كشف الكربة عند فقد الأحبة
ناصر ناصر
1432/04/04 - 2011/03/09 01:08AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص محاضرة فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني
الحمد لله المنفرد بالبقاء, الواحد الأحد, لا ندّ له ولا شريك له , كتب الفناء على أهل هذه الدار, وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً , جعل للمحسنين الدرجات وللمسيئين الدركات.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأزواجه وذرياته الأخيار وسلم تسليماً كثيراً متصلاً مستمراً ما تعاقب الليل والنهار.
{ يَا أيُّها الذِينَ آمنُوا اتّقوا الله حقَّ تُقاتِهِ ولا تموتُنّ إلا وأَنتُم مسْلِمُونَ }
أما بعد : فإن الله جعل الموت محتوماً على جميع العباد من الإنس والجان وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان , كل من عليها فان , ساوى فيه بين الصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير وكل ذلك بتقدير العزيز العليم: ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و الحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت , والمسلم من استسلم للقضاء والقدر , والمؤمن من تيقن بصبره الثواب على المصيبة والضرر.
أيها الأحبة ، كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم , وحدث موجع , وأمر مهول مزعج , بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر وحرقة تضطرم تحترق به الكبد ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد , لكن مع هذا نقول:
فلرب أمر محزن لك في عواقبه الرضا *ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا
كم مغبوط بنعمة هي داؤه , ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه , كم من خير منشور وشر مستور , ورب محبوب في مكروه , ومكروه في محبوب وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
لا تكره المكروه عند حلوله ****** إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها ***** لله في طي المكاره كامنة
لو استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر , فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب , وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب , والعجب كل العجب في من يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع ؟!
وأعجب منه من يطلب ممن طُبع على الضر النفع ..
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها ........ صفواً من الأقذار والأكدارِ
إنها على ذا وضعت , لا تخلو من بلية , ولا تصفو من محنة ورزية , لا ينتظر الصحيح فيها إلا السقم , والكبير إلا الهرم , والموجود إلا العدم ..
وعلى ذا مضى الناس , اجتماع وفرقة .... وميت ومولود , وبشر وأحزان
والمرء رهن مصائب ما تنقضي ........ حتى يُوسّد جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في غيره .......... ومعجّل يلقى الردى في نفسه
هل رأيتم .. بل هل سمعتم بإنسانٍ على وجه هذه الأرض لم يصب بمصيبة دقت أو جلت ؟
كما قال أحد السلف ..
ثمانية لا بد منها على الفتى ........ ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم , واجتماع وفرقة ......... وعسر ويسر , ثم سقم وعافية
أخوه السلام إن مما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
التأمل والتملّي والتدبر والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ففيهما ما تقر به الأعين , وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله , ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل , فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطى لا شك سيجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل .. وكل ذلك عنده بحكمة وكل شيء عنده بمقدار
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) "إنا لله وإنا إليه راجعون" علاج من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة , بل إنه أبلغ علاج وأنفعه للعبد في آجله وعاجله فإذا ما تحقق العبد أن نفسه وماله وأهله وولده ملك لله عز وجل قد جعلها عنده عارية فإذا أخذها منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير فهل في ذلك ضير؟؟(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).فمصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق , لا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره يوماً ما , ويأتي ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا مال .. ولكن بالحسنات والسيئات نسأله حسن المآل .. روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها , إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت : ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عزم الله علي فقلتها .. فما الخلف؟ .. قالت : فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله)
صلى الله عليه الله جل جلاله ....... ما لاح نور في البروق اللمّعِ
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍ ولا حزن ولا أذىً ولا غم , حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ). وفي سنن الترمذي : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله , حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة )
جاء في الحديث الصحيح كما في السلسلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالإذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته : "أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم .. فيقول وهو أعلم : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم .. فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع،فيقول الله جل وعلا : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد).يالها من بشارة بالموت على الإيمان لأن الله إذا أمر ببناء بيت لأحد من عبيده لابد لذلك العبد من سكنى هذا البيت في يومٍ من الأيام ( يقول الله عز وجل : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
ياله من جزاءٍ فعندك اللهم نحتسب أصفياءنا وأصدقاءنا وأحبابنا وآباءنا وأمهاتنا وأنت حسبنا ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون... فهي الصلاة والرحمة والهدى ..
يا صاحب الكرب إن الكرب منفرج ...أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحياناً . بصاحبه.........لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد الكرب ميسرة..........لا تجزعن فإن الكاشف الله
إذا بليت فثق بالله وارضَ به ..........إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحدٍ........... فحسبك الله , في كلٍ لك الله
ثانياً : ومن وسائل كشف الكربة :-
تذكر المصيبة العظمى بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكل مصيبةٍ دون مصيبتنا بموته صلى الله عليه وسلم تهون , فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى القيامة وبموته انقطعت النبوات وبموته ظهر الفساد بارتداد العرب عن الدين فهو أول انقطاع عرى الدين أو نقصانه.وفيه غاية التسلية عن كل مصيبةٍ تصيب العبد أو تحل بأمة الإسلام جمعاء ... ما من عزيز أو حبيب أو قريب أو صديق فقدناه إلا وذاق القلب من لوعة فراقه وحرقة وداعه ما الله به عليم , فهل شعرنا بهذا ونحن نستشعر موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ما ذا لو فقد الرجل أسرته كلها وقد احترق فؤاده وأدمي قلبه وأنبتت دموعه الأسى ثم تزوج بعد فترة ثم رزق بأبناء وعقب سنة مات أحد أبنائه فكيف يكون حزنه وألمه إذا قورن بالمصاب الأول ؟
أليس الخطب أهون ؟ أليست المصيبة أقل ؟ بلى ! فهكذا ينبغي أن نعزي أنفسنا كلما أصابتنا المصائب بذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعظم المصائب , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ما من مسلم إلا وأصيب بموته وفراقه ويتمنى أن يفتدي رؤيته بالدنيا جميعها يخاطبنا.
