قصــة آدم عليه السلام

فهد عبدالله الصالح
1431/06/14 - 2010/05/28 14:12PM




أمـا بعـد : { يأيها الناس : اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً .

أيها المسلمون : خلق الله الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض : أئتيا طوعاً أو كرها قالتا : أتينا طائعين

ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى ثم خلق ملائكته الذي يسبحون بحمده ويقدسون اسمه ويخلصون في عبادته ثم اقتضت حكمته أن يخلق آدم وذريته ليسكنوا الأرض ويعمروها ويمشون في مناكبها ويأكلون من رزقها ويخلف بعضهم بعضاً فيها , فأنبأ ملائكته أنه سينشئ خلقاً آخر فخافت الملائكة أن يكون ذلك لتقصيرٍ وقع منهم أو لمخالفةٍ كانت من أحدهم وخافوا من إغضاب الرب بأن تٌسفك الدماء في الأرض وتٌفسد الخيرات ويعصى الله فقالوا له على سبيل الاستفسار { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }فأجابهم ربٌهم بما اطمأنت له قلوبهم { إني أعلم ما لا تعلمون }

سوى الله آدم بيده من صلصالٍ من طين أسود على شكل بشر ثم نفخ فيه تعالى من روحه فسرت فيه نسمة الحياة وصار بشراً سوياً وتكريماً لآدم وذريته أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم فاستجابوا لربهم خاضعين وسجد الملائكة لآدم طاعةً لربهم إلاَ إبليس فقد خالف أمر ربه وانحاز إلى معصيته وفضَل الكبرياء والغطرسة على الطاعة والتسليم ولم يكن من المؤمنين بل كان من الكافرين ..

سأل الله إبليس عن سبب امتناعه عن الطاعة قائلاً له { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين } فزعم إبليس أنه خيرٌ من آدم عنصراً وظن أنً لا أحد يباريه في قدرهِ ومكانته { قال أنا خير منه , خلقتني من نار وخلقته من طين } .

أيها الأخوة في الله : لقد جمع إبليس معاصٍ كثيرة : عصياناً لله وتكبراً واستعلاءً واغتراراً بما وهبه الله كان عاقبة ذلك أن كان من الكافرين فجازاه الله على عصيانه بأن طرده من رحمته ومن جنته ناداه الله قائلاً له { فاخرج منها فإنك رجيم ـ أى مبعد مطرود ـ وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } .

وهكذا عاقبةٌ من يستكبر عن طاعة الله ربه ويعص خالقه عاقبته الحرمان من الجنة والمآل إلى النار , فالجنة دار المتقين والنار دار الكافرين والعاصيين ..

أيها الأخوة : سأل إبليس ربه أن يؤخره إلى يوم القيامة وأن يمد له في هذه الحياة حتى يوم البعث والنشور فأجاب الله سؤله وقال له { فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } , وامتلأ قلب إبليس حسداً وغيظاً على هذا الإنسان المكرم وآل على نفسه أن يكيد للإنسان وأن يزين له الكفر والمعاصي ويحمله على الزيغ والضلال وكان مما حكى الله عنه أنه قال { فبما أغويتني لأقعدنَ لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } ويبدأ إبليس اللعين في الترصد للغواية وبذل الجهد في إضلال بنى آدم هذا من خبر إبليس . أما أبونا أدم ـ فكان من خَبرهِ ـ أيها الأخوة .. أن خلق له من ظلعه الأيسر زوجه حواء . ثم أمر الله آدم ـ عليه السلام ـ أن يسكن هو وزوجه الجنة بقوله تعالى { وقلنا : يآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } لقد أبيحت لهما كلً ثمار الجنة إلاَ شجرةً .. شجرةً واحدة جعلها الله ابتلاءاً لها , إنها محظورة فبغير المحظور لا تتكون الإرادة ولا يتميز الإنسان المريد من غير المريد ولا يمتحن صبر الإنسان على الوفاء بالعهد والتقيد بالشرط .

والبشر الذين يستمتعون بالحياة الدنيا بلا إرادة قد تخلفوا عن إنسانيتهم .

