قيمةُ العُمر          29/ 12 /1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/12/28 - 2024/07/04 17:16PM

الخطبة الأولى / قيمةُ العُمر                  29/ 12 /1445هـ

الحمدلله الولي الحميد يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين  .. أما بعد ..

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا   **   وكل يوم مضى  يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا  **    فإنما الربح والخسران في العمل

تتصرم الأعوام سراعا ، وتمضي السنون تباعاً «ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ»

ومن دعاء النبي r « وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ»

والدنيا مراحل، والإنسان فيها يمضي بعمره يتخطى تلك المراحلُ مرحلةً مرحلةً.. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ]

 «وخَيْرٌكم، قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، فمن الناس ما تزيده الأعوام إلا رفعة في إيمانه ، وثباتا في دينة ، ورقيا في خلقه ، وشموخا في همته ، ومنهم من يضيع نفائس عمره، وجوهرة شبابه، خلف شهوات النفس، وأماني الأحلام، يسبح في غير ماء، ويطير من غير جناح.. فما تزيده الأعوام إلا تذبذبا في المنهج ، وضعفا في الإيمان .. فتزل القدم عند أول عاصفة ، وتتعثر الخطى عند أول فتنة ، ويحتار العقل عند أي شبهه ، فلا  يقين يثبته ، ولا علم يهديه ..

أحداث ومستجدات وانفتاح .. تزل معها أقدام ، وتجعل من الحليم حيران ، يحتاج معها الفطن تعاهد الإيمان ، والاستزادة من الباقيات الصالحات، وتحصيل العلم النافع  .

قَالَ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه ُ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» وقَالَ البخاري: « وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ» ومن لنفسه قيمة عنده لايضييع نفائس عمره ، وقيمة كل امرئ ما يحسنه ..

     على المرء أن يسعى لتحسين حاله  **  وليس عليه أن يساعده الدهر

 وخير الأعمال ما أثّل المجد وحصل الحمد، وشرّ الأعمال ما كان عناؤه طويلا وغناؤه قليلا، فَإِن مَا فَاتَ الْيَوْم من الرزق يُرْجَى غَدا زِيَادَته، وَمَا فَاتَ أمس من الْعُمر لم يرج الْيَوْم رجعته.

أخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: «إِنِّي لَأَمْقُتُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمِلِ دُنْيَا، وَلَا آخِرَةٍ».

      وما المرء إلا حيث يجعل نفسه  **  ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل

وفي ترجمة ابن وهب: لا يكون البطال من الحكماء.

لا تخضعن لمخلوقٍ على طمعٍ  **   فإن ذلك وهنٌ منك في الدين

واســـترزق الله ممــا في خزائنـــــــه   **  فإن ذلك بين الكاف والنـــــون

 

لا تُطلبُ السلعةُ الغالية بالثمن التافه ، والمجدُ لا يُشرى بقولٍ كاذبِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} فلا تَكُن ممن يَرْجُو الآخرة بغير عمل ، ويؤخّرُ التوبةَ لطولِ الأمَل

فمن هجر اللذات نال المنـى    **    ومن أكب على اللذات عض على اليد

قال ابن عباس y لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ r قُلْتُ لِفتى مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ نَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيْرٌ، فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ مَنْ تَرَى؟

فَتَرَكَ ذَلِكَ الرجل، وَأَقْبَلْتُ عَلَى المَسْألَةِ، ولزمتُ زيد بن ثابت أغدوا إليه كل صباح ، وبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الفَتَى أَعقَلُ مِنِّي.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

 

ثم استغفروا ربكم وتوبوا إليه  فاستغفروه إن ربكم لغفور شكور ..

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ،  والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد.

المسلم لا يقنع حتى يبلغ من أعماله غايتها وأعلاها: فإن كان طالباً لم يقنع إلا بالتفوق ، وإن كان أباً لم يقصر في أن يبلغ أبنائه وبناته ، أن يكونوا قدوات في الخير{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}، وكان عليه الصلاة والسلام يربي الأمة طلب المعالي (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) أخرجه البخاري .

المسلم لو كان صانعاً لا يرضى بمنزلة دون الإتقان ، فلا قيمة لمن اتكل على غيره، ونظر إلى الأسفل على الدوام .

وإذا باركَ الله في حياة الإنسان نفع نفسه وانتفع منه أهله والناس ..

قلة البركة في الأعمار تظهر حينما تمر السنة والسنتان والعشر، والواحد منا لم يتجاوز مكانه، في عبادته، في علمه، في حفظه لكتاب الله، في تفقهه في دينه، في نفعه للآخرين . لا يستشرف علواً ، ولا يتطلع سموا.

   ومن لم يزده السنُ ماعاش عبرةً   **   فذاك الذي لايستنيرُ بنور

واغتنام الصالحات تزيد من الحسنات ، (وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) أخرجه مسلم

اللهم زدنا علما وعملا ورزقا وتوفيقا .. اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وفي أرزاقنا وذرياتنا ..  اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ...

المرفقات

1720102588_قيمةُ العُمر.docx

1720102589_قيمةُ العُمر.pdf

المشاهدات 1541 | التعليقات 0