فهل تنسى في خضم ذلك الشعور أن الله أخرجك بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم من ظلمات الظلالة إلى نور الهدى والتوحيد؟ وهذا بإذن الله إنقاذ لك من الخلود في النار , أفلا يستحق رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن نحزن على موته أكثر ممن سواه ؟ ونتعزى به عن فراق من سواه ونذكره فنتمسك بسنته , ونمضي على شرعته , لننعم بعدها بصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. ولعل من فقدته في ركبهم وعندها يجمع الله الشتيتين.
أيها المصاب تذكر هذا جيداً لتحس بمصيبة فقده صلى الله عليه وسلم فتهون مصيبتك.
فاصبر لكل مصيبةٍ وتجلّد......... واعلم بأن المرء غير مخلّدِ
واصبر كما صبر الكرام فإنها...... نوبٌ تنوب اليوم , تُكشف في غدِ
أو ما ترى أن المصائب جمة ؟..... وترى المنية للعباد بمرصدِ
من لم يُصب ممن ترى بمصيبةٍ ؟ ... هذا سبيلٌ لست عنه بأوحدِ
فإذا ذكرت مصيبةً ومصابها ....... فاذكر مصابك بالنبي محمدِ
{ يَا أيُّها الذِينَ آمنُوا اتّقوا الله حقَّ تُقاتِهِ ولا تموتُنّ إلا وأَنتُم مسْلِمُونَ }
أما بعد : فإن الله جعل الموت محتوماً على جميع العباد من الإنس والجان وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان , كل من عليها فان , ساوى فيه بين الصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير وكل ذلك بتقدير العزيز العليم: ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و الحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت , والمسلم من استسلم للقضاء والقدر , والمؤمن من تيقن بصبره الثواب على المصيبة والضرر.
أيها الأحبة ، كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم , وحدث موجع , وأمر مهول مزعج , بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر وحرقة تضطرم تحترق به الكبد ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد , لكن مع هذا نقول:
فلرب أمر محزن لك في عواقبه الرضا *ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا
كم مغبوط بنعمة هي داؤه , ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه , كم من خير منشور وشر مستور , ورب محبوب في مكروه , ومكروه في محبوب وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
لا تكره المكروه عند حلوله ****** إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها ***** لله في طي المكاره كامنة
لو استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر , فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب , وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب , والعجب كل العجب في من يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع ؟!
وأعجب منه من يطلب ممن طُبع على الضر النفع ..
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها ........ صفواً من الأقذار والأكدارِ
إنها على ذا وضعت , لا تخلو من بلية , ولا تصفو من محنة ورزية , لا ينتظر الصحيح فيها إلا السقم , والكبير إلا الهرم , والموجود إلا العدم ..
وعلى ذا مضى الناس , اجتماع وفرقة .... وميت ومولود , وبشر وأحزان
والمرء رهن مصائب ما تنقضي ........ حتى يُوسّد جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في غيره .......... ومعجّل يلقى الردى في نفسه
هل رأيتم .. بل هل سمعتم بإنسانٍ على وجه هذه الأرض لم يصب بمصيبة دقت أو جلت ؟
كما قال أحد السلف ..
ثمانية لا بد منها على الفتى ........ ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم , واجتماع وفرقة ......... وعسر ويسر , ثم سقم وعافية
أخوه السلام إن مما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
التأمل والتملّي والتدبر والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ففيهما ما تقر به الأعين , وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله , ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل , فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطى لا شك سيجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل .. وكل ذلك عنده بحكمة وكل شيء عنده بمقدار
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) "إنا لله وإنا إليه راجعون" علاج من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة , بل إنه أبلغ علاج وأنفعه للعبد في آجله وعاجله فإذا ما تحقق العبد أن نفسه وماله وأهله وولده ملك لله عز وجل قد جعلها عنده عارية فإذا أخذها منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير فهل في ذلك ضير؟؟(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).فمصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق , لا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره يوماً ما , ويأتي ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا مال .. ولكن بالحسنات والسيئات نسأله حسن المآل .. روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها , إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت : ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عزم الله علي فقلتها .. فما الخلف؟ .. قالت : فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله)
صلى الله عليه الله جل جلاله ....... ما لاح نور في البروق اللمّعِ
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍ ولا حزن ولا أذىً ولا غم , حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ). وفي سنن الترمذي : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله , حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة )
جاء في الحديث الصحيح كما في السلسلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالإذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته : "أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم .. فيقول وهو أعلم : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم .. فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع،فيقول الله جل وعلا : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد).يالها من بشارة بالموت على الإيمان لأن الله إذا أمر ببناء بيت لأحد من عبيده لابد لذلك العبد من سكنى هذا البيت في يومٍ من الأيام ( يقول الله عز وجل : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
ياله من جزاءٍ فعندك اللهم نحتسب أصفياءنا وأصدقاءنا وأحبابنا وآباءنا وأمهاتنا وأنت حسبنا ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون... فهي الصلاة والرحمة والهدى ..
يا صاحب الكرب إن الكرب منفرج ...أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحياناً . بصاحبه.........لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد الكرب ميسرة..........لا تجزعن فإن الكاشف الله
إذا بليت فثق بالله وارضَ به ..........إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحدٍ........... فحسبك الله , في كلٍ لك الله
ثانياً : ومن وسائل كشف الكربة :-
تذكر المصيبة العظمى بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكل مصيبةٍ دون مصيبتنا بموته صلى الله عليه وسلم تهون , فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى القيامة وبموته انقطعت النبوات وبموته ظهر الفساد بارتداد العرب عن الدين فهو أول انقطاع عرى الدين أو نقصانه.وفيه غاية التسلية عن كل مصيبةٍ تصيب العبد أو تحل بأمة الإسلام جمعاء ... ما من عزيز أو حبيب أو قريب أو صديق فقدناه إلا وذاق القلب من لوعة فراقه وحرقة وداعه ما الله به عليم , فهل شعرنا بهذا ونحن نستشعر موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ما ذا لو فقد الرجل أسرته كلها وقد احترق فؤاده وأدمي قلبه وأنبتت دموعه الأسى ثم تزوج بعد فترة ثم رزق بأبناء وعقب سنة مات أحد أبنائه فكيف يكون حزنه وألمه إذا قورن بالمصاب الأول ؟
أليس الخطب أهون ؟ أليست المصيبة أقل ؟ بلى ! فهكذا ينبغي أن نعزي أنفسنا كلما أصابتنا المصائب بذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعظم المصائب , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ما من مسلم إلا وأصيب بموته وفراقه ويتمنى أن يفتدي رؤيته بالدنيا جميعها يخاطبنا.
فهل تنسى في خضم ذلك الشعور أن الله أخرجك بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم من ظلمات الظلالة إلى نور الهدى والتوحيد؟ وهذا بإذن الله إنقاذ لك من الخلود في النار , أفلا يستحق رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن نحزن على موته أكثر ممن سواه ؟ ونتعزى به عن فراق من سواه ونذكره فنتمسك بسنته , ونمضي على شرعته , لننعم بعدها بصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. ولعل من فقدته في ركبهم وعندها يجمع الله الشتيتين.
أيها المصاب تذكر هذا جيداً لتحس بمصيبة فقده صلى الله عليه وسلم فتهون مصيبتك.
فاصبر لكل مصيبةٍ وتجلّد......... واعلم بأن المرء غير مخلّدِ
واصبر كما صبر الكرام فإنها...... نوبٌ تنوب اليوم , تُكشف في غدِ
أو ما ترى أن المصائب جمة ؟..... وترى المنية للعباد بمرصدِ
من لم يُصب ممن ترى بمصيبةٍ ؟ ... هذا سبيلٌ لست عنه بأوحدِ
فإذا ذكرت مصيبةً ومصابها ....... فاذكر مصابك بالنبي محمدِ
ثالثاً : من وسائل كشف الكربة :-
أن يعلم المكروب المصاب علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
إن من تأمل هذه الآية وتدبرها وجد فيها شفاءً وتبديداً لجميع الكرب والأدواء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
كم من عليلٍ قد تخطاه الردى ....... فنجا ومات طبيبه والعوّدُ
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله .. ولذلك الذين علموا وتدبروا هذه الآيات عرفوا كيفية التعامل مع المصاب..
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها ....... صبر الكريم فإن ذلك أسلمُ
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ...... ثوب السكوت فإن ذلك أسلمُ
رابعاً : ومما يكشف الكربة :-
الاستعانة بالله والاتكال عليه والرضا بقضائه والتسليم لقدره , روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(ألا أحدثكم بحديث لا يحدثكم به أحد غيري ؟ قالوا : بلى .. قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً فضحك ثم قال : " أتدرون ممّ ضحكت ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .. قال صلى الله عليه وسلم : " عجبت للمؤمن , إن الله عز وجل لا يقضي قضاء إلا كان خيراً له).
فليعلم المكروب أن حظه من المصيبة ما يحدث له , فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط , من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله , فقضاء الله نافذ كالسيف وأمره واقع لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه , ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه , جعلنا الله من الراضين بقضائه وقدره.
أيها الأحبة , الله يقضي , فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط فمن استعان بالله وشكره في السراء والضراء ورضي بقدر الله انكشف كربه ورضيت نفسه فهو بحياة طيبة على كل حال , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له:
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
خامساً : ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
العلم اليقيني أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها , فالجازع يزيد مصيبته ويشمت أعداءه ويسوء أصدقاءه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه , أما إذا احتسب وصبر ورضي أخزى شيطانه وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل على إخوانه فعزاهم قبل أن يعزوه , هذا هو الثبات في الأمر نسأل الله الثبات في الحياة وفي الممات.
و إنما الصبر عند الصدمة الأولى..:
إذا أنت لم تسلُ اصطباراً و حسبة ....... سلوت على الأيام مثل البهائم
وكل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره , فإما باختيار وإما باضطرار فالكريم المؤمن يصبر مختاراً لعلمه بعاقبة الصبر وإنه يحمد عليه ويذم في المقابل على الجزع ويعلم أنه إذا لم يصبر لم يُعد عليه الجزع فائتاً ولم ينتزع منه مكروهاً والمقدور لا حيلة في دفعه وما لم يكتب لا حيلة في تحصيله.فالجزع ضره أقرب من نفعه فما دام أن آخر الأمر الصبر والعبد معه غير محمود , فما أحسن أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره.إن علم المصاب بما يعقب الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه كاشف لكربه لو تأمل ذلك.
روي عن أنس رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تنصب الموازين يوم القيامة فيؤتى بأهل الصلاة والصيام والزكاة والحج فيوفون أجورهم بالموازين , فيؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب الأجر عليه صباً بغير حساب فقرأ قوله تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وفي الترمذي مرفوعاً: ( يود أناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء).
فسبحان من يرحم ببلائه :
قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظمت .... ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ
هاهي امرأة من السلف قد مات ابنها فجاؤوا يعزونها ويقولون:
يا أمة الله , اتقي الله واصبري.
فقالت : الحمد لله و إنا لله، مصيبتي أعظم من أن أفسدها بالجزع.
والجزع وإن بلغ غايته فآخر أمر الجازع إلى الصبر اضطراراً وهو غير محمود ولا مثاب , فإنه استسلم للقدر رغم أنفه وهذا ليس من الصبر.
يذكر أن أعرابياً مات له ولد فبكى عليه بكاءً عظيماً وجزع عليه جزعاً شديداً فلما همّ أن يسلو عن هذا مات له ابن آخر فقال :
إن أفق من حزنٍ هاج حزن ......... ففؤادي ما له اليوم سكن
فكما تبلى وجوه في الثرى ...........فكذا يبلى عليهن الحزن
فطوبى للصابرين ثم طوبى ثم طوبى.
سادساً : ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
العلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة وأن السرور بها إذا أقبلت مشوب بالحذر بفراقها إذا أدبرت , وإنها لا تفرح بإقبالها فرحاً حتى تعقب بفراقها ترحاً , فعلى قدر السرور يكون الحزن.
والمفروح به اليوم هو المحزون عليه غداً , ومن بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره , ومن علم أن كل نائبة إلى انقضاء حسُن عزاؤه عند نزول البلاء: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).
سابعاً : ومما يكشف الكربة :-
العلم بتفاوت المصائب , فإن كانت المصيبة بعيدة عن الدين فهي هينة سهلة يسيرة , لأن المصيبة في الدين هي أعظم مصيبة , ومصائب الدنيا كذلك تتفاوت , فإذا حصّلت الأدنى من المصائب فتسلّ بذلك عما هو أعلى وأعظم واحمد الله على ذلك.
فإذا رأيت إنساناً لا يبالي بما أصابه في دينه من ارتكاب الذنوب و الخطايا ومن فوات الجمعة والجماعة وأوقات الطاعة وولوغٍ في المحرمات ومن انتهاكٍ للحرمات , وانتهاك لحدود الله وتجاوز لها فاعلم أنه المصاب حقاً ثم اعلم أخرى أنه ميت لا يحس بألم المصيبة ولا يشعر
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). وبعد مصيبة الدين المصيبة في النفس ثم في الأهل ثم في المال , وكلها تتفاوت وتتدرج من كل شيءٍ إذا ضيّعته عوض ...وما من الدين إن ضيعت من عوضِ
ثامناً : ومما يكشف الكربة :-
العلم بأن الدنيا فانية زائلة , وكل ما فيها يتغير ويحول ويفنى ويزول لأنها إلى الآخرة طريق وهي مزرعة للآخرة على التحقيق , إنها ألم يخفيه أمل , وأمل يحققه بإذن الله عمل , وعمل يقطعه الأجل , وعندها يجزى كل امرئٍ بما فعل , إنها الدنيا إن حلت أوحَلت , وكست أوكست , ودنت أودنت , وكم من ملكٍ رفعت له علامات , فلما علا مات.
إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً , وإن سرّت يوماً أحزنت شهوراً , وإن متعت كثيراً منعت طويلاً , لا يبقى لها حبور و لا يدوم فيها ثبور .
اليوم عندك دلّها وحديثها ....... وغداً لغيرك كفها والمعصمُ
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). وأما الآخرة فلها شأن وأي شأن ؟ يستحق شأنها أن يحسب حسابه وينظر إليه ويستعد له , وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
فهي لا تنتهي في لمحة كالحياة الدنيا وهي لا تنتهي إلى حطامٍ كالنبات البالغ أجله , بل حساب وجزاء ودوام يستحق الاهتمام (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) روى الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن قال : قال صلى الله عليه وسلم مالي وللدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها).
