قصّةُ أيّامِ التّشريقِ 1442/12/4هـ

يوسف العوض
1442/12/10 - 2021/07/20 15:11PM
الخطبة الاولى :  
 
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّم تسليمًا كثيرًا ، أَمَّا بَعْدُ : فَيَا عِبَادَ اللَّهِ ، اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ) وبعد ،،
 
 
  أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : لَمَّا كَانَ عِيدُ النَّحْرِ أَكْبَرَ الْعِيدَيْن وَأَفْضَلَهُمَا وَيَجْتَمِعُ فِيهِ شَرَفٌ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ مَعَهُ أَعْيَادٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ، فَقَبلَه يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَبَعْدَه أَيَّامٌ التَّشْرِيقِ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَيَّامِ أعيادٌ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ‏قالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَومُ عَرَفَةَ ويَومُ النَّحرِ وأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلِ الإسلامِ ، وَهِي أَيَّامُ أَكلٍ وشُربٍ )) خَرَّجَه أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَعْيَادِهِم وَأَكْبَرُ مَجَامِعِهم وَقَد أَفْطَرَه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَيَّامُ عِيدٍ أَيْضًا ، وَلِهَذَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يُنَادِي بِمَكَّةَ :( إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَا يَصُومَنّ أحدٌ)  ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَىَ : (( أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَأَيَّامُ مِنىً أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ )) وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ ، ‏قال : ‏قال رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ‏أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ )) ، فأَيَّامُ مِنًى هِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ‏(( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمٍ النَّحْرِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أيَّام منىً ثلاثةٌ ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ )) خَرَّجَه أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ والْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ .
 
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذِكْرِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهَا ‏أيامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للَّهِ ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ :
 
مِنْهَا : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَدْبَارِهَا وَهُوَ مَشْرُوعٌ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وهَو صَلاةُ العَصرِ فِي هَذا اليَومِ الجمعةِ .
 
وَمِنْهَا ذَكرُه بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ ذَبَحِ النُّسُكِ فَإِنَّ وَقْتَ الْهَدَايَا وَالْأَضَاحِي يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ .
 
وَمِنْهَا : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَنْ يـُسمِىَ اللَّهُ فِي أَوَّلِهِ وَبِحَمْدِهِ فِي آخِرِهِ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ‏عن ‏أنسِ بْنِ مَالِكٍ ‏‏قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى اللَّه ‏عليه ‏وسلم : (( إنَّ اللَّه لَيَرْضَىَ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
 
وَمِنْهَا : ذَكرُه بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْمَوْسِمِ . وَمِنْهَا : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُطْلَقُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُكَبِّر بِمِنًى فِي قُبّتِهِ فَيَسْمَعُه النَّاسُ فَيُكَبِّرُون فتَرْتَجُ مِنًى تَكْبِيرًا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) . 
 

     

الخطبة الثانية :

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِذِكْرِه تَطْمَئِنُّ النُّفُوسُ ، وَتَحْيَا الْقُلُوبُ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الذَّاكِرِين مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَمَن اِقْتَفَى أَثَرَهُم إلَى يَوْمِ الدِّينِ ؛ أَمَّا بَعْدُ ،،


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ )) إشَارَةٌ إلَى أَنْ الْأَكْلَ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَالشُّرْبِ إنَّمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِه ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا أَعْيَادُ لِلْمُسْلِمِين مَعَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا تُصَام بِمِنًى وَلَا غَيْرِهَا ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَالْأَمْرِ بِالْأَكْلِ فِيهَا وَالشُّرْبِ سِرٌّ حَسَنٌ ، وَهُوَ أَنْ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ مَا يُلَاقِي الْوَافِدُون إلَى بَيْتِهِ مِنْ مَشَاقِّ السَّفَرِ وَتَعَبِ الْإِحْرَامِ وَجِهَادِ النُّفُوسِ عَلَى قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ شُرِعَ لَهُمْ الِاسْتِرَاحَةُ عَقِيبَ ذَلِكَ بِالْإِقَامَةِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَأَمَرَهُم بِالْأَكْلِ فِيهَا مِنْ لُحُومِ نُسُكِهِمْ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِهِمْ وَرَأْفَةً وَرَحْمَةً ، وشَاركَهم أَيْضًا أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ شَارَكُوهُمْ فِي حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ، وشَاركوهم فِي حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ وَفِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الْأَضَاحِيِّ فشاركوهم فِي أَعْيَادِهِم وَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي الرَّاحَةِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا اشْتَرَكُوا جَمِيعًا فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَةِ ، فَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِين نُعَيْمُ أَبْدَانِهِم بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنُعَيْمُ قُلُوبِهِم بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ النِّعْمَةُ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ شُكْرِ النِّعْمَةِ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَمَّا مَنْ اسْتَعَانَ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ فَمَا شَكَرَهُ حَقَّ شُكْرِهِ .


المشاهدات 1474 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا