قصة نبي الله سليمان والنملة

أحمد عبدالله صالح
1440/04/08 - 2018/12/15 16:07PM


{ قصة نبيُّ اللِه سليمان والنمله } [ 1 ]

إعداد وتنظيم وترتيب وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في 14 ديسمبر 2018 م
الموافق 7 ربيع ثاني 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
نَقِفُ اليومَ في ظِلَالِ قصةٍ عجيبةٍ من قَصَصِ القرآنِ الكريم ..
بطلُ هذه القصه نملةٌ صَغيرةٌ، لكنَّها كبيرةٌ في مَواقفهَا، عَظيمةٌ في اخلاقها، مُبدعةٌ في فَنِّ القيادَةِ وَالإدارةِ، والتضحيةِ وإيجادِ الْحُلُولِ..

هي أشهرُ نملةٍ في تأريخِ النملِ على الإطلاق ..
ذكرها القرآنُ الكريم مَجهولَةٌ ونَكِرَةٌ ..!
ولكنّه خلّدَ ذكرها وبَقِيَ خبرُها مسطوراً يُتلى الى قيامِ الساعه .

ذِكْرُ اللَّهِ لشأنِ هذِه النملةِ ليْسَ مِثَالًا ..!
وَاللَّهُ جلَّ فِي عُلَاهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يضْرِبَ مثلًا مَا بَعُوضةً فما فوقها، وإِنَّما هيَ قصةٌ واقعيّةٌ مِنَ القَصَصِ الحقِّ ..
فهيا بنا باخوتي الكرام وفي نصفِ ساعةٍ تقريباً مع هذهِ القصةَ القرآنيه ولنأخذَ منها الدروس ونجني منها العبر ونرسلُ منها الرسائلَ والبرقيات العاجله.
هيا بنا احبتي الكرام الى هناك الى القصرِ السليماني حيثُ ونبيُّ اللَّهِ سُليمان عليه السلام
قَدِ انتشرَ بَين يَديهِ جيشهُ العسكرِيُّ العرمرمُ،
الَّذي لمْ ولنْ يَجتمِعَ إِلَّا معَ سُليمانَ عليهِ السلَامُ :
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [النَّمْلِ: 17]
جيشٌ مرتبٌ .! جيشٌ منظم يسيرُ بانتظامٍ فلا يتقدم أحدٌ عن موضعه ولا يتأخر احد ..
جيشٌ مدبّرٌ بإحكامٍ كلٌ قَدْ علمَ دورهُ ومهمّته ..!

سارَ الجيشُ السليمانيُّ وفقَ تعليماتِ قائده بهذا الإنتظام ، وبهذا الترتيب وبهذا التنسيق وبهذا الابداع لا يرى إلاّ ماهوَ أمامَه ..!
وكانَ المسِيرُ يتّجهُ جهةَ وادٍ من النّملِ صغيرٍ لكنّهُ بسگانِهِ كثير .! قدْ مُلىءَ حيويةً ونشاطاً وانشغالاً وأعمالاً ..
بيد أنّ نملةٌ هناك كانت ترقُبُ المشهد ، وتتابعُ الموقف وتشاهدُ الحدث فأيقنت انّه ليسَ
بينهم وبينَ الهلاكِ إلاّ بِضعُ لحظات..!
فبادرتُ وأنذرتْ وصاحتْ وحذّرتْ وكأنّنا بها تُنادي بصوتٍ مرتجفٍ خائفٍ وجلٍ من مستقبلٍ مظلمٍ ومصيبةٍ مُتحيّنةٍ فقالت :
(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النَّمْلِ: 18].
يا الله.. ماأروعَهُ منْ بيانٍ وجيزٍ بليغ..!
وما اروعها من كلماتٍ مُنَسَّقةٍ مرتبةٍ منظمة.!
ما أجملها من عباراتٍ ملؤها الفصاحةُ والبلاغه .!

تأملْ معي اخي الحبيب هذهِ الفصاحةُ في التعبير وهذا البيانُ في الخطاب، وهذا التحذيرُ المختَصر من سوءِ العاقبةِ والمصير ..!
لقد استخدمتْ هذه النّملةُ أغلبَ أساليبِ الإبداعِ اللُغويّ فنادتْ ونبّهتْ فقالت : ( يا أيُّها )
ثمّ سمّتْ وأمرتْ فقالت : ( النّملُ ادْخُلُوا )
ثُمّ نصتْ فقالت : ( مَسَاكِنكُمْ )
ثمّ نهتْ فقالت : ( لَا يَحْطِمَنّكُمْ )
ثُمّ خصّتْ وعمّت فقالت : ( سُليمانُ وجُنُودُهُ )
ثُمّ اعتذرتْ فقالت ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )

لقد شعرت النّملةُ انّ هناكَ خطرٌ داهم ، وهلاكٌ حتميٌ محقق ، وكارثةٌ كبيرةٌ قادمه ..!

فهل يشعرُ من يسكنُ القصورَ الفارهة والعمائرَ العالية والبروجَ المرتفعة بما يعانيه عبادُ اللهِ من ساكني العشش والخيام ومن يفترشون الارضَ ويلتحفون السماء ؟؟!

هل يشعرُ من ينامون على الأرائك والأسرّة بمن ينامون على الارصفة والطرقات .؟!

هل يشعرُ من ينامون ملءَ بطونهم وكروشهم
بمن ينامون على الجوعِ ويستيقضون على الجوع؟

وكم في دنيا الناسِ من المستضعفين الذين تطؤهم أقدامُ الأقوياءِ دون أن يشعروا .!
وكم من مجتمعاتٍ بشريةٍ جرفتها تياراتُ الظلمِ والاستبداد .!
وكم وكم من الأحداث والأخبار التى لا يسعُ المقام لذكرها ولا الوقت للتحدثِ عنها ..

إنّها واللهِ لحكمةٌ بالغة ودرسٌ عظيمٌ تُلقيه نملةٌ ضئيلةٌ من مخلوقاتِ اللهِ على الإنسانيةِ كلها؛ لتتيقظَ ولا تطغى، ولتعلمَ أنّ الكونَ كلهُ لله، والعزةُ كلها له، ولا ملكَ إلا ملكُ الله..

نعم احبتي الكرام :
إنّهُ موقفٌ صغيرٌ عابرٌ ، لكنّهُ مليءٌ بالدلالاتِ والإشاراتِ والعِبرِ والإلماحاتِ .!
فلقد كان خطابُ النّملةِ عامٌ لجميعِ مملكةِ النّملِ ولمْ تجعلْ خطابها خاصاً لفئةٍ دونَ اخرى ، سواءٌ أكانتْ هذهِ الفئةُ منْ كبارِ مملكةِ النّملِ أمْ من المقرّبين ..
وهذا فيه مافيه من وجودِ العدلِ والمساواةِ في مجتمعِ النّملِ عِنْدَ حُصولِ الضرر ..

هذهِ النّملةُ الصغيرةُ كانَ لديْها رصيدٌ عالٍ منَ الولاءِ لقومها ومحبتها لهم ..!
وهذا الولاءُ وتلكَ المحبةُ لمْ تكنْ مجرّدَ شعورٍ ذاتيٍّ قابعٍ في الضميرِ بل ترجمتهُ هذهِ النّملةُ الى واقعٍ وعملٍ كانَ منْ نتائجهِ إنقاذُ شعبها من الدمار .
وهذا درسٌ اخر تُعَلِّمُنا هذه النملة بعد درسِ الشعوِر بالآخرين وهو درسُ الانتماءِ الحقيقي للوطن وللمجتمع..
فقدمت هذه النملةُ أعلى درجاتِ التضحيةِ في سبيلِ وطنها وقومها, وكان بوسعها أن تنتحي جانباً ولا تُفكرَ إلا في إنقاذ نفسها؛ مبررة ذلك بـ :
ماذا أفعلُ منفردةً أمامَ هذا الجيشِ العظيم؟
لكنها اعتبرتْ نفسها حارسةً أمامَ قومها،
وما رضيتْ أن يمسهم أيُّ سوء، فاختارت المخاطرة بالسيرِ في نفسِ خطِ سيرِ الجيش لإنقاذ قومها, ممّا يدلُ على التضحيةِ العالية، وإنكارِ الذاتِ أمامَ الوطن والمصلحةِ العامة.

وبهذا الشعور، وذلك الصدق، وتلك الروحُ الأخوية الفذة؛ أنجتْ النملةُ وادي النملِ بأكمله، فأفردَ لها القرآنُ الكريم سورةً كامله سماها باسمها بل وسطَّرها القرآن الكريم مثالاً ناصعاً على حبِّ الوطن والأخوة ونكرانِ الذات، وبذلِ ما في الوسع لخدمةِ الآخرين.
وإننا اليومَ متعطشونَ لهذه الروح ..!
روحُ التضحيةِ من أجلِ الوطنِ والمصلحةِ العامة ولو كان على حسابِ المصلحةِ الشخصية ..!

قارنوا تصرفَ هذه النملةُ بما يفعله بعضُ الأفرادِ وهم قلةٌ قليلةٌ في مجتمعاتِ المسلمين من استحلالِ الأموالِ العامة والدماءَ المعصومة التي حرمَ الله، وتخريبِ المؤسساتِ والجامعات ..!
وليتهم كانوا كهذه النملة، ليسَ في شكلها وهيئتها فالإنسانُ أجلَّ وأكرمْ؛ ولكن في فهمها ووفائها للمكانِ الذي تعيشُ فيه وتنتفعُ منه.

ولذلكم
كما أسلفت كانَ بوسعِ النّملةِ أنْ تنجوَ بنفسها
ولا تُفكرَ في غيرها ولكنّها أبتْ إلاّ أنْ تضربَ درساً رائعاً في المبادرة والتضحية والإيجابية ..
وهي مبادرةٌ فرديةٌ ولكنّها أحيتْ أمّةً من النملِ .!
وكم علمتنا التجاربُ والقصصُ أنّ المبادرات الإيجابية هي التى تبقى ، ويبقى ذكرُها وأثرُها ..
وفي قَصَصِ القرآنِ حكايةٌ عن مبادراتٍ فرديةٍ كانَ لها أثرُها في الدعوةِ والإصلاح ..
فقال الله عن مؤمنٍ خالطَ الايمان ُبشاشةَ قلبه وقد سمعَ عن تكذيبِ قريةٍ من القرى لرسلِ الله وإنكار دعوتهم فانطلق ليقوم بواجبه وتبليغ رسالته :
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ • إتبعوا ...) [يس: 20].
فلا تستقلَّ يا اخي أيَّ جُهدٍ ومبادرةٍ ومشروعٍ بسبب كونة جهد فردي ، إنّما قم بواجبك ..
وأمر بالعُرفْ ولو قلاكَ الناسُ ..
وأنهَ عن المنّكرِ والمهالكِ ..
واصبرْ على ما اصابكَ إنّ ذلكَ من عزمِ الأمور .

احبتي الكرام :
ولم تكتفي النَّمْلَةُ بنداءِ ( يا ايّها النّمل )
بَلْ قَدَّمَتِ الْحُلُولَ الْعَمَلِيَّةَ، وَالْمَخَارِجَ التَّطْبِيقِيَّةَ
وكم نحنُ بحاجةٍ إلى هذه التصورَ العميق في حلِّ المشكلات ، يجب أن نقدمَ الحلول بعد تشخيصـ المشكلات، فالتلاوم والتشكي لا يُزيل المشكلة ،
ولا يَرفعُ البلاء .
ولهذا قالت : ( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا )
إنّه نداءُ تحذير ، وصرخةُ نذير، ونَفَسٌ من أنفاسِ النصيحة، صدعتْ به هذهِ النملةُ الصغيرةُ الناصحة، ولله درها، كيف حملتْ همّ هذا الوادي الكبير بما فيه من النمل، وهي صغيرةٌ في حجمها، ضئيلةٌ في جسمها ، ضعيفةٌ في قوتها .!

وقفتْ وقد رأتْ الجموعَ الهائلة، فتحركتْ للنصيحة، ونادت بنداءٍ عذبٍ مؤدبٍ مهذبٍ تُحذّرُ من الخطر، وتُبيّنُُ الحل ..!
ولم تكتفِ بالصراخِ والعويلِ .!
ولم تكتفي باللطمِ والبكاءِ اوالشكوى والصياح .!
بل قدمت خُطةً عاجلة للحلِ السريع الناجع فقالت (( ادخلوا )) والى اينّ؟ ((( ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ )))
وهذه رسالةٌ نمليةٌ اخرى ودرسٌ جديد :
على أنّ المسكنَ هوَ الملجأُ ، والمسكنَ هو الْأَمَانُ والمسكنَ هوَ الْمَلَاذُ حَالَ الْخَوْفِ والرعبِ والهلعِ والفتنِِ والهرجِ العام ..
وهذا ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي اخرجه الامامُ احمد وهو حديث حسن
قال محمدُ بن مسلمةَ :
دفعَ إليّ النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال :
( قاتلْ بهِ ماقُوتلَ العدو ،فإذا رأيتَ الناسَ يَقتلُ بعضُهمْ بعضاً فَاعْمَدْ بهِ إلى صخرةٍ فاضربْهُ بها، ثمّ الزمْ بيتك حتى تأتيكَ منيةٌ قاضيةٌ ، أو يدٌ خاطئةٌ )..
وَقالَ عبدُ الله بن أبي أوفى في الحديث الذي اخرجه الامامُ احمدُ بسندٍ حسن :
( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم إنْ أدركتُ شيئاً من هذهِ الفتن .. أي : ( فتنَ الدماء )
فَاعْمَدْ إلى أُحُدٍ فاكسِرْ بهِ حدَّ سيفكَ ثُمّ اقعُدْ في بيتك )
ايها الاحباب الكرام :
وبعد أنْ دعتْ النّملةُ جميعَ النّملِ للدخولِ في المساكنِ من أجلِ الحمايةِ والأمان أخذت تُبرر
سبب تلك الدعوه فقالت :
(لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليمانُ وجنوده )
لقد خافتِ الهلاكَ على الاخَرينَ ، وفي هذا إشارةٌ الى أنّ المحافظةَ على أرواحِ الآخرين ومصالحهمْ هو سبيلُ النصيحةِ الصادقة ..!
فكانتِ النملةُ صادقةٌ في نصحها وأظهرت حرصها على قومها وقِبلَ قومها النصيحة ..
ولكنّ في زماننا أينّ من ينصحون بصدق ؟؟
اينّ من يرشدون بإخلاص !؟
اينّ من يوجهون بأمانةٍ دون تجريحٍ او اهانه !؟
وأينّ من يقبلون النصيحة ولا يرفضونها او يتشائمون و يتضجرون منها ؟؟
أينّ الصادقون في نصحِ أهلهم وجيرانهم .؟
وأينّ الفرحون بالنصيحة ؟؟

وانظروا الى بلاغةِ القرآن وبيانه فقالت النملةُ :
( لايحطمنكم ) ..
ولم تقل : لا يطأنكم، او لا يدوسكم .
لأن التحطيم هو أنسبُ الأوصافِ على تكسير الزجاج، وفي زمن نزول القرآن الكريم لم يكن لأحد قدرةٌ على دراسةِ تركيبِ جسمِ النملة؛
ولكن، في زماننا وجدَ العلماءُ أنّ للنملِ هيكلاً عظمياً صلباً يتركبُ من السليكون الذي يَدخلُ في صناعةِ الزجاج، ولذلك قال الله تعالى-:
(لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ).
وهذا يشهدُ بأنّ القرآنّ نزلَ من عند الله تعالى مشتملاً على علمه سبحانه وتعالى، ليكون شاهداً على الناسِ في كلِ زمانٍ ومكان :
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) [النساء:82].

وفي الأخير احبتي وإخواني تخْتمُ النَّمْلَةُ زَفْرتها وصيحتها بدرسٍ جديد اخر ورسالةٍ نمليةٍ اخرى فقالت :
( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )
أيُّ درسٍ في الاخلاقِ تبثُهُ هذهِ النّملةُ ..
حيثُ قدّمتْ حُسنَ ظنّها بسليمانَ وعدله ورحمته بالخلقِ الذي ذاعَ وشاعَ حتى وصلَ خبرُهُ للنّمل ..

وإذا كانَ سُليمانُ لنْ يُحطمَ مملكةَ النّملِ وهو لايشعر ، فيقيناً أنّه لن يحطمَ أيَّ إنسانٍ وهو لايشعر ..!
فليت شعري كَيْفَ لو رأتْ هذهِ النّملةُ رؤساء الدنيا وزعماء الدول وهم يُحطّمونَ الانسانيه ويُدمّرون البشريه بصواريخهم المحرمه وأسلحتهم الفتاكه وقنابلهم المدمره وهم يشعرون ، وهم يعلمون ، وهم يعرفون ..!

ولذلكم
كم نحنُ بحاجةٍ الى ان نتعلمَ من هذه النملةُ مبدأَ حُسنِ الظنِّ بالآخرين وفتحِ مساحاتٍ من التفسيرِ الحسنِ عِنْدَ أيِّ زلّةٍ أو هفوةٍ دون غوصٍ في ظنونٍ وأوهامٍ تَهدمُ ولا تبني .!

كم نحنُ بحاجةٍ الى ان نتربى على التماسِ الأعذارِ في أيِّ موقفٍ نرى أنه خطأ .!

وكم نحن بحاجةٍ الى أن نمتثلَ لأمرِ الله :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات:12].
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول -:
"إياكم والظنَّ! فإن الظنّ أكذب الحديث"

وما أجملَ تلكَ الكلماتِ التي جعلها اللهُ على
لِسَانِ عُمَرَ الفاروق رضي الله عنه :
“ لا تَظُنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا ”
وكم في هذا الخُلقِ الجميلِ من صلاحٍ لباطنِ العبدِ وطردٍ لوساوسِ الشيطانِ وحلٍ لكثيرٍ من المشكلاتِ بين الناسِ والأقاربِ والارحامِ والجيران ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل:17-18].

بَارِكْ لَي ولكم بالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنْفَعْني وإياكم بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ…
واستغفروا الله لي ولكم ويافوز المستغفرين ...


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
انتهى دورُ النّملةِ بهذا الإنذارِ وذلكم الحل
أمّا النتائجُ فأمرٌ خارجٌ عن إرادةِ النّملة ..!
وهكذا الداعيةُ والناصحُ والمربي والوالد ينتهي دورهُ بإيصالِ النصيحةِ والتذكيرِ والتوجيهِ وتَركِ نتائجها بيدِ الله عزوجل وهو القائل سبحانه :
( وَمَا عَلَىَ الْرَسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِين )

إنتهى دورُ النملةِ وانتهت مهمتها بعد ان بادرتُ وأنذرتْ وصاحتْ وحذّرتْ واعذرت الى الله بماقدمته لأجل قومها من قرية النمل وهي بحجمها الضئيل وبنيانها الصغير ..!

وياليت شعري ماذا يقول من خلقه الله وكرمه وصورة بأحسن صوره واعطاه سمعاً وبصراً
وروحاً وفؤداً وقلباً ونَفَساً واطرافاً وأركاناً ليكون خليفته في ارضه ليعمرها، ويعبده حقّ عبادته ويطيعه حقّ طاعته مع ضخامة جسمه وطوله وعرضه ..!؟
نعم
عمراً طويلاً تعمر ماذا قدم فيه لامته ، وماذا قدم لدينه ، وماذا قدم لوطنه ، وماذا قدم لمجتمعه .!
وكم إنساناً أنقذه من النار ؟!
وكم انساناً أعانه ؟ وكم شخصاً نفعه وخدمه ؟
وكم مكروباً نفّس عنه ؟ وكم جائعاً اطعمه ؟
وكم فقيراً واساه ؟ وكم محزوناً اسعده ؟
وكم مظلوماً نصره ؟ وكم محروماً أعطاه ؟
وكم وكم وكم ..!!

نعم احبتي الكرام :
انتهى مشهدُ النّملةِ وبقيَ موقفُ سليمانَ عليه السلامُ الذي عَجِبَ وأُعجبَ من صنيعِ النّملةِ الناصحةِ وسمعَ قولها من ثلاثةِ اميالٍ فتبسمَ عليه الصلاةُ والسلامُ من قولها وتعحب من تحذيرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنّملِ فأمرَ عليه السلام موكبه وأمر الريحَ بالتوقف لئلا يذعرنَ حتى يدخلنّ مساكنهنّ وبيوتهنّ ..

قال اللهُ مخبراً عن سيدنا سليمان وعن هذا المشهد : ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِن قَوْلِهَا ﴾
إنّهُ تبسمُ القادرِ المستطيعِ على الضعيفِ الذي قلّتْ حيلتُه ..
والتبسمُ إشراقةٌُ محبوبةٌ ورسالةُ سلامٍ وأمانٍ وارتياحٍ واطمئنانٍ ، لاتُكلّفُ العبدَ شيئاً ..!

وخيرُ مايجنيهِ المُبتسمُ قَبِلَ كَسْبِ القلوبِ هوَ الأجرُ المدخرُ والمعروفُ المُنتظرُ قال عليه الصلاة والسلام كما اخرج الامامُ مسلم :
( لاتحقرنَّ من المعروفِ شيئاً ولو ان تلقى اخاكَ بوجهٍ طلْقٍ )..

ويتأكدُ التبسمُ في حقِّ الكبير للصغيرِ والقويِ للضعيفِ والقادرِ على العاجزِ والغنيِ على الفقيرِ لأنهُ تبسمٌ خالصٌ لامصلحةَ فيهِ ولا مُقابل ..

واذا عجبتَ اخي الحبيب من سماعِ سُليمانَ لصوتِ النّملةِ وفهمِهِ لخطابها ..!!
فهيَ رسالةٌ لنا في تعظيمِ اللهِ تعالى الذي وسِعَ سمعُهُ جميعَ ذراتِ الأَرْضِ على اختلافِ أماكنها وأزمانها ولُغاتها .!
وسِعَ سمعُهُ كُلَّ الأصواتِ ، يسمعُ دبيبَ النٌملةِ السوداءِ في الليلةِ الظلماءِ فوقَ الصخرةِ الصماءِ

وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ
فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ
بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلْأَصْوَاتِ

احبتي الكرام :
وبعد ابتسامةِ نبي الله سليمان يتذكرَ سُليمانُ نعمةَ اللهِ عليهِ بهذا الملكِ وما آتاهُ من فَهْمٍ للُغةِ الدوابِّ التي خُصّ بها من بينِ الخلقِ فابتهلَ الى ربهِ أنْ يُلهمهُ ويُعينهُ على إقامةِ عبادةِ الشكرِ وأنْ يستمرَّ في دُروبِ الطاعاتِ ..!
وهكذا هُمْ أهلُ الإيمانِ يُجدّدُونَ شكرهم لربهم مع كلِ نعمةٍ ..!
ويزدادونَ صلاحاً مع اللهِ واقتراباً ورجاؤُهمْ أن يشملهُمُ اللّهَ برحمةٍ مِْنهُ وأنْ يُدخلهمْ في عبادهِ الصالحين :
﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحًا تَرْضَـاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّـالِحِينَ ﴾
(سورة النمل/19)
هذا كلُّهُ من فضلِ اللهِ تعالَى عَلَى عبدِهِ ونبيِّه سليمانَ عليهِ السلامُ الذِي كانَ عَبدًا مطيعًا أوّابًا داعيًا إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريك له وكانَ مِنْ عبادِ اللهِ الشَّاكِرينَ، يقولُ اللهُ تعالَى :
﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَـنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ سورة ص/ 30 .
احبتي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :
ذلكم طرفٌ من قصةِ نبيِّ اللهِ سليمان مع النملة وذاك شيءٌ بسيطٌ مختصرٌ لبعضِ إشاراتها وعبرها وعظاتها ودلالاتها ..
ولعل حديثنا سيتجددُ مرةً اخرى وفي جمعةٍ قادمةٍ إذا احيانا اللُه إنْ شاءَ الله وفي نفسِ القصرِ السليماني ومع مشهدٍ اخرٍ وحتى ذلكم الحين جعلني الله وإياكم من أهلِ طاعته وعمّنا بمغفرته وأنعمَ علينا بالسير على نهج أنبياءه ورسله ..

عباد الله أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بحمده وثلث به عباده من جنه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
---------------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

المشاهدات 1614 | التعليقات 0