قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَ( تَفْجِيرُ مَسْجِدِ الطَّوارِئِ) 29 شَوَّال 1436هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1436/10/27 - 2015/08/12 16:58PM
قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَ( تَفْجِيرُ مَسْجِدِ الطَّوارِئِ) 29 شَوَّال 1436هـ


‏الْحَمْدُ للهِ الذِي اهْتَدَى برَحْمَتِهِ الْمُهْتَدُونَ، وَضَلَّ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ الضَّالُّونَ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَتَرَكَنَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ وَاحْذَرُوا أَسْبَابَ سَخَطِهِ وَمُوجِبَاتِ عِقَابِهِ , وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَزَالُ لَنَا بِالْمِرْصَادِ وَأَنَّهُ يَأْتِي النَّاسَ بِأَلْوَانِ الضَّلَالِ , وَيَرْمِي كُلَّ أَحَدٍ بِانْحِرَافٍ يُوَافِقُ طَبِيعَتَهُ , إِمَّا بِالشَّهَوَاتِ أَوِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْ بِالْوَسَاوِسِ أَوْ بِغَيْرِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِنَ طُرُقِ الشَّيْطَانِ لِيَحْرِفَ النَّاسَ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتِقِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُمْ مِنْ بَابِ التَّدَيُّنِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللهِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ, وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ ضَلَالٌ وَانْحِرَافٌ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
وَإِنَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ الأُمَّةُ فِي مَاضِيهَا وَحَاضِرَهَا مِنْ خُرُوجِ زُمْرَةٍ مِنْ أَبْنَائِهَا يَطْلُبُونَ الْحَقَّ عَلَى غَيْرِ هُدَىً وَيَنْصُرُونَ الدِّينَ بِغَيْرِ بِصَيرَةٍ , زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ عَلَى الْجَادَّةِ وَغَيْرُهُمْ انْحَرَفَ عَنْهَا , وَلَمْ يَقْتَصِرْ هَؤُلاءِ عَلَى تَضْلِيلِ الْفُسَاقِ وَلا تَبْدِيعِهِمْ بَلْ طَالَ شَرُّهُمْ وَبَغْيُهُمْ عَلَى عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ وَهُدَاةِ الأُمَّةِ فَضْلَاً عَنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ نَاهِيكَ عَنِ الْحُكَّامِ , حَتَّى رَمَوْا عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَظَائِمِ وَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ بِالتَّكْفِيرِ وَالْقَتْلِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ, بَلْ طَالَ شَرُّهُمْ أَقَارِبَهُمْ وَأَرْحَامَهُمْ بَلْ وَالِدِيهِمْ , حَتَّى إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَتَعَجَّبُ وَيَقُولُ : هَلْ هَؤُلاءِ عِنْدَهُمْ عُقُولٌ ؟ بَلْ هَلْ لِهَؤُلاءِ دِينٌ ؟ لَكِنَّ الشَّيْطَانُ لا يَقِفُ إِضْلَالُهُ عِنْدَ حَدٍّ, نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ بِدَايَةَ انْحَرَافِ الْخَوَارِجِ وَظُهُورِهِمْ كَفِرْقَةٍ لَهَا تَأْثِيرُهَا كَانَ فِي عَهْدِ عَلِيِّ بِنْ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , حَيْثُ كَانُوا فِي جَيْشِهِ ضِدَّ أَهْلِ الشَّامِ حِينَ حَصَلَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , فَدَعَا أَهْلُ الشَّامِ إِلَى التَّحْكِيمِ فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ , فَأَبَى عَلَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَأَلَحَّ عَلَيْهِ الْخَوَارِجِ بِقَبُولِ التَّحَاكُمِ إِلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا حَصَل التَّحْكِيمُ انْقَلَبُوا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَابَذُوهُ وَكَفَّرُوهُ وَكَفَّرُوا أَهْلَ الشَّامِ وَكَفَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَالُوا : رَجَعْنَا إِلَى الْإِسْلَامِ وَقَالُوا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُتَابِعَكَ فَلا بُدَّ أَنْ تُقِرَّ عَلَى نَفْسِكَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ !
فَرَفَضَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَأْيَهُمُ الفَاسِدَ , فَنَابَذُوهُ وَفَارَقُوهُ , ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَخَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً زَهَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَرَغَّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ ، ثُمَّ قَالَ : فَاخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا .
ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ رُؤُوسِهِمْ يُقَالُ لَهُ سِنَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّ الرَّأْيَ مَا رَأَيْتُمْ وَإِنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرْتُمْ، فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ رَجُلَاً مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ لابُدَّ لَكُمْ مِنْ عِمَادٍ وَسِنَادٍ، وَمِنْ رَايَةٍ تَحُفُّونَ بِهَا وَتَرْجِعُونَ إِلَيْهَا، فَاتفقوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ .
ثم اجْتَمَعُوا أَيْضَاً فِي بَيْتِ زَيْدِ بِنْ حِصْنٍ الطَّائِيِّ فَخَطَبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ , مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ثُمَّ قَالَ : فَأَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ دَعْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا أَنَّهُمْ قَدِ اتَّبَعُوا الْهَوَى [يَعْنِي بِذَلِكَ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ ] وَنَبَذُوا حُكْمَ الْكِتَابِ، وَجَارُوا فِي الْقَوْلِ وَالْأَعْمَالِ ، وَأَنَّ جِهَادَهُمْ حَقٌّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَبَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ السُّلَمِيُّ ، ثُمَّ حَرَّضَ أُولَئِكَ عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّاسِ ، وَقَالَ فِي كَلَامِهِ : اضْرِبُوا وُجُوهَهُمْ وَجِبَاهَهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى يُطَاعَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، فَإِنْ أَنْتُمْ ظَفَرْتُمْ وَأُطِيعَ اللهُ كَمَا أَرَدْتُمْ أَثَابَكُمْ ثَوَابَ الْمُطِيعِينَ لَهُ الْعَامِلِينَ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ قُتِلْتُمْ فَأَيُّ شَيْئٍ أَفْضَلُ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ وَجَنَّتِهِ ؟
يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَارِيخِهِ : وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاس مَنْ أَغْرَبَ أَشْكَالِ بَنِي آدَمَ، فَسُبْحَانَ مَنْ نَوَّعَ خَلَقْهُ كَمَا أَرَادَ، وَسَبَقَ فِي قَدَرِهِ الْعَظِيمِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْخَوَارِجِ إِنَّهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ الضُّلَّالَ، وَالْأَشْقِيَاءَ فِي الْأَقْوالِ وَالْأَفْعَالِ، اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ ... ثُمَّ تَشَاوَرُا وَقَالُوا : لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْكُوفَةِ جَمَاعَاتٍ، وَلَكِنِ اخْرُجُوا وُحْدَانَاً لِئَلَّا يُفْطَن بِكُمْ .
ثُمَّ كَتَبُوا كِتَابًا عَامًّا إِلَى مَنْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَمَسْلَكِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا وَبَعَثُوا بِهِ إِلَيْهِمْ لِيُوَافُوهُمْ , لِيَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى النَّاس، ثُمَّ خَرَجُوا يَتَسَلَّلُونَ وُحْدَانَا لِئَلَّا يَعْلَمَ أَحَدٌ بِهِمْ فَيَمْنَعُوهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ فَخَرَجُوا مِنْ بَيْنِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالْأَخْوالِ وَالْخَالاتِ وَفَارَقُوا سَائِرَ الْقِرَابَاتِ ، يَعْتَقِدُونَ بِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَعَقْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُرْضِي رَبَّ الْأَرْضِ والسَّمواتِ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْمُوْبِقَاتِ ، وَالْعَظَائِمِ وَالْخَطِيئَاتِ ، وَأَنَّهُ مِمَّا زَيَّنَهُ لَهُمْ إِبْلِيسُ الشَّيْطَانُ وَأَنْفُسُهُم التِي هِيَ بِالسُّوءِ أَمَّارَات .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ : وَقَدْ تَدَارَكَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ أَوْلادِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ فَرَدُّوهُمْ وَأَنَّبُوهُمْ وَوَبَّخُوهُمْ , فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الاسْتِقَامَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَحِقَ بِالْخَوَارِجِ فَخَسِرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَوَافَى إِلَيْهِمْ مَنْ كَانُوا كَتَبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا ، وَاجْتَمَعَ الْجَمِيعُ بِالنَّهْرَوَانِ وَصَارَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ، وَهُمْ جُنْدٌ مُسْتَقِلُّونَ .
ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَثَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَنَاظَرَهُمْ وَرَجَعَ مَعَهُ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَأَبَى الْبَاقُونَ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى مُنَابَذَةِ عَلَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَلِيفَةَ الْمُسْلِمِينَ , وَتَرَكَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ وَرَجَاءَ أَنْ يُرَاجِعُوا أَنْفُسَهُمْ فَيَعُودُونَ إِلَى الْحَقِّ , وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ عَاثُوا فِي الأَرْضِ فَسَادَاً وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَقَطَعُوا السُّبُلَ وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ .
وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَتَلُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَسَرُوهُ وَامْرَأَتَهُ مَعَهُ وَهِيَ حَامِلٌ , فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قال: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ , فَقَالُوْا : حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعي) فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ , فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَهُمْ إِذْ لَقِيَ بَعْضُهُمْ خِنْزِيرًا لِبَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَضَرَبَهُ فَشَقَّ جِلْدَهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ : لِمَ فَعَلْتَ هَذَا وَهُوَ لِذِمِّيٍّ ؟ فَذَهَبَ إِلَى الذِّمِّيِّ فَاسْتَحَلَّهُ وَأَرْضَاهُ . وَمَعَ هَذَا قَدَّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ فَذَبَحُوهُ ، وَجَاؤُوا إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ : إِنِّي امْرَأَةٌ حُبْلَى ، أَلَا تَتَّقُونَ اللهَ ، فَذَبَحُوهَا وَبَقَرُوا بَطْنَهَا عَنْ وَلَدِهَا .
فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يَتَوَرَّعُونَ مِنْ قَتْلِ خِنْزِيرٍ لِنَصْرَانِيٍّ ثُمَّ يَقْتُلُونَ التَّابِعِيَّ الْجَلِيلَ وَامْرَأَتَهُ ,,, إِنَّهُمْ الذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقْتُلُونَ، أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَان) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ .

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ , الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ , أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ هَؤُلاءِ الزَّاعِمِينَ لِلْجِهَادِ - عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ الْمُنْحَرِفِ - الْجِهَادُ مِنْهُمْ بَرَاءٌ , وَهُمْ فِي الْوَاقِعِ الْخَوَارِجُ الذِينَ جَاءَتْ الأَدِلَّةُ بِذَمِّهِمْ , فَهُمُ الذِينَ خَرَجُوا عَلَى صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاتَلُوهُمْ .
فَمَنِ الذِي قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَّا الْخَوَارِجُ , وَمَنِ الذِي كَفَّر أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاتَلَهُمْ فِي مَعْرَكَةِ النَّهْرَوَانَ إِلَّا الْخَوَارِجَ , فَلا يُسْتَغْرَبُ الْيَوْمَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْ يُكَفِّرُ عُلَمَاءَنَا وَحُكَّامَنَا وَيَقْتُلُ الْمُصَلِّينَ وَالرُّكَّعَ السَّجُودَ فِي مَسَاجِدِنَا , لِأَنَّ أَوَائِلَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ , فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ قَاتِلَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَاهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَقَتَلَهُ , وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مُحِفِّظَاً لِلْقُرْآنِ فِي بِلَادِ مِصْرَ , بَعَثَهُ عُمُرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَيْهِمْ يُعِلِّمُ النَّاسَ كِتَابَ اللهِ , فَأَتَاهُ الْخَوَارِجُ وَغَيَّرُوا فِكْرَهُ بِمَا يُلْقُونَ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبَهِ فَعَلِقَتْ بِهِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مَا حَصَلَ فِي مَوْقِعِ قُوَّاتِ الطَّوَارِئِ مُؤَخَّرَاً مِنَ التَّفْجِيرِ لِلْمَسْجِدِ وَقَتْلِ الْمُصِلِّينَ لِأَمْرٌ لا يَكَادُ الإِنْسَانُ يُصَدِّقُهُ , وَلَوْ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ حُوثِيٍّ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَباً , لَكِنْ أَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَتَرَبَّى فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ , وَدَرَسَ عَقِيدَةَ السَّلَفِ فِي مَدَارِسِنَا , فَهَذَا مِمَّا يَقِفُ الإِنْسَانُ حَائِرَاً مُتَعَجِّبَاً أَمَامَهُ , وَلَكِنْ إِذَا عَرَفْنَا قِصَّةَ أَوَائِلِ الْخَوَارِجِ وَأَعْمَالَهُمْ وَانْحِرَافَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِي عَصْرِ الأُمَّةِ الزَّاهِرِ بِوُجُودِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ , فَحِينَهَا لَنْ نَسْتَغْرِبَ مَا حَصَلَ مِنْ خَوَارِجِ عَصْرِنَا.
وَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ : أَنَّ مَنْ قُتِلَ عَلَى يَدِ هَذِهِ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ أَنَّ لَهُ الْبِشَارَةَ وَيُرْجَى لَهُ الشَّهَادَةُ وَالرِّفْعَةُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهَذَا أَمْرٌ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ , فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ , يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ... هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللهِ مِنْهُمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَرْنَاؤُوط .
نَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَكْفِينَا شَرَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَفْكَارِهِمْ الْمُنْحَرِفَةِ , كَمَا نَسْأَلُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ قُتِلَ فِي مَسْجِدِ قُوَّاتِ الطَّوَارِئِ بِعَسِيْر وَأَنْ يَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ , كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْبُرَ مُصَابَ أَهْلِهِمْ وَأَنْ يُحْسِنَ عَزَاهُمْ , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ, وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .
المرفقات

قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَ( تَفْجِيرُ مَسْجِدِ الطَّوارِئِ) 29 شَوَّال 1436هـ.doc

قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَ( تَفْجِيرُ مَسْجِدِ الطَّوارِئِ) 29 شَوَّال 1436هـ.doc

المشاهدات 2539 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك