قصير لا يحتمل التقصير 1445/9/11ه
يوسف العوض
عبادَ اللهِ : قالَ تعالى في سورةِ البقرةِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ) تحدّثت الآياتُ عنْ شهرِ الصومِ وهوَ رمضانُ بقولهِ : ( أياما معدوداتٍ ) فوصفَ سبحانهُ وتعالى شهرَ رمضانَ كلَهُ بأنّهُ أيامٌ معدوداتٌ ، وفي هذا إشارةٌ إلى سرعةِ انقضاءِ أيامهِ ولياليهِ ، فما أنْ يبدأَ الشهرُ ويهنئُ الناسُ بعضهمْ بعضا بحلولهِ ، إلا وقدْ انقضتْ عشرةُ أيامهِ الأولى ، فتتبعها الوسطى ، ويدخلُ الناسُ في العشرِ الأيامِ الأخيرةِ والتي تتضمنُ أفضلَ لياليهِ وهيَ ليلةُ القدرِ ، ثمَ ما يلبثُ أنْ يودعَ الناسُ شهرهمْ . عبادُ اللهِ : إنّ رمضانَ قصيرٌ ، لا يحتملُ التقصيرَ ، وقدومهُ عبورٌ ، لا يقبلُ الفتورُ ، وكلما تكاسلتْ ، فتذكرَ قولَ اللهِ تعالى منْ سورةِ البقرةِ : ( أياما معدوداتٍ ) .
عبادَ اللهِ : ليسَ هناكَ مغبونٌ أكثرَ ممنْ أدركَ رمضانَ بخيراتهِ وفضائلهِ ، ولمْ يتزودْ منهُ لآخرتهِ ، إنّها فرصةُ العمرِ ، فرصةٌ عظيمةٌ للتزودِ منْ الأعمالِ الصالحةِ بجميعِ أنواعها ، وفعلِ الخيرِ بكلِ معانيهِ ، لما يتميزُ بهِ منْ مضاعفةِ الثوابِ بما لا يضاعفُ في غيرهِ منْ الشهورِ ، إلا أنّ هذهِ الفرصةَ سريعةٌ الانقضاءِ ، فأيامها معدودةٌ وساعاتها محصورةٌ ، لهذا علينا أنْ نحذرَ ونأخذَ كاملَ الاحتياطاتِ اللازمةِ حتى لا نلقي بأنفسنا في أحضانِ لصوصِ رمضانَ بمحضٍ إرادتنا بدعوى الترفيهِ عنْ النفسِ ، هؤلاءِ اللصوصُ الذينَ يعترضونَ طريقنا إلى التجارةِ الرابحةِ معَ اللهِ ، والذينَ يتخذونَ أشكالاً متنوعةً مثلَ التلفزيونِ ، والأسواقَ ، والسهرَ ، والمطبخَ ، والهاتفَ ، ووسائلَ التواصلِ الاجتماعيِ ، … وغيرها ، إنّ الذي دخلَ عليهِ رمضانُ وخرجَ ، فلمَ ينهلْ منْ خيره ، ولمَ يستزدْ فيهِ منْ العملِ لربهِ ، فخسرَ عمرهُ وضيّعَ فرصتهُ الثمينةَ ، ولهذا جاءَ في الحديثِ الذي أخرجهُ البخاري في الأدبِ المفردِ ، عنِ النّبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنهُّ قالَ : ( جاءني جبريلُ عليه السلامُ فقالَ : شقي عبدٌ أدركَ رمضانَ فانسلخَ منهُ ، ولمْ يغفر لهُ ، فقلتُ آمينَ ) .
عبادَ اللهِ: ومنْ المغبونينَ كذلكَ ، أولئكَ الذينَ يشمّرونَ عنْ ساعدِ الجدِ ، في بدايةِ الشهرِ ، ويجتهدونَ في أنواعِ العباداتِ ، ولكنْ ما إنْ ينتصفَ الشهرُ حتى تفترَ هممهمْ وتقلُ عزائمهمْ ، وينشغلونَ في آخرِ أيامهمْ في الأسواقِ استعدادا للعيدِ ، وهذا أمرٌ عجيبٌ ؛ فإنَّ أفضلَ أيامِ رمضانَ هيَ نصفه الأخيرُ ، فيا عباد اللهِ ، أذكرُ نفسيٍ وإياكمْ بأنَّ شهرَ رمضانَ شهرُ مغنمٍ وأرباحٍ . . فيا سعدَ منْ غنمِ فيهِ وربحَ ، واكتسبَ في تلكَ الأيامِ المعدوداتِ ، صفاتِ الصالحينَ ، وأخلاقَ المؤمنينَ ، وثوابَ العابدينَ ، لكيْ يرتقيَ في مداركِ المتقينَ .
عبادَ اللهِ : لا تنسوا أنّ رمضانَ أيامٌ سرعانَ ما تنقضي ، ولحظاتٌ سرعانَ ما تنجلي ، جعلها اللهُ في صحائفِ الأعمالِ شاهدةً بكلِ خيرٍ ، وأعادهُ علينا أعواما عديدةً وأزمنةً مديدةً .
فاللهمَّ أيقظنا منْ رقداتِ الغفلاتِ ، وأعنّا على اغتنامِ الأوقاتِ في الباقياتِ الصالحاتِ ، واجعلْ شهرَ رمضانَ شاهدا لنا بالخيراتِ ، ووفقنا لصيامهِ وقيامهِ إيمانا واحتسابا ، واجعلنا فيهِ منَ المقبولينَ ؛ إنكَ جوادٌ كريمٌ ، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ .