قَصَصُ القُرآن 10ـ 3ـ 1446هـ
عبدالعزيز بن محمد
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَأَشْهَدُ أَن لا إِله إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، عَلى العَرْشِ اسْتَوى، يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ}
وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمداً عَبْدُهُ ورَسُولُه، أَتَمَّ اللهُ بِهِ النِّعْمَةَ، وأَكْمَلَ بِهِ الدِّيْن، بَلَّغَ الرِّسالَةَ، وأَدَّى الأَمانَةَ، ونَصَحَ الأَمَةَ، وَجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، وعَبَدَ رَبَّهُ حَتَى أَتَاه اليَقِيْن، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن.
أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ.. فـ {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}
أيها المسلمون: فِيْ ظِلالِ القُرْآنِ يَطِيْبُ العَيْشُ وَيَحْلُوْ المُقَام، فِي ظِلالِ القُرْآنِ تَغْشَى السَّكينةُ وتَحِلُّ الطُمَأَنِيْنَةُ، فِيْ ظِلالِ القُرْآنِ يَصْفُو العَقْلُ وتُشْرِقُ الحَياة.
كِتَابٌ مِنَ اللهِ نَزَل. فِيْهِ الهُدَى والنُّور، فِيهِ الطُمَأَنِيْنَةُ والسُّرُور، فِيهِ فُرْقَانٌ وذِكْرَى، فِيْهِ بُرْهانٌ ونُور {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
أَدْرَكَ السَّعَادَةَ مَنْ بالقُرآنِ اتَّصَل. أَنْزَلَ اللهُ القُرآنَ للنَّاسِ هُدَى، وَوَعدَ مَنْ اتَّبَعَ هُداهُ بأَطْيَبِ حَياةٍ في الدُّنْيا، وبأَكْرَمِ حَياةٍ في الآخِرَة. لَنْ يَخافَ ولَنْ يَحْزَن، ولَنْ يَضِلَّ ولَنْ يَشْقَى، وعَدٌ مِنْ اللهِ حَقٌّ، وَعْدٌ مِنَ اللهِ لَنْ يُخْلَف {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} قَالَ اللهُ وصَدَقَ الله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وَقَالَ اللهُ وصَدَقَ الله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} أَبَعْدَ هَذا الوَعْدِ وَعْد؟! أَبَعْدَ هذا الضَّمانِ ضَمان؟! أَفَيُعْرِضُ عَنِ القُرآنِ مَنْ يَرْجُو فَلاحاً؟! أَفَيُعْرِضُ عَنِ القُرآنِ مَنْ يَرْجُو هَناء؟! أَفْلَحَ مَنْ عَمَرَ عُمْرَهُ بالقُرآن. يَصْطَفِيْ لِتِلاوَتِهِ أَشْرَفَ سَاعَاتِه. ويَنْتَقِيْ لَهُ أَكْرَمَ أَوْقَاتِه. كُلُّ مَشاغِلِ الحَياةِ لَدَيْهِ قَابِلَةٌ للتأَجِيْل، وكُلُّ مُتَعِ الحَياةِ لَدِيْهِ قَابِلَةٌ للتأَخِيْر. لَكِنَّ حِزْبَهُ في يَومِهِ مِن القُرآنِ لا يَقْبَلُ تأَجِيْلاً ولا تَأَخِيْراً. لَهُ مَع القُرآنِ وَصْلٌ وَثِيْقٌ، لَهُ مَع القُرآنِ قُرْبٌ وأُنْسُ. يَتَخَلَّقُ بأَخْلاقِهِ، ويَتَأَدَّبُ بآدابِهِ، يأَتَمِرُ بأَمْرِه، ويَنْتَهِيْ عَن نَهْيِه. مُسْتَمْسِكٌ بالكِتابِ عَامِلٌ بِه {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ومَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ القُرآنِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ اللهِ وخَاصَّتِه. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (.. أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ) أَيْ: أَوْلِياءُ اللهِ الَّذين اختَصَّهم بمحبَّتِه.
