كلمات مؤثّرة أثمرت حياةً مُزهرة بقلم صلاح عبدالشكور

كلمات مؤثّرة أثمرت حياةً مُزهرة بقلم صلاح عبدالشكور

هل ستصدق لو قلت: إن كلمة واحدة كانت وراء ظهور عدد كبير من المؤثرين في العالم ؟! وهل ستتوقع أن جملة واحدة مختصرة كانت السبب في ظهور عدد كبير من المؤلفات والمصنفات في مختلف مجالات العلم والمعرفة ؟! قد تصدق وقد لا تصدق ولكنك حتماً لو دققت النظر في اتجاهاتك وأفكارك ومشاريعك وآمالك؛ فإن ثمة كلمات ألقاها أحدهم فوقعت من نفسك موقعها، أو أسطر قرأتها فحرّكت في نفسك كوامنها .. تابعوا سير الناجحين والمنجزين في الحياة وستجدون أن منطلقاتهم نحو العلو، ونقطة انطلاقتهم نحو آفاق التميز والنجاح كانت كلمةً مخلصة، أو نصيحة قصيرة، أو إلهاماً عارضاً، أو ثناءً عابراً من أحد الأصدقاء أو المربين؛ فأشرقت من خلالها حياتهم، وازدهر نتاجهم، وقوي عودهم وفي هذا الصدد أذكر مقولة للإمام البخاري صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله حيث يقول عن سبب تأليفه لكتابه العظيم: كنّا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح، تأملوا كيف كان هذا المقترح البسيط سبباً في ظهور هذا السِّفر العظيم (الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) وقد كان عمر الإمام البخاري حين سمع هذه المقولة ستة عشر عاماً فبدأ من حينها في تأليف الجامع الصحيح واستغرق تأليفه ستة عشر عاماً، ولله درّ هذه الهمم والعزيمة وطول النَفَس رغم حداثة سن أصحابها !!

إن الكلمة التي تسمعها ستؤثر فيك حتماً؛ وقد تكون هذه الكلمة بمثابة ميلاد جديد لك في الحياة، وربما كانت الكلمة الواحدة مشروعك في الحياة، وفي حي الإمام الذهبي المحدث الفقيه والعالم الجليل صاحب كتاب (سير أعلام النبلاء) مثال حي عن كلمة عابرة ألقاها شيخه البرزالي على مسمعه حين رأى خطه فقال له: (إن خطك يشبه خط المحدثين)، قال: فحبب الله إليّ علم الحديث. فبرع وألف وصنّف وترك للأمة علماً غزيراً ومصنفات كثيرة في مختلف العلوم .

الكلمة التي تحدث تغييراً حقيقياً في داخلك ليس من الضروري أن تسمعها من عالم أو مربٍ أو فقيه بل ربما تخرج هذه الكلمة من رجل الشارع العامي بل ربما خرجت من صبي أو لص أو سارق كما حصل للإمام أحمد بن حنبل حين جُلد في فتنة خلق القرآن إذ يقول ابنه عبدالله: كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم. فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم؟ فقال : لما أُخرجت للسياط ومدت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرّار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين. قال : فضُربت ثمانية عشر سوطا بدل ما ضرب ثمانية عشر ألفا ، وخرج الخادم فقال : عفا عنه أمير المؤمنين. ويقول الإمام أحمد أيضاً: ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق قال : يا أحمد إن يقتلك الحق متَّ شهيداً ، وإن عِشت عِشتَ حميداً ، فقوّى قلبي .

أرأيتم كيف تصنع الكلمة الواحدة أحياناً مجداً، وكيف تغير مسيرة حياة بأكملها، وكيف أثّرت في بناء أقوام ورفعت شأنهم وسطرت مجدهم وثبتت أقدامهم ..
المشاهدات 1775 | التعليقات 0