كثرةُ الطلاقِ .. ظاهرةٌ مقلقةٌ وخطيرةٌ .
سعود المغيص
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ
: أما بعد عباد الله :
اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أنه أصبحَ التلفظُ بكلمةِ الطلاقِ في زمانِنَا وللأسف الشديد سهلاً يسيرًا على كثيرٍ منَ الجاهلينَ بأحكامِ الشرعِ، وضعافِ الإيمانِ.
وكثرةُ الطلاقِ في المجتمعِ منذرٌ بعواقبَ وخيمةٍ وآثارٍ سلبيةٍ عظيمةٍ، وهي ظاهرةٌ مقلقةٌ وخطيرةٌ ونسبتُهُ تتزايدُ بشكلٍ كبيرٍ بينَ الأزواجِ.
عبادَ اللهِ: كمْ منْ بيوتٍ هُدِّمَتْ بسببِ الاستعجالِ في الطلاقِ، وكمْ أحدَثَ مِنْ الفتنِ والخصوماتِ والعداواتِ والمشكلاتِ، وفرَّق الشملَ، وقطَّعَ الأواصرَ بينَ الأقاربِ.
أيُّهَا المؤمنونَ : لقدْ كثرَ الطلاقُ في زمانِنَا حينما ابتعدَ كثيرٌ من الرجالِ والنساءِ عن شرعِ اللهِ، وقلَّ منْ يرعى الذِّمَم، ويتَّصفُ بالأخلاقِ والشِّيَم، فالرجلُ يأخذُ زوجتَهُ – مِنْ بَيْتِهَا – عزيزةً كريمةً فرحةً مسرورةً، ثمَّ يردَّها إليهم منكسرةً باكيةً حزينةً ذليلة.
كثُرَ الطلاقُ حينَمَا قلَّ في المجتمعِ الزوجُ الذي يخافُ اللهَ ويتَّقيه، ويرعى حدودَه، ويحفظُ العهدَ، ويتذكَّرُ الأيامَ الجميلةَ التي خلَت، واللحظاتِ الرائعةَ التي مَضَتْ.
كثُرَ الطلاقُ حينما فقدَ المجتمعُ الزوجَ الذي يَغفرُ الزلَّةَ، ويسترُ العورةَ، ويتجاوزُ عن الهِنَّةِ.
كثُرَ الطلاقُ حينما أصبحت المرأةُ سليطةَ اللسانِ، طليقةَ العنانِ، مضيِّعَةً لحقوقِ زوجِهَا وأولادِهَا، تخرجُ وتدخلُ متى شاءتْ، مُتْعَتُهَا في الأسواقِ، والجلساتِ واللقاءاتِ، والحدائقِ والمتنزهاتِ، ليسَ لها همٌّ إلا نفسَهَا وملذّاتِهَا، وتَتْرُكُ تربيةَ أولادِها لغيرِهَا.
كثُرَ الطَّلاقُ حينما تسلَّطَ بعضُ الآباءِ والأمّهاتِ على بيوتِ أبنائِهِمْ وبناتِهِمْ؛ حتَّى وَصَلَ الأمرُ إلى أنْ تَسَبَّبُوا فِي الفراقِ.
عبادَ اللهِ: لقد استَخَفَّ كثيرٌ منَ الأزواجِ بحقوقِ وواجباتِ المرأةِ التي في ذمّتِهِمْ، وضَيَّعوا الأمانةَ والمسؤوليةَ التي أُمِرُوا بها مِنْ رَبِّهِمْ، فقصَّرُوا في حقوقِ الأولادِ، وأصبحَ عندهم شُح ٌّفي الانفاقِ، وسهرٌ خارجَ البيتِ بالسّاعاتِ، وسفرٌ في جميعِ الاتجاهاتِ، واستراحاتٌ ومنتزهاتٌ، وترى أكثرَهُم إذَا كانَ خارجَ البيت يُضحِكُ الغريبَ ويُؤْنِسُهُ، وإذَا كانَ داخِلَ البيتِ يُبكِي أقربَ أنيسٍ ويوحشُهُ.
