قصة أصحاب الجنة - للشيخ خالد الكناني

موسى السلامي
1444/05/01 - 2022/11/25 09:06AM

 قصة أصحاب الجنة

الحمد لله ربِّ العالمين ، أنزل القرآن الكريم ، وبين لنا الصراط المستقيم ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :عباد الله

في قصص القرآن عبرة لأولي الألباب وهداية لأهل الرشاد وموعظة لمن أراد الإتعاض ، قال تعالى : ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ))

نعيش اليوم مع قصة من قصص القرآن الكريم ، مع قصة أصحاب الجنة في سورة القلم ، فيا ترى ما هي قصة أصحاب الجنة هذه ؟ فتعال معي لنتعرف على هذه القصة ..

في أرض اليمن وبالتحديد في قرية يقال لها ( ضَرَوان ) ، عاش أحدُ الصالحين الأغنياء وكان على دين أهل الكتاب ، وكانت له جَنَّة فيها أنواع الأشجار المثمرة ، وجداول الماء العذب تسقيها ، فتعطي تلك الأشجار فواكهه لذيذة وكثيرة ومتنوعة ، المقصود أنه يعيش في نعم ورغد من العيش .

وكان هذا الرجل الصالح لا يُدخل بيته ثمرة منها حتى يقسم تلك الثمار إلى ثلاثة أقسام ، قسم للفقراء والمساكين ، و قسم لأهل بيته ، و قسم يردُّه في المحصول ليزرع به الأرض ، وبذلك بارك الله له في رزقه وعياله وجميع أحواله ، فلما مات ذلك الرجل وورثه بَنوه ، وكان له خمسة من البنين ، فحملت جنَّتُهم في تلك السَّنة التي توفي فيها أبوهم حملًا لم تكن حملته من قبل ذلك . فراح الفتية إلى جنّتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمر ورزق فاضل ، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلما نظروا إلى ذلك الفضل وتلك النعمة العظيمة ، طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : لقد كان أبونا أحمق ، إذ كان يصرف من هذه الثمار للفقراء والمساكين ، دعونا نتعاهد فيما بيننا ألا نعطي أحدا من الفقراء في عامنا هذا شيئا ، حتى نستغني وتكثر أموالنا ، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط واعترض الخامس ونصحهم أن يسيروا على ما كان عليه أبوهم . حتى يبارك الله لهم في رزقهم وجنتهم ، لكنّهم بطشوا به وضربوه ضربا مبرحا ، فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله ، دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم ، ثم أقسموا على قطف ثار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها وتعاهدوا على ذلك ورفعوا شعارا (( لا للفقراء بعد اليوم ، لا للمساكين والمحتاجين ))

لقد غفل أصحاب الجنة وكذلك من أنعم الله عليهم بالنعم ، أن الله هو المنعم وأنه يسمع سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .

لقد غاب عنهم أن الله هو المنعم والمتفضل بالنعم وأنه هو المعطي وهو الرزاق سبحانه وتعالى .

لقد غاب عنهم أنه تعالى يعطي المنفق خلفا ويعطي الممسك تلفا

لقد غاب عن أصحاب الجنة الذين يدبرون ويخططون لحرمان الضعفاء والمساكين أن الجزاء من جنس العمل ، فمن أكرم الناس أكرمه الله ومن حرم الناس أحرمه الله ومن منعهم الخير الذي أعطاه الله منعه الله خيره وأحرمه إياه

((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ))

لنسمع إلى كتاب الله تعالى وهو يحدثنا عنهم وعن قصتهم ، قال تعالى : ((إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ )) أَيْ حَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ لَيَجُذُّنَّ ثَمَرَهَا لَيْلًا لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِمْ فَقِيرٌ وَلَا سَائِلٌ لِيَتَوَفَّرَ ثَمَرُهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ

 (( وَلَا يَسْتَثْنُونَ )) حتى كلمة إن شاء الله لم يقولوها .

(( فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ )) أي: عذاب نزل عليها ليلا فأبادها وأتلفها (( فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ )) صارت الجنة محترقة كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار .

يا الله أي كارثة هذه ؟

الإنسان ينام وهو يمتلك الملايين ، يمتلك الصحة ، يمتلك الذرية ، يمتلك ويمتلك ، ... ويستيقظ في الصباح ليجد نفسه لا يمتلك شيئا

لقد بات القوم يخططون لحرمان الفقراء ، وفي الصباح الباكر نادى بعضهم بعضا (( فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ )) لتنفيذ المخطط الذي أجمعوا كلمتهم عليه (( أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ )) ثم تحركوا في خفية وتستر حتى لا يدركهم أحد من الفقراء والمساكين فيتبعهم إلى بستانهم  (( فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ )) (( أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ )) ((وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ )) عزموا على منع وحرمان الفقراء

(( فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ )) لما سلكوا طريق جنتهم ووجدوا ما حل بها ونزل بها ما نزل ظنوا أنهم أخطأوا الطريق إليها وأن هذه ليست مزرعتهم .(( قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ )) إنا لتائهون لقد أخطأنا الطريق ولكنهم أعادوا النظر فإذا بالطريق هو الطريق وإذا بالجنة هي جنتهم وقد احترقت ، فاستفاقوا فقالوا (( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )) حرمنا لأننا عزمنا على حرمان غيرنا من الفقراء .

(( قَالَ أَوْسَطُهُمْ )) أعدلهم وأعقلهم الذي نصحهم ((أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ )) أَيْ هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ  ((قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ))

عند ذلك أخذ بعضهم يلوم بعض وعرفوا أن ما نزل بهم بسبب بخلهم ومنعهم حقوق الله فيما أنعم به عليهم ، وعرفوا أن أباهم كان يحمي أموالهم وما أنعم الله به عليهم وبارك الله له في ذلك بسبب إخراج حق الله تعالى وبما كان ينفقه في سبيل الله ، قال تعالى : (( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ــ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ـــ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ـــ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ـــ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ))

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم .

 

 

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه  ، الهادي إلى إحسانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد :

عباد الله في قصة أصحاب الجنة وما نزل بهم من إتلاف مزرعتهم بسبب بخلهم ومنعهم حق الله فيما أنعم به عليهم ، دروس وعبر لكل من أنعم الله به عليه بنعمة من النعم  ، لنتذكر أن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى نعمة الأمن في الأوطان ونعم المال والرزق والخيرات ونعمة الصحة في الأبدان وغيرها من النعم ، التي يبارك الله تعالى فيها لصاحبها إذا صرفها في طاعة الله تعالى ، ويتلفها إذا بخل بها وأمتنع عن اداء حق الله فيها .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ))

والحذر كل الحذر من المعاصي والمخالفات التي تزيل النعم ، فإن العبد ليذنب الذنب يحرم الرزق ، إن كفران النعم وعدم القيام بحق الله فيها سبب للحرمان منها وإنزال أخطر لباسين وهما الجوع والخوف والعياذ بالله ، قال تعالى :

((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ))

هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا :

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

المرفقات

1669356373_قصة أصحاب الجنة.doc

المشاهدات 583 | التعليقات 0