قصة المرأة
هلال الهاجري
الحمدُ للهِ بَارئِ البريَّاتِ، غَافِرِ الخطيَّاتِ، عَالمِ الخفيَّاتِ، المُطَّلِع على الضَّمائِرِ والنيَّاتِ، أَحمدُه حَمدَ مُعترِفٍ بالتَّقصيرِ، وأَستغفِرُهُ استغفارَ مُذنبٍ يَخافُ عَذابَ السَّعيرِ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ أَحاطَ بكلِّ شَيءٍ عِلمًا، ووسِعَ كلَّ شيءٍ رَحمةً وحِلمًا، وأَشهدُ أن نبيَّنا وسَيدَنا مُحمدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ نبيُّ الرَّحمةِ الدَّاعي إلى سَبيلِ ربِّه بالحِكمةِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عَليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِه، وسَلَّمَ تَسليمًا كَثيرًا، أَمَّا بَعدُ:
فاتقوا اللهَ؛ فإنَّ تَقواهُ أَفضلُ مُكتسَبٍ، وطَاعتَه أَعلى نَسَبٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عِراكٌ خَطيرٌ، وصِراعٌ مَريرٌ، لِقاءاتٌ، مَقالاتٌ، مُناظَراتٌ، بَرامجُ حِواريةٌ، وتَقريراتٌ إخباريةٌ، حَركاتٌ نَسويةٌ، ومُؤتمراتٌ دَوليةٌ، تَصريحاتٌ عَلى أَعلى المُستوياتِ، وقَوانينُ وأنظمةٌ وتَشريعاتٌ، مَواضيعُ تَفتَتحُ بالمَرأةِ مُروراً بالمَرأةِ وانتهاءً بالمَرأةِ، العَالمُ كُلُّهُ يَتَصارعُ مِن أَجلِ المَرأةِ، فما هيَ قِصَّةُ هَذهِ المَرأةِ؟.
عِندَمَا خَلقَ اللهُ تَعالى الرَّجلَ في صُورةِ آدمَ عَليهِ السَّلامُ، أسكَنَهُ الجَنَّةَ ومَا فيها مِن النَّعيمِ العَظيمِ، ولَكِنَّهُ أَصبحَ يَسيرُ فِيها مُستَوحِشاً وَحيداً لا يَشعرُ بالسَّعادةِ، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتِ: امْرَأَةٌ، قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟، قَالَتْ: تَسْكُنُ إِلَيَّ، كَمَا قَالَ تَعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) وَهو آدمُ، (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وَهيَ حَواءَ، (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، فَسَكنَ إليها وسَكَنتْ إليهِ، فَهيَ مِنهُ ولَهُ، وهُو أَصلُها ولَها، فلا رَجلاً دُونَ امرأةٍ، ولا امرأةً دُونَ رَجلٍ، وَمن أخَبرَكم بِغيرِ ذلكَ فَقدْ كَذَبَ، فَقدْ خَلَقهما اللهُ تَعالى لِبَعضٍ، وجَعَلَ بَينَهما رَابطةَ السَّكَنِ والمَحبةِ، قَالَ سُبحانَهُ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، فَهذِهِ قِصةُ بِدايةِ المَرأةِ، مَخلوقةٌ رَقيقةٌ جَميلةٌ لَطيفةٌ، لَها في قَلبِ الرَّجلِ الكَريمِ مَكانةً شَريفةً.
المَرأةُ هِيَ الأمُّ، صَاحِبةُ القَلبِ الكَبيرِ، وفِي بِرِّها الأجرُ الوَفيرُ، فَقدْ نَصَحَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ أوصاكَ، فَقَالَ: (أُمَّكَ) ثُمَّ (أُمَّكَ) ثُمَّ (أُمَّكَ) ثُمَّ (أَبَاكَ)، وَقالَ ابنُ عَباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: (إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ)، فِي بَطنِها خُلِقتَ، وِمن صَدرِها رَضَعتَ، وفي حِجرِها تَرَعرَعتَ، مَن أنتَ لولا تَربيَّتُها الصَّالحةُ؟، وكَيفَ تَكونُ لولا أَدعيَّتُها المُباركةُ؟، ولِذَلكَ كَانَ وَاجِبَاً عَليكَ أن تُحسِنَ إليها وتَكرِمَها وتَحميَها، فَالجَنَّةُ قَد جَعَلَها اللهُ تَعَالى عِندَ قَدمِيها، إنَّها الأمُّ، إنَّها المَرأةُ.
المَرأةُ هِيَ الأختُ، هِيَ صَاحبةُ التَّضحيةُ والعَطاءُ، وفِي وَصلِها عَظيمُ الجَزاءِ، تَفرحُ لأفراحِكَ، وتَحزنُ لأحزانِكَ، تُحبُّ أنْ تَرَاكَ في أَحسنِ حَياةٍ وحَالٍ، فَانتَ فَخرُها وعِزُّها إذا ذُكِرَ الرِّجالُ، قَد أوصَاكَ نَبيُّكَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِصَحبَتِها والإحسانِ، وجَعلَ ثَمنَ ذَلكَ جَنَّةُ الرَّحمانِ، فَقَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ)، إنَّها الأختُ، إنَّها المَرأةُ.
