كتاب " أدب الموعظة" د. محمد بن إبراهيم الحمد
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1431/11/27 - 2010/11/04 15:43PM
كتاب " أدب الموعظة"
اسم الكتاب: أدب الموعظة.
المؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد.
الطبعة: الأولى، 1421هـ.
إصدار دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع.
كلنا نعلم أن المواعظ إنما هي رسائل ونصائح توجيهية غايتها محبة الخير والرغبة في الإصلاح، ولهذه المواعظ أثرها البالغ على الرجل والمرأة، على الشاب والفتاة، بل على المجتمع عموماً، وكما قيل: المواعظ سياط القلوب؛ تذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتوقظ النائم، وتوجه الجميع لالتزام الصراط المستقيم والسير على نهج المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا دين الإسلام يدعو الناس إلى أقوم محجة وينبههم إلى مكان الفضيلة والخير.
وفي هذا الكتاب اللطيف (أدب الموعظة) يحدثنا مؤلفه – وفقه الله – عن آداب شاملة في المواعظ نحو أدب الواعظ في نفسه وأدبه في موعظته، وطريقة عرضه
وقد بدأ المؤلف أولاً بتعريف الموعظة ونقل كلام ابن منظور -رحمه الله-: "الوعظ والعظة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب. قال ابن سيدة: "هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب
وقول الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "الوعظ زجرٌ مقترنٌ بتخويف، قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب".
ثم تحدث عن ورود الموعظة في القرآن الكريم وبيّن أن لفظ الموعظة ورد على ثلاثة عشر وجهاً، ثم ذكرها، ثم بيّن المؤلف بعض مقاصد الموعظة وحكمها، وذكر إجمالاً لتلك المقاصد والحكم بما يلي:
1- إقامة حجة الله على خلقه.
2- الإعذار إلى الله – عز وجل – والخروج من عهدة التكليف.
3- رجاء النفع للمأمور.
4- رجاء ثواب الله -عز وجل-.
5- الخوف من عقاب الله -تبارك وتعالى-.
6- النصيحة للمؤمنين.
7- إجلال الله وإعظامه ومحبته.
وبعد ذلك انتقل المؤلف إلى لب الكتاب ومقصوده، فذكر خمسة وخمسين أدباً من آداب الموعظة، سنذكرها إجمالاً، وسنقف مع بعضها، وهي كما يلي:
1- التحلي بالتقوى وإخلاص النية.
2- العلم:
فَعِلْم الواعظ بما يقول هو الذي يجعل الموعظة نقيةً من إيراد الأحاديث الموضوعة، أو القصص المنبوذة، أو تحسين البدع، أو إضلال الناس.
قال الله -عز وجل-: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108).
فلا بد للواعظ أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه من فعل أو ترك.
3- لين الجانب، وبسط الوجه، والإحسان إلى الناس:
فالناس يحبون لين الجانب، وبسط الوجه، والقلوب تُقْبل على من يتواضع لها، وتنفر ممن يزدريها، ولا يكلمها إلا من عَلُ.
ومن الوسائل التي لها أثر في تَألُّف الجاهلين أو المفسدين، وتهيئتهم إلى قبول الإصلاح:
بسط المعروف في وجوههم، والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، وإرضاؤهم بشيء من متاع هذه الحياة الدنيا.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُؤثِر بعض حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال؛ للاحتفاظ ببقائهم على الهداية.
ولهذا يحسن بالواعظ أن يكون ليِّن العريكة، وممن يَألَف ويُؤلَف، وألا يكون جافي الطبع، قاسي القلب، متعالياً على السامعين.
ويجدر به أن يترفع عن العبارات المشعرة بتعظيم النفس، كحال من يكثر من إدراج ضمير المتكلم (أنا) أو ما يقوم مقامه كأن يقول (في رأيي)، أو (حسب خبرتي)، أو (هذا ما توصلت إليه)، ونحو ذلك.
وبدلاً من ذلك يحسن به أن يستعمل الصيغ التي توحي بالتواضع، وعزو العلم لأصحابه، كأن يقول: (ويبدو للمتأمل كذا وكذا)، أو يقول: (ولعل الصواب أن يقال: كذا وكذا)، ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتواضع، واهتضام النفس.
4- الصبر والحلم:
فالواعظ محتاج لذلك أشد الحاجة؛ إذ هو مُعَرَّض لما يثيره، ويحرك دواعي الغضب فيه.
ومن مواعظ لقمان – عليه السلام – لابنه وهو يعِظه: " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ" (لقمان: من الآية17).
فلا يحسن بالواعظ أن يكون ضيِّق الصدر، قليل الصبر؛ ذلك أن الجماعات التي استشرى فيها الفساد كالمريض، والواعظ لها كالطبيب.
5- التجمل والعناية بالمظهر بلا إسراف.
6- استعمال المداراة والبعد عن المداهنة.
7-أخذ الأُهبة والاستعداد، خصوصاً إذا كان الواعظ في بداياته.
8- رباطة الجأش:
وهذه الخصلة تولد مع الإنسان، ويكتسبها أيضاً بالممارسة، والمران، والدِّرَبة، كما أنها تتقوى بموجبات الإيمان.
فيجمل بالواعظ أن يتصف بهذه الخصلة الحميدة؛ حتى يعتاد لقاء الجمهور، والحديث إليهم بطلاقة ويسر.
9- قوة الملاحظة:
لأجل أن يدرك الواعظ أحوال المخاطبين حال إلقاء موعظته أهُم مقبلون عليه فيسترسل في قوله، ويستمر في نهجه؟ أم هم معرضون عنه، فيتجه إلى ناحية أخرى يراها أقرب إلى قلوبهم وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم.
10- حضور البديهة:
لأن الواعظ قد تمر به أحوال تُجبره على العدول عن كلمة إلى أخرى؛ فقد يُعِدّ كلمةً، ويظن أنها تناسب هؤلاء القوم؛ فإذا رآهم، أو رأى بعضهم أدرك أنها لا تناسبهم.
11- مراعاة المدة الزمنية للموعظة.
12- التخول بالموعظة:
فذلك أدعى للاشتياق، وأحرى لقبول الموعظة والانتفاع بها؛ فجدير بالواعظ ألا يكثر من وعظ أناس بأعيانهم، أو يتابع عليهم الوعظ مراراً قريباً بعضها من بعض؛ فإن النفس شرود، وإن كثرة الوعظ تفقده أثره.
أورد البخاري -رحمه الله- في كتاب العلم من صحيحه بابين في هذا الشأن.
أحدهما: "باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم؛ كي لا ينفروا" ، وتحت هذا الباب ساق بسنده حديثين، أحدهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا".
والثاني عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ،قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
والباب الثاني: "باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة".
عن أبي وائل قال: كان عبد الله – يعني: ابن مسعود – يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لودِدْت لو ذكرتنا كل يوم.
قال: أمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها؛ مخافة السآمة علينا".
13- ترك الوعظ عند من لا يرغب.
14- التجوُّز في الموعظة عند ملاحظة الملل والفتور.
15- مراعاة حال الجو:
فقد يكون شديد الحرارة، أو شديد البرودة، فإذا اجتمع هذا إلى ثقل الموعظة وطولها قل الانتفاع.
فهذا يحمل الواعظ على أن يقتصد في كلامه خصوصاً إذا كان الناس على غير موعدٍ معه، أو كانوا قد أدوا الصلاة، ويرغبون في الخروج من المسجد.
16- معرفة النفوس، ومراعاة العقول.
17- تحسس الأدواء، والبداءة بالأهم فالمهم.
18- الرفق في القول، واجتناب الكلمة الجافية:
فإن الخطاب اللَّيِّن قد يتألف النفوسَ الناشزة، ويدنيها من الرشد، ويرغبها في الإصغاء للحجة أو الموعظة.
قال -تعالى- في خطاب هارون وموسى -عليهما السلام-: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طـه:43، 44).
ولقّن موسى -عليه السلام- من القول اللين أحسنَ ما يخاطب به جبار يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، فقال -تعالى-: "فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى" (النازعـات:18، 19).
فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مَخْرج الأمر، وقال: "إِلَى أَنْ تَزَكَّى" ولم يقل: "إلى أن أزكيك".
فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكّي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء.
ثم قال: "وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ" أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
وقال: "إِلَى رَبِّكَ" استدعاءً لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيراً وكبيراً.
ولهذا فإن الموعظة التي تُلقى في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع.
19- نزاهة اللسان.
20- صرف الإنكار على غير معين.
