كان يا ما كان .. تغريدات حول مرض كورونا
الفريق العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
كان يا ما كان :
1)يحكى أنه في ديسمبر من العام 2019، أُبلِغ عن تفشي مرض في مدينة صينية تدعى ووهان وهو من سلالةٍ عائلة الكورونا المكتشفة في الستينات
2) جاء مولودها الأول غازيا الإنسان (سارس) سنة 2002 ثم ظهر فيروس كورونا آخر ( ميرس ) سنة 2012،
كان الأول أكثر انتشار والثاني أخطر أثرا ثم جاء الفيروس الثالث كورونا 2019-nCoV منذرا بالجمع بين الصفتين
3)تكاثر بسرعة البرق وانتشر في أكثر من 120 دولة حول العالم في عدة أشهر ،لم يعترف بالمكان ولم يستثنِ صاحب المكانة ، لم يفرق بين الأغنياء والفقراء ولا بين الشرق والغرب ،
4)ليس له في بداياته أعراض ولا يمكن أمامه الاعتراض ، لا يقعدك طريح الفراش بل يتركك قادرا على الحركة والسير لتكون مطيته في التنقل
5)يقال أنه فيروس يحب السياحة فلا يستقر كثيرا في بلد ومتأثر بالأجهزة الحديثة آنذاك فينتقل بخاصية ( Touch ) الملامسة
6)رغم أنه صغير إلا أنه أوقف عجلة العالم عن التحرك ويقال أن مدينة ووهان الصينية عزلت عن بقية المدن الأخرى وتعاملت الحكومة هناك بكل قوة لمنع الدخول والخروج منها
7)حالة جديدة تخرج في كوريا ثم حالات كثيرة في إيران ثم حالات محدودة في الخليج ، تستهين أوروبا فيعلن أن إيطاليا دولة موبوءة
8)يخرج المسؤولون في بريطانيا بكل وضوح معلنين أن المرض أصبح أزمة وعلى الجميع أن يستعد لفقد أحبابه
9) يسخر رئيس الولايات من المبالغة ليخرج بعدها داعيا الشعب الأمريكي إلى الصلاة والتضرع
10) يحظر السفر من وإلى بعض الدول وتقنن الرحلات وتغلق الأسواق والمقاهي والملاهي والمنتزهات
11) علقت الدراسة في الكثير من البلدان وتوقفت الأنشطة الرياضية وخلت المدرجات والشوارع والأسواق بعد أن كانت مكتظة بالزحام
12)تعاملت بعض الدول بشيء من الاسترخاء ولم تفق إلا على منبه التفشي والانتشار ، كانت تجربة الصين ناجحة أو هكذا يروى ثم تلتها كوريا الجنوبية وكانت نموذجا في الحظر والنظام الصحي
13)كانت تجربة السعودية جادة في تطبيقها وحاسمة في توقيتها ، فمنعت التجمعات وأوقفت الأنشطة الرياضية وعلقت الدراسة ثم أوقفت أعمال جل القطاعات الحكومية وحفزت القطاع الخاص لخلق التوازن الاقتصادي لديه
14)تعامل الناس في العالم مع المرض بردات فعل مختلفة فهناك من بالغ في الانعزال حد التخندق وهناك من بالغ في الاستهتار حتى عرض نفسه وغيره للخطر
15)هناك من أخذ بالأسباب وتعلق بها وهناك من رفع شعار التوكل دون اكتراث بالأسباب وهناك من فقه الأمر فتوكل على ربه واحتاط لأمره كما فعل الرسول حين لبس في الحرب الدرع وربما الدرعين مع توكله على ربه
16)إجراءات عالمية جعلت العالم يتوقف خلت الشوارع والفنادق والمنتزهات والأسواق وحتى المساجد وتوقف القدوم للعمرة وخلا مطاف الحرم المكي من الطائفين في مشهد هز قلوب المسلمين
17) أماكن صامتة تنطق عن عجز الإنسان وضعفه وأماكن خالية قد امتلأت بالعبر للمتأملين ، فيروس صغير لا يرى إلا بالمجهر تحول إلى مجهر يكشف عن فيروسات الإنسان
18)فسقطت شعارات العلموية في السيطرة على الطبيعة وتسخير الكون ، وآمن الملحد بشيء لم يره ولكنه رأى آثاره وانقاد أدعياء الحرية خلف وصايا الأطباء وتضرعت لله الدولة العلمانية الأم
19) ويقال أن بعض المثقفين آنذاك لم يقولوا للناس استفت قلبك وإن قال لك الأطباء ما قالوا ويقال أن التنويرين لم يرفعوا شعار (حكم عقلك) بل رفعوا شعار (كبر أذنك واسمع الوصايا)
20) ويقال أن منكرين السنة صدقوا الأخبار دون أن يشترطوا التواتر
21) ويقال أن الناس تجاهلوا كل من تحدث عن المرض ما لم يكن طبيبا متخصصا وتجاهلوا واستهجنوا المتطفل على فن ليس من فنه ويحكى أن الذين يصفون دعاة (سد الذرائع) بالمتشددين كانوا في الأزمة أشد الناس تمسكا بهذه القاعدة
22)ويقال أن ( بعض ) المشاهير لم يجدوا ما يقدمون لأن بضاعة طرحهم كانت تعتمد على التنقل أو التجمع فلما فرض الحظر انكشفوا أمام أنفسهم ولعل بعض البعض منهم تعلم الدرس
23) وأن العطاء الباذخ دون بناء راسخ ما هو إلا تمثال من الشمع تذيبه حرارة المواقف والأزمات والحوارات وأن الوقوف للتزود من محطة العلم خير من مواصلة الرحلة دون وقود كاف
24) ويقال أن المحلل الرياضي كان ينظر للأزمة من خلال عدسة ملونة بلون فريقه فمحلل يدعو إلى إيقاف النشاط الرياضي وآخر يرفض التوقف ، ليس بحسب انتشار أو انحسار المرض بل بحسب حظ فريقه من عدمه في الحصول على لقب ما
25) وتذكر الوثيقة التاريخية أن مشاهير الرياضة المغردين في تطبيق ( تويتر ) عاشوا أزمة تواصلية على مستوى المحتوى المتداول فلم يجدوا بدا من إعادة بعض اللقطات والأهداف تحت بند ( لين يفرجها ربك )
26) وتحولت الأسئلة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من ( ما أفضل طريقة للوقاية من الفيروس ) إلى ( ما أفضل فيلم تنصح به ؟ ) فضاعت الأوقات
27) ويقال أن ثلة ممن شهدوا حرب الخليج وقليل ممن شهدوا سنة الصخونة لبسوا عباءة الحكيم ونظارة المستشار وراحوا يحكون للناس تجاربهم
28)ومن جميل ما يروى أن ثمة أناس استثمروا التوقف ولحظات الانعزال في مراجعة محفوظاتهم وإنهاء متعلقاتهم وزيادة معلوماتهم وتزكية نفوسهم وتقويم جوانب حياتهم
29) وتروي المراجع أن لقطة خلو المطاف كانت الحدث الأكثر رهبة وأن تعليق الدراسة وعبارة ( حتى إشعار آخر ) كان الحدث الأكثر إرباكا حيث شعر الناس بجدية الأزمة أما حدث إيقاف الجمع والجماعات ففطر أفئدة المعلقة قلوبهم بالمساجد وأيقظ بقية القلوب الغافلة
30) ومن طريف ما ذكر ونشر هي تلك الوصايا التي تدعو الناس إلى فعل بعض الأشياء والأنشطة للأبناء وكأن وجودهم مع أسرهم وتفرغ أسرهم لهم حدث استثنائي ينبغي التواصي لتجاوزه فالمنزل الذي يسمى سكن أصبح وكأنه ملجأ
31) ويقال أن سكان المدن الصغيرة والقرى لم يتأثروا بمنع التجمع كما تأثر سكان المدن الكبيرة فالأولى معتادة على منزلها وحارتها ومزرعتها وماشيتها وبيت جدها بينما حصرت الثانية وجودها في المنتزهات والأسواق والمطاعم والمقاهي
32) ووجد عائل الأسرة الكثيرة الساكن في شقة صغيرة أزمة حقيقة في التعامل مع الحدث وتجاوز بعضهم الموقف من خلال تخصيص أركان في المنزل للرسم واللعب في المساحات المتاحة حتى لو كانت في الأسطح
33) كانت هذه بعض المشاهد التاريخية في حقبة زمنية غابرة نقلت لكم منها ما أتيح لي وما عايشتها بنفسي ، فهل من مشاهد أخرى يمكن لمن عاصر الأحداث أن يرويها لنا
٣٤) وجاء في بعض الروايات
أن إعادة ضبط المنبه فجر أول يوم منعت الصلاة فيه في المساجد أجرى دموع المشائين في الظلمات
وأن الكثير من المؤذنين لم يستطيعوا نطق (صلوا في رحالكم) دون أن تنحب قلوبهم وتبح من البكاء أصواتهم
وأن المواظب على الصلاة جماعة كان أشد ألما والمفرط كان أشد ندما
٣٥) ومن جميل ما خلده تاريخ تلك المرحلة
أن أناسا تعاملت مع الموقف بكل تكيف وإيجابية
فأعدت مصلى في المنزل
وكُلّف أحد الأبناء بالأذان والأب بالإمامة والابن الثاني بكلمة أو فائدة في كل يوم مرة واحدة وربما تبادل الثلاثةُ الأدوارَ
٣٦) ومما رواه بعض من عاصر منع الصلاة في المساجد بسبب الوباء أن دموع كبار السن وتحسرهم على الصلاة كانت موعظة بليغة له
وأن منظر المساجد خالية قد ملأ قلبه حسرة وهيبة ... ويقظة
٣٧) وما دمنا تحدثنا عن كبار السن .. فإن من حماقات بعض الرسائل التطمينية في ذلك الزمن أنها كانت تبعث الأمل وتزيل القلق بقولها
أن الفيروس خفيف الضرر وليس يقتل إلا كبار السن وضعاف المناعة
ولا أدري هل جهل مروج هذا الكلام أن كبار السن في كل عائلة هم عمادها وسراجها وملاذها
٣٨) وأن هذه الرسائل تزيد الصغير قلقا وتزيد الكبير شعورا بالاغتراب عن عصره وقرب انتهاء مدة صلاحيته حتى غدا ضعفه وسيلة تطمين لجيل يستقبل الحياة
٣٩) ومن غريب ما رأيت أن بعض الناس امتنع عن المصافحة باليد ولو مددت يدك له وأعجب منه أن بعض الشباب رأيتهم يتصافحون بالأرجل !!
