قصة نبي الله سليمان وبلقيس

أحمد عبدالله صالح
1440/06/25 - 2019/03/02 18:56PM


خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان
{ قصــة نبـيُّ اللِه سليمـــــان وبلقيس } [ 3 ]

إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيت في 28 ديسمبر 2018م
الموافق 21 ربيع ثاني 1440هـ

أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
ولازال الحديثُ مستمراً مع النَّبِيِّ الآواب سليمان عليه السلام وبينما هو يستمع بإنصاتٍ وإصغاءٍ لتقريرِ الهدهد الدقيق والموجز والذي برّرَ فيه اسباب غيابه وتأخره عن مجلسِ سليمان كان الرد السليماني حينها بلاطيشٍ او حدةٍ او اندفاعٍ او استعجال :
( سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ )
وبماذا سيتأكد سليمان من حجةِ الهدهد ؟؟
وبماذا سيتثبت ؟؟ وبماذا سينظر ؟؟
قال له :
( ٱذْهَب بّكِتَابِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ) ..
وكما تحدثنا الجمعة الماضيه أمام أعظم تقرير صاغه الهدهد .!
فإننا أحرى بنا أن نقف الآن أمام أعظم نموذج لرسالة صاغها سليمان عليه السلام كما أوردها القرآن الكريم على لسانه، شملت أصولاً في كتابتها ..!
وأجزاء يجِبُ مراعاتها ..!
وترتيب لهذه الأجزاء .!.
وهدف يمثل صُلبَ الموضوع وطبيعته .!.
- ممن الرسالة؟؟ - ولمن ؟؟ - والموضوع ؟؟
ثم المطلوب الأساس والرئيس وكل ذلك يجب أن يتحقق مع غاية الإيجاز الذي لا يخلُّ بالمعنى المراد..

وبالفعلِ ذهبَ هذا الجنديُ الامين مرةً اخرى .!
ذهبَ هذا الداعيةُ المخلص يحملُ رسالة نبيِ اللهِ سُليمانَ عليه السلام ..
ذهبَ قاطعاً مسافات شاسعه حيث وكانت ‏المسافة بين الشام واليمن مايقارب ٢٠٠٠ كيلو..
هذه المسافات الكبيره ‏قطعها الهدهد أربع مرات!!!

فحدثني‏ عن جهودكَ في الدعوةِ إلى الله ؟!!
حدثني عن جهودكَ في سنينٍ مرت من عمرك؟
حدثني عن رصيدِ حياتك جَعلتَ منها لله ولدين الله!
كم مسافةً قطعتَ لاجلِ الله ؟
كم كيلو مترات قطعتَ لاجلِ إيصالِ نصيحه؟
كم كيلو مترات تجاوزتَ حتى توصلَ علم وتوصل فكره وتغرس مبدأ من مباديء دينك لمن لم يجد ذلك او رسالةً من عقيدتك لكل من تاه في حياته..!

هذا الهدهد يقطعُ كلَ هذه المسافات ويتجاوزُ كلَ الفيافي والقفار والأنهار والسهول والوهاد حاملاً كتابَ نبيِّ اللهِ سليمان ..
وماذا في هذا الكتاب ؟
وماذا كتبَ سليمان فيه .!
مع كونه ملك لم يذكرْ مدحاً له قبل الاسم أو بعده بل ذكرَ اسمه فقط وهذا من كمالِ تواضعه , وكمال بلاغته.
نعم اخــــواني الكـــــرام
ماكتب في بداية رسالته انا الملكُ سليمان. !!
ولا انا نبيُّ اللهِ سليمان .!
ولا انا رسولُ اللهِ سليمان .كما يفعلُ ذلك عشاقُ الظهورِ ومحبيُّ الشهره :
( انا الشيخ فلان - وانا الدكتور فلان - وانا ابن فلان بن فلان - وانا ابن العظيم فلان وانا وانا... )
انّما كتب في بدايته :
(إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ )

ولمّا همّ الهدهد بالانصرافِ والمغادره قال له نبيُّ الله سليمان عليه السلام :
هل تريدُ ان أُرسلَ معك حراسةً من الجُند ؟
هل تريدُ حمايةً من الطيور ترافقك ؟
فأعلنها الهدهد الصادق بكلِ ثقة وعزمٍ وإيمان :
كيف اخافُ يانبيَّ الله وانا احملُ بسم الله الرحمن الرحيم ..
ياله من درس نتعلمه من هذا الطير الأمين .!
درسٌ رائع مفاده :
أنّ من يحملُ معه اسم الله ويسير به ، ويبدأُ عمله به ، ويبدأ يومه به ويعيش عليه فهو في حمايةِ الله ورعايته وحفظه وفي كنفه سبحانه وتعالى ومحصنٌ من شياطينِِ الجنِّ والانس .