21- أن يوجه الواعظ الإنكار إلى نفسه تصريحاً، وهو يعني السامع تلميحاً: كأن يقول: ما لنا لا نتّقي الله، ونمتثل أوامره، ونجتنب نواهيه، ونحو ذلك...
ويشير إلى هذا الأدب قوله -تعالى- فيما يقصه عن رجل يدعو قومه إلى الإيمان بالله: "وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يّـس:22).
فإنه أراد تقريع المخاطبين؛ إذ أعرضوا عن عبادة خالقهم، وعكفوا على عبادة ما لا يغني عنهم شيئاً، فأورد الكلام في صورة الإنكار على نفسه؛ تلطفاً في الخطاب، وإظهاراً للخلوص في النصيحة؛ حيث اختار لهم ما يختار لنفسه.
22- مراعاة المشاعر:
ومن ذلك ألا يكثر الواعظ من صيغة فعل الأمر كأن يكثر في كلامه من قول: افعلوا واتركوا، ونحو ذلك؛ لأن الأمر ثقيل على النفوس خصوصاً إذا كان الواعظ صغيراً، أو ليس معروفاً عند السامعين.
ومن المراعاة للمشاعر ألا يلفظ بالكلمات التي يمجُّها الذوق، وتتأذى منها الأسماع، وألا يواجه الناس بما يكرهون، وألا يكثر من لومهم ونقدهم، وتقريعهم، وتحميلهم ما لا يطيقون.
ومن المراعاة للمشاعر أن يرفع الواعظ من قيمة السامعين، وأن يذكرهم بما عندهم من الخير؛ حتى تنشرح صدورهم لما يلقى عليهم.
23- التثبت مما يقال، والنظر في جدوى نشره.
24- ألا يحرص على إبداء رأيه في كل أمر، وألا يقول كل ما يعلم.
25- التمهيد والتدرج في العرض:
مثال ذلك: أن يقصد الواعظ إلى أمر فيه مشقة، فيضع أمامه تمهيداً يخفف وقعه، ويقلل شأنه، حتى لا تكبره النفوس، وترتخي دونه العزائم خوراً.
ومثال هذا ما سلكه التنزيل في التكليف بفريضة الصيام.
26- براعة الأسلوب، ومراعاة مقتضيات الأحوال.
27- حسن الاستفتاح.
28- حسن الختام:
فالخاتمة هي آخر ما يلقيه الواعظ من كلامه، ولها الأثر البالغ الباقي؛ إذ هي آخر ما يَعْلَق بالنفس، وأكثر ما يتصل بالقلب.
ومما يحسن في الخاتمة أن تشتمل على جمال العبارة، وإصابة الغرض، وأن تتضمن إيجازاً لما ألقي، وأن تكون محركة للعاطفة.
29- التنويع في أساليب الخطاب.
30- الترسل في الكلام وإلقاؤه مفصلاً دون إبطاء أو تعجيل.
31- ملاحظة نبرة الصوت.
32- حسن الاستخدام للتكرار.
33- توشيح الموعظة بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة.
34- سَوْق القصص الصحيحة المؤثرة.
35- توشية الموعظة بالحكم الرائعة، والأشعار الجميلة الرائقة.
36- صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة:
فمن الأساليب الناجعة النافعة في الوعظ صوغ التشابيه البديعة، وضرب الأمثلة الرائعة.
وللتشبيه، والتمثيل أثر كبير في جعل الحقائق الخفية واضحة، والمعاني الغريبة قريبة مألوفة.
وعلى هذا النحو تجري كثير من نصوص الوحيين.
37- الحرص على الإعراب، والبعد عن اللحن قدر المستطاع.
38- التذكير بمآلات الأمور.
39- إعطاء الوسائل صورة ما تُفضي إليه من الخير والشر.
40- قرن القول ببعض الإشارات الحسية التي تناسب ا لمعنى، فهذا مما يزيد المعنى جلاءً، ويأخذ في النفس صورةً غير صورته المجردة عن الإشارة.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعين في تثبيت المعنى بالإشارة بيده إشارة مناسبة للمعنى، مما يجعل للموعظة أثراً بليغاً في النفوس.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابعه.
41- توجيه السؤال للمخاطبين:
وذلك بسؤالهم عن الشيء الذي يريد تعليمهم إياه، أو تذكيرهم به؛ لما في السؤال من تهيئة النفوس للإصغاء إلى ما يقال بعد ذلك، ولما فيه أيضاً من تشويقها إليه؛ فيقع منها في قرار مكين.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بهذا الأسلوب كثيراً.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، ومنها على سبيل الإجمال: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون أي شهر هذا؟".
وقوله: "أتدرون أي يوم هذا؟".
وقوله: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟".
وقوله: "أتدرون ماذا قال ربكم؟".
وقوله: "أتدرون أين تغرب الشمس؟".
43- إثارة العواطف ومخاطبة الوجدان:
ذلك أن مرمى الإقناع في الوعظ ليس هو الإلزام والإفحام فحسب، وإنما مرماه حمل المخاطب على الإذعان، والتسليم بطوعه وإرادته.
وذلك لا يتسنى بسوق الدلائل المنطقية جافة، ولا بإيراد البراهين العقلية عارية، بل بذلك وبإثارة العاطفة، ومخاطبة الوجدان.
بل قد يستغني الواعظ عن الدلائل العقلية، ولا يمكنه بأية حال أن يستغني عن المثيرات العاطفية؛ إذ هي من أعظم الأدوات التي تعينه على التأثير في السامعين.
44- استعمال أسلوب النداء، ومناداة المخاطبين بما يحبون.
45- الجمع بين الخوف والرجاء.
46- مراعاة المصالح والمفاسد:
فلا يكفي مجرد سرد النصوص، وتنزيلها على أحوال معينة، خصوصاً عند الفتن واشتباه الأمور.
ولا يكفي إلقاء الكلمة دونما نظر في عواقبها، وما تحدثه من أثر، بل لا بد من الرواية، والاستنارة بأقوال أهل العلم، واستشارة أهل الفقه والبصيرة، ولا بد من النظر في المصالح والمفاسد.
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "قوله: "فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى" مفهوم الآية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح تُرِك التذكير؛ خوف وقوع المنكر".
47- تحديث الناس بما يعقلون.
48- الاعتدال في الطرح، والحذر من المبالغة وتضخيم الأمور.
49- انشراح الصدر للنقد الهادف:
فالواعظ المخلص من يسعى لإرضاء الله - جل وعلا – فتراه يبذل كل سبب في سبيل نفع الناس؛ ابتغاء الأجر من الله ، ولهذا لا تراه يتأذى من ملحوظة تقدم إليه ولو صاغها مقدَّمها في جفاء وغلظة، بل تراه يفرح بالنقد الهادف كفرحه بالثناء الصادق، بل ربما طلب ذلك من غيره، وهذا مما يرفع قدره، ويرتقي بعلمه ووعظه. وهذا هو دأب الأكابر والعظماء.
50- الإقبال على الله، وإحسان معاملته -عز وجل-.
51- احتساب الأجر.
52- ألا ينتظر الواعظ الشكر إلا من خالقه.
53- الحذر من الورع الخادع الكاذب.
54- الحذر من اليأس:
فربما بذل الواعظ نصحه، وحرص على هداية الناس، وبعد ذلك قد لا يرى نتيجة الوعظ.
وهذه فرصة الشيطان التي تجعله يلقي في رُوع الواعظ أنْ لا فائدة مما تقول، وأنه خيرٌ لك أن تدع الوعظ.
فيحسن بالواعظ أن يتفطن لهذا المدخل، وأن يحسن ظنه بالله، وأن يستحضر أن الموعظة الحسنة والعمل الصالح – عموماً – لا يذهبان سدىً.
فإذا لم تظهر النتائج عاجلاً ظهرت آجلاً، وإذا لم يذهب الشرُّ كلُّه خف وقْعُه، ولم يستطر شررُه.
55- أن يستشعر الواعظ أنه هو المقصود الأول من موعظته، وأنه مفتقر إلى الله -عز وجل-: فذلك يدعوه إلى ربط القول بالعمل، ويردعه عن التمادي في الإعجاب، ويبعثه إلى الانطراح بين يدي الله -عز وجل- وسؤاله ألا يكله إلى نفسه طرفة عين. كما أن ذلك يقوده إلى التواضع، والزراية على النفس. وكل ذلك من أسباب توفيقه وتسديده. فما أجمل أن يكون الواعظ كثير الانكسار والتذلل له -عز وجل-. وما أروع أن يستحضر معنى قوله – عندما يقول في مستهل موعظته -: "أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-".
وبذلك انتهى المؤلف من ذكر الخمسة وخمسين أدباً للموعظة، ومَن أراد الزيادة فليرجع إلى الكتاب.