لا أدري لعلها دعابة منهم أو ربما هي المتوالية السلوكية حين تتطرف في تطبيق الفكرة
٤٠) ومن عبر التاريخ المتكررة
أن قيم السوق(العرض والطلب) وتجارة الأزمات شوهت الانسانية ففي أزمة الخليج بلغ الشريط اللاصق أضعاف سعره وفي أزمة كورونا وصلت المعقمات في بعض دول الخليج إلى أسعار مبالغ فيها وفي أوروبا تقاتل الناس على المناديل الورقية
٤١) ومن فوائد تلك المرحلة أن قناعات المسؤول كبير السن قد تبدلت وأساليب المدير المركزي قد تغيرت بعد أن جربوا العمل بالتقنية والتعامل عن بعد
٤٢) ومن فوائدها أيضا أنها وحدت المجتمع ورفعت الوعي الجمعي
والمسؤولية المشتركة تجاه قضية واحدة .. تشابه فيها الناس رغم اختلافاتهم .. واتفقوا رغم خلافاتهم
٤٣) ومن صفعات ذلك الزمان أن تصبح أحاديث بعض الرجال عن براعتهم في تسوية طرفي الشارب دون جروح مميته
أما من تحصل على حلاق خلسة فيعد من طبقة النبلاء
٤٤) ومما يروى على خلفية منع الصلاة في المساجد أن أحدهم وجد نفسه في حرج أمام أبنائه حينما قال له ابنه :
أبي لا مانع أن تصلي بنا وتقرأ من المصحف من باب التنويع
فشعر الأب أن محفوظاته القليلة لقصار السور أجبرته على التكرار مما دفعت ابنه إلى هذا الاقتراح
٤٥) أغلقت كتاب التاريخ
وتأملت ما حدث فوجدت أن فيروس كورونا كان ضارا بالجسد
ولكن أعراضه الجانبية
أفادت الروح بالتعلق بربها
والنفس بالخلوة والتزكية
والعقل بالتأمل والمراجعة
والأسرة بالترابط وترسيخ القيم
والمجتمع بالتآزر والتواصي
٤٦) وتأملت للمرة الأولى أن الزحام في أماكن العبادة كان من النعم
٤٧) تعجبت من ذلك الزمان وكيف أصبح الإنسان يهرب من أخيه الإنسان وينعزل عنه ولا يقترب منه
فتذكرت قول الأحمير السعدي
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى ** وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
٤٨) كيف يخافه خشية أن ينقل إليه عدوى جسدية بينما لم يكن يخاف منه مهما امتلأ بفيروسات فكرية
لا أدري .. لماذا يثق بجهاز مناعة عقله أكثر من جهاز مناعة جسمه
أو ربما جسده أهم وأولى بالعناية من معتقداته وقيمه
٤٩) وتأملت في تلك الحادثة وأشباهها عبر التاريخ
فوجدت أن الإيمان بلا علم يقود الإنسان إلى الخرافة والبدع
وأن العلم بلا إيمان يقوده إلى الإلحاد والغطرسة
وأن الإيمان مع العلم يفضي بك إلى برد اليقين
٥٠) ووجدت عبر النظر في واقعة كورونا أن الأزمات خافضة رافعة
ترفع دولا وأشخاصا وسلعا وقيما وتخفض أخرى وآخرين
والحكيم من اتعظ بغيره والموفق من لم يكن عظة لمعتبر
٥١) نسمع كثيرا بأن الأحداث عبرة والمواقف عبر والتجارب عبر ونقرأ في القرآن الأمر بالاعتبار
ولا يكفي لتعتبر أن تمر بالتجربة أو تعايشها بل ينبغي النظر فيها ( لتعبر ) من خلالها إلى معنى أو قرار أو توبة أو عزم أو دمعة أو خطوة وهنا سمت عبرة لأنها عبور من ضفة الحدث إلى ضفة المعنى
٥٢) بإذن الله وتوفيقه ورعايته ورحمته ستنقضي المحنة وسنعود أنقى وأقوى وأرقى مما كنا عليه
سنعانق مساجدنا ونصافح مشاريعنا سنلتصق ببعضنا حول مقام إبراهيم سنتزاحم عند زمزم سنجري خلف أطفالنا في المنتزهات وخلف أرزاقنا في الأسواق
ستشرق الشمس وتغرد الطيور بعد أن تلين القلوب بذكر الله
استودعكم الله
رابط التغريدات