قضاء الحوائج 21/7/1442
محمد آل مداوي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فتقوى الله طريقُ الهُدى، ومُخالفتُها سبيلُ الشَّقاء.
أيها المسلمون: فاضَلَ اللهُ بين عبادِه في الشَّرَفِ والجاه، والعلمِ والعبادة، وسخَّرَ بعضَهم لبعضٍ لِيَتَحَقَّقَ الاستخلاف، وتُعمَرَ الأرض: (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَـاكُمْ).
وفي شكوى الفقيرِ ابتلاءٌ للغني، وفي انكسَارِ الضعيفِ امتحانٌ للقوي، وفي توجُّعِ المريض حِكْمَةٌ للصحيح، ومِنْ أجلِ هذه السُّنَّةِ الكونيةِ جاءتْ السُّنَّةُ الشَّرعيةُ بالحَثِّ على التعاونِ بين الناس، وقضَاءِ حوائجِهم، والسَّعيِ في تفريجِ كُرُوبِهم، وبَذْلِ الشفاعةِ الحسَنةِ لهم.
قال ابنُ القيمِ رحمه الله: "ما استُجْلِبَتْ نِعَمُ اللهِ واستُدْفِعَتْ نِقَمُهُ بمثلِ طاعَتِه والإحسانِ إلى خَلْقِه".
ونَفْعُ الناسِ والسَّعيُ في كَشْفِ كُروبِهم؛ مِنْ صِفَاتِ الأنبياءِ والرُّسُل، فالكريمُ يوسُفُ عليه السلام معَ ما فعلَهُ إخوَتُه جَهَّزَهُم بجَهَازِهم، ولم يَبخَسْهُم شيئًا منه.
وموسى عليه السلام لما ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عليهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُون، ووَجَدَ مِنْ دونِهمُ امرأتين مُستضعَفَتَين، رَفَعَ الحَجَرَ عنِ البئرِ وسَقَى لهما حتى رَوِيَتْ أغنامُهما.
وأشْرَفُ الخَلْقِ محمدٌ r إذا سُئِلَ عن حاجةٍ لم يَرُدَّ السائلَ عن حاجتِه، يقول جابرٌ رضي الله عنه: "ما سُئِلَ رسولُ الله r شيئًا قَطُّ فقالَ: لا" متفق عليه.
وخديجةُ رضي الله عنها تقولُ في وَصْفِ نبيِّنا محمدٍ r: "إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِم، وتَحْمِلُ الكَلّ، وتُكْسِبُ المَعدُوم، وتُقْري الضّيف، وتُعِينُ على نَوَائبِ الحقّ".
وعلى هذا النَّهجِ القويم سَارَ الصحابةُ والصالحون.
إنَّ خِدْمةَ الناسِ ومُسايرةَ المستضعفين دليلٌ على طِيْبِ المَنْبَت، ونقاءِ الأصل، وصَفاءِ القلب، وحُسْنِ السّريرة، وربُّنا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِه الرُّحمَاء.. وللهِ أقوامٌ يختّصُّهم بالنِّعَمِ لمنافِعِ العِبَاد. وجزاءُ ذلك: تفريجُ الكربات، وكشفُ الغمومِ في الآخرة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنيا نَفَّسَ اللهُ عنه كربةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامة"
في خدمةِ الناسِ بركةٌ في الوقتِ والعمل، وتيسيرُ ما تعسَّرَ مِنَ الأمور، يقول النبيُّ r: "مَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخرة" رواه مسلم.
وبعدُ عباد الله: فالدُّنيا مِحَنٌ، والحياةُ ابتلاء، القويُ فيها قد يَضْعُف، والغنيُ ربّما يُفلِس، والحيُ فيها يموت، والسّعيدُ مَنْ اغتنَمَ جَاهَهُ في خدمةِ الدِّين ونَفْعِ المسلمين، يقول ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "مَنْ مشَى بحقِّ أخيه لِيَقْضِيه فله بكلِّ خُطوةٍ صدقة".
فاتقوا الله، وأعينوا إخوانَكم، وتواصَوا بالحقِّ والعدل، وتعاونوا على البرِّ والتقوى، فلن يبقى للإنسانِ إلا عملُه، والمرءُ حَيٌّ بسجَاياهُ وإنْ كان موسَّدًا معَ أهلِ القبور في لحدِه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَلتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَلْعُدْوَانِ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أَمَّا بَعْدُ: أيها المسلمون:
مِنْ أعظمِ ما يُفسِدُ المعروف: المنُّ به، وذِكْرُه عندَ الناس، فالمنَّةُ تهدِمُ الصَّنِيعَة، ولا خيرَ في المعروفِ إذا أُحصي.
ومِنْ محاذيرِ الشّفاعة: أنْ تَشْفَعَ في أمرٍ مُحرَّم، أو في اقتطاعِ حقِّ امرئٍ مسلم، أو في إلحاقِ الضّرَرِ به أو غيره، أو في تقديمِ المؤخَّر، أو تأخيرِ المُقدَّم، والإسلامُ دينُ العدلِ يأمُر بالمصلحةِ وينهى عن المَفْسَدَة، والشفاعةُ في الحدودِ مِنْ أعظمِ المنكرات.
فاتقوا الله أيها المسلمون: وكونوا على ما أنتم علية من التدابير الاحترازية من لزوم التباعد وتغطية الأنف والفم ونحو ذلك من التدابير الاحترازية
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، يا رب العالمين.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم وسدد سهامهم، واكبت أعداءهم، وتقبّل شهيدهم، وعاف جريحهم، وانصرهم على القوم الباغين، يا رب العالمين.
اللهم أعنا ولا تُعنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، واجعلنا من عبادك المتوكلين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وفكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1614864568_قضاء الحوائج 21-7-1442.docx