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، وجزى الله المؤلفَ خير الجزاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اسم الكتاب: أدب الموعظة.
المؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد.
الطبعة: الأولى، 1421هـ.
إصدار دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع.
كلنا نعلم أن المواعظ إنما هي رسائل ونصائح توجيهية غايتها محبة الخير والرغبة في الإصلاح، ولهذه المواعظ أثرها البالغ على الرجل والمرأة، على الشاب والفتاة، بل على المجتمع عموماً، وكما قيل: المواعظ سياط القلوب؛ تذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتوقظ النائم، وتوجه الجميع لالتزام الصراط المستقيم والسير على نهج المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا دين الإسلام يدعو الناس إلى أقوم محجة وينبههم إلى مكان الفضيلة والخير.
وفي هذا الكتاب اللطيف (أدب الموعظة) يحدثنا مؤلفه – وفقه الله – عن آداب شاملة في المواعظ نحو أدب الواعظ في نفسه وأدبه في موعظته، وطريقة عرضه
وقد بدأ المؤلف أولاً بتعريف الموعظة ونقل كلام ابن منظور -رحمه الله-: "الوعظ والعظة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب. قال ابن سيدة: "هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب
وقول الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "الوعظ زجرٌ مقترنٌ بتخويف، قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب".
ثم تحدث عن ورود الموعظة في القرآن الكريم وبيّن أن لفظ الموعظة ورد على ثلاثة عشر وجهاً، ثم ذكرها، ثم بيّن المؤلف بعض مقاصد الموعظة وحكمها، وذكر إجمالاً لتلك المقاصد والحكم بما يلي:
1- إقامة حجة الله على خلقه.
2- الإعذار إلى الله – عز وجل – والخروج من عهدة التكليف.
3- رجاء النفع للمأمور.
4- رجاء ثواب الله -عز وجل-.
5- الخوف من عقاب الله -تبارك وتعالى-.
6- النصيحة للمؤمنين.
7- إجلال الله وإعظامه ومحبته.
وبعد ذلك انتقل المؤلف إلى لب الكتاب ومقصوده، فذكر خمسة وخمسين أدباً من آداب الموعظة، سنذكرها إجمالاً، وسنقف مع بعضها، وهي كما يلي:
1- التحلي بالتقوى وإخلاص النية.
2- العلم:
فَعِلْم الواعظ بما يقول هو الذي يجعل الموعظة نقيةً من إيراد الأحاديث الموضوعة، أو القصص المنبوذة، أو تحسين البدع، أو إضلال الناس.
قال الله -عز وجل-: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108).
فلا بد للواعظ أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه من فعل أو ترك.
3- لين الجانب، وبسط الوجه، والإحسان إلى الناس:
فالناس يحبون لين الجانب، وبسط الوجه، والقلوب تُقْبل على من يتواضع لها، وتنفر ممن يزدريها، ولا يكلمها إلا من عَلُ.
ومن الوسائل التي لها أثر في تَألُّف الجاهلين أو المفسدين، وتهيئتهم إلى قبول الإصلاح:
بسط المعروف في وجوههم، والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، وإرضاؤهم بشيء من متاع هذه الحياة الدنيا.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُؤثِر بعض حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال؛ للاحتفاظ ببقائهم على الهداية.
ولهذا يحسن بالواعظ أن يكون ليِّن العريكة، وممن يَألَف ويُؤلَف، وألا يكون جافي الطبع، قاسي القلب، متعالياً على السامعين.
ويجدر به أن يترفع عن العبارات المشعرة بتعظيم النفس، كحال من يكثر من إدراج ضمير المتكلم (أنا) أو ما يقوم مقامه كأن يقول (في رأيي)، أو (حسب خبرتي)، أو (هذا ما توصلت إليه)، ونحو ذلك.
وبدلاً من ذلك يحسن به أن يستعمل الصيغ التي توحي بالتواضع، وعزو العلم لأصحابه، كأن يقول: (ويبدو للمتأمل كذا وكذا)، أو يقول: (ولعل الصواب أن يقال: كذا وكذا)، ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتواضع، واهتضام النفس.
4- الصبر والحلم:
فالواعظ محتاج لذلك أشد الحاجة؛ إذ هو مُعَرَّض لما يثيره، ويحرك دواعي الغضب فيه.