صبراً ! فغمسة في الجنة تنسي كل شقاء وهم وبلاء , وغمسة في النار والعياذ بالله تنسي كل لذة ونعيم.
لكل شيء إذا ما تم نقصان ....... فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ..... من سرّه زمن ساءته أزمان
كم من مؤمل أدركه الموت قبل تحقيق أمله , وكم من زرع عاش , ومات زارعه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍمِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاتَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْوَاللَّهُ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
بارك الله لي ولكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم
الخطبه الثانيه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
تذكر ما في البلاء من لطائف وفوائد , منها على سبيل المثال:
أولاً: تذكير العبد بذنوبه فربما تاب إلى الله عز وجل , فالتوبة لله تعالى أعظم عزاء له من كل شيء.
ثانياً: زوال قسوة القلب مع حدوث رقة القلب وانكسار العبد لله عز وجل وذلك ملاحظ في المصائب , وذلك والله خير من كثيرٍ من طاعات الطائعين فانكسار المذنب خير وأعظم من صولة المطيع.
ثالثاً: البلاء يوجب من العبد الرجوع إلى الله عز وجل والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة له والدعاء وهذا من أعظم فوائد البلاء، فببعض الأثر : إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه ودعاءه.
رابعاً: البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين ,ويوجب له الإقبال على الخالق الذي لا شريك له، فالمشركون وهم مشركون حكى الله عنهم إخلاص الدعاء عند الشدائد: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، فكيف بالمؤمنين ؟
خامساً: رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم فإن العبد إذا أحس بألم المصيبة رق قلبه لأهل المصائب والبلايا ورحمهم .
وأخيرا: معرفة قيمة وقدر العافية , فإن النعم لا تُعرف أقدارها إلا بعد فقدها , فلا يعرف نعمة إلا من ذاق مرارة ضدها , وبضدها تتميز الأشياء فمن تأمل هذه اللطائف زال ما به وانشرح صدره وانفرج همه بإذن ربه.
ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
برد التأسي بأهل المصائب فبذلك إطفاء لنار المصيبة ولنعلم أنه في كل قرية ومدينة بل في كل بيت , من أصيب مرة ومنهم من أصيب مراراً وليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب سيصاب يوماً بنفسه أسوة بأمثاله ممن تقدمه , فإن نظر فلن يرى يمنة إلا محنة ويسرة إلا حسرة.
فما من مصيبة أصيب بها مصاب إلا وهناك ما هو أعظم منها عند غيره،, واعلم أنه هناك من هو أعظم من مصابك , فإذا علم المصاب علم اليقين أنه لو فتش هذا العالم كله , لم يرَ إلا مبتلى بفوات محبوب أو بحصول مكروب , سري عنه , فسرور الدنيا أحلام إن أضحكت أبكت وإن سرت ساءت , وما حصل لشخص يوماً سرور إلا أعقبه شرور , فلكل فرحة ترحة , وما كان ضحك قط إلا وكان بعده بكاء , فلتعلم ولتتأمل أحوال المكروبين أيها المصاب فما مصيبتك بينهم إلا ذرة في فضاء المصائب وقطرة في بحار الكروب.
تأسَّ أطال الله عمرك بالأُلى .......... مضوا ولهم ذكر جميل مخلدُ
فلو لم يكن في الموت خير لمن مضى .. لما مات خير الأنبياء محمدُ
وأخيراً : فإن مما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
الدعاء والتضرع , واللجوء لله سبحانه وتعالى رب الأرض والسماء كاشف الضراء , وإن يصبك بسراء فلا راد للسراء، وفي السنة النبوية الغراء من الأحاديث الصحيحة ما يكشف الهم والكرب والضراء
فالدعاء الدعاء فإن الله عز وجل قال:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
يا أيها المكروب خاصة , يا أيها الناس عامة , ادعوا ربكم تضرعاً وخفية , ففيه المطمع وإليه المفزع , لا إله إلا هو من لكم غيره يجبر كسركم ؟
من لكم غيره يبدد أحزانكم ؟
من لكم غيره يؤنسكم في وحشتكم ؟
من لكم إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه ؟
من لكم غيره أعز مطلوب وأشرف مرغوب ؟
لا إله إلا هو ... أيها المصابون عليكم من الله الرحمات عدد ما سكبتم من العبرات وكظمتم من الأنات جعل الله مصابكم من الباقيات الصالحات , وأمنكم من الفزع يوم تنشر السجلات , وتقبل الله منا ومنكم وكتب لنا السعادة في الحياة والممات.