فكلُ أمرٍ ذي بال، لابد أن نبدأهُ بـ :
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
إذ أن (كلُ عملٍ لم يبدأ باسم الله، فهو أبتر).! فقيادة السيارة أمرٌ ذو بال؛ لأنها قد تصطدم فتتحول إلى تابوت..
ودخولُ المنزلِ أمرٌ ذو بال، لأنه ربما يدخل الزوج المنزل والشيطان على كتفه، وفي أول مواجهة مع الزوجة، وإذا بالحربِ تشتعل بينهما..

ولهذا المؤمن إذا استعملَ البسملة في حياته تتحولُ حياتهُ إلى ذكرٍ قهري :
- يفتحُ جهازَ الحاسوب يقول :
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يأكلُ الطعامَ يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يلبس اللباسَ يقول : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يدخلُ الحمامَ يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يركبُ الدابةَ يقول : {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}..
فتكون حياته مع الله ومع اسم الله وبالتالي،
فإنه لا يبقى هناك غفلةٌ في الحياة!..

(إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ )
لفظُ الجلالةِ وما أدراكَ ما لفظُ الجلالة!..
الملوك عندما يختارون الطعامَ والثياب وغيرهِ، يختارونَ أفضلَ الأنواع لمقامِ السلطنة!..
وربُ العالمين اختارَ لنفسهِ اسماً وهو "الله" لفظ الجلالة ..
وهذهِ اللفظة تدلُ على الذاتِ المقدسة..
تدل على صفاتِ الجلال والجمال..

البعضُ منّا قد يعيش إلى آخرِ عمره، ولا يعلم ما معنى اسمَ ربهِ، الذي سيُسألُ عنهُ في قبره؟..

والأولياءُ الصالحون لهم قصصٌ مع لفظِ الجلالة :
أحدهم عندما يقومُ في جوفِ الليل، يضعُ أمامهُ لفظُ الجلالة، وهي مُضاءةٌ بالنور..

ولا بأس أن يضعَ المؤمن لفظ الجلالة في غرفةِ النوم أمامه في مكانٍ لائق، وقبلَ أن ينام بدل أن يفكرَ في طعامِ الغد، ينظر إلى لفظِ الجلالة إلى أن ينام..

ففي البداية يكونُ الأمر مجرد نظر، ولكن مع الأيام يترقى ويترقى، فيرى المُسمى وراءَ الاسم، ويرى المعنى وراء اللفظ..

احبتــــي الكـــــــــــرام :
حملَ الهدهدُ رسالة نبي الله سليمان الى الملكةِ بلقيس فدخل عليها وهي نائمةٌ على سريرِ عرشها
فرماة وألقاه ثم عادَ وطار حتى وقف على إحدى فتحاتِ القصر وجعل يرقبُ الموقف ويتأمل في المشهد ويتابع الحدث اولاً بأول .!
وينظر بكلِ أدبٍ ماذا ستفعل ؟!

ولما استيقظت بلقيس وجدت الكتاب فقرأت مافيه فدعت على الفورِ بعقدِ قمةٍ طارئةٍ وجلسةٍ إستثنائيةٍ عاجله ..
فأجتمعَ عندها اهلُّ الحلِ والعقد والوزراء والأعيان وكبارُ المستشارين وقادةُ الجيش وأكابرَ دولتها ..!
فقالت ( يٰأَيُّهَا ٱلْمَلا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ)
وقالت كريم : قالوا لان فيه بسم الله الرحمن الرحيم .
وقيل : لانه كانَ مختوماً بختمِ سليمان ..

فقال لها قومها وكبارُ دولتها : وماذا فيه ؟؟
فقالت ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ )
خطابه ورسالته باختصار وبلا اطاله او إسهاب وبشكلٍ مباشر وعاجل وسريع ( ان يأتوه مسلمين )

خطابٌ يتجاوزُ امرَ عبادتهم للشمسِ ولا يناقشهم في فسادِ عقيدتهم ولا يحاولُ إقناعهم بشيء ..

خطابٌ قصيرٌ مهذب متعالي في نفسِ الوقت .

( قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلاَ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَـٰطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ )
إنّه كذلك درسٌ اخر يجِبُ أنْ لا يغيبَ عنا ..
درسٌ نقطفه ونستلهمه من هذا الموقف الرصين.!
لكنّه هذه المره : في الشورى وأهميته ..

فمن خُلقِ بلقيس أنّها كانت امرأةً عاقلة تحرصُ على أن لا تتخذَ قراراً إلا وهي مستشيرة حتى قيلَ أنّه كانَ أهلُ مَشورتِها ثَلاثَمِائةٍ وثَلاثةَ عشرَ رجلاً كلُّ واحِدٍ منهم على عَشَرةِ آلآف ..

وبعضُ الناسِ احياناً يتخذُ قراراً لكنه يتخذه من تلقاءِ نفسه لا يستشيرُ الناس ولايستشير من حوله ولاحتى اقربَ المقربين منه ..

والاستشارةُ يا كرام بدونِ مقابل ..!
تشتري سيارة استشر، تتزوج استشر، تسافر إلى بلدٍ معين استشر، تُقبلُ على تجارةً استشر .!
تعال إلى إنسانٍ عاقل !
تعال الى انسانٍ عنده إلمام بالحياةِ وتجاربها واسأله ما رأيك ؟ ما نصيحتك لي ؟ وحتى لاتندم!وهو القائلُ عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه الطبراني في المعجم الصغير :
( ماندم من استشار وماخاب من استخار )..

وهو القائل عليه الصلاة والسلام كماجاء في سنن ( إذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ ) ..

ولذلكــــم
هذه امرأةٌ تستشير ! تستعملُ عقلها وعقلَ غيرها..!

والشورى في الاسلامِ قاعدةٌ من قواعده التى اذا فُقدتْ إختلَ نظامُ حكمه ونزلت المصائب بأهله وحلّت في مجتمعهم الفوضى وصارَ كُلُّ شيءٍ في غيرِ مكانه اللائقُ به ..

- الشورى ألفةٌ للجماعةِ ومسبارٌ للعقول وسببٌ الى الصواب ، وما تشاور قومٌ قط الاّ هدو ..

- وبالشورى تحقنُ الدماء وتصانُ الأعراض وتحفظُ الحقوق وهو القائل سبحانه :
( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) 38الشورى

وهو القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم :
( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) ال عمران

وسيرته عليه الصلاة والسلام مليئةٌ بالشورى وخاصةً في ما يتعلقُ باستشارته في خوضِ المعارك كبدرٍ وأُحدٍ والأحزاب وغيرها ..
ولو انّه عليه الصلاة والسلام خاض معاركه دون ان يستشيرَ اصحابه ماكان عليه لوم لأنه لم يكن يَعرِفُ الاستبدادَ السياسي بالرأي انّما كان يؤمن بجمعِ الآراء...
ولأنه عليه الصلاه والسلام معصومٌ من الخطأ ، ولكنه مع عصمته من الخطأ كان يؤمنُ بالشورى ليعلمنا هذا المبدأ الاسلامي الرائع ..!
ونحن بدورنا نُعلّمه لغيرنا من اولادنا وأهلينا.

ولذلــــكم :
( مَا كُنتُ قَـٰطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ )
واسمعوا الى ردِ رؤساءِ قومها ومستشاري دولتها الذين أثارت رسالةُ سليمان غرورهم وأدركوا حينها انّ هناك من يتحداهم ويلوحُ لهم بالحربِ والهزيمةِ ويطالبهم بقبولِ شروطه قبلَ وقوعِ الحرب والهزيمه ... فقالوا :
( نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ )
( أُوْلُواْ قُوَّةٍ ) أي : قُوَّةً في الأجسادِ والآلاتِ.
وكثيرٌ في العدد ..
[ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ.]
أي: عندنا سلاح ونحنُ جاهزين ومستعدين للدفاع.
يقولون : من أكثرُ منّا قوةً ، ومن أكثرُ منّا منعة ..
فنحن الرجالُ عند الموت ، ونحن الاسودُ التى لاتقهر .!
ونحنُ الجيشُ الذي لا يُهزم .!
ونحن القوةُ التى لا تُغلب ولا تنكسر .!
الحقُّ حقنا ، والارضُ ارضنا والبلادُ بلادنا
فمن يكونُ سُليمانَ هذا حتى يتحدانا ..!
ومن يكون حتى يلوحُ بمواجهتنا، ويهدد بالوقوفِ امامَ قوتنا الجبارة وجيشنا الكبير .!

