قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب

قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب

الخطبة الأولى :

الْـحَمْدُ لِلَّـهِ الْـحَلِيمِ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، الْمـُجِيبِ لِمَنْ دَعَاهُ، الْفَرِحِ بِمَنْ أَتَاهُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الْإِلَهُ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نَبِيُّهُ الَّذِي اصْطَفَاهُ، وَعَبْدُهُ الَّذِي اجْتَبَاهُ، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَاهُ، وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ عَصَمَهُ وَحَمَاهُ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم ونفسي...

عن سعدِ أبي وقاصٍ r قَالَ: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ r فِي الْـمَسْجِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مني ثم لم يرد عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْـخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْـمُؤْمِنِينَ هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شَيْءٌ، مَرَّتَيْنِ قَالَ: لَا وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ لَا، إِلَّا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي المسجدِ فسلمتُ عليه فملأ عينيِه منِّي ثم لم يردَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فدعاه، فقال: ما منعكَ أن لا تَكُونَ رَدَدْتَ عَلَى أَخِيكَ السَّلَامَ؟ قَالَ: مَا فَعَلْتُ، قَالَ سَعْدٌ: قُلْتُ بَلَى حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ.

قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ ذَكَرَ فَقَالَ بَلَى وَأَسْتَغْفِرُ اللَّـهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّـهِ r لَا وَاللَّـهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلَّا تَغْشَى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةٌ، قَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنَبِّئُكَ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّـهِ r ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّـهِ r فَاتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ، فَالْتَفَتَ إلىَّ رسولُ اللـهِ r فَقَالَ: «مَنْ هَذَا، أَبُو إِسْحَاقَ؟» قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّـهِ، قَالَ: «فَمَهْ» قُلْتُ: لَا وَاللَّـهِ إِلَّا إِنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ، قَالَ: «نعم دعوةُ ذي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْـحُوتِ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ» أحمد وغيره .

أَيُّهَا المؤمنون: جَعَلَ اللَّـهُ تَعَالَى الدُّنْيَا دَارَ بَلَاءٍ وَامْتِحَانٍ؛ فَفِيهَا الْـمَصَائِبُ وَالْكَوَارِثُ، وَفِيهَا الْـهَمُّ وَالْغَمُّ وَالْكَرْبُ، وَفِيهَا الظُّلْمُ وَالْبَغْيُ وَالْعُدْوَانُ، وَالْإِنْسَانُ -أَيُّ إِنْسَانٍ- يَعِيشُ فِيهَا خَوْفًا وَطَمَعًا؛ يَخَافُ الْـمَصَائِبَ وَالْأَحْزَانَ، وَيَطْمَعُ فِي الرَّاحَةِ وَالِاطْمِئْنَانِ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّـهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَجْمَعِينَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُجِيبُ دُعَاءَ الْـمَهْمُومِ الْـمَكْرُوبِ، وَلَوْ كَانَ فَاجِرًا أَوْ كَافِرًا (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلبَرِّ وَٱلبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعاً وَخُفيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّـهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ).

الكربُ-عبادَ الله- هو الغمُّ والضِّيقُ، وأصلُه من التّغطيةِ، فالكربُ هو الغمُّ الّذي يأخذُ بالنّفْسِ، والحزنُ الّذي يُذيبُ القلبَ ُ. قَالَ r: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّـهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ...) الترمذي وغيرُه.

قال ابنُ حجرٍ: إنَّ الْـهَمَّ يَنْشَأُ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ، وَالْغَمُّ كَرْبٌ يَحْدُثُ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ، وَالْـحُزْنُ يَحْدُثُ لِفَقْدِ مَا يَشُقُّ عَلَى الـْمَرْءِ فَقْدُهُ. وَقِيلَ الـْهَمُّ وَالْغَمُّ بِمَعْنًى وَاحِد".