وآخر ما يكشف الكرب :-
اعلم أن الذي قدر عليك الأقدار حكيم خبير لا يفعل شيئاً عبثاً ولا يقدّر شيئاً سدىً بل هو رحيم تنوعت رحمته سبحانه وبحمده , يرحم العبد فيعطيه , ثم يرحمه فيوفقه للشكر , ثم يرحمه فيبتليه , ثم يرحمه فيوفقه للصبر ثم يرحمه فيكفر بالبلاء ذنوبه وآثامه , ثم ينمي حسناته ويرفع درجاته , ثم يرحمه فيخفف من مصيبته وطأتها , ويهون مشقتها ثم يتمم أجرها , فرحمته متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها , ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم , يا بديع السموات والأرض , يا فالق الحب والنوى , يا ذا الجلال والإكرام يا عظيم العفو , يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة , نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام , يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين , يا من عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب , وخشعت له الأصوات وفاضت له العبرات , ورغمت له الأنوف , انقطع الرجاء إلا منك , وخابت الظنون إلا فيك , وضعف الاعتماد إلا عليك , نسألك أن تكفينا ما أهمنا وما أغمنا وأن تجبر كسرنا , وأن تعظم أجرنا وأن تعيذنا من شرور أنفسنا , وأن ترحم موتانا وأن تلطف بمبتلانا , وأن ترحم غربتنا في الدنيا ومصرعنا عند الموت , ووقوفنا بين يديك وأن تقينا من ميتة السوء ومن يوم السوء وساعة السوء ,وليلة السوء وجار السوء وصاحب السوء , وأن تعيذنا من النفاق وسوء الأخلاق.
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً للمسلمين مما هم فيه وملاقوه , اللهم اكشف كروبنا ونفّس همومنا واقضِ حاجاتنا , اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك , ورضنا بقضائك , اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين , اللهم اجعل قبورهم من الجنة رياضاً.
اللهم إنهم عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك , احتاجوا لرحمتك وأنت غني عن عذابهم , اللهم زد في حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم , فأنت أرحم بهم من أمهاتهم , لا إله غيرك , ولا معبود سواك , لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أن يعلم المكروب المصاب علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
إن من تأمل هذه الآية وتدبرها وجد فيها شفاءً وتبديداً لجميع الكرب والأدواء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
كم من عليلٍ قد تخطاه الردى ....... فنجا ومات طبيبه والعوّدُ
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله .. ولذلك الذين علموا وتدبروا هذه الآيات عرفوا كيفية التعامل مع المصاب..
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها ....... صبر الكريم فإن ذلك أسلمُ
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ...... ثوب السكوت فإن ذلك أسلمُ
رابعاً : ومما يكشف الكربة :-
الاستعانة بالله والاتكال عليه والرضا بقضائه والتسليم لقدره , روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(ألا أحدثكم بحديث لا يحدثكم به أحد غيري ؟ قالوا : بلى .. قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً فضحك ثم قال : " أتدرون ممّ ضحكت ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .. قال صلى الله عليه وسلم : " عجبت للمؤمن , إن الله عز وجل لا يقضي قضاء إلا كان خيراً له).
فليعلم المكروب أن حظه من المصيبة ما يحدث له , فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط , من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله , فقضاء الله نافذ كالسيف وأمره واقع لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه , ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه , جعلنا الله من الراضين بقضائه وقدره.
أيها الأحبة , الله يقضي , فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط فمن استعان بالله وشكره في السراء والضراء ورضي بقدر الله انكشف كربه ورضيت نفسه فهو بحياة طيبة على كل حال , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له:
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
خامساً : ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
العلم اليقيني أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها , فالجازع يزيد مصيبته ويشمت أعداءه ويسوء أصدقاءه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه , أما إذا احتسب وصبر ورضي أخزى شيطانه وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل على إخوانه فعزاهم قبل أن يعزوه , هذا هو الثبات في الأمر نسأل الله الثبات في الحياة وفي الممات.
و إنما الصبر عند الصدمة الأولى..:
إذا أنت لم تسلُ اصطباراً و حسبة ....... سلوت على الأيام مثل البهائم
وكل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره , فإما باختيار وإما باضطرار فالكريم المؤمن يصبر مختاراً لعلمه بعاقبة الصبر وإنه يحمد عليه ويذم في المقابل على الجزع ويعلم أنه إذا لم يصبر لم يُعد عليه الجزع فائتاً ولم ينتزع منه مكروهاً والمقدور لا حيلة في دفعه وما لم يكتب لا حيلة في تحصيله.فالجزع ضره أقرب من نفعه فما دام أن آخر الأمر الصبر والعبد معه غير محمود , فما أحسن أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره.إن علم المصاب بما يعقب الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه كاشف لكربه لو تأمل ذلك.
روي عن أنس رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تنصب الموازين يوم القيامة فيؤتى بأهل الصلاة والصيام والزكاة والحج فيوفون أجورهم بالموازين , فيؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب الأجر عليه صباً بغير حساب فقرأ قوله تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وفي الترمذي مرفوعاً: ( يود أناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء).
فسبحان من يرحم ببلائه :
قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظمت .... ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ
هاهي امرأة من السلف قد مات ابنها فجاؤوا يعزونها ويقولون:
يا أمة الله , اتقي الله واصبري.
فقالت : الحمد لله و إنا لله، مصيبتي أعظم من أن أفسدها بالجزع.
والجزع وإن بلغ غايته فآخر أمر الجازع إلى الصبر اضطراراً وهو غير محمود ولا مثاب , فإنه استسلم للقدر رغم أنفه وهذا ليس من الصبر.
يذكر أن أعرابياً مات له ولد فبكى عليه بكاءً عظيماً وجزع عليه جزعاً شديداً فلما همّ أن يسلو عن هذا مات له ابن آخر فقال :
إن أفق من حزنٍ هاج حزن ......... ففؤادي ما له اليوم سكن
فكما تبلى وجوه في الثرى ...........فكذا يبلى عليهن الحزن
فطوبى للصابرين ثم طوبى ثم طوبى.
سادساً : ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
العلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة وأن السرور بها إذا أقبلت مشوب بالحذر بفراقها إذا أدبرت , وإنها لا تفرح بإقبالها فرحاً حتى تعقب بفراقها ترحاً , فعلى قدر السرور يكون الحزن.
والمفروح به اليوم هو المحزون عليه غداً , ومن بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره , ومن علم أن كل نائبة إلى انقضاء حسُن عزاؤه عند نزول البلاء: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).
سابعاً : ومما يكشف الكربة :-
العلم بتفاوت المصائب , فإن كانت المصيبة بعيدة عن الدين فهي هينة سهلة يسيرة , لأن المصيبة في الدين هي أعظم مصيبة , ومصائب الدنيا كذلك تتفاوت , فإذا حصّلت الأدنى من المصائب فتسلّ بذلك عما هو أعلى وأعظم واحمد الله على ذلك.
فإذا رأيت إنساناً لا يبالي بما أصابه في دينه من ارتكاب الذنوب و الخطايا ومن فوات الجمعة والجماعة وأوقات الطاعة وولوغٍ في المحرمات ومن انتهاكٍ للحرمات , وانتهاك لحدود الله وتجاوز لها فاعلم أنه المصاب حقاً ثم اعلم أخرى أنه ميت لا يحس بألم المصيبة ولا يشعر
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). وبعد مصيبة الدين المصيبة في النفس ثم في الأهل ثم في المال , وكلها تتفاوت وتتدرج من كل شيءٍ إذا ضيّعته عوض ...وما من الدين إن ضيعت من عوضِ
ثامناً : ومما يكشف الكربة :-
العلم بأن الدنيا فانية زائلة , وكل ما فيها يتغير ويحول ويفنى ويزول لأنها إلى الآخرة طريق وهي مزرعة للآخرة على التحقيق , إنها ألم يخفيه أمل , وأمل يحققه بإذن الله عمل , وعمل يقطعه الأجل , وعندها يجزى كل امرئٍ بما فعل , إنها الدنيا إن حلت أوحَلت , وكست أوكست , ودنت أودنت , وكم من ملكٍ رفعت له علامات , فلما علا مات.
إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً , وإن سرّت يوماً أحزنت شهوراً , وإن متعت كثيراً منعت طويلاً , لا يبقى لها حبور و لا يدوم فيها ثبور .
اليوم عندك دلّها وحديثها ....... وغداً لغيرك كفها والمعصمُ
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). وأما الآخرة فلها شأن وأي شأن ؟ يستحق شأنها أن يحسب حسابه وينظر إليه ويستعد له , وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
فهي لا تنتهي في لمحة كالحياة الدنيا وهي لا تنتهي إلى حطامٍ كالنبات البالغ أجله , بل حساب وجزاء ودوام يستحق الاهتمام (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) روى الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن قال : قال صلى الله عليه وسلم مالي وللدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها).
صبراً ! فغمسة في الجنة تنسي كل شقاء وهم وبلاء , وغمسة في النار والعياذ بالله تنسي كل لذة ونعيم.
لكل شيء إذا ما تم نقصان ....... فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ..... من سرّه زمن ساءته أزمان
كم من مؤمل أدركه الموت قبل تحقيق أمله , وكم من زرع عاش , ومات زارعه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍمِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاتَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْوَاللَّهُ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
بارك الله لي ولكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم
الخطبه الثانيه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
تذكر ما في البلاء من لطائف وفوائد , منها على سبيل المثال:
أولاً: تذكير العبد بذنوبه فربما تاب إلى الله عز وجل , فالتوبة لله تعالى أعظم عزاء له من كل شيء.
ثانياً: زوال قسوة القلب مع حدوث رقة القلب وانكسار العبد لله عز وجل وذلك ملاحظ في المصائب , وذلك والله خير من كثيرٍ من طاعات الطائعين فانكسار المذنب خير وأعظم من صولة المطيع.
ثالثاً: البلاء يوجب من العبد الرجوع إلى الله عز وجل والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة له والدعاء وهذا من أعظم فوائد البلاء، فببعض الأثر : إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه ودعاءه.
رابعاً: البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين ,ويوجب له الإقبال على الخالق الذي لا شريك له، فالمشركون وهم مشركون حكى الله عنهم إخلاص الدعاء عند الشدائد: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، فكيف بالمؤمنين ؟
خامساً: رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم فإن العبد إذا أحس بألم المصيبة رق قلبه لأهل المصائب والبلايا ورحمهم .
وأخيرا: معرفة قيمة وقدر العافية , فإن النعم لا تُعرف أقدارها إلا بعد فقدها , فلا يعرف نعمة إلا من ذاق مرارة ضدها , وبضدها تتميز الأشياء فمن تأمل هذه اللطائف زال ما به وانشرح صدره وانفرج همه بإذن ربه.
ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
برد التأسي بأهل المصائب فبذلك إطفاء لنار المصيبة ولنعلم أنه في كل قرية ومدينة بل في كل بيت , من أصيب مرة ومنهم من أصيب مراراً وليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب سيصاب يوماً بنفسه أسوة بأمثاله ممن تقدمه , فإن نظر فلن يرى يمنة إلا محنة ويسرة إلا حسرة.
فما من مصيبة أصيب بها مصاب إلا وهناك ما هو أعظم منها عند غيره،, واعلم أنه هناك من هو أعظم من مصابك , فإذا علم المصاب علم اليقين أنه لو فتش هذا العالم كله , لم يرَ إلا مبتلى بفوات محبوب أو بحصول مكروب , سري عنه , فسرور الدنيا أحلام إن أضحكت أبكت وإن سرت ساءت , وما حصل لشخص يوماً سرور إلا أعقبه شرور , فلكل فرحة ترحة , وما كان ضحك قط إلا وكان بعده بكاء , فلتعلم ولتتأمل أحوال المكروبين أيها المصاب فما مصيبتك بينهم إلا ذرة في فضاء المصائب وقطرة في بحار الكروب.
تأسَّ أطال الله عمرك بالأُلى .......... مضوا ولهم ذكر جميل مخلدُ
فلو لم يكن في الموت خير لمن مضى .. لما مات خير الأنبياء محمدُ
وأخيراً : فإن مما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
الدعاء والتضرع , واللجوء لله سبحانه وتعالى رب الأرض والسماء كاشف الضراء , وإن يصبك بسراء فلا راد للسراء، وفي السنة النبوية الغراء من الأحاديث الصحيحة ما يكشف الهم والكرب والضراء
فالدعاء الدعاء فإن الله عز وجل قال:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
يا أيها المكروب خاصة , يا أيها الناس عامة , ادعوا ربكم تضرعاً وخفية , ففيه المطمع وإليه المفزع , لا إله إلا هو من لكم غيره يجبر كسركم ؟
من لكم غيره يبدد أحزانكم ؟
من لكم غيره يؤنسكم في وحشتكم ؟
من لكم إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه ؟
من لكم غيره أعز مطلوب وأشرف مرغوب ؟
لا إله إلا هو ... أيها المصابون عليكم من الله الرحمات عدد ما سكبتم من العبرات وكظمتم من الأنات جعل الله مصابكم من الباقيات الصالحات , وأمنكم من الفزع يوم تنشر السجلات , وتقبل الله منا ومنكم وكتب لنا السعادة في الحياة والممات.
وآخر ما يكشف الكرب :-
اعلم أن الذي قدر عليك الأقدار حكيم خبير لا يفعل شيئاً عبثاً ولا يقدّر شيئاً سدىً بل هو رحيم تنوعت رحمته سبحانه وبحمده , يرحم العبد فيعطيه , ثم يرحمه فيوفقه للشكر , ثم يرحمه فيبتليه , ثم يرحمه فيوفقه للصبر ثم يرحمه فيكفر بالبلاء ذنوبه وآثامه , ثم ينمي حسناته ويرفع درجاته , ثم يرحمه فيخفف من مصيبته وطأتها , ويهون مشقتها ثم يتمم أجرها , فرحمته متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها , ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم , يا بديع السموات والأرض , يا فالق الحب والنوى , يا ذا الجلال والإكرام يا عظيم العفو , يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة , نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام , يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين , يا من عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب , وخشعت له الأصوات وفاضت له العبرات , ورغمت له الأنوف , انقطع الرجاء إلا منك , وخابت الظنون إلا فيك , وضعف الاعتماد إلا عليك , نسألك أن تكفينا ما أهمنا وما أغمنا وأن تجبر كسرنا , وأن تعظم أجرنا وأن تعيذنا من شرور أنفسنا , وأن ترحم موتانا وأن تلطف بمبتلانا , وأن ترحم غربتنا في الدنيا ومصرعنا عند الموت , ووقوفنا بين يديك وأن تقينا من ميتة السوء ومن يوم السوء وساعة السوء ,وليلة السوء وجار السوء وصاحب السوء , وأن تعيذنا من النفاق وسوء الأخلاق.
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً للمسلمين مما هم فيه وملاقوه , اللهم اكشف كروبنا ونفّس همومنا واقضِ حاجاتنا , اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك , ورضنا بقضائك , اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين , اللهم اجعل قبورهم من الجنة رياضاً.
اللهم إنهم عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك , احتاجوا لرحمتك وأنت غني عن عذابهم , اللهم زد في حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم , فأنت أرحم بهم من أمهاتهم , لا إله غيرك , ولا معبود سواك , لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
المشاهدات 14942 | التعليقات 3
جزاك الله خيرا شيخ ناصر ...
ولكن ألا تلاحظ معي أن الخطبة على هذه الصورة طويلة جدا جدا
في ظني أنها ستستغرق أربعين دقيقة أو خمسا وثلاثين وهذا شيء ممل ...
فلو حصل واختصرتها أكثر فإنه في رأيي أنفع
وإلا فالموضوع موضوع ممتاز والشيخ علي القرني وفقه الله كل مواضيعه ممتازة ومباركة
وفقك الله شيخ ناصر ...
أشكرك اخي الكريم/ مرور الكرام وملاحظتك
وتم إختصارالخطبة وبإمكان الخطيب ومن أراد الإستفادة منها إختصارها حسب مايريد فليست كتاب منزل..
وفقك الله لكل خير..
ناصر ناصر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
تعديل التعليق