كرم النبي صلى الله عليه وسلم
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1436/05/06 - 2015/02/25 16:22PM
الخلال النبوية (11)
كرم النبي ﷺ
8/5/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الرَّحِيمِ الْجَوَّادِ، الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ «يَدُه مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ»، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَى وَكَفَى، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَعَ وَمَا أَعْطَى ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشُّورى: 27]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزخرف: 84- 85]. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَدَّبَهُ رَبُّهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَعَلَّمَهُ فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهُ، فَكَانَ الْقُرْآنُ خُلُقَهُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4] صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَهُ لَنَا دِينًا، وَلَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهُ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْخِلَالِ الَّتِي تَفُوقُ الطَّبْعَ الْبَشَرِيَّ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى التَّدْرِيبِ وَالرِّيَاضَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَصَنُّعٌ وَلَا تَكَلُّفٌ؛ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّحِيمُ الَّذِي عَرَفَ النَّاسُ رَحْمَتَهُ، وَهُوَ الْأَمِينُ الَّذِي عَرَفُوا أَمَانَتَهُ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الَّذِي عَرَفُوا كَرَمَهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ صِفَاتِهِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ.
وَإِذَا كَانَ الْكَرَمُ مِنْ أَعْلَى المَحَاسِنِ، وَهُوَ سِتْرُ المَعَايِبِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ خِصَالَ الْكَرَمِ كُلَّهَا، وَأَتَى بِأَعْلَاهَا وَأَحْسَنِهَا، وَبَقِيَ أَثَرُ كَرَمِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ أَبَدًا، وَكَانَ مَا بَذَلَ أَنْفَعَ بَذْلٍ وَأَبْقَى لِمَبْذُولٍ لَهُ. ولَمْ تَسْمَعِ النَّاسُ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْكَرَمِ فَذَكَرُوهَا إِعْجَابًا بِهَا إِلَّا وَفِي سِيرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهَا. وَصَفَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- شَيْئًا مِنْ كَرَمِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَدْ رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كُرَمَاءَ، وَسَمِعَ قَصَصَ الْكُرَمَاءِ، وَعَرَفَ أَحْوَالَهُمْ، وَحَفِظَ أَخْبَارَهُمْ، فَلَمَّا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَهُمَا عَايَشَاهُ وَرَأَيَاهُ، وَيَعْرِفَانِ عَنِ الْكَرَمِ وَالْكُرَمَاءِ مَا يَمَلَأُ بُطُونَ الْكُتُبِ. وَمَعَ ذَلِكَ يُطْلِقَانِ إِطْلَاقًا جَازِمًا: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ» لِيَشْمَلَ لَفْظُ النَّاسِ كُلَّ إِنْسَانٍ.
هُنَا.. وَهُنَا فَقَطْ يَتَلَاشَى كُلُّ كَرَمٍ بَشَرِيٍّ فَيَصِيرُ أَمَامَ كَرَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ.
اشْتُهِرَ حَاتِمُ طَيٍّ بِالْكَرَمِ حَتَّى غَدَا مَثَلًا عَلَيْهِ؛ فَمَنْ مَدَحَ أَحَدًا بِالْكَرَمِ قَالَ: أَكْرَمُ مِنْ حَاتِمٍ. وَمِنْ أَعْجَبِ أَخْبَارِهِ المَرْوِيَّةِ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ ثَلَاثَةٌ فَنَحَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاقَةً، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنَّمَا أَرَدْنَا اللَّبَنَ، وَكَانَتْ تَكْفِينَا بَكْرَةٌ إِذَا كُنْتَ لَا بُدَّ مُتَكَلِّفًا لَنَا شَيْئًا، فَقَالَ حَاتِمٌ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً، وَأَلْوَانًا مُتَفَرِّقَةً، فَظَنَنْتُ أَنَّ الْبُلْدَانَ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، وَأَرَدْتُ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا رَأَى إِذَا أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا فِيهِ أَشْعَارًا امْتَدَحُوهُ بِهَا، وَذَكَرُوا فَضْلَهُ، فَعَقَرَ نُوقَ أَبِيهِ كُلَّهَا لَهُمْ؛ جَزَاءَ مَدْحِهِمْ لَهُ... هَذَا فِعْلُ أَشْهَرِ الْعَرَبِ فِي الْكَرَمِ، وَفَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُذْكَرَ وَيُشْهَرَ، وَقَدْ نَالَ مَا طَلَبَ! فَصَارَ يُضْرَبُ بِكَرَمِهِ المَثَلُ. وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ. يَعْنِي الذِّكْرَ».
