كاتب الوحي: معاوية بن أبي سفيان

الحمد لله ربِّ العالمين ..

إخوة الإيمان والعقيدة .. بَلَغَ الصَّحابَةُ الكِرامُ رضي الله عنهم مَراتِبَ الكَمَالِ، واخْتَصَّهُمُ اللهُ تعالى بِأَعْظَمِ الفَضائِلِ، وأَطْيَبِ الخِصالِ، وبَوَّأَهُمْ مَنْزِلَةً لا تَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِمْ، حتى جَعَلَ حُبَّهُمْ مِيزانًا للإيمان، وبُغْضَهم عَلَامَةً على النِّفاق. قال ابنُ مَسْعودٍ t: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ.

ومِنْ أُولَئِكَ الصَّحْبِ الكِرامِ أَمِيرُ المؤمنين مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ t، الذي شرَّفَه اللهُ بِصُحْبَةِ نَبِيِّه؛ فكان مِنْ أَفَاضِلِ أصحابِه، وأصْدَقِهِمْ لَهْجَةً، وأكثرِهم حِلْمًا وعدلًا. وثَبَتَ له من الفضائلِ والمَناقِبِ ما يدلُّ على عُلُوِّ شَأْنِه، ورفيعِ مَنزِلَتِه، وكرِيمِ سَجاياه. فإنه مِنْ كُتَّابِ الوَحْيِ، ومِنْ رُواةِ الأحاديث، وهو خَالُ المؤمنين، وخليفةُ المسلمين، والمَلِكُ القائِدُ، صاحِبُ الفُتوحاتِ الإسلامية، وداهِيَةُ زمانِه، شَهِدَ حُنَينًا، واليمامَةَ، وكان حَسَنَ التَّدْبِيرِ، عاقِلًا حَكِيمًا، فَصِيحًا بليغًا، وكان كريمًا بَاذِلًا للمال، وكان يُضْرَبُ بِحِلْمِه المَثَلُ.

فمُعَاوِيَةُ t كَاتِبُ النبي ﷺ، وَصَاحِبُهُ، وَصِهْرُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وقد دَعَا لَهُ النبيُّ ﷺ فقال "اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وَقِهِ الْعَذَابَ" ومن دعائه ﷺ لِمُعَاوِيَةَ "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَاهْدِ بِهِ" لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ عَنْ حِمْصَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ؛ فَقَالَ النَّاسُ: عَزَلَ عُمَيْرًا، وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ! فَقَالَ عُمَيْرٌ: لاَ تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلاَّ بِخَيْرٍ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ".

ومِنْ مَناقِبِ معاوية t: أنَّ عُمَرَ t وَلَّاهُ على الشَّامِ، وأَقَرَّهُ عُثْمَانُ t أيضًا مُدَّةَ خِلافَتِه كُلِّها، فَحَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ - وَهُوَ ثَغْرٌ - فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ.. فَهَذَا الرَّجُلُ -معاوية بن أبي سفيان- سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ، كَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ، عَمِلَ على نِيَابَةِ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةِ عِشْرِيْنَ سَنَةً؛ بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ. فكان في الشَّامِ خَلِيفةً عشرين سنة، ومَلِكًا عشرين سنة. فَقَدْ تحوَّلت الخِلَافَةُ في عَهْدِه إلى مُلْكٍ؛ لقوله ﷺ "خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ" قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا كَانَ أَخْلَقَ لِلْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ".

ولمَّا سُئِلَ ابنُ المُبارَكِ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أبي سُفيان، أَوْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: واللهِ! إنَّ الغُبَارَ الذي دَخَلَ في أَنْفِ مُعاوِيَةَ مع رسولِ الله ﷺ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بألفِ مَرَّةٍ، صَلَّى معاويةُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فقال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فقال معاويةُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فما بَعْدَ هذا؟

فأصحابُ النبيِّ ﷺ لا يُقاسُ بِهِمْ أَحَدٌ. يَقُولُ مُجَاهِدٌ رحمه الله: لَوْ رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ لَقُلْتُمْ هَذَا الْمَهْدِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ t فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ، وَالصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ.

وكانَتْ خِلافَةُ مُعَاوِيَةُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمين؛ انْطَفَأَتْ بها الفِتَنُ، واجْتَمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى رَايَةٍ واحِدَةٍ، وعادَتْ الفُتُوحَاتُ، واشْتَهَرَ في عَهدِه ما يُسَمَّى بِالصَّوائِفِ والشَّوَاتِي: وهي غَزوَةُ الشِّتاءِ والصَّيفِ.

عن أُمِّ حَرَامٍ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا" قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ" فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لاَ" قال الْمُهَلَّبُ رحمه الله: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيدَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ.

ومَعَ مَا أَعْطَاهُ اللهُ وَفَتَحَ عَلَيْهِ مِنَ المُلْكِ؛ كَانَ مُعَاوِيَةُ زاهِدًا، مُنْصَرِفًا عَنِ الدُّنيا، وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى تَعْلِيمِ المُسْلِمِينَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وكان كَثِيرَ البُكاءِ مِنْ خَشْيَةِ الله.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُبَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ،

أقول ما تسمعون ...

 

 

الحمد لله

مَعَاشِرِ الْمُؤْمِنِينَ ... مِنَ النِّفَاقِ المُبِينِ، والإِثْمِ العَظِيمِ: الطَّعْنُ في أَصْحَابِ النبيِّ ﷺ، إذا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أحَدًا مِنْ أصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ فاعْلَمْ أنَّهُ زِنْدِيْقٌ. قَال الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: إِذَا رَأَيْتَ أَحَدًا يَذْكُرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسُوءٍ؛ فاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

ومِنْ سَعادَةِ المُسْلِمِ أَنْ يَمْتَلِأَ قَلْبُه مَحَبَّةً وإِجْلالًا لِصَحابَةِ رسولِ اللهِ ﷺ وأنْ يَعْرِفَ لهم فَضْلَهم وسابِقَتَهم. وما جاءَ مِنَ الأَخْبارِ فِيمَا وَقَعَ بين مُعاوِيَةَ وعَلِيٍّ رضي الله عنهما مُعْظَمُها كَذِبٌ وافْتِراءٌ اخْتَلَقَه المُنافِقُون والضُّلَّال، ومَا صَحَّ فيما وَقَعَ بين الصَّحابةِ من الأخبارِ، فَهُمْ فيه مُتَأَوِّلونَ مُجْتَهِدونَ، مغفورٌ لهم؛ لأنَّ حُبَّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضَهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ.

ومِنْ عَلَامَاتِ الشَّقَاءِ.. الطَّعْنُ بِأَصْحابِ رسولِ الله ﷺ بِالسَّبِّ والشَتْمِ، أو التَّنَقُّصِ لهم، أو الحِقْدِ الدَّفِينِ في القلب تُجَاهَهُمْ. ومعاويةُ t صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، كيفَ يأتي سَفِيهٌ جاهِلٌ يَسُبُّه؟! وقد قال النبيُّ ﷺ: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي" وفي روايةٍ "لاَ تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي" وقال ﷺ "إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي؛ فَأَمْسِكُوا" فَمَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ ومعاويةَ، فَأَمْسِكُوا عمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وأَمْسِكُوا عن الطَّعْنِ فِيهم، فلا يَجُوزُ لِلمُسْلِمِ أَنْ يُصْغِي إلى أخبارِ المُؤَرِّخين، وجَهَلَةِ الرُّوَاةِ، وضُلَّالِ الرَّافِضَةِ والمُبْتَدِعِين القادِحَةِ فِي أحدٍ منهم.

ومن لا يرتدع؛ فَلْيَبْشُرْ بِلَعْنَةِ اللهِ؛ فإنَّ النبيَّ ﷺ قال: "مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

رضي الله عن صحابة النبي ﷺ .

ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين. ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين. ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء.

 

المرفقات

1721359442_معاوية بن أبي سفيان.pdf

1721359451_معاوية بن أبي سفيان.docx

المشاهدات 414 | التعليقات 0