- وهذه هي العقليةُ العفنه .!!..
- هذه هي العقليةُ المتخلفه التى سببت للأمةِ الانتكاسات والهزائم وعادت للوراءِ ردحاً من الزمن.!

- هذه هي العقليةُ التى بسببها رجعت امتنا للخلفِ عشراتَ السنين ..

- هذه هي العقليةُ التى بسببها سقطت امتنا في الوحلِ والى أسفلَ سافلين ...!

- هذه هي العقليةُ المكسوه بالجهلِ والمحشوه بالتخلفِ والتى بسبها إريقت الدماء واُزهقت الارواح وقُتل الأبرياء.

عقليه ( نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ )

الملكةُ الرزان !! الملكة العاقلة تطلبُ منهم رأياً سديداً ، رأياً صائباً، رأياً حكيماً ..
رأياً يحقنُ الدماء ويصونُ الأعراض ويحفظُ الكرامه ويحمي البلاد وهم يشجعونها على القتال..!
وهم يحرضونها على المواجهه .!
وهم يدفعونها الى الطيشِ والتهور .!
ويجرو مملكتهم الى نهايتها الحتميه .!
وكماقيل : اذا كانَ المتكلم مجنون فإنّ المستمع عاقل ..
فكانت في قمةِ عقلانيتها ، وفي قمةِ حكمتها وذكائها وحنكتها ..!
فلقد فكرت ثم فكرت طويلاً في كتابِ سليمان الذي كان اسمه مجهولاً لديها آنذاك ولم تسمع به من قبل وبالتالي كانت تجهلُ كلَ شيءٍ عن قوته .!

نظرتْ الملكةُ حولها فرأت تقدّم شعبها وثراءه والأمنُ والسلام الذي يعيشه فخشيت على هذا الحال من التبدل والتحول من الطمائنينهِ والعيشَ الرغيد بسبب الغزو ولقتالِ والمواجهه فقالت :
( إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ....) هذا كلامها..
فأيد الله رأيها وكأنه يقول صدقت فقال :
( وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ )
فرجّحتْ الحكمةُ في نفسها على التهور وتنازلت عن حُكمها للمملكةِ حباً لشعبها وسلامةً لأراضيها
- وما اجملَ هذا الدرس وما أروعه في تغليب المصلحةِ العامه على المصلحةِ الشخصيه .!

في الحزمِ باتخاذِ القرار المناسب ولو كان مراً.

في الحكمهِ ، في التعقل ، في التروي وتحليلِ الامور بمنطقيه وواقعيه .

ولذلكم /
فكرت ونظرت وقدرت حتى وصلت الى قرارٍ بإن تُرسلَ لسليمان بهدِيّةٍ تَسْتنْزِلُ مودّتَهُ بسبَبِها وتُحَمِّلُّ هذهِ الهديّةَ لرجالٍ دُهاةٍ منْ رجالِها حتى ينظرُوا مدَى قُوَّةِ سليمَانَ عليهِ السلامُ ثمّ بَعْدَ ذلكَ تُقرِّرُ ما ستفعلُهُ في أمرِ سليمانَ على ضوْءِ ما يأتِيها منْ أخبارٍ عَنْهُ وَعَنْ قُوّتِهِ، قال جل في علاه :
[وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ ......!!!
الهدية وما ادراكم ما الهدية ؟؟
للهدية أثر عجيب وعميق في نفوس من نهاديهم، فبها يزول ما بين النفوس من جفاء ووحشة،
وبها ترق القلوب، وتصفو النفوس، وتزداد المودة والألفة، ويعمق الحب، وتوثق الروابط، وفي عميق أثر الهدية في النفوس ومفعولها في القلوب فهي مفتاحٌ من مفاتيح القلوب فلا تغفلوا هذه المفاتيح لمواجهة القلوب المغلقة ...
وربّ هدية صغيرة نقدمها لمن نحب أو لمن لانتوافق بالآراء معهم أحياناً تحقق لنا كثيراً من الامور والنتائج ممالانستطيع ان نحققه في أشياء اخرى..
وحيا من قال :
هدايـا النـاس بعضهم لبعض
تولد فـي قلوبهم الوصال
وتزرع في الضمير هوى وودًا
وتلبسهم إذا حضروا جمالا

ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا في ذلك فلقد كان يقبل الهدية ويثيب عليها) وهو القائل عليه الصلاة والسلام :( تهادوا تحابوا)
والقائل كذلك في حديثه :
( تهادوا ؛ فإن الهدية تسل السخية)

ولذلكم
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [ النمل/35].
فجاءوا الى سليمان كالجنود :
منهم من يحملُ الذهب ، ومنهم من يحملُ الفضة
ومنهم من يحملُ أنواعاً من الطعامِ وأنواعاً من اللباس وأشياء اخرى عظيمة .!
فنظرَ نبيُّ اللهِ سليمان إلى الهدايا فقال :
[ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ...]
أي : تعطوني أموالاً من أجلِ السكوت عن الكفر؟
من اجل السكوت عن كلمةِ الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...!!!
[فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ]- [ النمل/36].
[إِرْجِعْ إِلَيْهِمْ...] يقول للجنود ..!
[...فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَـٰغِرُونَ) [النمل:34-37].
أي: لآتينهم بجيشٍ طويلٍ عظيمٍ عرمرم يصل أوله إلى اليمنِ وآخرُهُ لم يخرجْ من الشام ...

وفي هذا الموقف السليماني درسٌ مهم وهو :
أنّ على صاحبِ الحقِ أن يمضي في طريقه،
ولا ترده عن وجهته إغراءاتُ الدنيا مهما عظمت؛
لأن أصحاب الباطل إذا رأوا دعوته ذاتَ اثرٍ خافوا على شهواتهم انْ تُطمرَ أمامَ سيلهِ الهادر فقاموا بأساليبٍ عدة لكبحِ جماحِ دعوته ...

كما في هذا الموقف درسٌ اخر وهو :
أن الهدايا التي يرادُ بها شراءُ المواقف والذمم لصالحِ الباطل، والسكوتُ عن الحق وتركِ نصرته ينبغي أن ترد ولا تقبل، وأنّ على القائدِ المسلم أن يردعَ أعداءَ الإسلامِ بإظهارِ قوةَ المسلمين؛ حتى يَكُفّوا شرّهم عن المسلمين، وهو القائل جل في علاه :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]
وفي الآياتِ كذلك :
بيانُ أهميةِ القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة العلمية في حمايةِ الحقِّ ونشره، وأن على ولي أمر المسلمين أن يكونَ له مستشارون ذوو كفاية في عقولهم وعلومهم وقواتهم، يستشيرهم في أمورِ حُكمه..
وفي الآياتِ ايضاً :
مشروعيةَ مكاثرةَ أهلُ الباطل ومفاخرتهم بما عِنْدَ أهل الحق من أسبابِ القوة التي يفخرُ بأمثالها أهل الباطل؛ لأن ذلك سيجعلهم يُذعنون لقوةِ الحق...

فالغربُ اليوم والكفارُ عمومًا في رأسِ هرمِ التطور العلمي والتقني والتكنولوجي والعسكري وغيرها من مجالاتِ الحياة المتقدمة، وهم في تلك الآفاق الدنيوية العالية ينظرون إلى المسلمين نظرةً دونية مزدرية؛ ولعل ذلك صدّ بعضُ الكفار عن الإسلام

فلو اعتنى المسلمون بهذه الجوانب، ونافسوا الكفارَ فيها لأدى ذلك إلى تخفيفِ كِبرهم واحتقارهم للمسلمين..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيــــم :
( فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتَـٰنِى ٱللَّهُ خَيْرٌ مّمَّا ءاتَـٰكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَـٰغِرُونَ) [النمل:34-37].
بـــارك اللـه لـي ولكــم بالقـــرآن العظيــــم
ونفعنـــي وإيـــاكــم بمـا فيـه من الآيـــات
والذكــــر الحكيــــم ..
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
احبتــــــي الگــــــرام :
رجعَ وفدُ الملكةِ بلقيس أدراجه، وأخبرَ ملكته بما رأى من إيمانِ سليمانَ ومَا شاهدوهُ منْ عظَمَةِ مُلْكِه وكثْرَةِ جنودِهِ وقوّةِ بَأسِهِ فأدركت بلقيس حينها أنّها امامَ نبيٍ مرسل، وأنّها لا طاقةَ لها بمخالفةِ أمره، فتجهزت للسيرِ إليه مع أشرافِ قومها.

وما تلا ذلك من إتيانِ نبيِّ اللهِ سُليمانَ بعرش ِ بلقيس قبل قدومها ..

ومازالت بلقيسُ تنظرُ إلى عِظَمِ مُلْكِ سليمان فتزدادَ قناعةً بالحق، والدخولَ في الإسلام حتى كان آخِرُ مظاهرِ عظمةِ ملكِ سليمان :
أنّ صحنَ قصره كان أملس من زجاجٍ صافٍ
والماءُ تحته يجري، فلما طلبَ منها دخولَ القصر ظنت ذلك ماءٌ يجري تحتَ قدميها فكشفت عن ساقيها حتى لا يُصيبَ الماءُ ثيابها حينما تخوضه، فأُخبرت أنّ ذلك ليس ماء، وإنّما هو زجاج!

فأدركت حينئذٍ كمالَ ما أعطى الله نبيه سليمان،
ورأت الحقيقة الساطعة التي كانت محجوبة عنها
فاعترفت بظلمها لنفسها في بقائها في الشرك، فأعلنت الإسلام للهِ ربِّ العالمين وقالت :
( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

ومن هذا الموقف نستقي منه درسٌ أخير :
وهو إنّ هذه المرأةُ الصالحة لو تُركت من البدايةِ لذكائها وعقلها الفاضل لاهتدت إلى الحق، ولكن صدّها عن ذلك البيئةُ الفاسدة التي عاشتها بين قومها المشركين فكانت مِثلُهم كما قال ذلك عنها سبحانه وتعالى :
( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) [ النمل/43]
وهكذا يتبينُ لنا أثرُ البيئةِ الفاسدةِ على إفسادِ معتقداتِ الإنسانِ وعقله وعمله ..
وعلى الإنسانِ إذا تبينََ له الحق أن يتركَ المكابرة والعناد، وأن يستجيبَ للحقِ ويستسلم له؛ فإن ذلك خيرٌ له، وعلامةٌ من علاماتِ الخيرِ فيه.

وما نريدُ أن نختمَ به تلكَ الدروس العظيمة السابقه والحاليه لجمعةِ اليوم عن الهدهد وما تلاة من احداثٍ ومواقف ..
هو أن ما سبقَ ما قدمه الهدهد من معلوماتٍ تُمثلُ حقائقَ يقينيةٍ في تقريرهِ وما أوصى به من توصياتٍ لقائده وما قامَ وساهم به من عملٍ وجهدٍ في ضوءِ توظيفِ سُليمانَ عليه السلام لطاقاته؛

قد تَرتّبَ عليه صياغةَ خطةٍ دقيقةٍ ومحكمة لإدارة عملية تغيير مخططة ومتعمَّدة انتهت إلى النجاحِ الكامل في تحويلِ هؤلاءِ القوم بقيادةِ ملكتهم من عبادةِ الشمسِ إلى عبادةِ الله الواحدِ القهار، وأسلموا مع سُليمانَ للهِ ربِّ العالمين، دونَ استخدامِ أيِّ نوعٍ من أنواعِ القهرِ والإجبارِ
أو الإذل او القتال ..
فأيُّ درجةٍ من التناغمِ والتفاهم يمكن أن تحدثَ بين قائدٍ وجنوده لتحقيقِ رسالتهم وأهدافهم بكفاءةٍ وفعاليةٍ كهذة التى حدثت في نبي الله سليمان عليه السلام وجنودة وخرجت بنتائج أهمها وأبرزها دخولُ امةٍ في دينِ الاسلام ؟!

ايها الاحبـــاب الكـــــرام :
كنت وإياكــم خــلال ثلاثِ جمــع متتاليه مع نبي الله سليـمان عليه السلام وقصصه مع النملةُ والهدهد وبلقيس ملكة سبأ...

اخذنا واستفدنا وجنينا من هذه القصص الشيقه
الكثير والكثير من الدروس والعظات والعبر والإلماحات والفوائد والدلالات المهمه التى نحتاجها في حياتنا العامة والخاصه ولتكون لنا نبراساً في حياتنا العامة والخاصه ..

سائلاً المولى عزوجل ان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يدخلنا برحمته في عبادة الصالحين..

صَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً:
(( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

المشاهدات 3481 | التعليقات 0