قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/01/19 - 2016/10/20 19:44PM
[align=justify]
قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف

أما بعدُ: فالحديثُ اليومَ عنِ الرزقِ، وهو وإنْ كانَ من البَدَهياتِ والأساساتِ عندَ المسلمِ الذي يتدبَّرُ القرآنَ، ولكنْ: [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ]، فأخبرَ-سبحانَه-أنَّ الذِّكرى مطلوبةٌ، وأنَّ الذي ينتفعُ بها هم المؤمنونَ، ثُمَّ ذكرَ أعظمَ ما يُذَّكَرُ به الإنسُ والجِنُّ، وهو الغايةُ من خلقِهم، [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]، ونبَّهَ على أكبرِ شاغلٍ لهم عن عبادتِه-تعالى-وهو طلبُ الرِّزقِ، فقالَ: [مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ]، فأخبرَ أنَّه الرَّزاقُ(كثيرُ الرِّزقِ)، الذي له القُدرةُ على إيصالِه لجميعِ الخلقِ، فلا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منعَ.
تَوَكَّلْتُ فِي رِزْقِي عَلَى اللَّهِ خَالِقِي*وَأَيقَنْتُ أَنَّ اللَّهَ لا شَكَّ رَازِقِي
فَفِي أَيِّ شَيءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً*وَقدَ قَسَّمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلائِقِ
اللهُ-سبحانهُ-يقولُ: [وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ]، فقد أوجبَ على نفسِه الرِّزقَ لكلِّ مخلوقٍ: يطيرُ في السَّماءِ، أو يسبحُ في الماءِ، يمشي على وجهِ الأرضِ، أو يعيشُ في باطنِها، حتى الجنينَ في بطنِ أُمِّهِ أو في بيضتِه، لا يمكنُ لأحدٍ أن يصلَ إليه، لكنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ-يعلمُ مكانَه ومستقرَّه وحاجتَه وقد تكفَّلَ بهِ.
لَوْ كَانَ فِي صَخْرَةٍ فِي الْبَحْرِ رَاسِيَةٍ*صمَّاءَ مَلْمُومَةٍ مُلْسٍ نَوَاحِيها
رِزْقٌ لِعَبْدٍ يَرَاهُ اللهُ لانْفَلَقَتْ*حَتَّى يُؤَدَّى إِلَيْهِ كُلُّ مَا فِيهَا
أَوْ كَانَ تَحْتَ طِبَاقِ السَّبْعِ مَطْلَبُهَا*لَسَهَّلَ اللهُ فِي الْمَرقَى مَرَاقِيهَا
حَتَّى تُؤَدِّي الَّذِي فِي اللَّوْحِ خُطَّ لَهُ*إِنْ هِيْ أَتَتْهُ وَإِلاَّ سَوْفَ يَأْتِيهَا
إنْ كانَ أهلُ الجاهليةِ(الكفارُ والمشركونَ)لا يشكُّونَ أن الرِّزقَ من عندِ اللهِ-تعالى-وحدَه، وأنَّ آلهتَهم ليسَ لهم فيهِ من الأمرِ شيئًا، فكيفَ بمن يؤمنُ باللهِ-تعالى-ربًّا واحدًا، رازقًا خالقًا، عظيمًا قادرًا، عليمًا حكيمًا، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ].
ما هو شعورُكَ كلما قرأتَ هذا الحديثَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَى اللهُ عَلِيهِ وآلهِ وَسَلَمَ-: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ"، سبحانَ اللهِ!، أولُ ما كُتبَ لكَ في بطنِ أمِّكَ رزقُك، فهو مكتوبٌ لك مثلُ أجلِك، وأنت-واللهِ-مُلاقيه، ولا يمكنُ أن يُخطِئَكَ منه شيءٌ، فأبشروا وأمِّلوا، قالَ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنّ رُوحَ القُدُسِ(جبريلُ-عليه السَّلامُ-)نَفَثَ في رُوعِي(في قلبي)أنّ نَفْسًا لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها ورِزْقَها، فاتّقُوا اللهَ وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ-تعالى-لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ"، فلماذا القلقُ؟، [مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ].
اللهُ-سبحانَه وتعالى-لهُ الحكمةُ البالغةُ في توزيعِ الأرزاقِ، يعلمُ أنَّ من العبادِ منْ لا يَصلُحُ له إلا الغِنى، ولو افتقرَ لفسدَ وربما كفرَ، ومن العبادِ من لا يَصلُحُ له إلا الفقرُ، ولو اغتنى لطغى وبغى، فيعطى هذا ويمنعُ هذا، فضلًا منه وعدلًا، [وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ]، وليسَ عطاءُه للدُّنيا دليلَ محبةٍ، وليسَ منعُه لها دليلَ بُغضٍ، قالَ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ الله قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخَلاَقَكُمْ كَمَاَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ الله يُعْطِيْ الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُ وَمَنْ لاَ يُحِبُ، وَلاَ يُعْطِيْ الإيمَانَ إلاَّ مَنْ أَحَبَّ".
الرزقُ سرٌّ من أسرارِ العزيزِ الجَوادِ، يُوزِّعَ الأرزاقَ بينَ العبادِ، [وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ]، لا دَخْلَ في ذلكَ للونٍ ولا نسبٍ، ولا جِنسٍ ولا شعبٍ، ولا ذكاءٍ ولا غباءٍ، ولا ضعفٍ ولا قوةٍ.
فكيف تخافُ الفقرَ واللهُ رازقٌ*وقد رزقَ الأطيارَ والحوتَ في البحرِ
ومن ظَنَّ أن الرِّزقَ يأتي بقوةٍ*فما أكلَ العُصفورُ شيئًا مع النَّسرِ
فمنَ النَّاسِ منْ رزقُه حلالٌ، ومنهم منْ رزقُه حرامٌ، ومنهم منْ رزقُه الملايينُ، ومنهم منْ رزقُه كفٌّ من طعامٍ، ومنهم منْ رزقُه في الطَّائرةِ فوقَ السَّحابِ، ومنهم من رزقُه بين الفصولِ والطُّلابِ، ومنهم من رزقُه في المناجمِ تحتَ التُّرابِ، ومنهم من رزقُه مسافرًا على الطُرُقِ، ومنهم منْ رزقُه في التجارةِ في السوقِ، ومنهم منْ رزقُه في المزارعِ بينَ الفواكهِ والخُضرواتِ، ومنهم منْ رزقُه بينَ المرضى والمصابينَ والأمواتِ، ومنهم منْ رزقُه في ترويضِ الأفاعي والسِّباعِ، ومنهم منْ رزقُه في تسلُّقِ الأماكنِ المُرتفعةِ والقِلاعِ، ومنهم منْ رزقُه في المصانعِ بينَ الأخطارِ، ومنهم منْ رزقُه بينَ الأمواجِ في البحارِ، ومنهم من تأتيه السَّمكةُ وهو في أمنٍ من الخوفِ، ورَغدٍ من العيشِ، وسَعةٍ من الرِّزقِ.
أَمَا تَرَى الْبَحْرَ وَالصَّيَّادُ مُنْتَصِبٌ*لِرِزْقِـهِ وَنُجُـومُ اللَّيْـلِ مُحْتَبِكَـهْ
قَدْ غَاصَ فِي لُجَّةٍ وَالْمَوْجُ يَلْطِمُهُ*وَعَيْنُهُ لَـمْ تَزَلْ فِـي كَلْكَلِ الشَّبَكَهْ
حتَّى إِذا بَاتَ مَسْـرُورًا بِلَيْلَتِـهِ*بِالْحُوتِ قَدْ شَقَّ سَفّودُ الرَّدَى حَنَكَهْ
شَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي قَـدْ بَاتَ لَيْلَتَـهُ*خِلْوًا مِنَ الْبَرْدِ فِي خَيْرٍ مِنَ الْبَرَكَهْ
سُبْحَانَ رَبَّيُ يُعْطِي ذَا وَيَحْرِمُ ذَا*هَـذَا يَصِـيدُ وَهَذَا يَأْكُـلُ السَّمَكَهْ
وصدقَ اللهُ-تعالى-: [أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ].
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فاستمعْ لهذا الحديثِ، فقد اختصرَ لنا أسبابَ الرِّزقِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
أولُها: التَّوكلُ على اللهِ-تعالى-حقَّ التَّوكلِ، وهو اليقينُ أنه لا رازقَ ولا معطيَ ولا مانعَ إلا اللهُ-تعالى-، [أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ]، وما الأبُّ والشَّركةُ، والسُّوقُ والمزرعةُ، والعملُ والدَّولةُ إلا مصادرُ للدَّخلِ، قد هيَّأَها اللهُ-تعالى-ويسَّرَها فضلًا منه ونعمةً، ورزقًا للعبادِ ورحمةً، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "وَاعْلَمْ أَنَّ اْلأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ".
والسببُ الثَّاني: هو السَّعيُ بالأسبابِ، فهذه الطَّيرُ لم تمكثْ في عُشِّها تنتظرُ الرِّزقِ، بل غَدتْ مُبكِّرةً تبحثُ عن رزقِها ورزقِ الصِّغارِ، في الأوديةِ وفوقَ الجبالِ وبينَ الأشجارِ، مُطمئنَّةً متفائلةً مؤمنَّةً بوعدِ ربِّها أنَّه قد تكفَّلَ برزقِها، ولذلكَ لا تحملُ معها إلا رزقَ يومِها، وتعلمُ أن في غدٍ رزقًا آخرَ قد خبأهُ اللهُ-تعالى-لها، [وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ].
فيا أيُّها الموفقُ، اشتغلْ بما خُلقتْ من أجلِه منَ العبادةِ، ومنَ العبادةِ السعيُ باقتصادٍ في طلبِ الرِّزقِ الحلالِ بالحلالِ، [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]، فاعملْ واجتهدْ وابذلِ الأسبابَ، مع اليقينِ أنه لا رزقَ إلا ما كتبَه اللهُ-سبحانَه-، [فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ]، فإذا حقَّقتَ هذا فانتظرْ الرِّزقَ الذي وعدَ ربُّكَ، ثُمَّ تأتي نهايةُ الآيةِ لتُخبرَك بما يجبُ عليكَ بعد ذلكَ، فيقولُ-عزَّ وجلَّ-: [وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ]، فعليه الخلقُ والرِّزقُ، وعلينا العبادةُ والشُّكْرُ، وقد اختصرَ لنا رحلةَ الحياةِ بقولِه-سبحانه-: [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ].
[/align]
المرفقات

قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx

قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx

قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf

قضية الرزق-20-1-1438هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1422 | التعليقات 0