قوة الابتسامة
عبدالرزاق بن محمد العنزي
6/11/1444هـ ( قوة الابتسامة )
الخطبة الأولى: أيها المسلمون: سأحدثكم عن عبادة غفل عنها الكثير، وأصبحت لا تُبذل إلا لمن يُرجى نفعه، عبادة يسيرة البذل، عظيمة الأجر، كثيرة النفع، بها تَمسحُ آلامَ من تُقابله، وتُداوي جراحَ من تُجالسه، وهي تفعل فعل السِّحْر بالعقول.
عن أبي ذرٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (تبسُّمُك في وجه أخيك لك صدقةٌ) رواه الترمذيُّ.
إنَّ تبسُّمك صَدَقة تتصدق بها على الفقير والغَنِي، على الشريف والوضيع، على من يستحقُّ ومن لا يستحقُّ، فبادرْ بهذه الصدقة التي لا تكلِّفك شيئًا، وإلاَّ فلا بخل أشَدَّ من بُخلك، ولا لؤم أكبرَ من لُؤمك.
إنَّ خيرَ من مشى على هذا الكوكب، وخير من عَرَج إلى هذه السَّماء، وأجمل من نظرت إليه الأعيُن، وأليَن من صافحته الأكفُّ، وأطيبَ مَن استمعت إليه الآذان - كان أكثر النَّاس تبسُّمًا، وقال عنه من رآه: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم"، وقال جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه -: "ما رآني رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ تبسَّم في وجهي"، وقالت زوجه عائشة أمُّ المؤمنين - رضي الله عنها -: "كان ألْيَن الناس وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم إلاَّ أنَّه كان ضَحَّاكًا بسَّامًا". دعني أعرض عليك نوعين من الناس، بل لعلك أدركت أحد النَّوعين مُبتسمًا، طلق الوجه، كأن كل جسده يتبسم، وأدركت الآخر جاهِمًا عابِسًا، لا يبتسم أبداً، على قلبه قفل محكم، هاتِ نعرضهما على خُلُق نبيِّك الكريم؛ لتعرفَ أيَّهما أبعد بُعدًا وأسحق سحقًا، فبما تباعدوا عن خلقه في الدُّنيا سيتباعدون عن مَجلِسِه يوم القيامة؛ قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم منِّي في الآخرة مَجالس أحاسنكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضكم إليَّ وأبعدكم منِّي في الآخرة أسوؤكم أخلاقًا: الثرثارون المُتفيهقون المتشدقون)).
الابتسامة ثوان معدودة، لكنها تشمل خَلقًا كثيرًا، ومحبةُ الناس لها لا تقل عن محبة غيرها من الملذات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ).
بشاشة وَجه الْمَرْء خير من القِرى *** فَكيف بِمن يَأْتِي بِهِ وَهُوَ ضَاحِك
الابتسامة ليست مخصوصة باللقاء الأول، بل تُثنَّى كلما تعددت اللقاءات؛ قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: "ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي" بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.
أَخُو البِشْرِ مَحْبُوْبٌ عَلَى حُسْنِ بِشْرِهِ *** وَلَنْ يَعْدَمَ البَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا إن من الناس أناسأ لا يبتسمون ولا يريدون أحداً أن يبتسم، وما علموا أن من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشارك أصحابه الابتسامة متى رآهم يتحدثون ويضحكون، فلكل مقام مقال، ولكل حادث حديث؛ عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه: أكنتَ تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرًا، «كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح، أو الغداة، حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسَّم».
الابتسامة لم تفارق محياه حتى في مرض الموت قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسَّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، «فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتِمُّوا صلاتكم وأرخى الستر، فتوفِّي من يومه»
إخواني، كُلِّي أمل أن نبدأ رحلةً جديدة نمخر عُبَاب الحياة، وشعارنا البسمة والأنس، وإدخال السرور على أنفسنا ومَن حولنا، حادينا إلى ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبُّ الأعمال إلى الله - تعالى - سرور تدخله على مسلم)). بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله: مَن عطش شرب الماء، ومن جاع أكل الغذاء، ولا يَنبتُ الزرع إلا بالماء، ولا تدوم العِشرة إلا بالحب والمودة وحسن اللقاء.
وعن عروة بن الزبير قال: "أخبرت أنه مكتوب في الحكمة: يا بني ليكن وجهُك بسطاً، ولتكن كلمتُك طيبة؛ تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء".
ابتسم، ولو صعبت عليك الابتسامة، فهي من أسباب السعادة، ولا تتركها؛ فهي خيرٌ لك قبل أن تكون خيرًا لغيرك.
ابتسم لنفسك؛ فمن حقها عليك أن نبتسم لها وتسعدها وتدخل السرور عليها، ابتسم للجميع؛ لأُمِّك، ولأبيك، ولأختك وأخيك، وكل مَنْ تُقابِل.
الْقَ بِالبِشْرِ مَنْ لَقِيتَ مِنْ النَّا
سِ جَمِيعًا وَلاَقِهِمْ بِالطَّلاَقَهْ
تَجْنِ مِنْهُمْ بِهِ جَنِيَّ ثِمَارٍ
طَيِّبٌ طَعْمُهُ لَذِيذُ الْمَذَاقَهْ
وَدَعِ التِّيهَ وَالْعُبُوسَ عَنِ النَّا
سِ فَإِنَّ الْعُبُوسَ رَأْسُ الْحَمَاقَهْ
لا تظنَّون أنِّي قد بالغت، فما قُلْته دون ما يستحقه هذا الخلق الجميل وأختم بهذا الحديث العظيم الذي رواه أبو رزين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عَبْدِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ)، قال: قلت: يا رسول الله، أَوَ يضحَك الرب عز وجل؟ قال: (نَعَم) قال: لن نَعْدَمَ من رب يضحك خيرًا.
وإذا ضحك الله لعبد فلن يحاسب؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه". وضحكه سبحانه من عبده حين يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه، فيضحك سبحانه فرحاً ورضاً . ثم صلوا وسلموا،،،