سكن آدم الجنة وصار يتمتع بما فيها ويتنقل بين أشجارها وظلالها ويقطف من أزهارها وأثمارها وعاش كذلك مدةً هو وزوجه في تلك السعادة الحقة حزَ ذلك في نفس إبليس فآدم وزوجته ينعمان في الجنة أمَا هو فمطرود من رحمة ربه مبعد عن جنته فعزم على إفساد سعادتهما فدلف إلى الجنة وبدأ يوسوس لهما ويظهر لهما أنه لهما لمن الناصحين وقال لهما : إن الله لم ينْههما عن الأكل من الشجرة إلاَ لأنها اشتملت على خصائص مفيدة لهما ولو أكلا منها لكانا ملكين أو يكونا من الخالدين ولمَا رأى اللعين إعراض الأبوين عنه وعن مشورته أقسم لهما أنه لمن الناصحين وإغراؤهما بطيب ريح تلك الشجرة وحسن لونها وكرر وساوسه حتى أكلا منها ووقع الأبوان في شراك إبليس ووقع ما حذرهما الله منه وناداهما ربهما { ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } , عندئذٍ أنابا إلى الله وندما على فعلتهما وألهمهما الله كلمات وأدعية يستغفران بها { قالا : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننً من الخاسرين } .. تاب الله عليها من تلك الخطيئة ولكنَه تعالى أخرجهما من الجنة وأسكنهما مكاناً غيرها وقال لهما { اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإمَا يأتينكم منى هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } .

فالمعصية هي التي حرمت آدم وزوجه من الجنة وهي التي تحرم ذريته من الجنة إذ هم عصوا ربهم , والإيمان بالله والعمل الصالح أيها الأخوة هو ـ بعد رحمة الله ـ الكفيل بدخول الجنة والخلود فيها وقد أنزل الله الشرائع وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين وهدى الناس النجدين طريق الخير وطريق الشر , ووهب الناس عقولاً يميزون بها الخير من الشر والفطرة السليمة كامنة في النفوس البشرية والحي والعقل والفطرة دوافع للخير عند الإنسان يقابلها الشيطان بوسوسته سلطه الله على بنى آدم ابتلاءاً ومحنة ليميزَ الله الخبيث من الطيب .

وإهبطا آدم وزوجه ـ عليهما السلام ـ إلى الأرض ليبدأ رحلة جديدة وبدأت الحياة البشرية على الأرض من هذين الأبوين الكريمين ـ عليهما السلام ـ وبدأ معهما الصراع بين الحق والباطل بين بنى آدم وإبليس , وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل وعرف الإنسان منذ فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار وكيف يخسر إذا اختار لنفسه الخسارة .

ونقف أيها المسلمون مع نهاية قصة آدم على وقفة أخيرة من هذه البداية لتاريخ البشرية لنقف مع هذا الإنسان سيد هذه الأرض الذي من أجله خلق كل شئ فيها

هذا الإنسان أعز وأكرم وأغلى من أي شئ مادي ومن كل قيمة مادية فلا يجوز إذاً أن يستعبد أو يستذل لقاء لقمة عيشه أو توفي قيمة مادية , ولا يجوز ـ أيضاً ـ أن يعتدي على إنسانيته الكريمة من أجل مادة هذه الأرض .. فهذه المخلوقات المادية كلها مخلوقة من أجله من أجل تحقيق إنسانيته { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } .

هذا ـ أيها الأخوة ـ عرض سريع لقصة أبي البشر آدم ـ عليه السلام ـ وهي قصة بدء الخليقة وإن فيها من العبر الشيء الكثير و فاتقوا الله ـ يأمة الإسلام ـوكونوا خلفاء الله في أرضه فقد أستخلفكم فيها واعرفوا قدر الإنسان وكيف كرمه الله في أرضه واحذروا الكبر فهو الذي صيَر إبليس إلى ما صار إليه وإياكم والحرص والطمع فإنه الذي أخرج الأبوين من الجنة وأمَا معصيةٌ الله في ترك ما أمر الله أو فعل ما نهى فإنها التي حرمت أبانا من الجنة وهي مانع من دخولنا الجنة يوم القيامة .

واحذروا الشيطان ووسوسته واتخذوه عدواً وقوُ الجانب الروحي فإنه هو أساس سمو الإنسان ورقيه { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .


عبـاد الله :

لمَـا هبط آدم وزوجه لا شك أن أبانا آدم ـ عليه السلام ـ كان ينظم حياة تلك الجماعة البشرية الأولى على أساس هذه العقيدة الإلهية الصحيحة ثم حصل انحراف الناس عن عقيدة التوحيد التي فُعلوا عليها بعد زمن من وفاة أبي البشر آدم ـ عندما أنتشر نسله في الأرض وشرعوا في إقامة أولى المدنيات وضل خلق كثير منهم لأسباب كثيرة فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وكان أولهم نوح عليه الصلاة والسلام .

فالأصل في البشرية هو التوحيد والشرك طارئ عليها .. كما أن الأصل فطرة بني آدم أنه خلق على التوحيد الخالص

ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ما من مولود يولد إلاَ ويولد على الفطرة

وما يحدث من شرك وانحراف هو بسبب البشر أنفسهم بخدعة من عدوهم إبليس هذا وصلوا وسلموا ...
المشاهدات 3135 | التعليقات 0