قيمة الأمن-2-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1437/11/01 - 2016/08/04 04:39AM
[align=justify]أما بعدُ: فإنَّ التأملَ في الواقعِ الذي نعيشُه من نعمِ اللهِ التي لا تعدُ وربطَها بقولِ النبيِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-يجعلُ الصدرَ ينشرحُ، والقلبَ يطمئنُ، والحياةَ تحلو، واللسانَ يرددُ آياتِ الحمدِ والثناءِ على المنعمِ المنانِ-سبحانه-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
إنها كلماتٌ يسيراتٌ، جمعتْ معنى الحياةِ الحقةِ، وحوت أسبابَ البقاءِ والسعادةَ: أمنٌ وعافيةٌ وقوتٌ، إنها كلماتٌ ترسمُ للمرءِ صورةَ الحياةِ بكلٍ تفاصيلِها، حلوِها ومرِها، سهلِها وصعبِها، على أنها لا تتجاوز هذه المعايير الثلاثة، والتي لا يمكنُ لأيِّ كائنٍ بشريٍ عاقلٍ أن يتصوّرَ الحياةَ الدنيويةَ الهانئةَ دون توافرِها، وماذا في الدنيا أكثرُ من هذا؟ عافيةُ البدنِ، وتوافرُ القوتِ الذي يشبعُه، والمأوى الآمنِ، ولو بحث الإنسانُ وراء ذلك لم يجدْ بعدَه شيئًا، فالدنيا كلُّها بين يديه بمتعُها.
أمنُ المرءِ في حياتهِ مطلبُ الفردِ والمجتمعاتِ على حدٍّ سواء، وسببٌ من أسبابِ استقرارِها، وإلا فما قيمةُ لقمةٍ يأكلُها المرءُ وهو خائفٌ؟، أو شربةٍ يشربُها الظمآنُ وهو متوجِّسٌ قلِقٌ؟، أو إغفاءةِ نومٍ يتخللُها نوباتُ هلعٍ وفزعٍ؟، وما قيمةُ علمٍ وتعليمٍ وسطَ أجواءٍ محفوفةٍ بالمخاطرِ؟، وما قيمةُ حياةٍ يتوجسُ فيها الفردُ ويخافُ أن يكونَ عُرضةً لنهبِ الناهبين، وجشعِ الطامعين؟.
ومن أجلِ الأمنِ جاءَ الإسلامُ العظيمُ بالعقوباتِ الصارمةِ والحدودِ الرادعةِ، تُجاهَ كلِّ مُخلٍ بالأمنِ كائنًا من كان، بل وأغلقَ أبوابُ التهاونِ في تطبيقِها، أيّا كان هذا التهاونُ، فقدْ شددَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-على من حدَّثه بحدٍ من حدودِ اللهِ، قَالَت أمنُا عَائِشَةُ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "إنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ؛ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-؛ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ-رضيَ اللهُ عنهُ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخْطَبَ فقَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا."، فأغلقَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-بهذا القولِ كلَّ بابٍ، سواءً كانَ في التوسطِ في إلغائها، أو في الاستحياءِ من نقدِ مدعي الحضارةِ والتقدمِ ووصفِهم لنا بالتخلفِ عندَ تطبيقِها.
من أعظمِ بشائرِ يومِ الإنسان وغدِه، أن يصبحَ آمنًا في حياتهِ، وما صحَّةُ البدنِ وقُوتُ اليومِ إلا مرحلةٌ تاليةٌ لأمنِه في نفسِه ومجتمعِه، إذ كيف يصحُّ بدنِ الخائفِ؟! وكيف يكتسبُ من لا يأمنُ على نفسِه وبيتِه؟!
