إنَّ الرجل ليعمَلُ الزمان الطويل بعمل أهل الجنَّةِ، ثم يختم له عمله بعملِ أهل النار، وإنَّ الرجل ليَعملُ الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يختمُ له عمله بعمل أهل الجنَّة“.
وقد أمَر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد
فقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .
و قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “ما من عبدٍ قالَ: “لا إله إلا الله” ثم مات على ذلك إلا دخَل الجنَّة” .
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ
اللهم وإجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا
ياذا الجلال والإكرام.
هذا وصلوا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال جل من قائل : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وَفِّقْ ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيتهم للبر والتقوى، وانفع بهم الإسلام والمسلمين،
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 510 | التعليقات 0