ومن مواعظ لقمان – عليه السلام – لابنه وهو يعِظه: " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ" (لقمان: من الآية17).
فلا يحسن بالواعظ أن يكون ضيِّق الصدر، قليل الصبر؛ ذلك أن الجماعات التي استشرى فيها الفساد كالمريض، والواعظ لها كالطبيب.
5- التجمل والعناية بالمظهر بلا إسراف.
6- استعمال المداراة والبعد عن المداهنة.
7-أخذ الأُهبة والاستعداد، خصوصاً إذا كان الواعظ في بداياته.
8- رباطة الجأش:
وهذه الخصلة تولد مع الإنسان، ويكتسبها أيضاً بالممارسة، والمران، والدِّرَبة، كما أنها تتقوى بموجبات الإيمان.
فيجمل بالواعظ أن يتصف بهذه الخصلة الحميدة؛ حتى يعتاد لقاء الجمهور، والحديث إليهم بطلاقة ويسر.
9- قوة الملاحظة:
لأجل أن يدرك الواعظ أحوال المخاطبين حال إلقاء موعظته أهُم مقبلون عليه فيسترسل في قوله، ويستمر في نهجه؟ أم هم معرضون عنه، فيتجه إلى ناحية أخرى يراها أقرب إلى قلوبهم وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم.
10- حضور البديهة:
لأن الواعظ قد تمر به أحوال تُجبره على العدول عن كلمة إلى أخرى؛ فقد يُعِدّ كلمةً، ويظن أنها تناسب هؤلاء القوم؛ فإذا رآهم، أو رأى بعضهم أدرك أنها لا تناسبهم.
11- مراعاة المدة الزمنية للموعظة.
12- التخول بالموعظة:
فذلك أدعى للاشتياق، وأحرى لقبول الموعظة والانتفاع بها؛ فجدير بالواعظ ألا يكثر من وعظ أناس بأعيانهم، أو يتابع عليهم الوعظ مراراً قريباً بعضها من بعض؛ فإن النفس شرود، وإن كثرة الوعظ تفقده أثره.
أورد البخاري -رحمه الله- في كتاب العلم من صحيحه بابين في هذا الشأن.
أحدهما: "باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم؛ كي لا ينفروا" ، وتحت هذا الباب ساق بسنده حديثين، أحدهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا".
والثاني عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ،قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
والباب الثاني: "باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة".
عن أبي وائل قال: كان عبد الله – يعني: ابن مسعود – يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لودِدْت لو ذكرتنا كل يوم.
قال: أمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها؛ مخافة السآمة علينا".
13- ترك الوعظ عند من لا يرغب.
14- التجوُّز في الموعظة عند ملاحظة الملل والفتور.
15- مراعاة حال الجو:
فقد يكون شديد الحرارة، أو شديد البرودة، فإذا اجتمع هذا إلى ثقل الموعظة وطولها قل الانتفاع.
فهذا يحمل الواعظ على أن يقتصد في كلامه خصوصاً إذا كان الناس على غير موعدٍ معه، أو كانوا قد أدوا الصلاة، ويرغبون في الخروج من المسجد.
16- معرفة النفوس، ومراعاة العقول.
17- تحسس الأدواء، والبداءة بالأهم فالمهم.
18- الرفق في القول، واجتناب الكلمة الجافية:
فإن الخطاب اللَّيِّن قد يتألف النفوسَ الناشزة، ويدنيها من الرشد، ويرغبها في الإصغاء للحجة أو الموعظة.
قال -تعالى- في خطاب هارون وموسى -عليهما السلام-: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طـه:43، 44).
ولقّن موسى -عليه السلام- من القول اللين أحسنَ ما يخاطب به جبار يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، فقال -تعالى-: "فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى" (النازعـات:18، 19).
فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مَخْرج الأمر، وقال: "إِلَى أَنْ تَزَكَّى" ولم يقل: "إلى أن أزكيك".
فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكّي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء.
ثم قال: "وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ" أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
وقال: "إِلَى رَبِّكَ" استدعاءً لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيراً وكبيراً.
ولهذا فإن الموعظة التي تُلقى في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع.
19- نزاهة اللسان.
20- صرف الإنكار على غير معين.
21- أن يوجه الواعظ الإنكار إلى نفسه تصريحاً، وهو يعني السامع تلميحاً: كأن يقول: ما لنا لا نتّقي الله، ونمتثل أوامره، ونجتنب نواهيه، ونحو ذلك...
