كثرة طرق الخير


أيها المسلمون:
قال الله تعالى-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اركَعوا وَاسجُدوا وَاعبُدوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [الحج: ٧٧]، وقال -تعالى-: ﴿وَما تُنفِقوا مِن خَيرٍ فَلِأَنفُسِكُم﴾ [البقرة: ٢٧٢]، وقال -تعالى-: ﴿فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧-٨]، فعل الخير وعمل الخير لفظٌ قليل ولكن معناه واسع، فالخير كلمةٌ جامعة لخصال الكمال والرفعة، تصل المؤمن بربه، وتصل ما بينه وبين الناس جميعًا؛ إن أسمى الغايات وأشرف المقاصد: أن يحرص الإنسان على فعل الخير ويسارع إليه، وأن يبتعد عن الشر وعن اقتراف الإثم و بهذا تتكامل شخصيته وتزداد محبته في قلوب الناس.
إن أي خير لا يخفى على الله سبحانه وسوف يجازى به صاحبه: ﴿وَما تَفعَلوا مِن خَيرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢١٥]، ﴿وَما تَفعَلوا مِن خَيرٍ يَعلَمهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٧]، ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفسِهِ ﴾ [الجاثية: ١٥]، الإسلام يجعل وجهة المسلم متجهة دائمًا وأبدًا إلى فعل الخير  والمسابقة إليه وقد أوحى الله إلى أنبيائه فعل الخيرات، وإلى المسارعة في ميادينها قال -تعالى-: ﴿وَجَعَلناهُم أَئِمَّةً يَهدونَ بِأَمرِنا وَأَوحَينا إِلَيهِم فِعلَ الخَيراتِ﴾ [الأنبياء: ٧٣]، وقال تعالى عن زكريا وأهل بيته: ﴿إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ﴾ [الأنبياء: ٩٠]، كما أمر الله عباده بأن يستبقوا إلى الخيرات قال -تعالى-: ﴿وَلِكُلٍّ وِجهَةٌ هُوَ مُوَلّيها فَاستَبِقُوا الخَيراتِ﴾ [البقرة: ١٤٨]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا) رواه البخاري.
أيها المسلمون:
الخير الذي رغبنا الله جل جلاله، ورسوله -صلوات وسلامه عليه-، أن نتسابق إليه ونتنافس فيه ينتظم كلَّ برٍ وإحسان، ويشملُ كلَّ طاعة وقربة؛ والسعيد هو الذي يضرب من كل خير بسهم، ويستغلُ مواسمَ عمره في زيادة أرصدته عند ربه أحوجَ ما يكون للحسنة الواحدة.
وإليكم بعضًا من صنوف الخير وطرقه وشعبه، فمن صنوف الخير: طلاقة الوجه، والتبسم في وجه المسلم روى مسلم قول النبي ﷺ: (لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلْق)، وغير خافٍ عليك أيها المسلم الكريم أثرَ البشاشة في وجوه الناس، فاحرص على ذلك وبخاصة إذا كنت معلمًا أو طبيبًا أو موظفًا، فإنك تكسب بذلك قلوب الناس، وتنال محبتهم، ودعاءهم لك بظهر الغيب، وأنت لا تخسر شيئًا، وقد ورد في الحديث أن رسول الله ﷺ قال: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسطُ الوجه وحسن الخلق) رواه أبو يعلى والبزار.
ومن طرق الخير البكورُ إلى المساجد، والمحافظة على أداء الصلاة جماعة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنة نزلًا كلما غدا أو راح)، والمراد بالنزل: القوت والرزق وما يهيأ للضيف.
ما أحسن أن يعود المسلم نفسه على البكور إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما انتظر الصلاة، وهو في ضيافة الله تبارك وتعالى، وهو أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وهو الذي يتقبل من المتقين، فاقبلوا معشر المسلمين ضيافة الله، وبكروا إلى بيوته، فسوف تجدون الضيافة والقرى من ربكم الكريم.
ومن طرق الخير الإحسان إلى الناس بالقول أو الفعل قال -تعالى-:﴿وَقولوا لِلنّاسِ حُسنًا﴾ [البقرة: ٨٣]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم: أي رآه في المنام فرؤيا الأنبياء وحي من الله، وفي رواية له: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له).
