قصة نجاح !

عبدالله اليابس
1435/07/22 - 2014/05/21 16:29PM
قصة نجاح

الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وتوحيده، ومنَّ علينا وتفضلَّ بتسبيحه وتحميده، أحمده سبحانه وأشكره وعدَ الشاكرين بمزيده. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل رسله وأكرم عبيده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هناك .. وفي تلك الصحراء.. في ذلك الوادي الأجرد.. تقع بلدة صغيرة يقال لها مكة.. تلك البلدة التي حاول أبرهة الحبشي قبل سنوات قليلة أن يغزوها ويهدم الكعبة التي تقع فيها.. الكعبة .. انظروا إليها .. وتأملوا حولها .. تأملوا هذه الأصنام التي يزيد عددها عن الثلاثمائة صنم منتثرة حولها وفي داخلها .. وهاهو رجل يقبل من بعيد قد أرهقه الهم .. هم مرض ولده الصغير .. يقبل ومعه كبش أملح أقرن .. فيقترب من ذلك الصنم الكبير .. ويذبح الكبش متقربًا إلى هُبَل.
وفي الجانب الآخر من البيت امرأة تريد الطواف بالبيت .. فتفعل كما يفعل النساء هنا إذا أردن الطواف.. فتلقي عنها جميع ثيابها .. وتطوف عريانة تماماً إلا من خرقة وضعتها على فرجها..
وفي طرف من أطراف مكة ..رجل ينتظر خبر مولود .. وامرأته في الطلق .. حتى إذا خرج الوليد .. واستهل صارخًا .. وسمع الناس بكاءه .. تأتي القابلة إلى أبي المولود .. لتبشره بأن امرأته وضعت بنتًا .. فيتغير وجه الأب ويَسْوَدّ.. ويضيق صدره .. ويصبح يتوارى في أزقة مكة خجلاً من العار .. أنه رزق بأنثى!
وتشب هذه البنت وتكبر حتى إذا بلغت أربع سنين .. أمر أمها فجملتها وألبستها .. وخرج بها إلى صحراء مكة .. وحفر لها حفرة .. ودفنها فيها وهي حية .. ليكون آخر ما يسمع صرخاتها البريئة .. واستنجادها به: أبي .. أبي .. لكنها تخاطب قلبًا أقسى من الحجر.
وفي طرف آخر من أطراف مكة .. يشمخ جبل النور كأنه يطل على أهل مكة .. جبل يسبح بحمد ربه .. لو أُنزلت عليه آيات الرحمن لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله .. في ذلك الجبل تقع فتحة صغيرة .. غار صغير.. فتعالوا بنا نصعد الجبل لنرى ما بداخل هذا الغار..
في هذا الغار .. غار حراء .. يجلس محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .. قرشي هاشمي .. رجل يبلغ من العمر أربعين سنة.. وهذا الرجل هو موضع ثقة أهالي مكة ومحبتهم, كيف لا! وقد أطلقوا عليه لقب الصادق الأمين.
يجلس هنا الليالي الطوال ذوات العدد .. يخلو بنفسه .. ويعبد ربه على بقية من ملة إبراهيم عليه السلام الحنيفية ..
في تلك الخلوة حيث يلف السكون المكان .. إلا من صوت الرياح بين تارة وأخرى.. وبلا مقدمات.. يدخل عليه جبريل عليه السلام مع فتحة الغار.. فيعاجله ويقول: اقرأ ! فيرد عليه صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. فيكرر الملك عليه: اقرأ. ثلاث مرات. في كلها يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ.
ثم يتلو عليه رسالة من ربه تبارك وتعالى .. يتلو عليه أول آيات من الوحي تطرق سمعه: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرا وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)..
قالَ لهُ اقرأ وهْوَ في المِرارِ * يُجيبُ نُطقًا ما أنا بِقاري
فَغَطَّهُ ثلاثةً حتى بَلَغْ * الجَهْدَ فاشتدَّ لذاكَ وانصبَغْ
أقرأَهُ جبريلُ أولَ العَلَقْ * قَرأَهُ كَمَا لَهُ بها نَطَقْ
وبعدها بفترة تنزل عليه آيات أخرى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر)..
(قم فأنذر) .. أنذر رسالة ربك .. هذه الرسالة العالمية .. التي فيها هداية البشرية جمعاء.. أبلغ هذه الرسالة إلى الأمة كلها..
هو رجل واحد .. قدراته محدودة.. كيف يواجه صلف قريش.. وكيف سيخبرهم أن ما اعتادوا عليه منذ سنين طوال من عبادة الأصنام باطل.. وأن العبادة يجب أن تكون لله وحده, رجل واحد يواجه العالم بأسره.
وبدا رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول بالدعوة, فأسلمت على يده خديجة .. فأصبحوا اثنان يواجهان العالم أجمع.. ويقول لزوجه: (مضى عهد النوم يا خديجة).
ويخبر صاحبه أبا بكر بما أوحي إليه فيستجيب له أبو بكر رضي الله عنه.. ومنذ اليوم الأول يتبنى أبا بكر هم الدين.. ويبدأ بالدعوة.. فالقضية ليست قضية محمد صلى الله عليه وسلم وحده بل هي قضيتنا جميعًا.. ويسلم في اليوم الأول على يد أبي بكر خمسة من العشرة المبشرين بالجنة !
عثمَانُ والزبيرُ وابنُ عوْفِ * طلحةُ سعدٌ أمِنوا مِنْ خَوفِ
إذْ ءامنوا بدعوةِ الصديقِ * كذا ابنُ مظعونٍ بذا الطريقِ
وتستمر الدعوة, ويحارَب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه, ويستعر التعذيب والقتل فيمن يسلم من أتباع هذا الدين, ويُضَيَّق أكثر وأكثر على أتباع الدين, حتى حوصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه في شعب من شعاب مكة ثلاث سنين, لا يدخل إليهم طعام ولا شراب, حتى أكلوا الجلود وورق الشجر, وهم مع ذلك ثابتون على إسلامهم.