ويشير إلى هذا الأدب قوله -تعالى- فيما يقصه عن رجل يدعو قومه إلى الإيمان بالله: "وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يّـس:22).
فإنه أراد تقريع المخاطبين؛ إذ أعرضوا عن عبادة خالقهم، وعكفوا على عبادة ما لا يغني عنهم شيئاً، فأورد الكلام في صورة الإنكار على نفسه؛ تلطفاً في الخطاب، وإظهاراً للخلوص في النصيحة؛ حيث اختار لهم ما يختار لنفسه.
22- مراعاة المشاعر:
ومن ذلك ألا يكثر الواعظ من صيغة فعل الأمر كأن يكثر في كلامه من قول: افعلوا واتركوا، ونحو ذلك؛ لأن الأمر ثقيل على النفوس خصوصاً إذا كان الواعظ صغيراً، أو ليس معروفاً عند السامعين.
ومن المراعاة للمشاعر ألا يلفظ بالكلمات التي يمجُّها الذوق، وتتأذى منها الأسماع، وألا يواجه الناس بما يكرهون، وألا يكثر من لومهم ونقدهم، وتقريعهم، وتحميلهم ما لا يطيقون.
ومن المراعاة للمشاعر أن يرفع الواعظ من قيمة السامعين، وأن يذكرهم بما عندهم من الخير؛ حتى تنشرح صدورهم لما يلقى عليهم.
23- التثبت مما يقال، والنظر في جدوى نشره.
24- ألا يحرص على إبداء رأيه في كل أمر، وألا يقول كل ما يعلم.
25- التمهيد والتدرج في العرض:
مثال ذلك: أن يقصد الواعظ إلى أمر فيه مشقة، فيضع أمامه تمهيداً يخفف وقعه، ويقلل شأنه، حتى لا تكبره النفوس، وترتخي دونه العزائم خوراً.
ومثال هذا ما سلكه التنزيل في التكليف بفريضة الصيام.
26- براعة الأسلوب، ومراعاة مقتضيات الأحوال.
27- حسن الاستفتاح.
28- حسن الختام:
فالخاتمة هي آخر ما يلقيه الواعظ من كلامه، ولها الأثر البالغ الباقي؛ إذ هي آخر ما يَعْلَق بالنفس، وأكثر ما يتصل بالقلب.
ومما يحسن في الخاتمة أن تشتمل على جمال العبارة، وإصابة الغرض، وأن تتضمن إيجازاً لما ألقي، وأن تكون محركة للعاطفة.
29- التنويع في أساليب الخطاب.
30- الترسل في الكلام وإلقاؤه مفصلاً دون إبطاء أو تعجيل.
31- ملاحظة نبرة الصوت.
32- حسن الاستخدام للتكرار.
33- توشيح الموعظة بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة.
34- سَوْق القصص الصحيحة المؤثرة.
35- توشية الموعظة بالحكم الرائعة، والأشعار الجميلة الرائقة.
36- صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة:
فمن الأساليب الناجعة النافعة في الوعظ صوغ التشابيه البديعة، وضرب الأمثلة الرائعة.
وللتشبيه، والتمثيل أثر كبير في جعل الحقائق الخفية واضحة، والمعاني الغريبة قريبة مألوفة.
وعلى هذا النحو تجري كثير من نصوص الوحيين.
37- الحرص على الإعراب، والبعد عن اللحن قدر المستطاع.
38- التذكير بمآلات الأمور.
39- إعطاء الوسائل صورة ما تُفضي إليه من الخير والشر.
40- قرن القول ببعض الإشارات الحسية التي تناسب ا لمعنى، فهذا مما يزيد المعنى جلاءً، ويأخذ في النفس صورةً غير صورته المجردة عن الإشارة.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعين في تثبيت المعنى بالإشارة بيده إشارة مناسبة للمعنى، مما يجعل للموعظة أثراً بليغاً في النفوس.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابعه.
41- توجيه السؤال للمخاطبين:
وذلك بسؤالهم عن الشيء الذي يريد تعليمهم إياه، أو تذكيرهم به؛ لما في السؤال من تهيئة النفوس للإصغاء إلى ما يقال بعد ذلك، ولما فيه أيضاً من تشويقها إليه؛ فيقع منها في قرار مكين.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بهذا الأسلوب كثيراً.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، ومنها على سبيل الإجمال: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون أي شهر هذا؟".
