قصة نبي الله نوح عليه السلام
عبدالرحمن سليمان المصري
قصة نوح عليه السلام
الخطبة الأولى
الحمدُ لله الذي قصَّ علينا من نبأِ المُرسلِينَ ما فيه عبرةٌ للمعتبرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .
عباد الله : اشتملَ القرآنُ الكريمُ على التوحيدِ والعقائد ، والأحكام والتوجيهات ، والقصص والمواعظ ، وإن في قصص القرآن عبرةٌ لأولي الألباب ، ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ ، وقد أكثرَ اللهُ تعالى من ذكرها في كتابه، ونوّع وجوه الاعتبار بها في كثيرٍ من آياته ، وإن من تلك القصص التي حوت علما وحكما ، قصة نوح عليه السلام ، وهو أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض ، اصطفاه واختاره وجعله من صفوة خلقه ، فهو من أولي العزم من الرسل ، الذين فضلهم الله تعالى على سائر المرسلين .
وقد أثنى الله تعالى عليه بالصفات الحميدة ؛ فوصفه بالإيمان والإحسان، وكونه من عباد الله الشاكرين ، قال تعالى : ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ الإسراء:3 . ، وقال تعالى ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾الصافات:79-81 ، أي: أَبْقَى الله عَلَيْهِ الذِّكْرَ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءَ الْحَسَنِ ، فيُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَالْأُمَمِ .
عباد الله : كَانَ بَيْنَ آدَمَ، وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، كُلُّهُمْ عَلَى التوحيد ، فلَمَّا عُبِدَتِ الْأَصْنَامُ وَالطَّوَاغِيتُ ، وشرع الناس في الكفر والضلالة ، بَعَثَ اللهُ نوحا عليه السلام رحمة للعباد ، ليردهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له ، فدعاهم إلى الله عز وجل بالرفق واللين ، ونوّع في خطابه لهم بالترغيب
والترهيب ، والسر والعلانية ، في الليل والنهار ، فُرادى وجماعات ، قال تعالى :﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ نو.
عباد الله : وقد أقام نوح عليه السلام يدعوا قومه قرونا طويلة ، وقد رزقه الله الصبر على أذاهم ودعوتهم ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ﴾، فلم ير إلا أَعيُنًا عُمْيًا ، وآذانًا صُمًّا ، وقد نَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وحين ، وَتَنَقَّصُوهُ ومن آمن معه ، ولم يؤمن منهم إلا القليل , قال ابن عباس رضي الله عنهم ا : كانوا ثمانين نفسا, مع نسائهم .
وكان كلما انقرض جِيلٌ ، وصَّوْا من بعدهم بعدم الإيمانِ بدعوةِ نوحٍ عليهِ السلام ، ومحاربته ومخالفته ، كما قال تعالى:﴿ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾، ثم إنهم تمادوا في التكذيب والسخرية ، واستعجلوا العذاب ، ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جدالنا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
فأوحى الله إلى نبيه ﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ ، وكان قد خافَ نوحٌ عليه السلام ، على إيمان المؤمنين الذين معه ؛ حيث كان قومُهُ يسعون في إفساد من آمن, ويصدون عن سبيل الله , قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ﴾ .
فلما أَيسَ نوحٌ عليه السلام من إيمانهم , دَعَا عليهم ، فاستجاب الله له ، ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ ، ثم أمر الله نبيه أن يستعد للنجاة من العذاب بصنع السفينة ، بمرأى من الله وتعليم له في كل ما يفعل، ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾، فأخذ في صناعة السفينة في صحراء قاحلة ، فازداد الكفار استهزاءً به وتكذيبا ، وجعل الله لنوحٍ عليه السلام علامة تدله على وقت وقوع العذاب، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾هود
وفُتحت السماء بالماء ، وتفجرت الأرض بالعيون ، وبلغ السيل الزبى، ثم جاوز القيعان والربا، قال تعالى:﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾القمر .فهرع نوح عليه السلام إلى السفينة، وحمل ما أمره الله بحمله من المؤمنين والدواب والنبات، وجرت السفينة في موج عظيم كالجبال ، والغرق يُحيط بالمكذبين، وكان ممن يُصارعُ الموجَ ابنٌ مشركٌ لنوحٍ عليه السلام ، فناداه ليركب معهم ، ولكن ظلمة الكفر طمست بصيرته ، وأصر على عصيانه ، وظن أن الجبل سيعصمه من الغرق ، ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ وَعَمَّ الماءُ جَمِيعَ الْأَرْضِ بطُولَهَا وعَرضِهَا ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرفُ .
ثم دعا نوح عليه السلام ربّهُ ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ ، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي، وأنت أحكم الحاكمين ، ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ هود
واستمر الطوفان ما شاء الله تعالى ، ولما طَهّرَ اللهُ الأرض من الشرك وأهله, أذن بزوال العذاب ، ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾هود.
وانتهت قصة نبي الله نوح عليه السلام بنجاة المؤمنين وهلاك الظالمين ، ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ هود .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :
عباد الله : اعتبروا بما قصّ الله عليكم في كتابه العزيز ، فالقصص القرآني للعبرة والعظة ، ومن هدايات قصة نوح عليه السلام :
أن التوحيد من أهم المهمات ، ولا نجاة لأحد يوم القيامة إلا به ، وهو أول دعوة الرسل ، قال تعالى : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ الأعراف:
ومنها أن للشيطان أساليب كثيرة ، وباعاً طويلاً في إضلال البشرية ، فما زال بقوم نوحٍ حتى عبدوا الأصنام وأشركوا باللهِ عز وجل ، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ البقرة .
ومنها أن المؤمن مأمور بالرفق واللين ، والدعوة إلى الله بالعلم والحكمة ، والموعظة الحسنة ، وأما الهداية فهي إلى الله تعالى ، ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾القصص.
عباد الله : إن سفينة النجاة في لزوم الكتاب والسنة ، وإن الميل والاعوجاج عن سبيل أهل الإيمان هو فُقدانٌ لمرْكَبِ الخلاص ، وإن سَلِمَ الناسُ من الغرق في الدنيا مع عصيانهم وعنادهم ، فلا نجاة من طوفان الآخرة ، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾فصلت:46.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، اللهم أعز بهم دينك وأعلي بهم كلمتك.
اللهم احفظ بلادنا وأمننا ، واجمع شملنا على الخير مع قادتنا وعلمائنا وعامتنا ، ووفق رجال أمننا .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .
اَللَّهُمَّ كن لإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ ، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم ، واكشف ضرهم ، واحقن دماءهم ، وأذن بانكشاف الغمة عنهم ، يا أرحم الراحمين، اللهم وادر دائرة السوء على اليهود الظالمين ، يا قوي يا عزيز .
نستغفر الله ، نستغفر الله ، نستغفر الله
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، ...
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ، ولا بلاء ، ولا هدم ، ولا غرق
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
عبادَ الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.