كاتب وحي الرحمن : معاويةُ بن أبي سفيان.

عبدالله بن رجا الروقي
1435/04/13 - 2014/02/13 12:20PM
أما بعد فقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وختم به الرسالات وخصه الله عز وجل بأصحاب اختارهم لصحبته، فجاهدوا معه وبعده في سبيل الله، حق الجهاد ونشروا الإسلام في بقاع الأرض ، وبلغوا القرآن والسنة إلى الناس.
ولقد أثنى الله عزوجل عليهم في كتابه فقال تعالى
:﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» رواه البخاري
وهذا يدل على أن جناب الصحابة جنابٌ مكرم لايجوز التعرض لهم أبداً ، ولا البحث عن تعديلهم فهذا أمر قد فُرغ منهم فكلهم جميعاً عدول قد أثنى عليهم رب العالمين وزكاهم فلا مجال للقدح فيهم بل يجب الترضي عنهم كلِهم
عباد الله ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من بعدهم في أداء دين الله فمن قدح فيهم فإنما يقدح في هذه الواسطة التى بلغنا الدين عن طريقها
قال الإمام أبو زرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.ا.هـ

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ قال العلامة الشوكاني رحمه الله: (أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق، فيدخل في ذلك الصحابة دخولاً أولياً؛ لكونهم أشرف المؤمنين، ولكون السياق فيهم، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم، ويطلب رضوان الله لهم؛ فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية.
فإن وجد في قلبه غِلاً لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله، بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، وانفتح له باب من الخِذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجأ إلى الله سبحانه، والاستغاثة به بأن ينزع من قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة.
فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بالزمام، ووقع في غضب الله وسخطه).انتهى كلام العلامة الشوكاني رحمه الله.

ومن هؤلاء الصحب الكرام صهر رسول الله ﷺ خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - فهو من الصحابة الأجلة الكرام، الذين يجب الترضي عن جميعهم.
شهد معاوية - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حنينا والطائف، وشهد غزوة تبوك، وهي العسرة.
ولهذا فهو من المؤمنين الذين أنزل سكينته عليهم في غزوة حنين قال تعالى ﴿ ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ﴾
وهو داخل في قوله تعالى في غزوة تبوك ﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾
وفي أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - شهد حرب المرتدين في اليمامة.
وتولى معاوية إمارة دمشق في عهد عمر بعد ثم تفرد بإمرة الشام آخر عهد عمر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: استعمل عمر معاوية مكان أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي معاوية على ولايته - أي للشام - تمام خلافته وعمرُ ورعيتُه تشكره وتشكر سيرته فيهم وتواليه وتحبه لما رأوا من حلمه وعدله؛ حتى أنه لم يشكه منهم مشتك ولا تظلمه منهم متظلم.انتهى
وقام رضي الله عنه على ثغور الشام ، وفتح عسقلان، وتتبع ما بقي من فلسطين.
ثم توفي عمر وهو عن معاوية راض، فأقره عثمان بن عفان ـ - رضي الله عنهم - جميعا ـ على إمرة الشام كلها، وكان معاوية يغزو الروم، واستطاع أن يصل إلى عمورية (موقع أنقرة اليوم)، ومعه عدد من الصحابة، منهم: عبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وشداد بن أوس - رضي الله عنهم -.
وطلب معاوية بناء قوة بحرية للمسلمين، فوافق عثمان - رضي الله عنه -، فبنى أسطولا، وغزا بنفسه جزيرة قبرص.
وعندما آل الحكم إلى معاوية - رضي الله عنه - استكمل ما بدأه في بناء القوة البحرية لحماية سواحل الدولة الإسلامية بإقامة المراكب للغزو إلى جانب ترتيب الحفظة في السواحل مما استولى عليه المسلمون من قواعد ومنشآت بحرية، وعندما خرجت الروم في عهده إلى السواحل الشامية أمر بجمع الصناع من النجارين فرتبهم في السواحل الشامية وجعل مقر دار صناعة السفن في الأردن
كما أنشأ - رضي الله عنه - أول دار صناعة للأساطيل لإنتاج السفن الحربية المختلفة بمصر سنة 54هـ
وبلغت السفن الحربية في عهد معاوية - رضي الله عنه - نحوا من ألف وسبعمائة سفينة شراعية مشحونة بالرجال والسلاح وجميع العتاد، والمستلزمات القتالية البحرية.
وأما سيرته في حكم الناس فقد قال أحد علماء التابعين وهو الزهري رحمه الله:عمِل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئا.ا.هـ
هذا شيء من سيرته رضي الله عنه.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
أما بعد فقدجاء في السنة النبوية مايدل على فضل معاوية رضي الله عنه
فمن ذلك حديث أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم أستيقظ يبتسم فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » ، قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية. رواه البخاري ومسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ».رواه البخاري
ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة
وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وذلك لأن أول جيش غزا في البحر كان بإمرة معاوية.
ومن فضائله أن النبي ﷺ دعا له فقال : «اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به»رواه الترمذي.

وأما أقوال العلماء فإن أهل السنة والجماعة مجمعون على فضله ووجوب الترضي عنه وتحريم التعرض له بما فيه تنقص له ، كما هو الحال مع سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد سئل عبدالله بن المبارك رحمه الله عن التفضيل بين معاوية رضي الله عنه وعمر بن عبدالعزيز رحمه الله فقال مقولته المشهورة:
لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز. ا.هـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك؛ كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث ... وكان في ملكه من الرحمة والحلم ونفع المسلمين ما يعلم أنه كان خيرا من ملك غيره.
وقال - أيضًا- رحمه الله: ولا تولّى ملكٌ من ملوك المسلمين أحسن سيرة من معاوية رضي الله عنه ، كما ذكر الناس سيرته وفضائله. ا.هـ

عباد الله:
اعلموا رحمكم أن الذي يتكلم في معاوية رضي الله عنه فإنه سيتكلم في غيره من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فإن معاوية رضي الله عنه باب الصحابة ومن طرق هذا الباب وٓلٓجٓهُ.
ولهذا قال بعض السلف : معاوية رضي الله عنه ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كشف الستر اجترأ على ما وراءه.ا.هـ
إن من عقيدة أهل السنة والجماعة الدعاء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم امتثالاً لقوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
فاللهم اغفر لهم وارحمهم وأرضهم وارض عنهم
ولاتجعل في قلوبنا غلًا لهم...
المشاهدات 3253 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


جزيت خيرا شيخ عبدالله أفدت وأجدت ويكفي أنك تنافح عن صحابي له شرف الصحبة التي لا يعدلها شيء.

لكنا نعتب عليك تأخرك وانقطاعك وعسى هذه الخطبة القيمة تكفر لك عندنا هههه


وأنتما كذلك جزاكما الله خيراً ونفع بكما.
وأما الانقطاع فهو لعذر، والكفارات عنه قادمة وكثيرة إن شاء الله.