عبادَ اللهِ: قد رغَّبَ الشَّارعُ الحكيمُ في الإبقاءِ على عقدِ النِّكاحِ، ووصفهِ بالميثاقِ الغليظِ، فقالَ جلّ وعَلا:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وَأَمَرَ الزوجَ بالمعاشرةِ بالمعروفِ ولو معَ كراهتِهِ لزوجتِهِ، قَال تَعَالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فَإِذَا استحالتْ العشرةُ بينَ الزَّوْجَيْنِ؛ لكثرةِ الخلافاتِ المنفِّرَةِ للقلوبِ، فإنَّ الطلاقَ في هذه الحالةِ هو آخرُ الحلولِ؛ وهوَ أبغضُ الحلالِ. لكنَّهُ قدْ يكونُ علاجًا لابدَّ منهُ لاسيّما إذا فسدَت الحالُ بين الزوجينِ، وصَار بقاءُ النِّكاحِ مفسدةٌ محضةٌ، وفيه ضررٌ كبيرٌ بإلزامِ الزوجِ النَّفقةَ والسُّكنَى وحبسِ المرأةِ مع سوءِ العِشرةِ والخصومةِ الدائمةِ من غيرِ فائدةٍ، ولهذا كلَّهُ وأمثالِهِ اقتضى الشرعُ المطهَّرُ إزالةَ النِّكاحِ؛ لتزولَ المفسدةُ الحاصلةُ منه.
ومعَ هذا كلِّه لا يجوزُ للمرأةِ أنْ تسألَ زوجَهَا الطلاقَ منْ غيرِ بأسٍ، قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم:( أيُّمَا امرأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ )
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ.
أقولُ مَا سَمِعْتُم فاستغفرُوا اللهَ يغفِرْ لِي ولَكُمْ إِنّهُ هُوَ الغفورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على فضلِهِ وإِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .
اتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنّ الطلاقَ لَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تعدّدَت محاولاتُ الإصلاحِ بينَ الزوجينِ ولمْ تنفعْ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ: الأصلُ في الطَّلاقِ الحَظرُ، وإنّمَا أُبيحَ منهُ قدرَ الحاجةَ؛ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ:( إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ)،
أخي المبارك: يَا منْ يريدُ أن يُطَلِّق، تذَكّر أنّ اللهَ جلّ جلالُهُ يبغضُه، وأنَّ الشيطانَ يحبُّهُ، وتذكّر أنّ هذهِ المرأةَ الّتِي أكرمَكَ اللهُ بِهَا فِيهَا منَ الخيرِ أكثرَ ممّا فِيهَا منَ الشّرِّ، وأنَّها إنْ ساءَتْكَ يَوْمًا، فَقَدْ سَرَّتكَ أيّامًا، وإِنْ أحزنَتْكَ عَامًا، فقدْ سَرَّتْكَ أعوامًا. وأنَّهَا أعطتكَ منْ صحَّتِهَا وجهدِهَا الكثيرَ. ولعلَّ اللهُ جلَّ وعَلا أنْ يُفرِحَك بذريَّةٍ طيبةٍ منْهَا، وتذكَّرْ أنَّكَ إنْ صَبَرْتَ عليْهَا ابتغاءَ وجهِ اللهِ وأحسَنْتَ صُحْبَتَهَا ومُعَامَلَتِهَا فَلَعَلَّ ذلِكَ يكونُ سببًا كبيرًا في حفظِهَا لَكَ وذرِّيَّتِكَ ومالِكَ في حياتِكَ وبعدَ مماتِكَ.
أسأل الله تعالى أن يجعل بيوتنا عامرة بالسعادة والإيمان
اللهم علمنا ماينفعنا ..
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك المسلمين وفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه خير البلاد والعباد،
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين،
اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل،
اللهم اسقِ بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت،
اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد،
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يَصِفون، وسَلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين