كأجر الحاج المحرم

عبدالله حمود الحبيشي
1435/12/13 - 2014/10/07 11:55AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المشايخ الفضلاء والخطباء الكرام .. هذه خطبة مقترحه للجمعة القادمة بإذن الله 16/ 12/ 1435هـ وهي عن ذكر بعض الأعمال التي يكون أجرها كأجر الحج والعمرة وأصلها مأخوذ من خطبة الشيخ الفاضل عبدالله اليابس وفقه الله ونفع الله بعلمه بعنوان "إلى من فاته الحج" مع تعديل يسير .



الخطبة الأولى :

أما بعد عباد الله .. دعى الله عباده لزيارة بيته ، عمرة أو حج فؤمر إبراهيم عليه السلام بالنداء (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .
فاستجاب المستجيبون ممن أكرمهم الله ويسر أمرهم فحجوا لله طائعين راغبين فنسأل الله أن يتقبل منهم حجهم ، ويعظم أجرهم ، ويجعلهم ممن رجعوا بعد حجهم كيوم ولدتهم أمهاتهم لا ذنوب ولا خطايا .. وأن يرزقهم الجنة وهي ثواب الحج المبرور كما صح ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام .
هذا أجر الحجاج .. الذين أكرمهم الله فبذلوا من أموالهم وأوقاتهم ، وكابدوا المشقة والعناء ، بين طواف وسعي ، ووقوف بعرفة ، ومبيت بمزدلفة ، وإقامةٍ بمنى ورمي الجمار .. عانوا من الزحام ، وصبروا على المشقة والتعب .
ولكن ليس كل المسلمين يقوى على ذلك ، وليس كل المسلمين يتيسر له الحج ، وإن كان يشتاق إليه .. وربنا كريم رحيم ، حليم جواد .. من أجل ذلك شرع الله لنا أعمالا من قام بها مستحضرا صالح النية كان له كأجر الحاج والمعتمر .


فمن هذه الأعمال ما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء الفقراءُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا : ذهب أهلُ الدُّثورِ منَ الأموالِ بالدرجاتِ العُلا والنعيمِ المقيمِ, يُصلّون كما نُصلّي، ويصومونَ كما نصومُ، ولهم فضلٌ من أموالٍ يحجُّونَ بها ويعتمِرونَ، ويُجاهدونَ ويتصدَّقونَ . قال صلى الله عليه وسلم (ألا أُحدِّثُكمْ بأمرٍ إن أخذتُمْ بهِ، أدركْتُم مَن سبقَكمْ، ولمْ يدرككُمْ أحدٌ بعدَكُم، وكنتُمْ خيرَ مَنْ أنتمْ بينَ ظهرانَيهِ، إلا مَن عملَ مثلَهُ ؟ تُسبِّحونَ وتحمدونَ وتكبِرونَ، خلفَ كلِّ صلاةٍ، ثلاثًا وثلاثينَ) .
لقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام من حزن الفقراء وأسفهم لا على زهرة الدنيا ومتاعها وشهواتها ، بل لعجزهم عن الحج والعمرة والجهاد بالأموال والصدقات .. فدلهم عليه الصلاة والسلام لما هو خير ويكون عوضا لهم عما فقدوه بسبب فقرهم .. وهو والله فضل من الكريم الرحيم بعباده غنيهم وفقيرهم فحين علم الأغنياء بهذا الفضل العظيم تنافسوا فيه وسابقوا إليه فنالوا الأجر فكان كما قال عليه الصلاة والسلام (ذلك فضلُ اللهِ يُؤتيه مَن يشاءُ) .


فهل تأملنا الأجر العظيم بذكر الله تعالى بعد الصلوات المكتوبة والمواظبة عليه .. إنه ذكر الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) .. جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله .
لقد جعل الله تعالى لمن يكثر من ذكر الله تعالى عظيم الأجر (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا),


ومن الأعمال التي ينال بها أجر الحج والعمرة صلاة الفجر في جماعة وانتظار الإشراق فيصلي ركعتين .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلَّى الغداةَ في جماعة ، ثم قعد يذكر اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ، ثم صلَّى ركعتَين ؛ كانت له كأجرِ حجَّةٍ وعمرةٍ ، تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ) .
وسؤل جابرِ بنِ سمرةَ رضي الله عنه : أكنتَ تُجالسُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قال : نعم . كثيرًا . كان لا يقومُ من مصلَّاهُ الذي يصلي فيهِ الصبحَ حتى تطلعَ الشمسُ . فإذا طلعت قام . وكانوا يتحدَّثون فيأخذون في أمرِ الجاهليةِ . فيضحكون . ويتبسَّمُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .


ومن الأعمال التي يلحق فاعلها بالحاج والمعتمر المشي إلى المساجد قال عليه الصلاة والسلام (من خرج من بيتِه مُتطهّرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ فأجرُه كأجرِ الحاجِّ المحرِمِ ، ومن خرج إلى تَسبيح الضُّحى لا ينصبُه إلا إياه ، فأجرُه كأجرِ المعتمرِ ، وصلاةٌ على إثرِ صلاةٍ ، لا لغوَ بينهما كتابٌ في عِلِّيِّينَ) .
يا الله ما أعظم كرم الله .. فأين الحريصين وأين المغتنمين .. كم صلاة في اليوم .. إنها خمس صلوات في اليوم والليلة من حافظ عليها في المساجد نال أجر الحاج المحرم خمس مرات .. فلا تستغربوا هذا الفضل ، ولا تستكثروا من الكريم الوهاب هذا الأجر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
نسأل الله أن لا يحرمنا أجره ، ويزيدنا من فضله ، ويرزقنا شكر نعمه .. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية

عباد الله .. ومن الأعمال التي يلحق فاعلها بالحاج والمعتمر بر الوالدين .. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أتَى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال إنِّي أشتهي الجهادَ ولا أقدِرُ عليه قال (هل بَقِي من والدَيْك أحدٌ) قال أمِّي قال (قابِلِ اللهَ في بِرِّها فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ) .

هل تأملتم يا رعاكم الله عظم أجر البر بأحد الوالدين فكيف بكليهما.. فيا لخساره من فرط في هذا الباب العظيم من الأجر والثواب .. كم ممن تكاسل أو غفل عن البر بوالديه .. وخاصة الأم وخاصة الأم وخاصة الأم التي خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر والحث ثلاث مرات .. هل ندرك حجم الجريمة التي نجنيها على أنفسنا في تقصيرنا .. لا أقول في العقوق فهذه طامة كبرى وذنب عظيم .. ولكن أقول التقصير في البر يفوت علينا أجورا عظيمة .. كما أنه بيان لك يا أيه الأبن أو البنت ألا تتعاظم في نفسك ما تقدمه لأبويك وإن كنت مشكورا على فعلك وإحسانك فأنت تقدم لنفسك فالبركة والسعادة والزياده في الدنيا والآخرة تآخذها بأقصر طريق وأيسر الأعمال ببرك لوالديك .. (قابِلِ اللهَ في بِرِّها فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ) .

عباد الله .. هذه بعض الأعمال التي شرعها الله لنا جميعا من حَجَّ ومن لم يحج .. فمن لم يحج كانت له كأجر الحاج .. ومن حج فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد جمع مع أجره أجور .. ونسأل الله القبول .
يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: (من عجز عن حج البيت أو البيتُ منه بعيد, فليقصد رب البيت فإنه ممن دعاه ورجاه أقرب من حبل الوريد, ومن فاته في هذا العام القيام بعرفه, فليقم بحق الله الذي عرفه, ومن عجز عن المبيت بمزدلفة, فليبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه, ومن لم يقدر على ذبح هديه بمنى, فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى), أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
المشاهدات 2066 | التعليقات 0