كَفَانَا اللهُ شَرَّ المُخَدِّرَاتِ 10/5/1442ه
خالد محمد القرعاوي
1442/05/09 - 2020/12/24 09:56AM
كَفَانَا اللهُ شَرَّ المُخَدِّرَاتِ 10/5/1442ه
الحمدُ لله، أحلَّ لنا الطَّيباتِ وحرَّم علينا الخبائثَ, أَشهَدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له لن يهلِكَ على اللهِ إلَّا هالكٌ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى جميعِ الآلِ والأصحابِ، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ المآبِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقوى, واحذروا سخطَ اللهِ فإنَّ أجسادَكُم على النَّار لا تقوى! يقولُ المولى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بني ادم وَحَمَلْنَـٰهُمْ في ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ منَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.
هذا التَّكريمُ عبادَ اللهِ: تمثَّل في خَلْقِ اللهِ لنا في أحسنِ تقويم، ثُمَّ كرَّمَنا بالعقلِ السَّليمِ. فَقَد وجَّهنا دِينُنَا إلى المحافظةِ على عقولِنا، وأمرنا بِصيانتِها عن كلِّ ما يُخلُّ بها! وإذا حُفِظَ العقلُ حَافَظْنَا على الدِّينِ والأنفسِ والأعراضِ والأموالِ، وإذا ما أُهمِلَ العقلُ ضاعَ المِرءُ وانْحَرَفَ! ومع تلكَ الحقيقةِ الثَّابِتَةِ فقد أبى بعضُ التَّائِهينَ إلاَّ الانحطاطَ إلى دَرَكِ الذلَّةِ, فوضعوا العقلَ تحتَ أقدامِهم، واتَّبعوا شهواتِهم، في كَأْسَةِ خمرٍ، أو جُرعةِ مُخدِّرٍ، فانسلخوا من الإنسانيةِ، إلى الإجرامِ والبهيميِّةِ!
عباد الله: تُطالِعُنا وسائلُ الإعلامِ عن إحباطِ رجالِ الأمنِ تَهريبَ كَميَّاتٍ مَهُولَةٍ من الْمُخدِّراتِ والْمُسكراتِ والقبضِ على عددٍ هائِلٍ من المواطنينَ والمقيمينَ الذين سَفُلَت أُمورُهم, فَبَاعُوا دِينَهم وأهلَهم ووطنَهم بثمنٍ بَخْسٍ! فيا تُرى كم ستفسِدُ تلكَ الْمخدِّراتُ من الشَّبابِ وتهدمُ من البُيُوتِ؟ يا تُرى مَنْ ورائَها؟ منهم ضَحاياها؟ فنسألُ اللهَ أنْ يَرُدَّ كيدَ الأعداءِ في نُحورِهم وأن يفضَحَهم على رؤوسِ الأشهادِ.
ألا تَعْلَمُونَ أنَّ آفةَ المجتمعاتِ, هي الْمُسكِراتُ والمخدِّرات؟!فهي أمُّ الخبائثِ, ودوَّامةُ الضَّيَاعِ، وصَدَقَ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ . والْخَمْرُ كلُّ ما خامرَ العقلَ وَغَطَّاهُ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه وجسمُهُ وجنْسُهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : (كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ). وقَالَ :(كلُّ مُسكرٍ حرامٌ، إنَّ على اللهِ عزَّ وجلَّ عهدًا لِمَنْ يشربُ الْمُسكرَ أن يسقيَه من طينةِ الخبالِ) قالوا: يا رسولَ الله، وما طينةُ الخبالِ؟ قَالَ:(عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ) أو (عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ). سُبْحَانَ اللهِ: إنِّها نصوصُ زجْرٍ ووعيدٍ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنِّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، خلَقَ الخلائِقَ فَأَحْسَنَهَا خَلقًا، ابتلَى العبادَ فأسعدَ وأشقَى، أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعبُّدًا لهُ ورِقًّا، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله الأخيارِ وأصحابِه الأبرارِ، والتابعينَ ومن تبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ القرارِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقوى, واعلموا أنَّ الله توعَّدَ مُتعاطي الخُمُورِ والمخدِّراتِ بعقوباتٍ دنيويةٍ وأُخرَوِيَّةٍ أَفْظَعُها الَّلعنُ والطَّردُ من رحمةِ اللهِ! أَنَسِيتُم أنَّ عَواقِبَها اغتصابٌ وسَرِقَاتٌ! وقتلٌ وإجرامٌ! وتَفَكُّكٌ أُسَرِيٌّ، وطردٌ من الوظيفةِ، وفشلٌ دراسيٌّ، واكتئابٌ وَهَمٌّ، وقَلَقٌ وَغَمٌّ. ألا فلتَعْلَمُوا: أنَّ من أعظَمِ أسبابَ انتشارِ هذا البَلاءِ, ضَعفُ الإيمانِ, وَقِلَّةُ الوَازِعِ الدِّينِيِّ, قالَ اللهُ تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا . وفي الصَّحيحينِ أنَّ رسولَ اللهِ قَالَ: (وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ،). ومن أعظمِ الأسباب: أصدقاءُ السُّوءِ. فَعَشَرَاتُ التائبينَ والنَّادِمينَ يُصدِّرون قَصَصَهم: بقولهم تعرَّفتُ على قُرَنَاءِ السُّوءِ، وقالوا لي: جرِّب, خُذْ مَجَّانَاً, وهلمَّ جَرَّاً؟! وإهمالُ الوالدينِ وسوءُ التَّربيةِ وعدمُ المُتابعةِ من أعظمِ الأسبابِ، ومن أرادَ الدَّليل فَلْينظُرْ إلى شَبَابٍ وَنِسَاءٍ يَجُوبُونَ الشَّوارِعَ في ساعاتٍ مُتأخِّرَةٍ من الليل! بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ، وهكذا تَبدَأُ النِّهايَةُ؟! ومن أعظم أسبابِ انتشارِ المخدِّراتِ والمسكراتِ وتزيينِها وسائلُ الإعلام، حيث يَعرِضُونَ الفنانينَ السَّاقِطِينَ وفي يدِ أحدِهم كأسُ خمرٍ أو سيجارةُ مخدِّر, أو حَشِيشٍ! ومن الأسبابِ الفراغُ القاتلُ, والبطالةُ المقيتةُ! ولا تنسوا أنَّ بعضَ العمالةِ السَّائِبَةِ، سببٌ في انتشار المسكراتِ والمخدِّرات لرغبتهم على الأموالِ بأيِّ طريق كان!
أيُّها الكرام: وإنَّنَا لَنَقِفُ داعينَ اللهَ تعالى بالتَّوفيقِ لرجالِ مكافحةِ المخدِّراتِ ورجالِ الهيئاتِ, وَمَنْ يُشارِكُهم مِن جمعياتٍ بِجِدِّ وتضحِيَةٍ لِمُحارَبَةِ هذا الدَّاءِ العُضَالِ، والقبضِ على الْمُجرمينَ والْمروجينَ, جعل الله ذلك في ميزان حسناتِهم. وبارك في جهودهم.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وإِنَّ المُبتَلَينَ بِالمُخَدِّرَاتِ مَرضَى يَحتَاجُونَ إِلى رِّعَايَةِ وَعِلاجِ، وَغَرقَى يَتَشَوَّفُونَ إِلى مُسَاعَدَةٍ وَإِنقَاذٍ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِن فَتحِ القُلُوبِ لهم، بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَصِيحَةٍ مُخلِصَةٍ، وَأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ، كَمَا علينا أنْ نَدْعُوَ لهم. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ شَبَابَنَا، وَكُونُوا أَقوِيَاءَ بِدِينِكُم مُتَوَكِّلِينَ عَلَى رَبِّكُم، وانتَبِهُوا لأَنفُسِكُم وَاحفَظُوا أَغلَى مَا تَملِكُونَ. فاللهم أحفظ علينا دِينَنَا وأخلاقَنا، وعافِنَا في أنفسِنَا وأهلِينا، وقِنَا والمسلمينَ شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً. اللهم أحفظ بلادَنا وشبَابَنا والمسلمينَ من كلِّ شرٍّ ومكروه. اللهم وفِّق ولاةَ أمرِنَا للقضاءِ على الفسادِ والمفسدينَ واجعلهم لشرعِك مُحَكِّمينَ. اللهم قويِّ عزائِمَهُم على الْحقِّ والهدى والدِّينِ. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار. عباد اللهِ: أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.