وَفِي مُقَابِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْكَرَمِ الْحَاتِمِيِّ نَرَى شَيْئًا مِنْ كَرَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ:
فَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا قَطُّ، قَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَسْتَعْظِمُ مَا أَعْطَى وَلَا يَسْتَكْثِرُهُ؛ قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَمَنْ مِنَ الْكُرَمَاءِ قَدْ نُقِلَ فِي سِيرَةِ كَرَمِهِ أَنَّهُ بَذَلَ لِأَحَدٍ وَادِيًا مَمْلُوءًا غَنَمًا لَا يَرُدُّهَا إِلَّا جَبَلٌ فِي أَوَّلِهَا وَجَبَلٌ فِي آخِرِهَا؟!
وَلِعِلْمِ النَّاسِ بِكَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يُرِيدُونَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْعِضَاهُ: كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ. فَلْنَتَخَيَّلْ إِبِلًا وَغَنَمًا بِعَدَدِ الشَّجَرِ، يُقْسِمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ سَيَقْسِمُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يُبْقِي مِنْهَا شَيْئًا، فَأَيُّ كَرَمٍ هَذَا؟!
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ فِي عَطَائِهِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُهُ، بَلْ يُبَادِرُ بِتَفْرِيقِ مَا يَأْتِيهِ مِنْ مَالٍ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ، قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شيئًا لِغَدٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
لِنَتَخَيَّلْ جَبَلًا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يُفَرِّقُهُ صَاحِبُهُ فِي ثَلَاثِ لِيَالٍ فَقَطْ. فَأَيُّ كَرَمٍ هَذَا؟!
إِنَّهُ يُفَرِّقُ مَا يَأْتِيهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَقُولُ أُمْسِكُهُ لَعَلِّي أَحْتَاجُ، أَوْ لَعَلَّ صَاحِبَ حَاجَةٍ يَأْتِينِي وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ، وَأَعْلَى التَّوَكُّلِ، فَإِذَا نَسِيَ شَيْئًا مِنْ مَالٍ عِنْدَهُ فَمَا ظَنُّكُمْ أَنَّهُ فَاعِلٌ؟!
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ -أَيْ: ذَهَبٍ- عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ يُعْطِي مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، بَلْ أَجْزَلَ الْعَطَاءَ لِقَوْمٍ نَاصَبُوهُ الْعَدَاءَ، وَرَفَعُوا فِي وَجْهِهِ السِّلَاحَ، وَصَدُّوا عَنْ دَعْوَتِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلْدَتِهِ. مَا أَعْطَاهُمْ إِلَّا لِيُنْقِذَهُمْ مِنَ النَّارِ، فَلَمْ يَنْتَقِمْ مِنْهُمْ بِقَتْلِهِمْ، وَلَمْ يَنْتَصِرْ مِنْهُمْ بِتَرْكِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِمْ، بَلْ أَغْرَقَهُمْ بِالمَالِ لِيَطْرُدَ وَحْشَتَهُمْ، وَيُرَوِّضَ شَيْطَنَتَهُمْ، وَيُمَكِّنَ الْإِيمَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَكَانَ كَرَمُهُ كَرَمًا عَلَى كَرَمٍ عَلَى كَرَمٍ، لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَهُ بَشَرٌ غَيْرُهُ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ المُؤَلَّفَةَ قُلُوبِهِمُ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ أَكْرَمَ المُؤْمِنِينَ حَقًّا بِتَزْكِيَتِهِمْ، وَالشَّهَادَةِ بِإِيمَانِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ كَرَمٍ بَقِيَ لَهُمْ، فَفَنِيَ المَالُ وَأَهْلُهُ، وَبَقِيَتْ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ زَكَّى، وَنَحْنُ الْآنَ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْقُرُونِ الطَّوِيلَةِ مِنْ صُدُورِهَا، ذَكَرَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ سَبْيٍ- فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَوَاللَّـهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» قَالَ عَمْرٌو: فَوَاللَّـهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَرِحَ عَمْرٌو بِهَذِهِ التَّزْكِيَةِ، وَقَدَّمَهَا عَلَى المَالِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَازَهُ المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ؛ لِأَنَّهَا تَزْكِيَةُ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ يَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِيُجْزِلَ عَطَاءَهُ، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَعْطَاهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي اشْتَرَى، فَعَادَ بِالثَّمَنِ وَالسِّلْعَةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا، فَجَعَلَ لِي ظَهْرَهُ حَتَّى أَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أَتَيْتُهُ بِالْبَعِيرِ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَحِقَنِي، قَالَ: قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، دَفَعَ إِلَيَّ الْبَعِيرَ، وَقَالَ: «هُوَ لَكَ»، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَعْجَبُ، قَالَ: فَقَالَ: اشْتَرَى مِنْكَ الْبَعِيرَ، وَدَفَعَ إِلَيْكَ الثَّمَنَ، وَوَهَبَهُ لَكَ؟! قَالَ: قُلْتُ: «نَعَمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ إِنْ سُئِلَ لِبَاسًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ بَذَلَهُ لِسَائِلِهِ وَلَا يَتَوَانَى فِي ذَلِكَ، وَلَا يَسْأَلُهُ لِمَاذَا يُرِيدُ لِبَاسَهُ، عَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا... قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا! قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ؟! قَالَ: إِنِّي وَاللَّـهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
هَذَا جُزْءٌ مِنْ كَرَمِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُدَانِيهِ كَرَمُ بَشَرٍ مَهْمَا بَلَغَ كَرَمُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُمَاثِلَهُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: كَرَمُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخْتَلِفُ عَنْ كَرَمِ غَيْرِهِمْ، وَكَرَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَاسُ بِكَرَمِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ أَعْظَمَ شَيْءٍ يُبْذَلُ، وَتَحَمَّلَ فِي بَذْلِهِ كُلَّ المَخَاطِرِ، وَكُلَّ الْأَذَى؛ فَكَادَ أَنْ يُقْتَلَ فِيمَا بَذَلَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُجِّرَ مِنْ بَلَدِهِ بِسَبَبِ مَا بَذَلَ، وَعُذِّبَ أَصْحَابُهُ بِهِ وَجُوِّعُوا وَحُوصِرُوا، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى بَذْلِ الدِّينِ لِلنَّاسِ.
إِنَّ بَذْلَ كَرِيمٍ مِنَ الْكُرَمَاءِ قَدْ يَبْلُغُ ذَبْحَ نَاقَتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا، أَوْ فَرَسِهِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا، أَوْ شَاتِهِ الَّتِي يَحْلُبُهَا، وَقَدْ يَجُودُ الْكَرِيمُ بِنَفْسِهِ لِدَفْعِ مَظْلِمَةٍ عَنْ مَظْلُومٍ. وَكُلُّ مَنْ جَادَ بِمَالٍ أَوْ مَتَاعٍ فَإِنَّمَا جَادَ بِشَيْءٍ يَفْنَى، وَانْتِفَاعُهُ بِهِ يَنْتَهِي وَلَا يَبْقَى، وَصَاحِبُهُ الَّذِي انْتَفَعَ بِجُودِهِ يَمُوتُ، فَهُوَ كَرَمٌ يَبْقَى مَعَهُ الذِّكْرُ الْحَسَنُ.
أَمَّا جُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ فَهُوَ جُودٌ يَبْقَى انْتِفَاعُ صَاحِبِهِ بِهِ وَلَا يَفْنَى، وَعَاقِبَتُهُ خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ؛ وَلِذَا كَانَتِ المَوْعِظَةُ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا يَبْقَى وَالمَالُ يَفْنَى.
