قصة موسى مع فرعون ويوم عاشوراء

طلال شنيف الصبحي
1441/01/06 - 2019/09/05 21:32PM

قصة موسى وفرعون ويوم عاشوراء 9 / 1 / 1442 ه

الحمد لله رب العالمين معز المؤمنين وناصر أولياءه المتقين ومذل الطغاة والمستكبرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال في كتابه المبين {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا, أما بعد:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} عباد الله: يقول الله تعالى(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) فإذا أراد الله _ عز وجل _ شيئا أتمه بعز عزيز أو بذل ذليل, فلا راد لحكمه, ولا معقب لقضائه تبارك وتعالى .ويتجلى ذلك في حفظه سبحانه وتعالى لأوليائه وحمايته لأنبيائه عليهم صلوات ربي وسلامه, ومن ذلك قصة موسى عليه السلام حيث حفظه الله من كيد فرعون الذي أراد قتله لرؤيا رآها أن غلاما يخرج من بني إسرائيل يكون هلاك ملكه على يديه, فجهد فرعون في توقي ذلك وقتل واحتاط, ولكن: لا يغني حذر من قدر ! جاء موسى عليه السلام حتى تربى في قصر فرعون وبحماية منه, ورده الله إلى أمه وأرضعته حتى كبر, وترعرع, ثم قتل واحدا منهم انتصارا للحق؛ وجهدوا في قتله فلم يقدروا لأن الله معه يحفظه ويرعاه, ثم خرج إلى مدين وقابل رجلا صالحا, قيل: إنه شعيب عليه السلام, وقيل: هو غيره, ثم استأجره ثمان سنين وأتمها موسى عشرا وذلك لأمانته وصدقه وقوته, ثم بعد العشر عاد موسى إلى ديار أهله, فاصطفاه الله وحمله الرسالة إلى الطاغية فرعون وأرسل معه أخاه هارون عليه السلام , فدخلا على فرعون, ودعواه إلى الله بالقول اللين لعله يتذكر أو يخشى, وأراه موسى الحية والعصا آيتين على صدقه, ولكن هيهات هيهات, فمن انطبع قلبه على الكفر فلا يؤمن مهما رأى من الحجج, ثم جمع فرعون السحرة لمنازلة موسى وهارون عليهما السلام , لإبطال ما أتيا به, فكان الأمر بالعكس !فلما جاء السحرة فرعون قالوا: أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين, قال لهم فرعون: نعم وإنكم إذن لمن المقربين, قالوا: يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين؟ قال: ألقوا ! فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ! فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك! فإذا هي تلقف ما يأفكون, فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون, فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين, وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين, رب موسى وهارون! وكان المنتظر أن فرعون يؤمن تبعا للسحرة لأنه هو الذي أتى بهم, وهم أهل الخبرة في السحر وعرفوا أن الذي مع موسى ليس سحرا !ولكنه ما كان يريد الحق , ولذا أصر على الكفر وكابر وتنكر !ثم إن موسى - عليه السلام - جهد في دعوته بطرق متنوعة !ولكنه ما أطاع هو ولا قومه واستمروا في العناد والمكابرة فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات, لعلهم يتعظون! فما اتعظوا بل, استكبروا وكانوا قوما مجرمين, وكلما وقع عليهم الرجز والعذاب قالوا: يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل !فكلما كشف الله عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون! فينقضون عهودهم ويقيمون على كفرهم وضلالهم! فلما طال عليهم الأمد, أمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل وأخبره سبحانه أنهم سوف يُتبعون, فلما علم فرعون أرسل في المدائن حاشرين وقال: إن هؤلاء لشرذمة قليلون, وإنهم لنا لغائظون, فجمع جنودا عظيمة, وسار بهم ليلحق بموسى ومن معه, وعلى ساحل البحر يشتد الكرب ويعظم الخطب ويتراءى الجمعان، وينكشف الفريقان ويُبتلى أهل الإيمان ويطيش أهل الطغيان, وتصل الجنود الغاشمة بقيادة فرعون الطاغية مع شروق الشمس (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) البحر من أمامهم، وفرعون الطاغية من خلفهم، والجبال عن أيمانهم وشمائلهم، وفي تلك الساعة الرهيبة يقبل موسى -عليه السلام- على ربه متسلحًا بالعبودية الحقه، ويطلق كلمة التوحيد واليقين التي تقطع كل الأسباب، دون رب الأرباب(كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)2 نظر موسى إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه، وسرعان ما أمره الله:(أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ) هذه العصا تقلب الأمور-بإذن الله-وتعصف بالتحديات، وتدمر الظالمين(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُو) انفلق البحر -بإذن الله تعالى وقدرته- وصار اثني عشر طريقًا،(كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ) أصبح ماء البحر قائمًا مثل الجبال، مكفوفًا بقدرة الكبير المتعال, فيأمر الله –تعالى- موسى أن يجوز ببني إسرائيل البحر، فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين، فلما جاوز آخرُهم، أراد موسى -عليه السلام- أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان، فأمره ربه القدير أن يدعه على حاله (وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) وعلى الطرف الآخر ينظر فرعون إلى هذا المنظر العظيم، فيحجم ويصيبه التردد، ثم تحمله نفسه الكافرة وسجيته الفاجرة على اللحاق بموسى. فتبعه قومه عن آخرهم فلما استكملوا فيه، أمر الله كليمه موسى-عليه السلام- فضرب بعصاه البحر فارتفع عليهم وعاد بحرًا هائجًا فسحقهم وابتلعهم، ولم ينج منهم أحد (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ) بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية:

عِبَاد الله: لقد أنْجَى اللهُ مُوَسى-عليه السلام- وقومه من فِرْعَون وجُندَه في اليومِ العاشِرِ من شهرِ الله المُحَرم، وهو يوم عاشُورَاء الّذي أعزَّ الله به الحق وخذلَ الباطِلَ، فهو يوم له فضيلة عظيمة وحُرْمة قديمة، قد صامهُ موسى -عليه الصلاة والسلام- شكراً لله -عز وجل-، وصامه نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وأمر بِصِيامِه مع صوم يوم قبله أو يوم بعده، وقال صلى الله عليه وسلم "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". فينبغي للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء وهو يوافق هذا العام غدا السبت, وكذلك يصام معه اليوم التاسع وهو الأفضل، ولتحصل بذلك مخالفة اليهود التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها. ومن فاته صيام اليوم التاسع فليصم اليوم العاشر والحادي عشر لمخالفة اليهود، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء "يجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السُنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يعني مع العاشر". فاحرصوا يا عباد الله على صيام يوم عاشوراء وحثوا نسائكم وأبنائكم على صيامه شكرا لله عز وجل وتأسيا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الصيام في شهر الله المحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)هذا وصلوا وسلموا

المشاهدات 1371 | التعليقات 1

تم التعديل على الخطبة