كلمات في حب الوطن مناسبة للخطبة الثانية
عبدالله يعقوب
1434/11/13 - 2013/09/19 16:40PM
كلمات في حب الوطن
الحمد لله وحده..
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد...
الوطن.. كلمة عذبة جميلة.. لا يعرف قدرها إلا من فقدها.
ما أعذب هذه الكلمة في أفواه المغتربين، وما ألذ وقرها في أسماع المحرومين والمضطهدين.
الوطن.. عديلُ الروح في كتاب الله, فقد شبّه سبحانه وتعالى إخراج العبد من وطنه, بإخراج روحه من جسده, فقال: ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا مندياركم ما فعلوه إلا قليل منهم﴾, فأتى الله بأصعب أمرين: إخراج الروح من الجسد، وإخراج الجسد من الوطن.
وقال r لما أخرج من مكة: (والله إنك أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت).
فإذا كان حب الأوطان لا ينافيه الشرع.. فكيف يكون الحب الصحيح للوطن؟
حب الوطن: يكون بحفظه من الضياع, وضياعُ الأوطان يكون بتضييعأمر الله, فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره.
وحفظ الأوطان في الحقيقة.. بالأمرِبالمعروف والتناهي عن المنكر, والأطْرِ على الحق، وإقامةِ الحدود, والتناصحِ بين الخاصةوالعامة.
والوطنية: دمٌ يجري بالعروق، وقلب يحيا به الجسد، وجسد يتطاير أشلاءً دون الوطن وأهله ومعتقده.. لا على الأبرياء من أبنائه.
الوطنية: علم وفكر وتقدم وازدهار، واختراعات ومبتكرات، وعقول نيرة تتسلح بالعلم والمعرفة؛ لتقول للعالم أجمع بأننا هنا.
هنا.. وطن الرسالة، وطن الهداية، وطن نبع من أرضه النور الذي أنار للبشرية طريقها، ورسم لها دروب الخير الصلاح.
هنا.. أحفاد أولئك الرجال الذين نصر الله بهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأعز بهم دينه، ورفع بهم راية التوحيد؛ حتى قال عنهم وعن الذين يسيرون على نهجهم من بعدهم: {كُنْتُم خَيرَ أُمَةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ...}.
فإن كنت وطنياً تحب بلدك، وتتمنى له الخير والازدهار، والتقدم والرقي والتطور، فساهم في خدمة بلدك والنهوض به، في شتى المجالات المفيدة والنافعة.
وجوهر الوطنية: عقيدةصحيحة، وبيعة في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة، وعدمُ خروجٍ على الجماعة.
بهذا تحفظ الأوطان وبهذا تجتمع الكلمة, والدين النصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من العلماء والأمراء, لا يستبطن العبد لهم غشًاولا غلاً ولا دغلاً, وإنما ينصح لهم من قلبه, بهذا تحفظ الأوطان, وبهذا تحفظ النعم، وبهذا يتم من الله الزيادة كما وعد, والله لا يخلف الميعاد.
وإنَّ من الخطر أن تختطفَ الوطنيةُ، وتُبْتدعَ لها المعاييرالشكليّة، ثمَّ يفتنُ الناس بها ويمتحنون بناء عليها، فتُربط الوطنيةُ بتعليق الصورأو تحية العلم الوطني أو الاحتفال بيوم الوطن، أو منح الإجازات للموظفين، وتجعل هذه الأمور هي محكاتُ المواطنة الصحيحة، فمن قام بها فهو المواطن المخلص، ومن تحرّج منها فوطنيّتُه مشكوكٌ فيها، وولاؤه فيه نظر، ولو كان أميناً مخلصاً مطيعاًبالمعروف، ولو كان قد أخذ بفتوى علماء الوطن الكبار، وهل علماؤنا الكبار الذين أفتوا بتحريم هذه المسائل الجزئية ليس عندهم وطنية أولا يحبون الوطن؟.
فربما يترك بعض الناس المظاهرَ الشكليةَ؛ تأثّماً لفتوى تحرمها، لا كرهاً أو استخفافاً بالوطن، ويبقى حبُ الوطن في قلوبنا ونربي عليه أبناءنا..