وإله مما يؤذي المسلمين ترك بقايا البناء فبقاء هذه الأشياء يضيق على المسلمين طريقهم. ومن الأذى أن يأتي المسلم إلى المسجد وقد أكل بصلًا أو ثومًا ويلحق بذلك من يأتي للصلاة وقد شرب الدخان فيتأذى منه إخوانه بالإضافة إلى تأذي الملائكة؛ فيا أيها المسلم الكريم احذر التدخين ليسلم دينك ومالك ولتسلم صحتك، وإن كنت مبتلى فلا تؤذ إخوانك وسل الله العافية.
إن الإنصاف من النفس عزيز، وإلا لو أنصف الإنسان من نفسه لاستراح إخوانه.
ومن طرق الخير: إعارة ما يستفيد منه المسلم، على أن يرده بعد ذلك، فعن عبد لله بن عمرو بن العاص ﭭ قال: قال رسول الله ﷺ: (أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودِها إلا أدخله الله بها الجنة) رواه البخاري. والمنيحة: أن يعطيه إياها ليشرب لبنَها ثم يردها إليه.
ومن طرق الخير: التسبيح، والتكبير، والتحميد، والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزواج، فقد ورد من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن أناسًا قالوا: يا رسول الله: (ذهبَ أهلُ الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم؛ قال: أو ليس جعل الله لكم ما تتصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة، وكلَّ تكبيرة صدقة، وكلَّ تحميدة صدقة، وكلَّ تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة؛ قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).
ومن طرق الخير: الصلاة على الميت وحضورُ دفنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺقال: (من اتبعَ جنازةَ مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلى عليها ويُفرغَ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كلُّ قيراطٍ مثلُ أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط) رواه البخاري، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين).
ومن طرق الخير: أن ينوي الإنسان عمل الخير،  ومعنى ذلك أن تكون نية الإنسان قائمة في عمل الخير بحيث لو كان قادرًا عليه لعمله: فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) رواه البخاري، وعن جابر بن عبدالله الأنصاري ﭭ قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة فقال: (إن بالمدينة لرجالًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم حبسهم المرض)، وفي رواية: (إلا أشركوكم في الأجر) رواه مسلم.
ومن طرق الخير معشر الإخوة: الرفق، روى الترمذي بإسناد حسن صحيح أن رسول الله ﷺ قال: (من أُعطي حظَّه من الرفق فقد أُعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرفق فقد حُرم حظّه من الخير) الرفق مطلوب مع الناس كافة وبخاصة الآباء والأولاد، ولنقف قليلًا لنرى بعض الآثار الناتجة عن عدم الرفق حول قيادة السيارات، فهذه الحوادث الكثيرة المتنوعة التي يتمت الأطفال، ورمّلت النساء، ونقلت فتيانًا وفتيات في عمر الزهور، إلى الدار الآخرة، هل كان الناس يستخدمون الرفق عندما يركبون  السيارات؟ السيارات أصبحت كلأ مباحًا، يقودها الشاب الذي لم ينضج، والعامل الذي لايتقن القيادة، ونحو هؤلاء مما جعل الحوادث تكثر في المجتمع.
إن بعضًا من الشباب يجلسون الساعات الطوال، جلساتٍ قد تكون غيرَ مفيدة، بل قد تكون ضارةً بالخلق وبالدين، فإذا ما ركبوا السيارات أسرعوا سرعة لا تليق بالعقلاء، بالإضافة إلى الاستهانة بالناس والأنظمة.
أسأل الله السلامة والعافية لجميع المسلمين.
 
***
المرفقات

1729024432_كثرة طرق الخير.docx

المشاهدات 621 | التعليقات 0