لَقَدْ أَكْرَمَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ الصَّحِيحِ فَعَلَّمَنَا إِيَّاهُ، وَمِمَّا عَلَّمَنَا مِنَ الدِّينِ أَنْ نُكْرِمَ غَيْرَنَا، وَنَجُودَ بِمَا فِي أَيْدِينَا؛ لِيُخْلِفَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَقَدْ كَانَ الْكُرَمَاءُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَبْذُلُونَ مَا يَبْذُلُونَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ إِمَّا طَلَبًا لِلشُّهْرَةِ أَوْ لِسَعَادَةٍ يَجِدُهَا الْكَرِيمُ حِينَمَا يُكْرِمُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى. وَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ جَادَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى وَمَنْ جَادَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ مَنْ جَادَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى مَعَ حُبِّهِ لِمَا جَادَ بِهِ؛ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّـهِ تَعَالَى وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ مَا تَرْخُصُ مَعَهُ الدُّنْيَا، وَتَهُونُ مَعَهُ الْأَمْوَالُ، وَتَصْغُرُ مَعَهُ المَدَائِحُ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْكَرَمِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ كَرَمِ النَّاسِ الْيَوْمَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَيُرَادُ بِهِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، حَتَّى تُقَالَ فِي الْكَرِيمِ أَشْعَارٌ، وَتَسْمَعَ بِكَرَمِهِ النَّاسُ. وَرُبَّمَا تَعَدَّى إِلَى السَّرَفِ المَذْمُومِ فِي الْوَلَائِمِ الْبَاذِخَةِ بِأَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي إِذَا أَشْبَعَ بَاذِلُهَا نَهْمَتَهُ مِنْ مَدَائِحِ النَّاسِ رَمَى بِهَا فِي الْبَرَارِي أَوْ فِي النُّفَايَاتِ، وَفِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مُسْلِمُونَ يَتَضَوَّرُونَ جُوعًا، وَيُعَانُونَ بُؤْسًا وَظُلْمًا وَحِرْمَانًا. وَلَتُسْلَبَنَّ هَذِهِ النِّعَمُ مِمَّنْ يَسْتَهِينُ بِهَا، وَيَجْعَلُهَا مَيْدَانًا لِلْمُفَاخَرَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَسَيَعُودُ مَا ابْتَغَى مِنَ المَدْحِ ذَمًّا عَلَيْهِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّـهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْإِسْرَافِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ.
فَلْنَتَأَسَّ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْكَرَمِ، وَأَنْ نَضَعَ بَذْلَنَا فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ مَرْضَاةَ اللَّـهِ تَعَالَى، لَا مَدَائِحَ النَّاسِ وَأَقْوَالَهُمْ؛ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلَّـهِ تَعَالَى يَبْقَى، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ يَذْهَبُ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
كرم النبي ﷺ
8/5/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الرَّحِيمِ الْجَوَّادِ، الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ «يَدُه مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ»، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَى وَكَفَى، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَعَ وَمَا أَعْطَى ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشُّورى: 27]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزخرف: 84- 85]. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَدَّبَهُ رَبُّهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَعَلَّمَهُ فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهُ، فَكَانَ الْقُرْآنُ خُلُقَهُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4] صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَهُ لَنَا دِينًا، وَلَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهُ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْخِلَالِ الَّتِي تَفُوقُ الطَّبْعَ الْبَشَرِيَّ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى التَّدْرِيبِ وَالرِّيَاضَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَصَنُّعٌ وَلَا تَكَلُّفٌ؛ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّحِيمُ الَّذِي عَرَفَ النَّاسُ رَحْمَتَهُ، وَهُوَ الْأَمِينُ الَّذِي عَرَفُوا أَمَانَتَهُ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الَّذِي عَرَفُوا كَرَمَهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ صِفَاتِهِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ.
وَإِذَا كَانَ الْكَرَمُ مِنْ أَعْلَى المَحَاسِنِ، وَهُوَ سِتْرُ المَعَايِبِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ خِصَالَ الْكَرَمِ كُلَّهَا، وَأَتَى بِأَعْلَاهَا وَأَحْسَنِهَا، وَبَقِيَ أَثَرُ كَرَمِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ أَبَدًا، وَكَانَ مَا بَذَلَ أَنْفَعَ بَذْلٍ وَأَبْقَى لِمَبْذُولٍ لَهُ. ولَمْ تَسْمَعِ النَّاسُ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْكَرَمِ فَذَكَرُوهَا إِعْجَابًا بِهَا إِلَّا وَفِي سِيرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهَا. وَصَفَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- شَيْئًا مِنْ كَرَمِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَدْ رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كُرَمَاءَ، وَسَمِعَ قَصَصَ الْكُرَمَاءِ، وَعَرَفَ أَحْوَالَهُمْ، وَحَفِظَ أَخْبَارَهُمْ، فَلَمَّا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَهُمَا عَايَشَاهُ وَرَأَيَاهُ، وَيَعْرِفَانِ عَنِ الْكَرَمِ وَالْكُرَمَاءِ مَا يَمَلَأُ بُطُونَ الْكُتُبِ. وَمَعَ ذَلِكَ يُطْلِقَانِ إِطْلَاقًا جَازِمًا: «كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ» لِيَشْمَلَ لَفْظُ النَّاسِ كُلَّ إِنْسَانٍ.
هُنَا.. وَهُنَا فَقَطْ يَتَلَاشَى كُلُّ كَرَمٍ بَشَرِيٍّ فَيَصِيرُ أَمَامَ كَرَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ.
اشْتُهِرَ حَاتِمُ طَيٍّ بِالْكَرَمِ حَتَّى غَدَا مَثَلًا عَلَيْهِ؛ فَمَنْ مَدَحَ أَحَدًا بِالْكَرَمِ قَالَ: أَكْرَمُ مِنْ حَاتِمٍ. وَمِنْ أَعْجَبِ أَخْبَارِهِ المَرْوِيَّةِ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ ثَلَاثَةٌ فَنَحَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاقَةً، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنَّمَا أَرَدْنَا اللَّبَنَ، وَكَانَتْ تَكْفِينَا بَكْرَةٌ إِذَا كُنْتَ لَا بُدَّ مُتَكَلِّفًا لَنَا شَيْئًا، فَقَالَ حَاتِمٌ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً، وَأَلْوَانًا مُتَفَرِّقَةً، فَظَنَنْتُ أَنَّ الْبُلْدَانَ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، وَأَرَدْتُ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا رَأَى إِذَا أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا فِيهِ أَشْعَارًا امْتَدَحُوهُ بِهَا، وَذَكَرُوا فَضْلَهُ، فَعَقَرَ نُوقَ أَبِيهِ كُلَّهَا لَهُمْ؛ جَزَاءَ مَدْحِهِمْ لَهُ... هَذَا فِعْلُ أَشْهَرِ الْعَرَبِ فِي الْكَرَمِ، وَفَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُذْكَرَ وَيُشْهَرَ، وَقَدْ نَالَ مَا طَلَبَ! فَصَارَ يُضْرَبُ بِكَرَمِهِ المَثَلُ. وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ. يَعْنِي الذِّكْرَ».
وَفِي مُقَابِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْكَرَمِ الْحَاتِمِيِّ نَرَى شَيْئًا مِنْ كَرَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ:
فَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا قَطُّ، قَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَسْتَعْظِمُ مَا أَعْطَى وَلَا يَسْتَكْثِرُهُ؛ قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَمَنْ مِنَ الْكُرَمَاءِ قَدْ نُقِلَ فِي سِيرَةِ كَرَمِهِ أَنَّهُ بَذَلَ لِأَحَدٍ وَادِيًا مَمْلُوءًا غَنَمًا لَا يَرُدُّهَا إِلَّا جَبَلٌ فِي أَوَّلِهَا وَجَبَلٌ فِي آخِرِهَا؟!
وَلِعِلْمِ النَّاسِ بِكَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يُرِيدُونَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْعِضَاهُ: كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ. فَلْنَتَخَيَّلْ إِبِلًا وَغَنَمًا بِعَدَدِ الشَّجَرِ، يُقْسِمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ سَيَقْسِمُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يُبْقِي مِنْهَا شَيْئًا، فَأَيُّ كَرَمٍ هَذَا؟!
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ فِي عَطَائِهِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُهُ، بَلْ يُبَادِرُ بِتَفْرِيقِ مَا يَأْتِيهِ مِنْ مَالٍ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ، قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شيئًا لِغَدٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
لِنَتَخَيَّلْ جَبَلًا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يُفَرِّقُهُ صَاحِبُهُ فِي ثَلَاثِ لِيَالٍ فَقَطْ. فَأَيُّ كَرَمٍ هَذَا؟!
إِنَّهُ يُفَرِّقُ مَا يَأْتِيهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَقُولُ أُمْسِكُهُ لَعَلِّي أَحْتَاجُ، أَوْ لَعَلَّ صَاحِبَ حَاجَةٍ يَأْتِينِي وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ، وَأَعْلَى التَّوَكُّلِ، فَإِذَا نَسِيَ شَيْئًا مِنْ مَالٍ عِنْدَهُ فَمَا ظَنُّكُمْ أَنَّهُ فَاعِلٌ؟!
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ -أَيْ: ذَهَبٍ- عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ يُعْطِي مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، بَلْ أَجْزَلَ الْعَطَاءَ لِقَوْمٍ نَاصَبُوهُ الْعَدَاءَ، وَرَفَعُوا فِي وَجْهِهِ السِّلَاحَ، وَصَدُّوا عَنْ دَعْوَتِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلْدَتِهِ. مَا أَعْطَاهُمْ إِلَّا لِيُنْقِذَهُمْ مِنَ النَّارِ، فَلَمْ يَنْتَقِمْ مِنْهُمْ بِقَتْلِهِمْ، وَلَمْ يَنْتَصِرْ مِنْهُمْ بِتَرْكِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِمْ، بَلْ أَغْرَقَهُمْ بِالمَالِ لِيَطْرُدَ وَحْشَتَهُمْ، وَيُرَوِّضَ شَيْطَنَتَهُمْ، وَيُمَكِّنَ الْإِيمَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَكَانَ كَرَمُهُ كَرَمًا عَلَى كَرَمٍ عَلَى كَرَمٍ، لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَهُ بَشَرٌ غَيْرُهُ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ المُؤَلَّفَةَ قُلُوبِهِمُ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ أَكْرَمَ المُؤْمِنِينَ حَقًّا بِتَزْكِيَتِهِمْ، وَالشَّهَادَةِ بِإِيمَانِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ كَرَمٍ بَقِيَ لَهُمْ، فَفَنِيَ المَالُ وَأَهْلُهُ، وَبَقِيَتْ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ زَكَّى، وَنَحْنُ الْآنَ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْقُرُونِ الطَّوِيلَةِ مِنْ صُدُورِهَا، ذَكَرَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ سَبْيٍ- فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَوَاللَّـهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» قَالَ عَمْرٌو: فَوَاللَّـهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَرِحَ عَمْرٌو بِهَذِهِ التَّزْكِيَةِ، وَقَدَّمَهَا عَلَى المَالِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَازَهُ المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ؛ لِأَنَّهَا تَزْكِيَةُ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ يَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِيُجْزِلَ عَطَاءَهُ، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَعْطَاهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي اشْتَرَى، فَعَادَ بِالثَّمَنِ وَالسِّلْعَةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا، فَجَعَلَ لِي ظَهْرَهُ حَتَّى أَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أَتَيْتُهُ بِالْبَعِيرِ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَحِقَنِي، قَالَ: قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، دَفَعَ إِلَيَّ الْبَعِيرَ، وَقَالَ: «هُوَ لَكَ»، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَعْجَبُ، قَالَ: فَقَالَ: اشْتَرَى مِنْكَ الْبَعِيرَ، وَدَفَعَ إِلَيْكَ الثَّمَنَ، وَوَهَبَهُ لَكَ؟! قَالَ: قُلْتُ: «نَعَمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمِنْ كَرَمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ إِنْ سُئِلَ لِبَاسًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ بَذَلَهُ لِسَائِلِهِ وَلَا يَتَوَانَى فِي ذَلِكَ، وَلَا يَسْأَلُهُ لِمَاذَا يُرِيدُ لِبَاسَهُ، عَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا... قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا! قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ؟! قَالَ: إِنِّي وَاللَّـهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
هَذَا جُزْءٌ مِنْ كَرَمِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُدَانِيهِ كَرَمُ بَشَرٍ مَهْمَا بَلَغَ كَرَمُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُمَاثِلَهُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: كَرَمُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخْتَلِفُ عَنْ كَرَمِ غَيْرِهِمْ، وَكَرَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَاسُ بِكَرَمِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ أَعْظَمَ شَيْءٍ يُبْذَلُ، وَتَحَمَّلَ فِي بَذْلِهِ كُلَّ المَخَاطِرِ، وَكُلَّ الْأَذَى؛ فَكَادَ أَنْ يُقْتَلَ فِيمَا بَذَلَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُجِّرَ مِنْ بَلَدِهِ بِسَبَبِ مَا بَذَلَ، وَعُذِّبَ أَصْحَابُهُ بِهِ وَجُوِّعُوا وَحُوصِرُوا، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى بَذْلِ الدِّينِ لِلنَّاسِ.
إِنَّ بَذْلَ كَرِيمٍ مِنَ الْكُرَمَاءِ قَدْ يَبْلُغُ ذَبْحَ نَاقَتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا، أَوْ فَرَسِهِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا، أَوْ شَاتِهِ الَّتِي يَحْلُبُهَا، وَقَدْ يَجُودُ الْكَرِيمُ بِنَفْسِهِ لِدَفْعِ مَظْلِمَةٍ عَنْ مَظْلُومٍ. وَكُلُّ مَنْ جَادَ بِمَالٍ أَوْ مَتَاعٍ فَإِنَّمَا جَادَ بِشَيْءٍ يَفْنَى، وَانْتِفَاعُهُ بِهِ يَنْتَهِي وَلَا يَبْقَى، وَصَاحِبُهُ الَّذِي انْتَفَعَ بِجُودِهِ يَمُوتُ، فَهُوَ كَرَمٌ يَبْقَى مَعَهُ الذِّكْرُ الْحَسَنُ.
أَمَّا جُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ فَهُوَ جُودٌ يَبْقَى انْتِفَاعُ صَاحِبِهِ بِهِ وَلَا يَفْنَى، وَعَاقِبَتُهُ خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ؛ وَلِذَا كَانَتِ المَوْعِظَةُ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا يَبْقَى وَالمَالُ يَفْنَى.
لَقَدْ أَكْرَمَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينِ الصَّحِيحِ فَعَلَّمَنَا إِيَّاهُ، وَمِمَّا عَلَّمَنَا مِنَ الدِّينِ أَنْ نُكْرِمَ غَيْرَنَا، وَنَجُودَ بِمَا فِي أَيْدِينَا؛ لِيُخْلِفَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَقَدْ كَانَ الْكُرَمَاءُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَبْذُلُونَ مَا يَبْذُلُونَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ إِمَّا طَلَبًا لِلشُّهْرَةِ أَوْ لِسَعَادَةٍ يَجِدُهَا الْكَرِيمُ حِينَمَا يُكْرِمُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى. وَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ جَادَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى وَمَنْ جَادَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ مَنْ جَادَ لِأَجْلِ اللَّـهِ تَعَالَى مَعَ حُبِّهِ لِمَا جَادَ بِهِ؛ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّـهِ تَعَالَى وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ مَا تَرْخُصُ مَعَهُ الدُّنْيَا، وَتَهُونُ مَعَهُ الْأَمْوَالُ، وَتَصْغُرُ مَعَهُ المَدَائِحُ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْكَرَمِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ كَرَمِ النَّاسِ الْيَوْمَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَيُرَادُ بِهِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، حَتَّى تُقَالَ فِي الْكَرِيمِ أَشْعَارٌ، وَتَسْمَعَ بِكَرَمِهِ النَّاسُ. وَرُبَّمَا تَعَدَّى إِلَى السَّرَفِ المَذْمُومِ فِي الْوَلَائِمِ الْبَاذِخَةِ بِأَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي إِذَا أَشْبَعَ بَاذِلُهَا نَهْمَتَهُ مِنْ مَدَائِحِ النَّاسِ رَمَى بِهَا فِي الْبَرَارِي أَوْ فِي النُّفَايَاتِ، وَفِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مُسْلِمُونَ يَتَضَوَّرُونَ جُوعًا، وَيُعَانُونَ بُؤْسًا وَظُلْمًا وَحِرْمَانًا. وَلَتُسْلَبَنَّ هَذِهِ النِّعَمُ مِمَّنْ يَسْتَهِينُ بِهَا، وَيَجْعَلُهَا مَيْدَانًا لِلْمُفَاخَرَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَسَيَعُودُ مَا ابْتَغَى مِنَ المَدْحِ ذَمًّا عَلَيْهِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّـهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْإِسْرَافِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ.
فَلْنَتَأَسَّ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْكَرَمِ، وَأَنْ نَضَعَ بَذْلَنَا فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ مَرْضَاةَ اللَّـهِ تَعَالَى، لَا مَدَائِحَ النَّاسِ وَأَقْوَالَهُمْ؛ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلَّـهِ تَعَالَى يَبْقَى، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ يَذْهَبُ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
الخلال النبوية 11 مشكولة.doc
الخلال النبوية 11 مشكولة.doc
الخلال النبوية 11.doc
الخلال النبوية 11.doc
المشاهدات 3964 | التعليقات 4
[align=justify]
جزاك الله خيرًا شيخ إبراهيم على هذه الكلمات المباركات ، وعسى الله أن ينفع بها ، وقد ذكرتني خطبة كتبتها منذ سنيات قليلة في هذا الموضوع بعنوان ( نبي يحثو المال حثوًا) ، وهي هنا لمن أراد الاطلاع عليها :
https://khutabaa.com/forums/موضوع/135683
[/align]
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
ولكن تبقى إشكالية طول الخطبه تمنع في كثير من الأحاين من إلقآئها أو إختصارها
نفع الله بعلمكم
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
الدهيسي الدهيسي
أسأل الله لكم صلاح النية والذرية
تعديل التعليق