بل نُشهدُ الله.. أن في كثيرٍ من المواطنين الصالحين الذين يأخذون بفتاوى علماء البلاد الكبار في تحريم بعض المظاهر؛ أن فيهم من الحب للوطن.. ما لو نزلت نازلة لبذلوا أرواحهم رخيصة دونه، ودون ولاة أمره، ولم يفروا كبعض المرتزقة الجبناء الذين لا يعرفون من حق الوطن سوى الأغاني الوطنية وتمجيد العلم..
وإن في كثيرٍ من قلوب الناس من الحب والدعاء لولاة الأمر مايغنيهم عن تعليق صورته؛ لأنها محفورة في قلوبهم، وبيعته في أعناقهم.
وإن من التناقض العجيب.. اتخاذ بعض العلمانيين والليبراليين والتغريبيين دعوى المواطنة وحبَ الوطن.. مركباً لتسويغ أفكارهم، ومحاصرةِ وإرهابِ كل من يخالفهم، ورميه بالإرهاب والتمرد على الوطن، وينسى هذا المتعسف صاحبُ الإرهاب الفكري.. أنه هو أول من ينقض دعواه بأطروحاته التي لا تخدم المصلحة الوطنية، ولا تتفق والأسس التي قامت عليها البلاد، واجتمع عليها شمل الوطن.
ومن التناقضات في المواطنة: أن يَخُونَ المسئولون عن الأمانات، ويظلموا الآخرين، ويستخفوا بالمسؤولية، أو يوظِّفَوها لمصالحهم الشخصية؟! ولو علَّقوا صورةولي الأمر فوق رؤوسهم، وزينوا بـها مكاتبهم، وجعلوا النشيد الوطني وِردَهم اليومي.
ومن التناقضات في المواطنة: أن يحتفل بعض الشباب باليوم الوطني ويقوموا بأعمال الشغب، ويعتدوا على المحلات والسيارات والأسواق والعائلات... حدث هذا في أماكن كثيرة، ونشر ذلك في عدد من وسائل الإعلام، وهنا نتساءل بكل أسف وحزن: هل حب الوطن في الفوضى وتكسير المحلات وسرقتها، والتفحيطِ والإخلال بالأمن في الطرقات؟
هل حب الوطن في الإزعاج والرقص وهز الوسط على الموسيقى المحرمة؟
نقول لهؤلاء المتناقضين جميعاً:
إن حبَّ الوطن يكون بالقيام بمسؤولياته وحفظ أماناته وأدائها إلى أهلها، وليس بسرقة الوطن والمواطنين.
إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه وعن دينه ومقدساته ومواطنيه وليس بأذيتهم.
إن حب الوطن يكون بحفظ نظامه، وإصلاح أهله وليس بإفسادهم.
إن حبَّ الوطن باحترام الكبير والعطف على الصغير، واحترام الجار واحترام النظام ونظافة الشارع وعدم مضايقة المسلمين.
إنَّ حبَّ الوطن بالحرص على كل ممتلكاته والتعامل بأخلاق المسلم مع المسلم في كل مكان.
إنَّ حبَّ الوطن ليس يوماً في السنة فقط!! أو صورةً أو علماً..
بل حب الوطن في كل يوم وفي كل حين.
نسأل الله أن يصلح الراعي والرعية...
وأن يهدي شبابنا ويسلك بهم سبيل الرشاد.. وأن يجعلهم مواطنين صالحين.. مصلحين في أسرهم ومجتمعهم، إنه جواد كريم.
تنبيه: الموضوع من منقولي لا من مقولي
وهو عندي من سنوات ولا أدري صاحبه وأضفت عليه ونقصت منه
المشاهدات 19583 | التعليقات 2
خطبة رائعة بحق وجميل أن يذكر الإنسان الصورة الإيجابية ليفهم الغير بطريقة غير مباشرة طريقته الخاطئة وهذا أسلوب مؤثر وإقناعي بليغ .
شكرنا الخالص لكم شيخ ناصر ولكل المعلقين
ناصر العلي الغامدي
خطبة رائعة ومفيدة
لله درُّ راقمها وناشرها
والخاطب بها
تعديل التعليق