كانَ بيْنَهُمْ شيءٌ !! 1446/1/27ه

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ: يَقَولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ و( بَلَغَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ بقُبَاءٍ كانَ بيْنَهُمْ شيءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بيْنَهُمْ في أُنَاسٍ مِن أصْحَابِهِ ) فإِصْلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ مَصْدَرُ الطُّمَأْنِينَةِ وَالهُدُوءِ وَمَبْعَثُ الاسْتِقْرَارِ وَالأَمْنِ، وَيَنْبُوعُ الأُلْفَةِ وَالمَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ والتَّنَازُعُ بَيْنَ الأَفْرَادِ مُفْسِدٌ للبُيُوتِ وَالأُسَرِ، وَمُهْلِكٌ للشُّعُوبِ وَالأُمَمِ، وَسَبَبٌ عَظِيمٌ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَتَبْدِيدِ الثَّرَوَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بِالخُصُومَاتِ وَالمُشَاحَنَاتِ تُنْتَهَكُ حُرُمَاتُ الدِّينِ، وَيَعُمُّ الشَّرُّ القَرِيبَ وَالبَعِيدَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ بِالحَالِقَةِ، فَهِيَ لَا تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».

عِبَادَ اللهِ: ولَقَدْ حَذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَسَادِ ذَاتِ البَيْنِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّهَا الحَالِقَةُ» فَكَمْ يَسْعَى الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ اليَوْمَ لِيُفْسِدُوا بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، وَأَنْ يَنْقُلُوا الكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ النَّمِيمَةِ، وَإِذْكَاءِ نَارِ العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ ولَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ في أَنَّ الشِّقَاقَ وَالخِلَافَ مِنْ أَخْطَرِ أَسْلِحَةِ الشَّيْطَانِ الفَتَّاكَةِ التي يُوغَرُ بِهَا صُدُورُ الخَلْقِ، لِيَنْفَصِلُوا بَعْدَ اتِّحَادٍ، وَيَتَنَافَرُوا بَعْدَ اتِّفَاقٍ، وَيَتَعَادُوا بَعْدَ أُخُوَّةٍ وَصَدَاقَةٍ.

عِبَادَ اللهِ: إِصْلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، وَخُلُقٌ جَمِيلٌ يُحِبُّهُ اللهُ تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ تَكُونُ الأُسْرَةُ ثُمَّ الأُمَّةُ مُتَمَاسِكَةً، يَعَزُّ فِيهَا الضَّعْفُ، وَيَنْدُرُ فِيهَا الخَلَلُ، وَتَقْوَى رَوَابِطُ الأُسْرَةِ وَالأُمَّةِ وبِإِصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ يَصْلُحُ المُجْتَمَعُ، وَتَأْتَلِفُ القُلُوبُ، وَتَجْتَمِعُ الكَلِمَةُ، وَيُنْبَذُ الخِلَافُ، وَتُزْرَعُ المَوَدَّةُ وَالأُلْفَةُ وَالمَحَبَّةُ.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ: العَبْدُ الذي لَا يَقْبَلُ الصُّلْحَ وَلَا يَسْعَى إِلَيْهِ عَبْدٌ قَاسِي القَلْبِ، فَاسِدُ السَّرِيرَةِ، خَبِيثُ النِّيَّةِ، سَيِّئُ الأَخْلَاقِ، غَلِيظُ الكَبِدَ، إلى الشَّرِّ أَقْرَبُ، وَعَنِ الخَيْرِ أَبْعَدُ أَمَّا العَبْدُ المُصْلِحُ فَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ قَلْبَاً، وَقَلْبُهُ مِنْ أَطْهَرِ القُلُوبِ، هَذَا العَبْدُ نَفْسُهُ تَوَّاقَةٌ للخَيْرِ مُشْتَاقَةٌ إِلَيْهِ، يَبْذُلُ كُلَّ جُهْدِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَجْلِ الإِصْلَاحِ ، فأَصْلِحُوا بَيْنَ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ، وَأَصْلِحُوا بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ، وَأَصْلِحُوا بَيْنَ المُتَدَايِنِينَ، وَأَصْلِحُوا بَيْنَ الأَقَارِبِ وَالأَرْحَامِ، وَأَصْلِحُوا في الأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ، وَأَصْلِحُوا في النِّزَاعِ وَالخُصُومَاتِ، لِنُصْلِحْ وَلَا نُفْسِدْ، فَإِنَّ الفَسَادَ دَمَّرَ العِبَادَ وَالبِلَادَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العظِيمِ.