وقوله: "أتدرون أي يوم هذا؟".
وقوله: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟".
وقوله: "أتدرون ماذا قال ربكم؟".
وقوله: "أتدرون أين تغرب الشمس؟".
43- إثارة العواطف ومخاطبة الوجدان:
ذلك أن مرمى الإقناع في الوعظ ليس هو الإلزام والإفحام فحسب، وإنما مرماه حمل المخاطب على الإذعان، والتسليم بطوعه وإرادته.
وذلك لا يتسنى بسوق الدلائل المنطقية جافة، ولا بإيراد البراهين العقلية عارية، بل بذلك وبإثارة العاطفة، ومخاطبة الوجدان.
بل قد يستغني الواعظ عن الدلائل العقلية، ولا يمكنه بأية حال أن يستغني عن المثيرات العاطفية؛ إذ هي من أعظم الأدوات التي تعينه على التأثير في السامعين.
44- استعمال أسلوب النداء، ومناداة المخاطبين بما يحبون.
45- الجمع بين الخوف والرجاء.
46- مراعاة المصالح والمفاسد:
فلا يكفي مجرد سرد النصوص، وتنزيلها على أحوال معينة، خصوصاً عند الفتن واشتباه الأمور.
ولا يكفي إلقاء الكلمة دونما نظر في عواقبها، وما تحدثه من أثر، بل لا بد من الرواية، والاستنارة بأقوال أهل العلم، واستشارة أهل الفقه والبصيرة، ولا بد من النظر في المصالح والمفاسد.
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "قوله: "فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى" مفهوم الآية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح تُرِك التذكير؛ خوف وقوع المنكر".
47- تحديث الناس بما يعقلون.
48- الاعتدال في الطرح، والحذر من المبالغة وتضخيم الأمور.
49- انشراح الصدر للنقد الهادف:
فالواعظ المخلص من يسعى لإرضاء الله - جل وعلا – فتراه يبذل كل سبب في سبيل نفع الناس؛ ابتغاء الأجر من الله ، ولهذا لا تراه يتأذى من ملحوظة تقدم إليه ولو صاغها مقدَّمها في جفاء وغلظة، بل تراه يفرح بالنقد الهادف كفرحه بالثناء الصادق، بل ربما طلب ذلك من غيره، وهذا مما يرفع قدره، ويرتقي بعلمه ووعظه. وهذا هو دأب الأكابر والعظماء.
50- الإقبال على الله، وإحسان معاملته -عز وجل-.
51- احتساب الأجر.
52- ألا ينتظر الواعظ الشكر إلا من خالقه.
53- الحذر من الورع الخادع الكاذب.
54- الحذر من اليأس:
فربما بذل الواعظ نصحه، وحرص على هداية الناس، وبعد ذلك قد لا يرى نتيجة الوعظ.
وهذه فرصة الشيطان التي تجعله يلقي في رُوع الواعظ أنْ لا فائدة مما تقول، وأنه خيرٌ لك أن تدع الوعظ.
فيحسن بالواعظ أن يتفطن لهذا المدخل، وأن يحسن ظنه بالله، وأن يستحضر أن الموعظة الحسنة والعمل الصالح – عموماً – لا يذهبان سدىً.
فإذا لم تظهر النتائج عاجلاً ظهرت آجلاً، وإذا لم يذهب الشرُّ كلُّه خف وقْعُه، ولم يستطر شررُه.
55- أن يستشعر الواعظ أنه هو المقصود الأول من موعظته، وأنه مفتقر إلى الله -عز وجل-: فذلك يدعوه إلى ربط القول بالعمل، ويردعه عن التمادي في الإعجاب، ويبعثه إلى الانطراح بين يدي الله -عز وجل- وسؤاله ألا يكله إلى نفسه طرفة عين. كما أن ذلك يقوده إلى التواضع، والزراية على النفس. وكل ذلك من أسباب توفيقه وتسديده. فما أجمل أن يكون الواعظ كثير الانكسار والتذلل له -عز وجل-. وما أروع أن يستحضر معنى قوله – عندما يقول في مستهل موعظته -: "أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-".
وبذلك انتهى المؤلف من ذكر الخمسة وخمسين أدباً للموعظة، ومَن أراد الزيادة فليرجع إلى الكتاب.
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، وجزى الله المؤلفَ خير الجزاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.