قصة موسى وفرعون 2

أحمد عبدالله صالح
1440/01/20 - 2018/09/30 17:52PM
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
{ قصة موسى وفرعون }.   [ 2 ]
إعداد وتعديل واضافه وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/ 
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب . 
ألقيت في  28 سبتمبر 2018 م
الموافق  18 محرم 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ 
ايها الأحباب الكرام :
كنا في الجمعه الماضيه في ضيافه نبي الله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام
تحدثنا فيها عن حواره عليه السلام مع ربه سبحانه وكيف تلقى منه سبحانه التوجيهات والتعليمات التى ستعينه في رحلته لدعوه اكبر طغاة الارض فرعون عليه من الله ما يستحقه ..!
أخذ عليه السلام من ربه برهانين وآيتين ليواجه بهما فرعون وطلب من ربه طلبين لكي تتكلل مهمته بالنجاح فقال :
( رب اشرخ لي صدردي ويسر لي امري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ....))
ثم طلب منه الطلب الثاني فقال :
( واجعل لي وزيراً من اهلي هارون أخي )
وهنا يعطيه ربه سبحانه ماسأل فيقول له
( قد أوتيت سؤلك ياموسى )
ثم يأمره ربه بأن ينطلق لفرعون وتكون أداه دعوته اليه ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى )
وهنا ينطلق موسى إلى قصر فرعون ليبلغه
الرسالة ويُقيم عليه الحجه ويبرأ الى الله منه ان استمر في عناده وكفره وحجوده ..
نعم احبتي الكرام :
يدخل عليه السلام القصر الفرعوني وتبدأ الحوارات بين موسى وفرعون ...
حوار عن الدعوة لتوحيد الله وإفراده بالعباده .
وتبدأ مناظرة موسى مع فرعون الطاغيه
وكماقال بعض المفكرين :
 انها كانت مناظره جدليه ، تنظيريه ، عسكريه اقتصاديه ، تربويه في نفس الوقت ...
دخل موسى عليه، ووقف هارون بجانبه ..!
موسى يتكلم،موسى يتحدث، موسى يفصح واخاه هارون بجواره يثبت ويساعد، ويساند ويقوي والمجرم ينظر إليهما بعلو وعتو وجبروت، واستصغار لأنه صور نفسه أنه ربٌّ، وأنه صانع.!
أنكر توحيد الربوبية، وادعى ذلك لنفسه؛ كبراً وعتوّا، وإن كان في الباطن يوقن بربوبية الله للكون، كما قال له موسى عليه السلام :
 ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لاظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ﴾ [الإسراء: 102]..
فلما تكلم موسى، ودعا فرعون إلى الله عزَّوجلَّ ضحك منه ، ضِحْك استهزاء واستهتار؛وسخريه
لأنه مستخف بالقيم، يدوس التاريخ بقدميه يجعل المروءات خلف ظهره لا يُقيمُ للمثلِ وزناً ولا قيمةً ولاتقديراً او احتراماً ..
 أخذ فرعون ينظر إلى موسى على أنه راعي غنم، يحمل عصاه على كتفه، وأنه أتى من الصحراء، حيث لا حضارة ولا تقدم، ثم ينظر إلى نفسه فيرى الدنيا تحت قدميه، فيزداد كبراً وصلفاً.
 
وهكذا يفعل الطغاة، يوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوم لا يصلون، ولا يخافون من الواحد الأحد، هكذا يفعل كل فرعون إلى أن تقوم الساعة.
 فانبرى الخسيس من على كرسيه وسأل موسى سؤالاً تافهاً حقيراً مثله :
﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ [طه: 49]
فهو لا يعرف ربّاً ولا يؤمن بإله، فماذا كان جواب موسى.. قال له موسى بعزه المؤمن ونجابه الابطال ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]
 فإن كنت تستطيع ذلك فأنت رب ..!
وإن كنت لا تستطيع فلست برب، وأنّى لك ذلك!
قال الزمخشري : لله دره من جواب.
 وقال آخر : والله لقد تناوله موسى بكفٍّ على وجهه، وتحت كلمة (خَلْقه) مجلدات من العبر، وتحت كلمة (هدى) مجلدات من الصور.