وييسر الله تعالى وتتبنى هم الدين مجموعة قليلة من أهل يثرب قد أتوا إلى الحج, واقتنعوا بدعوة الإسلام, فيرسل معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيًا ومعلمًا, وينتشر الدين في يثرب, ويطلب أهل يثرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوم إليهم, فيأذن الله تعالى له, وينتقل إلى يثرب فيسميها المدينة, وتصبح أول دولة إسلامية في التاريخ, لكن قريشًا في مكة لم تتركها وشأنها, فسعت بكل ما أوتيت من قوة إلى إسقاط تلك الدولة الفتية, ويأبى الله إلا أن يتم نوره, وتدخل مكة بعد ثمان سنين في حياض دولة الإسلام.
ومن خير ما فينا من الأمر أننا
متى نلقَ يومًا موطن الصبر نصبر
ويطهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من رجس الشرك, ويبعث البعوث والسرايا والدعاة لنشر هذا الدين, وتتوسع رقعة هذا الدين, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان وحيدًا في مكة يحمل هم نشر الدين.. يقول اليوم: (ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين, بعز عزيز أو بذل ذليل, عزًا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ:وتتمدد دعوة الإسلام, حتى تسقط بيد المسلمين عروش كسرى وقيصر وهما أكبر دول ذلك الوقت, وتمتد هذه الدعوة حتى وصلت على بحر الصين وأطراف باريس.
ملأنا البر حتى ضاق عنا ونحن البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا
في سبيل تلك الدعوة ووصول الإسلام إلى البشرية بُذلت الأوقات والجهود, وأسيلت الدماء وذهبت الأنفس, ثم ها نحن بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا ننعم بتلك الدعوة التي بدأت في يوم من الأيام برجل واحد, وحملها معه رجال ونساء حتى وصلت إلينا.. ترى لو رأى أبو لهب الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لما جمع الناس يدعوهم للإسلام : (تبًا لك ألهذا جمعتنا).. لو رأى اليوم منظر الحجاج والعُمَّار ومكة تضيق بهم كلهم يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .. كيف سيكون شعوره؟
بل كيف لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنظر.. بعد أن كان رجلاً واحدًا يحارب في سبيل نشر هذا الدين.. كيف ستكون مشاعره؟
إن من أكبر نعم الله تعالى علينا أن ولدنا على الإسلام, فكم من أناس ولدوا وماتوا على الكفر, تلفت حولك اليوم, ستجد أن أغلب أمم الأرض هم من غير المسلمين, كل أولئك قد حرموا من هذا الخير الذي تنعم به أنت منذ خرجت من بطن أمك, وُلِدتَ لأبوين مسلمين موحدين, وفي بيئة إسلامية, المساجد من حولك, والقرآن أمامك في كل مكان, فلا تعذيب ولا قتل ولا حصار كما فُعل بآبائك الأولين الذين صبروا وصابروا حتى وصل هذا الدين إليك.
ينبغي على كل مسلم أن يحمل هم الإسلام, يسعى كل بما أوتي من قوة لنشر هذا الدين, والسعي في إدخال الناس في دين الله أفواجًا.
في أندونيسيا.. أكبر بلد إسلامي.. انتشر الإسلام على يد التجار الحضارم, رحلوا إلى هناك للتجارة وتمثلوا الإسلام في أخلاقهم وأمانتهم, حتى صارت أندونيسيا بلدًا إسلاميا.
وفي بلاد الغرب اليوم.. رجال ونساء يدخلون في الإسلام بفضل الله عز وجل ثم بجهود مسلمين رحلوا لهم للعمل أو الدراسة.. لكنهم حملوا معهم هم الإسلام.
وأحسن وجه في الورى وجه محسن
وأيمن كف فيهم كف منعم
كن ممن يحمل هم الإسلام .. ولا تكن ممن يحمل الإسلام همه!
من عاش لدين الله فسيعيش كبيرًا ويموت كبيرًا.. ومن عاش لنفسه .. مات لنفسه.
انشروا دين الله .. بأفعالكم وأقوالكم.. في تحركاتكم وسكناتكم.. في ابتساماتكم وضحكاتكم.
الدعوة ليست حكرًا على أحد.
يا من لديه عامل غير مسلم ماذا قدمت له؟
يا من لديه خادمة غير مسلمة ماذا قدمت لها؟
يا من يزامله في العمل شخص غير مسلم ماذا قدمت له؟
قد أتوا من ديارهم وقطعوا البحار والقفار .. أتو إليك.. فأنقذهم من الكفر أنقذك الله من النار.
ليس في كل وهلة وأوانِ* تتهيا صنائع الإحسانِ
فإذا أمكَنَت فبادر إليها *حذراً من تعذر الإمكانِ
لما أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم عليًا راية خيبر أوصاه وقال له: (ادْعُهُم إلى الإسلامِ، وأخبِرْهُم بما يجبُ عليهِم، فواللَّهِ لأنْ يهدِيَ اللَّهُ رجلًا بك، خيرٌ لك مِن أنْ يكونَ لك حُمْرُ النَّعَمِ).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

نعمة الإسلام 10-7-1435.docx

نعمة الإسلام 10-7-1435.docx

المشاهدات 2453 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


مقدمة مميزة وسرد تاريخي رائع تثير كوامن القلوب، وتحرك الشجون

لا حرمك الله أجرها .. وأجر من سيلقيها

فغفر الله ذنبك ورفع قدرك وبإنتظار إبداعاتك

تم اعتمادها للخطبة القادمة ،،