عباد الله: ثَمَّةَ أَدْعِيَةٌ لِلْكَرْبِ دَلَّنَا عَلَيْهَا النَّبِيُّ r، إِذَا دَعَا بِهَا الْـمَكْرُوبُ فَحَرِيٌّ أَنْ يُفَرِّجَ اللَّـهُ تَعَالَى كَرْبَهُ:

فَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ y أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ r: «كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ الْعَظِيمُ الْـحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» خ. م.

وَظَاهِرُ الْـحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَهُوَ ذِكْرٌ عَظِيمٌ فِيهِ تَذْكِيرٌ بِعَظَمَةِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَحِلْمِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَبَيَانِ مَظَاهِرِ هَذِهِ الْعَظَمَةِ فِي خَلْقِ الْعَرْشِ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ كَمَا أَنَّ فِيهِ إِقْرَارًا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّـهِ تَعَالَى وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا كَمَالُ التَّوْحِيدِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ: دُعَاءَ الْكَرْبِ». وقَالَ النَّوَوِيُّ: «وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ، ‌وَالْإِكْثَارُ ‌مِنْهُ ‌عِنْدَ ‌الْكُرَبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ". وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ هَذَا الذِّكْرَ، ثُمَّ يَدْعُو بِإِزَالَةِ كَرْبِهِ؛ فَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ.

وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّـهِ r ‌إِذَا ‌نَزَلَ ‌بِي ‌كَرْبٌ أَنْ أَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ الْـحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّـهِ، وَتَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أَحْمَدُ.

وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ تَضَمَّنَ الْإِقْرَارَ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّـهِ تَعَالَى وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، مَعَ تَسْبِيحِهِ وَتَبْرِيكِهِ وَحَمْدِهِ.

وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ tقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: «دَعَوَاتُ الْـمَكْرُوبِ -وفي روايةٍ =دعاءُالمضطرِّ-: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» أَحْمَدُ وغيرُه.

 وَهُوَ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالْـمَسَاءِ، أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ r ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا، وَلَا يَدُلُّـهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا وَلِأُمَّتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r لِفَاطِمَةَ: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا ‌أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا ‌تَكِلْنِي ‌إِلَى ‌نَفْسِي ‌طَرْفَةَ عَيْنٍ» النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى

وَفِي هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ اسْتِغَاثَةٌ بِاللَّـهِ تَعَالَى، وَتَوَسُّلٌ إِلَيْهِ بِاسْمِهِ الْـحَيِّ، وَبِاسْمِهِ الْقَيُّومِ، وَبِصِفَةِ الرَّحْمَةِ؛ وَهَذَا التَّوَسُّلُ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الضَّعِيفِ الْـمَخْلُوقِ، وَنَافِعٌ لِلْمَهْمُومِ الْـمَكْرُوبِ؛ فَإِنَّ الْقَيُّومَ هُوَ الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ عَلَى الدَّوَامِ؛ فَبِيَدِهِ مَقَالِيدُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا خُرُوجَ لِشَيْءٍ عَنْ أَمْرِهِ وَقَدَرِهِ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ ‌تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) وَفِيهِ تَبَرُّؤُ الدَّاعِي مِنْ حَوْلِهِ وَطَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَلُجُوؤُهُ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى فِي كَرْبِهِ، وَفِي كُلِّ مَا أَهَمَّهُ، مَعَ الْإِقْرَارِ بِأُلُوهِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

وَكَوْنُ هذا الدعاءِ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالْـمَسَاءِ فيَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَمْرٍ يُهِمُّهُ، وَكَرْبٍ يُصِيبُهُ، فَيَسْتَغِيثُ بِاللَّـهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِتَنْفِيسِ كَرْبِهِ، وَكَشْفِ هَمِّهِ، وَإِزَالَةِ غَمِّهِ "أَمَّنْ يُجِيبُ ‌الْـمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويكشفُ السوءَ"

ألا فاتقوا الله عباد الله وتعلقوا به سبحانه في كلِّ أحوالِكم فهو نعمَ المولى ونعمَ النَّصير. بارك...

 

 

 

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ لِلَّـهِ...أما بعد :فيا أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَصَابَهُ الْكَرْبُ بِالْتِقَامِ الْـحُوتِ لَهُ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي بَطْنِهِ؛ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْـحُوتِ (‌فَنَادَى ‌فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْـمُؤْمِنِينَ).

وَهَذَا الدُّعَاءُ عَامٌّ لِكُلِّ مَكْرُوبٍ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِيُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ بِدَلِيلِ خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْـمُؤْمِنِينَ)،

 وَفِي هَذَا الدُّعَاءِ إِقْرَارٌ لِلَّـهِ تَعَالَى بِالْأُلُوهِيَّةِ، مَعَ تَسْبِيحِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِظُلْمِ نَفْسِهِ.

وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى :: ذَرَعاً وَعِندَ اللَـهِ مِنها المَخرَجُ

ضاقَت فَلَمّا اِتَحكَمَت حَلَقاتُها :: فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

ومِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا قَالَتْ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّـهِ r كَلِمَاتٍ أَقُولُـهَا عِنْدَ الْكَرْبِ: ‌اللَّـهُ اللَّـهُ ‌رَبِّي ‌لَا ‌أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» أَحْمَدُ وغيرُه.

وَهَذَا فِيهِ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ، وَهُوَ أَخْصَرُ دُعَاءٍ لِلْكَرْبِ، وَيَحْفَظُهُ مَنْ كَانَ حِفْظُهُ ضَعِيفًا، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَرَدَّدَهُ مَعَ يَقِينِهِ كَشَفَ اللَّـهُ تَعَالَى كَرْبَهُ.

وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّـهِ r كَثِيرًا مَا يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ‌مِنَ ‌الْـهَمِّ ‌وَالْـحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْـجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» أَحْمَدُ.

وَفِي رِوَايَةِ: «فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّـهِ r إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ..." خ.

وَظَاهِرٌ مِنَ الْـحَدِيثِ دُعَاءُ الْكَرْبِ فِيهِ؛ حَيْثُ التَّعَوُّذُ مِنَ الْـهَمِّ وَالْـحَزَنِ، وَهُوَ مُقَدِّمَاتُ الْكَرْبِ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْـهَمُّ كَانَ كَرْبًا، وَالتَّعَوُّذُ مِنْ ضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ- وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ= وَقَهْرِ الرِّجَالِ- وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْكَرْبِ؛ وَلِذَا لَزِمَهَا النَّبِيُّ r، وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِ دُعَائِهِ، وَعَلَى الْـمَكْرُوبِ وَغَيْرِ الْمَكْرُوبِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ r؛ وَلِإِزَالَةِ كَرْبِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ.

عباد الله: عَلَى الْـمَكْرُوبِ وَهُوَ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْكَرْبِ أَنْ يُعَلِّقَ قَلْبَهُ بِاللَّـهِ تَعَالَى، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَى الْـخَلْقِ، وَيَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ اللَّـهِ تَعَالَى وَعِلْمَهُ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ مَكْرُوبٍ ،

وَقُدْرَتَهُ عَلَى كَشْفِ كَرْبِهِ، وَأَنْ يَتَدَبَّرَ الْـمَعَانِيَ الْعَظِيمَةَ لِأَدْعِيَةِ الْكَرْبِ، وَمَا فِيهَا مِنْ تَوْحِيدِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَأَسْمَائِهِ الْـحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَأَنْ يُوقِنَ بِالْإِجَابَةِ، وَأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَى مُنَفِّسٌ كَرْبَهُ، وَكَاشِفٌ هَمَّهُ، وَمُزِيلٌ غَمَّهُ (ونوحاً إذ نادى من قبلُ فاستجبنَا له فنجَّينَهُ وأهلَهُ من الكربِ العَظيمِ)

ثم صلوا...

 

المرفقات

1717072739_قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب.docx

1717072739_قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب.pdf

المشاهدات 944 | التعليقات 0