قصة موسى مع فرعون 1

أحمد عبدالله صالح
1440/01/20 - 2018/09/30 17:51PM
{ قصة موسى مع فرعون }   [ 1 ]
إعداد وتعديل واضافه وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/ 
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب . 
ألقيت في  21 سبتمبر 2018 م
الموافق  11 محرم 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ 
ايها الأحباب الكرام :
عاشت امتنا الاسلاميهُ قاطبةً من أقصاها الى أقصاها بالامس الخميس العاشر من شهر محرم يوماً كريماً ...يوماً فاضلاً ... يوماً مفصلياً في تاريخ امتنا انه يوم عاشوراء افضل ايام ِ شهر الله المحرم ..
وقعت في هذا اليوم حوادث فاصلة في تاريخ المؤمنين والمسلمين على مر التاريخ.
- ففي هذا اليوم تابَ الله على سيدنا آدم ..
- وقيل: هو اليوم الذي أُهْبِطَ فيه سيدنا آدم إلى الأرض..
- وفي يوم العاشر من المحرم نجى الله سفينةَ سيدنا نوحٍ من الطوفان، وأرساها على الجودي ..
- وفي يوم عاشوراء وقعت غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة للهجرة..
- وفي يوم الجمعه العاشر من شهر محرم سنة 61 من الهجرة ..
استشهد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفيده وابن ابنته السيده فاطمة الزهراء البتول رضي الله عنهم الإمام أبي عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب على أيدي فئة ظالمة.
وفي مثل هذا الأيام من شهرِ محرم طورد
 داعيةٌ أول .. 
أخٌ له عليه الصلاة والسلام نهجه نهجه  ..
ومسيرته مسيرته ، ودعوته دعوته ..
وطريقه طريقه انه موسى عليه السلام
" وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" الفرقان (31)
لا يُبعثُ نبيٌ إلاّ وقد هيأ الله طاغيةً هناك يتربص به ..
ولايحملُ رائدٌ من روّادالدعوه مبدأً إلاّ ويتهيأُ له ظالمٌ يرصده ..!
انها سنةُ الله.. "ولن تجد لسنة الله تبديلاً "..
" ولن تجد لسنة الله تحويلا "... 
ولاجل ذلكم نحن اليوم مع موسى بن عمران..!()
وموسى بن عمران عليه الصلاة والسلام
شخصيةٌ لامعةٌ في عالمِ الدعوة ..
شخصيةٌ فريده .. شخصيةٌ نادره ..
شخصيةٌ فذه ، وبطلٌ من ابطال القَصَصِ القرآني الذي أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم تسليةً له ولأصحابه وأخذاً للعبر والعظات
 ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾ [يوسف: 111].
نعم احبابي الكرام :
إن اللهَ تعالى قصَّ عليكم في كتابِه العظيمِ قصصاً كثيرةً، فيها العبرٌ والعِظاتٌ،
وفيها الآيات والدلالات..
وكان من أعظمِِ ما قصَّه اللهُ علينا نبأُ موسى وفرعونَ، فهي أعظمُ قصصِِِ الأنبياءِِ،
التي تُذكَرُ في القرآنِِِِ، ثناها اللهُ أكثر من غيرِها، وذكرَها في سورٍ عديدةٍ لينتفعَ منها أولو الألبابِ. 
ومجملَ ما ذكره الله في كتابِه من نبأِ موسى وفرعون أن فرعونَ ملِكَ مصر علا في الأرضِ، وجعل أهلَها شيعاً، يستضعفُ طائفةً منهم،
هم بنو إسرائيل (يعقوبُ بنُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام ) علا عليهم وتسلَّط ، يُذبِّحُ أبناءَهم، ويستحيي نساءَهم، فكان من أعظمِ المفسدين في الأرضِ، واللهُ لا يصلحُ عملَ المفسدين،
 فأخرجَ الله من هؤلاء المستضعفين، من يُبيِّنُ لفرعونَ سوءَ عملِه، وضلالَ سعيه، فبعث الله موسى عليه السلام، فأوحى إليه وكلَّمه، وناداه:
أنْ يا موسى، إنّي أنا الله ربُّ العالمين .. 
وهنا يتحدثُ اللهُ مع نبيه موسى حديثاً شيقاً،
حديثاً راقياً ، حديثاً جميلاً .. حديثاً رائعاً..
حديث الأنسِ واللطف ..                     
حديث الآمانِ والاطمئنان ...
حديث الهدوء والسكينه ..
ليُزيلَ الدهشةَ عنه، وليطردَ الرعب من نفسه..
لأنه موقف صعب، لا يتحمله أيُّ إنسان،
تصور أنك تكلم الله تعالى باسط الارض ورافع السماء .!!
تصور انك تستمع إلى خطاب ملك الملوك ..!
موسى كاد يطير قلبه من بين جوانحه ..!
 فألقى الله عليه خطاب المؤانسة والملاطفة،
حتى لا يستوحش، وحتى لا تسيطر عليه الأوهام، 
 فقال الله لموسى عليه السلام :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 17]
ليلاطفه، وليؤانسه ، وليهدأ من روعه ، ويخفف من قلقه ففهم موسى ذلك، فلم يقل: هي عصاً وسكت، 
وإنما لما لذّ له الخطاب وشعر بالطمأنينه وأحس بالأُنس زاد في الجواب؛ وزاد في الاسترسال
ليستمر الحوار بينه وبين ربُّ العزة :
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ [طه: 18].
 