هدى كل شيء :                       
- هدى الطفل يوم أن وضعته أمه،لا يعرف شيئاً، ولا يبصر شيئاً، فهداه إلى ثدي أمه ليجر منه اللبن.
 - وهدى النحلة أن تطير آلاف الأميال، لتأخذ الرحيق، وتعود مرة ثانية إلى خليتها.
 - وهدى الحمام الزاجل، يوم ينقل الرسائل،
من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد، ثم يعود إلى مكانه لا يضل ولا يضيع.
 إنه الله يافرعون .. انه الله :
﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]..
فهزم فرعون وبهت، وظهر فشله وعجزه، ولكنه أتى بسؤال آخر كالذي قبله أو أتفه منه فقال :
﴿ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ﴾ [طه: 51]،
أين ذهب أجدادنا ؟؟ اين آباؤنا؟
أينّ ذهب الأولون ؟ وماذا حل بهم ؟
فقال الله نبي الله موسى وهو يلقنه درساً ماثلاً في العقيده :
﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ﴾ [طه: 52]
ما شأنك أنت بهذا؟ ما أهمية هذه المسألة عندك؟ أنت ذرة من الذرات، وأنت حشرة من الحشرات.
أَنْتَ لا تَعْرِفُ مَنْ أَنْتَ وَلاَ 
                       أَنْتَ لا تَدْرِي بِمَاذَا قَدْ تَؤولُ 
أَنْتَ مَخْلُوقٌ حَقِيرٌ بَائِسٌ 
                      أَنْتَ لا تَدْرِي إِلَى أَيْنَ الرَّحِيلُ 
 ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ﴾ [طه: 52].
 فهزمه موسى مرة ثانية، وانتصر عليه، وفضحه أمام الجماهير، وبيّن عجزه أمام الأجيال وبقي موسى إلى قيام الساعة يُذكر في مواكب الأنبياء المخلصين، وفي مواكب الدعاة الخالدين.
استمر الحوار بين موسى وفرعون طويلاً  وصار موسى يلقن فرعون دروساً في التوحيد ومحاضرات في العقيده ومواعظ في الإيمان بالله
أخذ موسى يسرد له الدلائل تلو الدلائل والبراهين تلو البراهين على وحدانية الله وربوبيته وألوهيته
وانه وحده سبحانه المستحق للعباده والتوجه والقصد والاخلاص ..
والكل يسمع , آذانهم صاغيه وابصارهم شاخصه..
الكل مندهش والكل في ذهول من موسى الذي قال عنه فرعون فيما سبق :
(( وَلا يَكَادُ يُبِينُ  ))
هاهو الآن لسانه تنطلق وكلماته فصيحه وعباراته واضحه ولباقته كالسهام منطلقه...!
ولكم ان تتصوروا هذا المشهد الرائع والجميل
مشهد نبي الله موسى عليه السلام واقفاً امام فرعون وجنوده وحاشيته وبطانته وملأه وهو يزأر كالليث وينقض كالصاعقه ، يشرح ويفصل ويبين ويوضح بلين ورفق وبأسلوبٍ مليء بالبراعه والبلاغه في الاستهلال والبيان ..
وكما ذكر اهل السير انّ كلمات موسى عليه السلام القويه والمؤثره بدت بالفعل تؤتي ثمارها في نفس فرعون وقلبه شيئاً فشيئا ..
ظهرت علامات التغيّر في نفس فرعون من عبارات موسى البليغه التى ألقاها الله على لسانه ..
وبدأ الايمان ببطء ورويداً رويدا يتسلل الى قلب فرعون ..
وفي لحظة فارقه التفت فرعون الى هامان فقال له: ياهامان اني ارى ان موسى على حق فيما يقول ولقد وعدني بالملك في الدنيا والجنه في الاخره إن انا آمنت بربه ..
فماذا قال له هامان السيء وبئس الهامان هو؟؟ماذا قال هامان باسم البطانه السيئه وهكذا تفعل البطانه العفنه بحكامها يوم تدب معرفه الله في قلوبهم ويريدون الحكم بشريعه الله..
هكذا تفعل هامانات اليوم بالحكام يوم يصورون لهم الحق باطلاً والباطل حقاً والظلم عدلاً والشر خيراً والتسلط خلقاً والسنه بدعةً والعلم جهلاً والرشوه والحرام حلالاً ..
قال هامان بلسان الساخر :
آضحك عليك موسى .! اخدعك موسى .!؟
أبعد ماكنت إلهاً معبوداً تصبح في لحظه عبداً مستعبداً ..!
وهكذا تفعل البطانه السيئه في كل زمان ومكان .
ومروراً ببرهان عصا موسى التى أخذت تلقف عصيّ سحره فرعون حتى كانت سبباً لإيمانهم بالله والامر الذي دفع بفرعون بتهديد السحره بالقتل وتصليبهم، فثبتهم الله على دينه ولم يعبئوا بتهديد فرعون فقالوا :
( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
فقتلهم ونفذ فيهم وعيده؛ ولكنهم دعوا الله وقالوا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)
فتوفاهم الله مسلمين ، مؤمنين ، موحدين ..
وعند هذا تمت الجولة الأولى بين موسى وفرعون فازداد تصلف فرعون وبطشه وأزداد طغيانه وعتوه وظلمه وحنقه ..
عندها أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر في آخر الليل قائلا :
(( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ )) 
[ الدخان: 23 ] .
 فخرج بهم بأمر الله سبحانه وتعالى وهنا تترامى الأنباء الاستخباراتية الى فرعون انّ موسى قد خرج مع نفرٍ من بني اسرائيل فأحتنق غيظاً وهدد وأرغَ وأزبد وجمع ما عنده من القوة والجنود فخرج بهم في آثر موسى وقومه يريدون قتله لانه اراد ان يحررهم ... ويقولون لا..
يريد ان يرفع رؤسهم .. ويقولون لا ..
يريد ان يخرجهم من الظلمات الى النور .
... ويقولون لا ..
يريد ان يخرجهم من عبوديه الأشخاص الى عبوديه الله ... ويقولون لا ...
 فلما أشرق الفجر إذا موسى وقومه على حافة البحر، وإذا فرعون وقومه على آثارهم قد أدركوهم 
فأصبح موسى بين الموت يراه بالبحر وبين فرعون وجيشه الذي اصبح من ورائه ..
ارتعدت فرائص بنو اسرائيل ، خاف الخونه 
انهارت حول موسى الكتائب يا موسى :
(  إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )
فتبسم عليه الصلاة والسلام كما تبسم محمد صلى الله عليه وسلم في الغار.. 
والتبسم في وجه الموت امرٌ لايجيده إلاّ العظماء
إلاّ الابطال ، إلاّ الشجعان ، إلاّ المصلحون 
إلا الربانيون ..
فتبسم وقال بلسان الواثق بمعية الله ونصره وتأييده : (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)
وما اروعها من كلمه وما الذها من عباره 
رددها عند شدتك (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)
وكررها عند مصيبتك (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)
وألزمها عند همومك (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)                                       
            (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)
فقالوا له : اينّ يهديك وفرعون خلفك والبحر امامك 
هذه ورطه لا حل لها ..!!
هذا مضيق لامخرج منه في عرف البشر .!
فجعل يكررها لهم : (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)..!
ولك أن تتخيل الحوار بين موسى وقومه وهم لايشاهدون أمامهم إلا بحراً متلاطماً ويرون وراءهم جنوداً قادمين يتقدمهم الطاغية فرعون بكل حقد وكراهية ..
اشتد الخوف ، زاد القلق وكل لحظه تمر إذ بجيش فرعون يقترب ..
وفي لحظه قرب واتصال بالله يتلقى عليه السلام مكالمه طارئه مكالمه عالجه !!؟
من يهاتفه ؟؟ ومن يكلمه .!؟
انه الذي وعده بالحفظ والرعايه والعون والمدد .؟
يتلقى مكالمه من الرحمن الرحيم مفادها :
(( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ))
فضرب بعصاه البحر فانفلق البحر اثنى عشر طريقاً وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال..
مشى موسى فيه ومشى معه بنو اسرائيل وأتى الطاغيه المجرم ليجرب اخر صوله له في عالم الضياع وفي عالم الاستبداد والعنجهيه ومصارع الطغاه ..
والطغاة لهم مصارع :
- إما ان تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الارض وهذا مصرع ..
- وإما ان يُشدخون كما شُدخ هذا وهذا مصرع .
- واما ان يدخر الله لهم ناراً وهذا مصرع ..
دخل فرعون وجنوده البحر ليسلكوا في تلك المسارات .
ولكنهم لايعلمون بأن الذي أوقف البحر هو الله
وأن الذي سيعيد البحر لطبيعته هو الله .
ولما اكتمل الجنود الكفرة ، يأمر الله البحر أن يعود كما كان ، فيستجيب البحر ويجتمع على فرعون وعصابته حتى دخل الطين في فمّ الطاغيه ..
حتى قال جبريل عليه السلام لنبي الله موسى :
لو رأيتني ياموسى وانا ادس التراب في فمه حتى لاينطق بكلمةٍ يرحمه الله بها ..
فما ارحم الله وما الطفه بعباده وهو القائل لموسى
عليه السلام : ياموسى استغاث بك فرعون سبعين مره فلم تغثه اما انه لو استغاث بي مرةً واحدة لاغثته...
احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :                    
وفي لحظات الوداع ، وفي اللحظات الاخيره
وفي الوقت الضائع الذي لاينفعُ فيه ندم ولاحسره
قال فرعون :
 ( آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ  )
قال المفسرون انّ فرعون آمن ثلاث مرات في اخر لحظات حياته :
مره حين قال ( آمَنتُ )..
وثانيه حين قال ( آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ )..
وثالثه حين قال ( وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ )  ..
ومع ذلك لم تقبل توبته لانها كانت في وقت متأخر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ان الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر )
والله يقول :
﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ..))
ولذلكم يعلنها فرعون في لحظاته الاخيره وفي وقته الضائع :
( حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس.  90 ..
فقال الله له :
( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * )) يونس 91
في هذه اللحظه أعلنتها بعد ان فعلت الافاعيل..
في هذه اللحظه اعلنتها بعد اجرامك وتجبرك وتكبرك وعتوك وظلمك وغطرستك .
في هذه اللحظه أعلنتها بعد ان ذبحت الاطفال واستحييت النساء ..
في هذه اللحظة أعلنتها بعد ان سفكت الدماء وقتلت الأبرياء وعثت في الارض فسادا ..
في هذه اللحظه أعلنتها بعد ان دست على المثل والقيم والمبادئ والأجيال تحت قدميك ..
اينّ ملكك .! اينّ قوتك .! اين ثروتك .!     
اينّ قصورك .! اينّ جبروتك .!
اينّ جنودك ،! اين حرسك .!
ليدفعوا عنك الموت ..! ويردوا عنك الأجل .!
اينّ اولئك الرعاع الأغبياء البلداء الذين كنت تلقي عليهم الخطابات فيهتزون لها طرباً وفرحاً ..
اولئك الذين استخففت بعقولهم فأطاعوك .!
الذين كنت تقول لهم( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) فاين ألوهيتك ؟
وكنت تقول لهم  (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)  فاين ربوبيتك؟
وكنت تقول لهم ( وَهَذِه الأنْهارُ تَجْرِي منْ تَحْتي )
وهانحن اليوم نجريها من فوقك .
(( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )) 
لتكون عبرة للمعتبرين ، وعظةً للمتعظين
وآيةً للسائلين ، وذكرى للذاكرين ...
 ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾ [يوسف: 111].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ 
ايها الأحباب الكرام :
في هذه القصة الكثير من الدروس والعبر:
فمن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه والمستلهمه من قصه موسى وفرعون :
(( أن الحرب بين الإيمان والكفر قديمة وليست هي من نتاج هذا العصر ))
قال الله: (( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )) [البقرة: 217 ] .
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :
((  الاعتصام بلا إله إلا الله  ))
 فهذه الكلمة من أجلها أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، وخلقت السماوات والأرض، وأقيمت المعالم، وبذلت الأموال، وشهرت السيوف.
 فلا بد أن نعتصم بهذه الكلمة ..
ولا بد أن نفتخر بهذه الكلمة ..
ولا بد أن تسيطر على حياة كل واحد منا :
 على الأمير، على الوزير، على القاضي،
على المسؤول، على الصحفي حين يكتب،
على الشاعر حين ينظم، على الأديب حين يبدع.
                                    
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :
((  قضية الإيمان باليوم الآخر ))
فإذا لم نجعل هذه القضية أمامنا، وفي أذهاننا، فلا سلام، ولا أمن، ولا استقرار، ولا طمأنينة،
لأن الذين نسوا اليوم الآخر، تقاتلوا، وتحاسدوا، ودمر بعضهم مدن بعض، وأطلقوا صواريخهم، وقتلوا الآمنين، كل ذلك لأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر.
 ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :
(( قضية النصرة  ))
ينبغي أن نعلم أن الله عزَّوجلَّ ينصر أولياءه، ويدافع عن أحبابه، ولو ظهروا على الساحة أنهم هم المهزومون، هم القليلون، هم المضطهدون، فالعاقبة لهم، والنصر حليفهم.
 ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا الذينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :                                      
(( على الداعية أن يعرف مداخل القلوب ))
 وأن لا يكون عنيفاً في أسلوبه، مجرّحاً للشعور:
 ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].
 يدخل أحد الأعراب على هارون الرشيد، الخليفة العباسي الكبير، فقال الأعرابي: يا هارون.
قال: نعم. قال: إن عندي كلاماً شديداً قاسياً فاستمع له.
 قال هارون: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع. قال: ولم؟
قال: لأن الله أرسل من هو خير منك، إلى من هو شر مني، ثم قال له:
 ﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].
فاللين في الدعوة مطلوب، وأدب الحوار مطلوب، وإنزال الناس منازلهم مطلوب، ومراعاة شعور الآخرين مطلوب.
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :    
(( الصبر والثبات على البلاء الذي يحيط بأهل الإيمان ))
 فانظر في السحرة الذين توعدهم فرعون بالقتل بسبب إيمانهم ومع ذلك لم يتراجعوا عن دينهم بل قالوا(( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا)) [طه: 73 
وقالوا: (( أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ )) 
[الأعراف: 126 ] ..
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :                                     
(( لا خوف على المسلم، فإن النفوس بيد الله، والأرزاق في خزائن الله، فهو الذي يحيى ويميت، ويغني ويعدم، وينفع ويضر، بيده مقاليد كل شيء، لا إله إلا هو، ولا رب سواه ))
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :
(( اليقين بقوة الله وانتقامه من الطغاة وأنه يمهل ولايهمل ))
فانظر في فرعون الذي كان يقول عن الأنهار
" وهذه الأنهار تجري من تحتي " [ الزخرف: 51] 
لقد مضت الأيام وأجراها الله من فوقه .
فاصبروا ياعباد الله وأيقنوا بالعذاب الذي سيحيط بالكافرين والظالمين ولو بعد حين .
ومن الدروس والعبر المستفاده والمستقاه من قصه موسى وفرعون :
(( استشعار معية الله ورعايته في وقت الفتن والشدائد ))
وهذا ظاهر من موقف موسى عليه السلام الذي قال للناس :
" كلا إن معي ربي سيهدين ". [الشعراء: 62]
فلنكن على يقين بأن الله مع المؤمنين ولكن متى ؟ 
حينما يكونون معه بصحة الإيمان والعمل الصالح
هذه بعضٌ من الدروس والعبر المستفاده من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وأكثر سور القرآن، تحلق بنا دائماً مع موسى عليه السلام.
 فقصته طويلة، وأحداثها متعددة، فيها العبرة، وفيها العظة، وفيها السلوى، وفيها الثبات على المبدأ.
 عباد الله أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بحمده وثلث به عباده من جنه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56]. 
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
---------------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين
المشاهدات 1237 | التعليقات 0