* لَيْسَ في الوُجُودِ كِتابٌ أَشْرَفَ مِنْ كِتابِ اللهِ {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} كُلُّ آيَةٍ في القُرآنِ لَها هِدايَةٌ، كُلُّ آيَةٍ في القُرآنِ بِها شِفاء {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
* سُوَرُ القُرآنِ ظِلالٌ مِنْ نَعِيْم.. يَنْتَقِلُ التَالِي لَها مِنْ ظِلالٍ لِظِلال. كُلُّ سُورَةٍ لَها مَعانٍ ولَها حِكَم، ولَها تَوْجِيْهاتٌ ولَها إِرْشاد. فَما أَدْرَكَ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ، وما تَذَكَّرَ مَنْ عَنِ الآياتِ غَفَل {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
* قَصَصُ القُرآنِ كَمْ فِيْها مِنْ عِبَر؟! أَصْدَقُ القَصَصِ وأَحْسَنُها، وأَجْمَعُها للفَضائِلِ وأَنْفَعُها. بِها ثَباتٌ للقُلُوبِ، وبِها تَقْوِيَةٌ للإِيْمان. فِيْها دَعْوَةٌ لاقْتِفاءِ أَثَرِ الصَّالِحِيْنَ، وفِيْها تَنْفِيْرٌ مِنْ عَمَلِ الهَالكين. في قَصَصِ القُرآنِ بَيَانٌ لِحُكْمِ اللهِ وحِكَمِه، ولُطْفِهِ بأَوْلِيائِهِ وحُسْنِ تَدْبِيْرِه، ومَكْرِهِ بِأَعدَائِهِ وخَفاءِ اسْتِدْراجِه.
* في قَصَصِ القُرْآنِ بَيانٌ لِعَظِيْمَ قُدْرَةِ اللهِ وسَعَةَ عِلْمِهِ، وجَمِيْلِ فَضْلِهِ وحُسْنِ إِمْهالِه. في قَصَصِ القُرْآنِ بَيانٌ لِسُوءِ عَاقِبَةَ الظَالِمِيْنَ، وبَيانٌ لِحُسِنِ مُنْقَلَبِ المَظْلُومِيْن {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} * في قَصَصِ القُرْآنِ طَمْأَنَةٌ للمؤْمِنِيْن، وتَخْوِيِفٌ للكافِرِين، وتَثْبِيْتٌ للصَّابِرِيْن، وتَقْوِيَةٌ للمتَّقِيْن، وتَهْدِيْدٌ للعَاصِيْنَ، وبِشارَةٌ للطائِعِين. قَصَصِ القُرْآنِ ما تَدَبَّرَها مُؤْمِنٌ إِلا ازْدادَ باللهِ إِيْمانُهُ، وعَظُمَ بِهِ يَقِيْنُه. وكَمُلَ مِنَ اللهِ خَوْفُهُ، واتَّسَعَ بِهِ رَجَاؤُه.
* قَصَصُ القُرآنِ كَمْ أَبانَتْ مِنْ سِيَرِ المُرْسَلِيْن وأَبْرَزَتْ مِنْ مَنَاقِبِهِم {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وكَمْ أَبَانَتْ مِنْ أَحْوَالِ بَعْضِ الصَّالحِيْنَ وكَشَفَتْ مِنْ مآثِرِهِم.
* قَصَصُ القُرآنِ كَشَفَتْ أَحْوالَ أُمَمٍ غَبَرَت، وأَبانَتْ عَواقِبَ أَقْوامٍ انْدَرَسَتْ. كَما فَصَّلَتْ وَقَائِعَ في عَهْدِ النُّبُوةِ قَامَتْ، ونَوازِلَ في زَمَنِ نُزُولِ الوَحِي حَدَثَتْ.
وَقَصَصُ القُرآنِ ما أَوْرَدَها اللهُ إِلا لأَجَلِّ الحِكَمِ وأَعْظَمِ العِبَر، وأَوْفَى النَّاسِ عَقْلاً، وأَوْفَرُهُم فَهْماً، مَنْ أَدْرَكَ مِنْ كُلِّ قِصَّةٍ عِبَرَها، واسْتَنْبَطَ كُنُوزَها ودُرَرَها {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
* قَصَصُ القُرآنِ قَصَصٌ حَقّ {إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قَصَصُ القُرآنِ أَحْسَنُ القَصَص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} ومَا كَانَتْ قَصَصُ القُرآنِ أَحْسَنَ القَصَصِ إِلا لاشْتِمالِها على أَصْدَقِ الأَخْبارِ وأَبْلَغِ العِبَر، وأَهدَى المَقاصِدِ وأَشْرَفِ الحِكَم، وأَجَلِّ المَعانِيْ وأَوْضَحِ البَيان. وأَوْفَى العِباراتِ وأَكْمَلِ الهِدَايَات.
تَكاثَرَتْ قَصَصُ القُرآنِ، فَقِفْ مَع القَصَصِ واسْتَخْلِصْ مَنافِعَها {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} {..فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} {نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا}
بارك الله لي ولكم بالقرآنِ العظيم..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: كِتَابُ اللهِ أَعْظَمُ ذِكْرٍ {ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} وما ذُكِّرَ العِبادُ بأَعَظَمَ مِنْ تَذْكِيْرِهِم بالقُرآنِ، وَما وُعِظُوا بأَعْظَمَ مِنْ ِمَواعِظِهم به {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}
فَمَنْ آمَنْ بالذِّكْرِ واتَّبَعَ ما يُؤَمَرُ بِه، فَذاكَ التَقِيُّ حَقاً، الفَائِزُ صِدْقاً، لَهُ مِنَ اللهِ أَوسَعُ مَغْفِرةٍ، ولَهُ مِنَ اللهِ أَكْرَمُ بشْرَى {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} ومَنْ أَعْرَضَ عَن الذِّكْرِ وعَن الآياتِ عَمِي، فَذاكَ الشَّقِيُّ العَنِيْد، القَصِيُّ البَعِيْد، يَرِدُ القِيامَةَ بأَسْوأِ الأَوزَارِ وأَثْقَلِ الأَحْمال {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}
القُرآنُ شِفاءٌ لِما في الصُّدُور {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} وما تَفَضَّلَ اللهُ على العِبادِ بِنِعْمَةٍ أَعْظَمَ مِنْ إِنزَالِ كِتابِهِ إِلِيْهِم {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
تَعْكُفُ القُلُوبُ تَدَبُّرِ القُرآنِ فَما تَنْقَلِبُ إِلا بِقَلْبِ قَانِتٍ وفُؤَادٍ مُسْتَجِيْب. وقَصَصُ القُرآنِ لَها في النُّفُوسِ أَثَر. فَمَنْ أَدَامَ تأَمُلَ القَصَصِ وأَطَالَ النَّظَرَ فيها، اسْتَقامَ سَيْرُهُ وَصَلُحَتْ سِيْرَتُه، وزَكَى سَعْيُهُ،وصَفَتْ سَرِيْرَتُه، واتَّسَعِ إدْرَاكُهُ وأَصَابَتْ رُؤْيَتُه.
يَعْرِضُ المُرَبِيْ قَصَصَ القُرآنِ على مَسَامِعِ الجِيْلِ، مُرْدِفاً ذلِكَ بِإِيرادِ أَبْلَغِ ما يَقْتَرِنُ بِها مِنِ الفَوائِدِ والمآثِرِ والعِظاتِ والعِبَر. فَتُشْرِقُ في نُفُوسِ الجِيْلِ أَنُوارُ الهِدايَةِ، وتَنْهَضُ فِيْهِم أَزْكَى الهِمَم. وتُقْبِلُ قُلُوبُهُم نَحَو تَدَبُرِ الآياتِ رَاغِبَةً. يَهْتَدُونَ بِهَدِيْ مَنْ هُدِي، ويَجْتَنِبُونَ سَبِيْلَ مَنْ شَقِيْ. يُدْرِكُونَ شَيئاً مِنْ حِكَمِ اللهِ في خَلْقِه، ويُبْصِرُونَ شَيئاً مِنْ لُطْفِ تَدْبِيْرِه. تَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُم باللهِ في سَرَّائِهِم وضَرَّائِهم، وفي خَوْفِهِم وَرَجائِهم.
كُلَّما نَزَلَتْ بِهِم نَازِلَةٌ مِنْ نَوازِلِ الأَقْدارِ، اسْتَشْهَدُوا لَها بِما يُوائِمُها مِنْ قَصَصِ القُرآنِ. وكُلَّما عَرَضَتْ لَهُم عَارِضَةٌ في مَسَالِكِ الحَياةِ، اسْتَرْشَدُوا لَها بِما يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ آيِ الفْرْقان. هَدْيٌ تَرَبَى عَلِيْهِ خِيارُ الأُمَةِ وَسَادَاتُها. هَدْيٌ تَرَبى عَلِيهِ أَصْحابُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم .
وَلَئِنْ نَأَى الجِيْلُ عَنْ تَدَبُرِ القُرآنِ، وضَعُفَ اسْتِمْسَاكُهُ بِه. فَلَقَدْ نَأَى عَنْ مَصْدَرِ كُلِّ شَرَفٍ، وضَلَّ عَنْ مَنْبَعِ كُلِّ عِزٍّ، ونَدَّ عَنْ مَنْهَلِ كُلِّ كَرامَة {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
اللهمَّ نَوِّرْ قُلُوبنا بالقُرآنِ..
المرفقات
1726140257_قَصَصُ القُرآن 10ـ 3ـ 1446هـ.docx