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
رحم الله موسى، إنما كان يكفيه أن يقول عصاً ولكنه ارتاح لخطاب ربه فزاد في الكلام.
 
والله يسأله عن العصا، لأنها سوف تكون تاريخاً، وسوف تكون درساً للأجيال، وسوف تكون قروناً من العبر.
 ﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ [طه: 19 - 20] 
           يا سبحان الله!
إنّ موسى عليه السلام لا يعرف الخوارق،
ولايعرف هذه المفاجآت، ولم يمرّ بمثلُ هذه المعجزات ..
إنه يعرف أن السماء هي السماء، لا تتغير ولا تتبدل ..
ويعرف أن الأرض هي هذه الأرض التي يسير عليها ..
ويعرف أنّ الجبال هي الجبال راسخه شامخه ..
ويعرف انّ البحر هو البحر وأن العصا هيا العصا، وأن الحية هي الحية.
اللَّيْلُ  لَيْلٌ وَالنَّهَارُ نَهَارُ
                    وَالأَرْضُ فِيهَا المَاءُ وَالأَشْجَارُ
 فلماذا تنقلب العصا إلى حية تسعى؟!
ففرّ حينها موسى خائفاً مرتعباً ..
وتصور موسى وهو يفر خائفاً من رب العالمين .!
وتصور موسى الذي يفرّ خوفاً من عصاه، ومع ذلك يرسله الله عزَّوجلَّ إلى ذاك الطاغية المجرم، الدكتاتوري السفاك، الذي كان يلقي المحاضرات، على العملاء الأغبياء البلداء، ويقول لهم:
 ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، فيصفقون له..
ويقول لهم: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ [الزخرف: 51]..
فيهزون رؤوسهم طرباً، ويسجدون له تذللاً.
ويقول لهم ( أَنّاْ رَبُكمُ الأَعْلَى )
فيهللون ويصفقون ويطيرون فرحاً وغبطه .. 
قال بعض المفسرين :
 كان على قصر فرعون، ستة وثلاثون ألفاً من الجنود والحرس، كل واحد منهم يرى أن فرعون إلهه، وخالقه، ورازقه ومحييه، ومميته والعياذ بالله.
                                       
وبعد ان انتهى معه من الايه والمعجزه الاولى التى سيذهب بها الى فرعون وهي ( العصا )
انتقل به الى آية أخرى من آيات الله عزَّوجلَّ  فقال الله لموسى:
 ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ [طه: 22].
أدخل يدك يا موسى في إبطك، ثم أخرجها، تخرج بيضاء من غير برص ولا بهق ﴿ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ [طه: 22 - 23].
 
ثم بدأت الرحلة الشاقة المضنية ..!
بدأت المهمه الصعبه المتعبه ..!
فبعد ان ألقى عليه خطاب المؤانسة والملاطفـــــة 
وبعد ان أعطاه آيتين باهرتين جاء عندها الامر :
بدأت الرسالة وبدأ التكليف بالدعوه فقال الله له
(( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ ........"))
فيندهش موسى عليه السلام عندما يسمع اسم فرعون ...
فهذا الاسمُ ليس غريباً عليه فلقد رضع في قعر داره وشبّ ونشأ في مُلكِه وتربى في قصره ونام على سريره ولبسَ ملابسه وركِبَ مراكبه حتى أصبحَ كأنّه احدُ أبناءهِ .. ومع ذلك يأتيه الامر الرباني :-
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24] 
وتَصَوَّرْ موسى عليه السلام وهو يستمع إلى هذا الأمر الإلهي..!
 فلقد فرّ موسى بالامس القريب من فرعون؛
 لأنه تمرد عليه، وقتل شخصاً من رعيته، وقد حكم عليه فرعون بالإعدام غيابيّاً، ثم يأتي الأمر الإلهي: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 
 