المَرأةُ هِيَ الزَّوجةُ، هِيَ صَاحبةُ الحَنانِ والوَفاءِ، هِيَ القَلبُ الكَبيرُ في الرَّخاءِ، وهِيَ اليَدُ الحَانيةُ في البَلاءِ، كَم صَبَرتْ؟، وكَم ضَحَّتْ؟، وكَم أعطَتْ؟، وكَم وَاسَتْ؟، أَخذنا مِنها أضعافَ مَا بَذلناهُ لَها، ونَسينا وَصيَّةَ اللهِ تَعالى بِها: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فالخَيرُ فِي إكرَامِها، والشَّرُ في إهانِتها، كَما قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ: (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ، وأَنا خيرُكُم لأَهْلي)، إنَّها الزَّوجةُ، إنَّها المَرأةُ.
المَرأةُ هِيَ البِنتُ، هِيَ صَاحبةُ الجَمالِ والدَّلالِ، هِيَ عِزُّ وشَرفُ الرِّجالِ، وَقَدْ جَاءَ في أحاديثِ المُصطفى المُختارِ، أنَّ مَنْ أحْسَنَ إلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتراً مِنَ النَّارِ، إنَّها البنتُ، إنَّها المَرأةُ.
بَاركَ اللهُ لَنا في القُرآنِ العَظيمِ، ونَفعَني وإيَّاكم بهَدْي سيِّدِ المرسلينَ، وأَستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكْرُ له على تَوفيقِهِ وامتنانِه، وأَشهدُ ألاَّ إله إلا الله وحْدَه لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدَه ورَسولَه، صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَمَ تَسليمًا كَثيرًا، أما بَعدُ:
هَل رَأيتُم كَيفُ تُحيطُ المَرأةُ بالرَّجلِ اهتِماماً ورِعايةً مِن جَميعِ الاتِجاهاتِ؟، فَهُنَّ الأمَّهاتُ والأخواتُ والزَّوجاتُ والبَناتُ، وهَل سَمعتُم كَيفَ يُحيطُ الرَّجلُ بالمَرأةِ صِيانةً وحِمايةً مِن جَميعِ الأنحاءِ، فَهم الآباءُ والإخوةُ والأزواجُ والأبناءُ، هَكَذا حَياةُ المُسلمينَ ومَا خَالفَ ذلكَ فَهيَ حالاتٌ لا يُقِرُّها العُرفُ والدِّينُ.
وَأما الحَركاتُ النَّسويةُ التي كَانتْ رَدَّةُ فِعلٍ للظُّلمِ الواقعِ على المَرأةِ الغربيةِ، فَإنَهم أنقذوها مِن ظُلمٍ وأوقَعوها في ظُلمٍ أشَدَّ مِنهُ حَيثُ نادوا بمُساواتِها بالرَّجلِ، وهَذا في حَقيقتِه احتِقارٌ لجِنسِ المَرأةِ عَلِموا أو لَم يَعلَموا، فَهُم لا يَعتِرفونَ بالأُنثى، لأنَّهم يُريدونَها ذَكَراً، واللهُ يَقولُ: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)، فَكُتِبَ عَليها التَّعبُ والشَّقاءُ، وقُضيَ عَليها بالنَّصبِ والعَناءِ، وَأَخّذتْ دَورَ الرَّجلِ، وَقَد قَالَ تَعالى: (فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) يا آدمُ بالكَدِّ والعَملِ، وتَرتاحُ حواءُ لأنَّكَ أنتَ الرَّجلُ.
والمُصيبةُ الأخرى لِلحَركاتِ النَّسويةِ أنَّها اختَرَعتْ عَداوةً بينَ الرَّجلِ والمرأةِ، واستطاعتْ أن تَنتَزعَ المَرأةَ مِن يَدِ مَن يَصونُها ويَحميها إلى مَكانٍ مُنعَزلٍ وَحيدةً، فَريسةً لُكلِّ نَفسٍ آثمةٍ مَريدةٍ، وانظروها في الغربِ جَمالٌ يُعرضُ على غِلافِ المَجلاتِ، ومَفاتنُ تُستَخدمُ في الإعلاناتِ، وسِلعةٌ يُساومُ عَليها في المَلاهي والبَاراتِ، ثُمَّ يأتونَ بِكُلِّ وَقاحةٍ، ويَقولونَ: المَرأةُ في بلادِ الإسلامِ مَظلومةٌ، فسُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظيمٌ.
اللهمَّ احفظ نِساءَنا مِن كُلِّ سُوءٍ، ومِن هَذهِ الدعواتِ الفَاسقةِ الفَاجرةِ، اللهمَّ احفَظهُنَّ من الفِتنِ مَا ظَهرَ مِنهَا ومَا بَطنَ، اللهمَّ اجعلْهُنَّ تَقيَّاتٍ نَقيَّاتٍ صَفيَّاتٍ، حَافظاتٍ للغَيبِ بما حَفظَ اللهُ، اللهمَّ مَن أَرادَهُنَّ بِسوءٍ فَرُدَّ كَيدَهُ في نَحرِه، وأَشغلْهُ في نَفسِهِ، اللهمَّ لا تُبلِّغهُ غَايةً، واجْعلهُ لِمنْ خَلفَه آيةً، اللهمَّ عَاملنا بما أَنتَ أَهلُه، ولا تَعاملنا بما نَحنُ أَهلُه، فَأَنتَ أَهلُ التَّقوى وأَهلُ المَغفرةِ، اللهمَّ أَصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينَ، واجمع شَملَ المسلمينَ، وَوحِّدْ صَفَّهم، واهدِهم سُبلَ السَّلامِ، وانصرنا على القَومِ الكَافرينَ.
المرفقات
1663162992_قصة المرأة.docx
1663163002_قصة المرأة.pdf
منصور بن هادي
عضو نشطجزاك الله خير الجزاء
تعديل التعليق