قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفضل يوم عاشوراء-2-1-1437هـ-صالح العصيمي-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1437/01/03 - 2015/10/16 03:38AM
[align=justify][align=justify][align=justify] فيا أيها الإخوة، أَوَّلُ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ، شهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، ويُسَنُّ صيامُ أكثرِ أيَّامِهِ، وصيامُهُ أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ صِيامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لقولِ النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ"، وأفضلُ أيَّامِهِ صِيَامًا، صِيَامُ يومِ عاشورَاءَ، شُكرًا للهِ-سبحانه وتعالى-، عَلَى نَجَاةِ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-مِنْ أَكْبَرِ طَاغِيَةٍ عَرَفَهُ التَّارِيخُ، حيثُ ذَكَرَ اللهُ-عز وجل-فِي كِتَابِهِ تِلْكَ القصةَ، الَّتِي تُبَيِّنُ كيفَ اِنتَصَرَ الحقُّ عَلَى البَاطِلِ، لتحييَ فِي قُلُوبِ المؤمنينَ الثَّبَاتَ؛ فقوةُ البَاطِلِ لا تُقَاوِمُ الحقَّ مهمَا بلَغَتْ؛ فهي مبنيةٌ على أَسَاسٍ فَاسِدٍ، لقدْ كانَ فرعونُ، يَسْتَضْعِفُ بنِي إِسرائِيلَ، ويُقتِّلُ أبناءَهُم، ويَسْتَحْيِيِ نساءَهُمْ، ولكنَّ مشيئةَ اللهِ نافذةٌ، وقدرتَهُ قاهرةٌ، فشاءَ اللهُ لمُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-،أَنْ ينجُوَ مِنْ القَتْلِ، بعكسِ مواليدِ بنِي إسرائيلَ في تلكَ السَّنةِ، وأنْ يَتَرَبَّى فِي بيتِ فِرْعَونَ، تحرسُهُ عنايةُ اللهِ، حتَّى كَبُرَ، وبَلَغَ أَشُدَّهُ، وبَعَثَهُ اللهُ برسالتِهِ إِلَى فِرْعَونَ، وآتاهُ من الآياتِ مَا يدلُ عَلَى صِدْقِهِ، ولكنَّ فِرْعَونَ كَمَا قالَ-تَعَالَى-: [فَكَذَّبَ وَعَصَى*ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى *فَحَشَرَ فَنَادَى*فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى]، ولمَّا غَلَبَهُ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-بالحُجَجِ، والبيِّنَاتِ، وكَشَفَهُ لقومِهِ؛ اِدَّعَى هَذَا الطَّاغِيَةُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-سِحْرٌ، وأنَّ عِنْدَهُ مِنَ السِّحْرِ والسَّحَرَةِ مَا يَنْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-،فَجَمَعَ سَحَرَتَهُ مِنْ جَمِيعِ مَمْلَكَتِهِ: [فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ*وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ*لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ]، فَعَرضُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ السِّحْرِ، وعَرَضَ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-مَا عِنْدَهُ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، فانتَصَرَ عَليهِم بِالْحَقِّ، قالَ-تَعَالى-: [فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ*وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ]، فلَجَأَ فِرْعَونُ إِلَى القوةِ والبطشِ، وهدَّدَ وتوعَّدَ، وقَتَلَ السَّحَرَةَ-رحمهم الله تعالى-الذِينَ آمَنُوا باللهِ-سبحانه-فَأَوحَى اللهُ إِلَى مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-أنْ يَخرُجَ بالمؤمنِينَ، فِرارًا مِنْ هَذَا الطَّاغِيَةِ العنِيدِ، فانتَهَى مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُؤمِنِينَ إِلَى البَحْرِ، فاستَنْفَرَ فِرعونُ جُنُودَهُ وقَوْمَهُ، وخَرَجَ فِي إِثْرِهِمْ بِقُوَّتِهِ وعَتَادِهِ، يُريدُ قَتْلَهُمْ وإِبَادَتَهُمْ كلَهم، وسَارَ فِي طَلَبِهِمْ، وَلَحِقَ بِهِمْ فِرعونُ وجُنُودُهُ، وهُنَاكَ تَزَايَدَ خَوفُ المُؤمِنِينَ؛ البَحْرُ أَمَامَهُمْ، والعَدُو مِنْ خَلْفِهِم، وبمقاييس الْبَشَرِ المعركةُ مَحْسُومةٌ؛ فيَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْتَصِرَ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-وأَصْحَابُه على أَعْتَى قُوَّةٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ جَمْعًا وَعَتَادًا في ذلك الزمن، وَهُمْ ضُعَفَاءُ مُسْتَضْعَفُونَ، لا قُوَّةَ مَعَهُمْ وَلا عَتَادَ، وهَذَا مَا أَيْقَنَ بِهِ أَصْحَابُ مُوسَى، كَمَا قَالَ-تَعَالَى-حَاكيًا عَنْهُمْ: [فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ]، وَلَكِنَّ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-أيقنَ بِالاِنْتِصَارِ، وَرَفَضَ الاِنْهِزِامَ؛ لَقَدْ نظر إلى المعركة بمنظارٍ آخَرَ؛ منظارِ المتوكلِ على اللهِ-سبحانه-، الواثقِ بنصرِ الله-عز وجل-: [قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ]،فمَا خَذَلَهُ اللهُ، فأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ البَحْرَ؛ فَضَرَبَهُ، فَانْفَتَحَ طُرُقًا يَابِسَةً، فَسَارَ مُوسَى وقَومُهُ، لا يَخَافُ ولا يخشى أن يلحقَه ويدركَه فرعونُ وقومُه، وَدَخَلَ فِرعونُ وجُنُودُهُ خلفَهم بكبرِهم وخيلائِهم، يظنون أنَّ الطُرَقَ الَّتِي اِنفَتَحَتْ فِي الْبَحْرٍ لِلْجَمِيعِ، يَمْكُرُونَ فَمَكَرَ اللهُ بِهِمْ، فَلَمَّا تَكَامَلَ قومُ مُوسَى خَارِجَينَ مِنَ البَحْرِ، وتَكَامَلَ قومُ فِرعونُ دَاخِلينَ فِيهِ، أَمَرَ اللهُ-سبحانه-البحرَ فانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، وأَغْرَقَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَاِنْتَصَرَ الحقُّ عَلَى البَاطِلِ، وَأَعَزَّ اللهُ جُنْدَهُ، وصَدَقَ وَعْدَهُ، حيثُ قَالَ لَهُمْ: [قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ]، وتَحَقَّقَتْ إِرَادَةُ اللهِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَولِهِ-سبحانه-: [وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ].
إنَّ من أعظمِ الدروسِ التي يجبُ علينا أنْ نعيَها جيدًا من قصةِ موسى مع فرعونَ أنَّ الحقَّ والخيرَ منتصرانِ، وأنَّ الباطلَ والشرَّ منهزمانِ في النهايةِ، وأنَّ ما حدثَ ويحدثُ لإخوانِنا في فلسطينَ وسوريا، ومصرَ واليمنِ، وغيرِها من البلادِ، من قتلٍ وتشريدٍ، و سَجنٍ وحصارٍ، إن ْ هو إلا تمحيصٌ من اللهِ ليميزَ الخبيثَ من الطيبِ، وتربيةٌ للمؤمنينَ، وابتلاءٌ للتمكينِ، ورفعةٌ للدرجاتِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، وزيادةٌ في الحسناتِ، فكلُ قدرِ اللهِ خيرٌ للمؤمنِ، إنْ أصابتْه سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضراءُ صبرَ فكانَ خيرًا له.
والنصرُ قادمٌ بشرطٍ: أنْ ننصرَ اللهَ باتباعِ أمرِه واجتنابِ نهيِه، [يا أيها الذينَ آمنوا إنْ تنصروا اللهَ ينصرْكم ويثبتْ أقدامْكم].
[/align][/align]
[align=justify][align=justify]
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
فلَقَدْ كانَ انتصارُ موسى-عليه الصلاةُ والسلامُ-على فرعونَ فِي اليومِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فصَامَهُ مُوسَى-عليه الصلاةُ والسلامُ-،شُكْرًا للهِ، على نَصْرِهِ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-أَنَّ رَسُولَ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"، وحث-صلى الله عليه وآله وسلم-على صِيَامِهِ، وبَيَّنَ فَضْلِهُ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ"، وقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وآله وسلم-عَلَى أَلا يَصُومَهُ مُفْرَدًا؛ بَلْ يَضُمُ إِلَيهِ يَومًا آخَرَ، مُخَالَفَةً لأَهْلِ الكِتَابِ فِي صِيَامِهِ؛ فعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عنهُمَا-قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ-إِنْ شَاءَ اللهُ-صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا"، والأَجْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصِّيامِ، هُوَ صَومُ اليومِ العَاشِرِ، فَمَنْ صَامَهُ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ خَطَايَا سَنَةٍ ماضيةٍ كَامِلَةٍ، ومَنْ صَامَ مَعَهُ يَومًا قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ؛ نَالَ مَعَ أَجْرِ التَّكْفِيرِ أَجْرَ مخَالَفَةِ اليهود، فَلْيُصَمْ يَوْمَ التَّاسِعِ، معَ صِيامِ اليومِ العاشِرِ، وإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ يومِ العَاشِرِ وَحْدَهُ، مُحَصَّلٌ بِهِ الأَجْرُ بِإِذْنِ اللهِ.
[/align][/align][/align]
المرفقات

قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفضل يوم عاشوراء-2-1-1437هـ-صالح العصيمي-الملتقى-بتصرف.doc

قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفضل يوم عاشوراء-2-1-1437هـ-صالح العصيمي-الملتقى-بتصرف.doc

قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفضل يوم عاشوراء-2-1-1437هـ-صالح العصيمي-الملتقى-بتصرف.docx

قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفضل يوم عاشوراء-2-1-1437هـ-صالح العصيمي-الملتقى-بتصرف.docx

المشاهدات 1709 | التعليقات 0