ولم يقل له اذهب إلى حاشية فرعون، أو توجه الى جنود فرعون، أو أرسل إليه رسالة، وإنما أمره بالتوجه مباشرة إلى هذا المجرم الطاغية، ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ [طه: 24] 
             لماذا يارب ..؟؟؟!
 ﴿ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24].
 لقد تجاوز الحد في الطغيان..
تجاوز الحد في الظلم ...
تجاوز الحد في العنجهيه والاستكبار ..
سفك دماء الأبرياء، قتل الأطفال، نشر الفساد، أرهب العباد،ارعب الخلق . ارغى . أزبد .ارعد
دمر البلاد، داس على القيم . داس على المُثل 
داس الأجيال تحت قدميه ، اهان المباديء
سخرّ كل شيء من اجل طغيانه وجبروته وبطشه 
فلما علم موسى كليم الله ان الامر قد بلغ حداً لايطاق السكوت عليه وانّ كسر الطاغيه وكبح كبريائه امرٌ لا بد منه توجه لربه بطلباتٍ تُعينه في طريق الدعوة .. فماذا طلب موسى من ربه؟
طلب منه طلبين حتى يذهب الى فرعون ..! 
الطلب الاول :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 
فموسى عليه السلام ما كان يبين في حديثه،
بل كان يأكل بعض الحروف إذا تكلم،
وهنا ليس في استطاعته أن يبلغ الدعوة،
وسوف يضحك عليه هذا المجرم العتل،
وقد فعل ذلك بالفعل، حيث عقد مقارنة بينه وبين موسى عليه السلام وفضّل نفسه على نبي من أنبياء الله، ورسول من أولي العزم، قال في سورة الزخرف:
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 51 - 52].
 يقول فرعون :
إنني أغنى منه مالاً، وأعظم منه سلطاناً، وأصح منه لساناً، فأنا ألقي المحاضرات، وأعقد الندوات، وموسى لا يستطيع ذلك، مع أن هذا بعد أن طلب موسى من ربه أن يحلل عقدة من لسانه، فكيف لو ذهب موسى قبل ذلك؟!
ثمّ إن موسى عليه السلام ما طلب أن يكون أفصح الخلق، ولا أخطب الناس، وإنما طلب أن يكون كلامه مفهوماً، لتقوم بذلك الحجة على فرعون..
 وقد قامت ..
إلا أن هذا هو شأن المفسدين، يتصيدون الأخطاء للدعاة الصادقين، ولا يتورعون عن رميهم بالتهم والافتراءات التي هم منها برآء...
اما الطلب الثاني الذي طلبه موسى من ربه :
فهو ان يجعل له نصيراً، ومعاوناً على تلك المواقف الصعبة فقال :
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾ [طه: 29 - 30].
سماه وعيّنه لربه ليختاره له، وعلل لذلك بقوله:
 ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه:٣١
فإن الواجبات كثيرة، وإن التبعات جسيمة، فأريد أخي ليكون على ميمنتي فيقويني ويثبتني عند ذاك الطاغية الجبار :
﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ [طه: 33 ]
فالاثنان يسبحان ويذكران أكثر من الواحد..!
والأخ الصالح يذكِّر أخاه إذا نسى، ويقويه إذا فتر  ﴿ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ﴾ [طه: 35]
 فأنت الذي أرسلتنا، وتعلم ضعفنا، فأعنا على تلك المهمة الصعبة، وكن معنا بالتأييد والنصرة.
 
ثم كان الجواب من الله الواحد الأحد:
﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36]
ولم يقل سؤالاتك، أو طلباتك، لأن المطالب مهما كثرت، ومهما عظمت ,فهي هينة في منظور الله فهي لاشيء في ميزان الله عزَّ وجلَّ  :
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ              
ايها الأحباب الكرام :                                              
يتواصل حوار موسى كليم الله مع ربه جل وعلا   
وبعد ان يعطي الله سبحانه موسى ما طلب 
أخذ سبحانه وتعالى يذكر موسى بتاريخه وماضيه، وإنعامه عليه في كل وقت،
 أعاد عليه ذكريات الطفولة والصبا، : 
فقال :
 ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه
وكأنّ الله يقول لموسى عليه السلام :
لا تخف من فرعون، ولا تتهيب منه، فقد عصمناك منه وأنت طفل رضيع، وقد ربيناك في قصره وفي بلاطه، كنت تضربه على وجهه وأنت طفل صغير، أتخاف منه الآن وأنت في الأربعين، لا تخف منه فإنه أحقر وأهون من أن تخاف منه.
 
ثم يستمر القرآن في تعديد نعم الله عزَّوجلَّ على موسى:                                 
﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ﴾ [طه:  ثم يذكره الله بفعلته التي فعلها :
﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً ﴾ [طه: 40]
 ولا تظن أننا نسينا النفس التي قتلتها، فإن ذلك مكتوب في كتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولكننا غفرناها لك وفرجنا همك :
﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 40 - 41]. 
وكأنّ الله تبارك وتعالى  يقول له:
هذا تأريخك يا موسى، وتلك هي الأحداث التي مررت بها، كانت عنايتنا معك في كل حدث منها، وكان حفظنا يلاحقك في كل مكان حللت فيه ..
 ﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾
أي لا تفترا عن ذكري ..!
لاتفترا من التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد؛
فزاد القلوب هو التسبيح والتكبير
وزاد الارواح هو التحميد والتهليل
وكأن الله يقول لموسى وأخيه :
ياموسى اكثرا من الذكر ولا تتوقف ألسنتكم عن التسبيح بحمدي  ..
فإنكما ستمران بمواقف صعبه وتكاليف ضخمه وأمور جمه ومهام ...
ولن تستطيعا خوض غمارها إلاّ بأن تكونا على قربٍ مني وتلهجون بذكري ..
وفي هذا درس لمن يمرون بأحوال صعبه وأمور شاقه ويقعون في ضيقٍ او شدةٍ او كربٍ 
ان مخرجهم من ذلك (  وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي )
ان يذكروا الله في كل أحوالهم ...
ان يسبحوا بحمد الله في ليلهم ونهارهم
وفي صباحهم ومساءهم ..
ان يوحدوا الملك العلام  في دخولهم وخروجهم ..
ان تلهج ألسنتهم بذكر ربهم في ذهابهم وإيابهم وفي سفرهم وحظرهم ..
وان تتعلق قلوبهم بربهم في عسرهم ويسرهم
وفي منشطهم ومكرههم ..
وان تصدح ألسنتهم بشكره وذكره جل وعلا عند طعامهم وشرابهم وفي نومهم واستيقاظهم ..
فالذكر طريق التوفيق والتسبيح سبيل النجاة
وهو القائل عن نبيه يونس عليه السلام :
" فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ " الصافات ١٤٣
فَزَادُ الرُّوحِ أَرْوَاحُ الْمَعَانِي             
                         وَلَيْسَ بِأَنْ طَعِمْتَ وَلا شَرِبْتَ 
فَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْضِ دَأْباً 
                         لِتُذْكَرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا ذَكَرْتَ 
وَنَادِ إِذَا سَجَدْتَ لَهُ اعْتِرَافاً 
                          بِمَا نَادَاهُ ذو النُّونِ بنُ مَتَّى 
ويعود الخطاب كما كان أول السورة. 
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 43]
في أول السورة قال الله لموسى:
 ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24]،
 وهنا يقول لموسى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 43]
اذهبا إليه، واعلما بأنه طاغية جبار، ولكن كيف يخاطب موسى وهارون هذا الجبار؟
وما هي الوسيلة التي يستخدمها موسى في عرض الدعوة عليه ؟
وهنا يبين الله أن الوسيلة الناجحة في مخاطبة هؤلاء الجبابرة،وهؤلاء الطعاة العتاه هي اللين، وعدم العنف وعدم الغلظه..
 وذلك بأن تعرض عليه الدعوة بأسلوب هين لين وبأسلوب حسن وسهل  فلعل الله أن يهديه،
 ولعل الله أن يشرح صدره..
فقال تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43 - ]
ما أحسن هذا الكلام، وما أعجب هذا الخطاب، يقول عن سبحانه عن فرعون :
إنه طاغية، وجبار، وسفاك للدماء، وملحد، وعنيد، ورعديد ومتصلف ومع ذلك يأمر أنبياءه باللين معه، وعدم تعنيفه وتوبيخه، لعله يستحسن الخطاب، فيستجيب إلى الحق.
فأين نحن من هذا وايّن الدعاه الى الله والمصلحون والمرشدون والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من هذه التوجيهات ..
فمع طغيان فرعون وأجرامه وعتوه وظلمه يأمر الله موسى ان يأتيه باللين والسهوله البساطه .
ونحن اتخذنا الشده والغلظه والقسوه في دعوتنا مع إخواننا وأبناء جلدتنا من اهل الاسلام والعقيده وربما فضحناهم امام الجميع وشهرنا بهم امام الخلق ثم نرجوا ان يستجيبوا لنا ويرضخوا لدعوتنا والله يقول :
( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  ) النحل
((والموعظه الحسنه ...))
هي النصيحه التى تقدم بطبق من الحب والشفقه والتى تُشعرُ المدعو فيها انه امام دعوة تفيض بالحب وتمتليء بالحنان فينصاع لها وينقاد طوعاً لأسلوبها وسلاسه كلماتها وعذوبه ألفاظها ..
اما الغلظه في الدعوه ، والقسوه في التوجيه والشده في النصيحه فلم تؤتى بأي ثمار ابداً
ولم تحقق ايُّ استجابه انما ولّدت نفوراً وعتواً وهروباً وفرضت واقعاً سلبياً وتصوراً سيئاً لدى غالبيه المدعويين ، ورسولنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يقول :
" يسّروا ولاتعسروا وبشّروا ولاتنفروا "
ولذلكم يقول الله لنبيه موسى وهارون :
﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 
اي لعله يتذكر نعم الله عليه ..
لعله يتذكر تمكين الله له في الارض ..
لعله يتذكر فضله عليه وإنعامه ..
فبعض الناس لا يأتي إلا من باب الرغبة، وبعضهم لا يستجيب إلا بالترهيب ..
والداعية لا بد أن يكون بصيراً بالقلوب..
 عالماً بطبائع النفوس، حتى يدخل على كل إنسان من الباب الذي ترجى إجابته منه.
 فقال موسى وهارون:
﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ 
قال المفسرون :
خاف موسى عليه السلام  ثلاث مرات :
- مرة لما رأى العصا وقد انقلبت حية، فقال الله له: ﴿ خُذْهَا وَلا تَخَفْ ﴾ [طه: 21]
- وحين دخل البلاط الفرعوني :        
﴿ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾[طه٤٦
- ومرة ثالثة يوم أن نازل فرعون في الميدان أمام الجماهير :
﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعْلَى ﴾ [طه: 67 - 68]..
ولذلكم يقول موسى وهارون :
﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾
والله يدري أنه يطغى، والله يعلم أنه جبار فقال لهما : ﴿ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ 
 
وإذا كان الله معك فلماذا تخاف؟
 وإذا كان الله ناصرك فممن تخشى؟
اذا كان الله معك فلما القلق ولما التوجس
ولما الرعب ولما التردد ..
فانطلِقا بهذا المبدأ لا تخافا أحداً، ما دام الله معكما، وناصركما، ومؤيدكما.
 
احبتي الكرام :
كأنّي ارى عقارب الساعه تطاردنا والحديث شيق لكني سأتوقف هنا لنستأنف الحديث في الجمعه القادمه ولننتقل مباشرةً إلى قصر فرعون،
ونستمع إلى ذاك الحوار الساخن الذي دار بين موسى وفرعون ..
وحتى ذلكم الحين صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
 
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم واعرض صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الصحابة الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر الاسلام وأعز المسلمين واجعل كلمتك هي العليا الى يوم الدين ..
اللهم انصر الحق واهله واهزم الباطل وحزبه وجنده ...
اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها..
اللهم امنا في اوطاننا واجعل هذا البلد امناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ..
اللهم لاتتوفنا الا وانت راضٍ عنا مقبلين غير مدبرين محسنين لا مسيئين..
اهدنا بالهدى وزينا بالتقوى واغفر لنا بالاخره والأولى ..
اهدنا بهداك ولاتولى علينا مولىً سواك ..
اجعلنا هداةً مهديين غير ضالين ولامظلين سلماً لاوليائك حرباً على اعداءك نحب بحبك من احبك ونعادي بعداوتك من عاداك ...
اللهم ارحم موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرساله ..
اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعفُ عنهم واكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ....
آآمين اللهم آآمين ..
 
ان الله يأمر بالعدلِ والإحسان وآيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ... وأقم الصلاه ...
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين
المشاهدات 782 | التعليقات 0