ولأجلِ هذا يجبُ علينا أن نقدِّرَ حقيقةَ الأمنِ الذي نعيشُه، وأن نُحِسَه ونشعرَ به، ولاسِيَّما حينما نطالعُ يمنةً ويسرةً لنرى بعضَ الأقطارِ الملتهبةِ بالصراعِ، والتي يطحنُ بعضُها بعضًا من داخلِها، أو بما هو أدهى وأمرُ، من خلالِ سطوةِ البغاةِ عليها، واجتياحِ العدوانِ المسلّحِ لها، استباحةً لأرضِها، وانتهاكًا لحرماتِها.
إنَّ للأمنِ مصدرانِ أساسيانِ، الأولُ: السلطةُ التنفيذيةُ والقوةُ القضائيةُ، ولن تتمكنَ أيُ دولةٍ مهما أوتيتْ من الإمكاناتِ البشريةِ والماديةِ والتقنيةِ أن تحفظَ الأمنَ على التمامِ بهذا المصدرِ وحده، إذا لم يصاحبْ هذه السلطةَ المصدرُ الثاني: وهو وعيُ الناسِ بأهميةِ الأمنِ بصورتِه الكاملةِ، والشعورِ بالانتماءِ إلى الأمةِ الإسلاميةِ والوطنِ، وطاعةِ أولي الأمرِ بالمعروفِ-في غيرِ معصيةِ اللهِ-استجابةٍ لربِ العالمين القائل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا]، أستغفرُ اللهَ ...
الخطبة الثانيةُ
أما بعد: فالأمنُ مطلبٌ عزيزٌ، فهو قِوامُ الحياةِ الإنسانيّةِ وأسَاسُ الحضارةِ المدنيّةِ، تتطَلّعُ إليه المجتمعاتُ، وتتسابَقُ لتحقيقِه السُّلُطاتُ، وتتَنافسُ في تأمينهِ الحكوماتُ، تُسَخَّرُ له الإمكاناتُ الماديّةُ، والوَسائلُ العلميّةُ، وتُحشَدُ لَه الأجهزةُ المدنيّةُ والعسكريّةُ، وتُستَنفَرُ له الطَّاقاتُ البشريّةُ.
في ظلِّ الأمنِ تُحفَظُ النّفوسُ، وتُصانُ الأعراضُ والأموَالُ، وتأمَنُ السّبُلُ، وتُقامُ الحدودُ، ويكثرُ العمرانُ، وتنمُو الثّرواتُ، وتتوافَرُ الخيراتُ، ويكثُرُ الحرثُ والنّسلُ، في ظلِّ الأمنِ تقومُ الدعوةُ إلى الله، وتُعمَرُ المساجدُ، وتُقامُ الجُمَعُ والجماعاتُ، ويسودُ الشّرعُ، ويفشو المعروفُ، ويقلُّ المنكَرُ، ويحصُلُ الاستقرارُ النفسيُّ والاطمئنانُ الاجتماعيُّ.
والأمنُ بالدِينِ يبقَى، والدِينُ بالأمنِ يقوى، فقد جعلَ اللهُ الأمنَ مقرونًا بالإيمانِ فقال: [الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ].
والأمنُ أوَّلُ مَطلَب طلَبَه إبراهيمُ-عليه الصلاةُ والسلامُ-من ربِّه-سبحانه-بأنْ يجعل هذا البلدَ آمِنًا يعني مكة، [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ]، لقد طلبَ نبيُ اللهِ إبراهيمُ تحقيقَ الأمنِ؛ حتى تتحقَّقَ له عبادةُ الله على الوجْهِ الصحيحِ، [وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ]؛ لأنَّ الإنسانَ عندَ الفِتنِ والقلاقل يشغله الخوفُ عن عبادةِ ربِّه، وربما زاغَ كثيرًا عن الحقِّ، ألم يخبر الرسولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-أنَّ المتمسِّكَ بدينِه في آخِرِ الزمان حين تكثُرُ الفتنُ كالقابضِ على الجمرِ؟!
[/align]
المرفقات

قيمة الأمن-2-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.docx

قيمة الأمن-2-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.docx

قيمة الأمن-2-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.pdf

قيمة الأمن-2-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1015 | التعليقات 0