🌟قسوة القلب🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/02/24 - 2024/08/28 20:53PM

 

🌟قسوة القلب🌟 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

عِبَادَ الله: أَعْظَمُ العُقُوْبَةِ: عَدَمُ الإِحْسَاسِ بِالعُقُوْبَة! وَمِنَ العُقُوبَاتِالخَفِيَّة: قَسْوَةُ القَلْبِ، والغَفْلَةُ عَنْ لِقَاءِ الرَّب! قال الإِمَامُ مَالِك: (مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ: أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ القَلْبِ). قال ابنُ الجَوْزِي: (مِنْ أَعْظَمِ العُقُوْبَة: أَلَّا يُحِسَّ الإِنْسَانُ بِهَا، وأَنْ تَكُوْنَ في سَلْبِ الدِّيْن، وطَمْسِ القُلُوب).

والإِصْرَار ُعلى المَعَاصِي: مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ سَبَبٌ لِلْقَسْوَةِ! قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾.

والاِنْغِمَاسُ في طَلَبِ الدُّنْيَا، وَطُوْلُ الأَمَل؛ يُفْضِي إلى جَفَافِ العَيْنِ، وقَسْوَةِ القَلْبِ. يقول U: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُم﴾.

قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: (أَيْ لمَّا طَالَتْ آمَالُهُمْ: قَسَتْ قُلُوْبُهُمْ). وجَاءَ في الأَثَر: (أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ: جُمُوْدُ العَيْن، وَقَسْوَةُ القَلْبِ،وَطُوْلُ الأَمَل، والحِرْصُ على الدُّنْيَا).  

وَقَسْوَةُ القَلْبِ: ضَلالٌ وحِرْمَان، وَحِجَابٌ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَن؛ قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ في ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ النَّارِ: القَسْوَةُ والاِسْتِكْبَار؛ ومَا خُلِقَتِ النَّارُ الحَامِيَة؛ إِلَّا لِإِذَابَةِ الْقُلُوبِ القَاسِيَة! قال ﷺ: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ).

قالَ ابْنُ عُثَيْمِين: (العُتُلّ: الشَّدِيدُ الغَلِيظُ، الَّذِي لا يَلِيْنُلِلْحَقِّ ولا لِلْخَلْقِ).

والفَظَاظَةُ والقَسْوَةُ: سَبَبٌ لِلْنُّفْرَةِ والوَحْشَةِ! قال اللهُ -لِنَبِيِّهِ ﷺ-:﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾. قال ابْنُ كَثِير: (أَيْ: لُوْ كُنْتَ سَيّءَ الكَلَامِ، قَاسِيَ القَلْبِ؛ لَانْفَضُّوا عَنْكَ وَتَرَكُوْكَ، وَلَكِنَّ اللهَ جَمَعَهُمْ عَلَيْكَ، وَأَلَانَ جَانِبَكَ لَهُمْ).

 

 

وَالقَلْبُ القَاسِي: أَضْعَفُ القُلُوْبِ، وَأَسْرَعُهَا قَبُوْلًا لِلْشُّبْهَةِ،وَوُقُوْعًا في الفِتْنَة.

قال I: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾.

وإِِذَا كَانَ القَلْبُ قَاسِيًا حَجَرِيًّا: فَإِنَّهُ لا يَقْبَلُ الحَقَّ، وَلَوْ كَثُرَتْدَلَائِلُهُ؛ كَمَا لَا تُنْبِتُ الأَرضُ الصَّلْبَة، وَلَوْ أَصَابَهَا كُلُّ مَطَرٍ!قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: (إِنَّ القَلْبَ إذَا كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا؛ بِمَنْزِلَةِ الحَجَرِ: لَا يَنْطَبِعُ فِيهِ الإِيمَانُ وَالعِلْمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا لَيِّنًا).

وَخَيْرُ القُلُوْبِ: القَلْبُ الصَّافِي اللَّيِّن؛ فَهُوَ يَرَى الحَقَّ بِصَفَائِهِ،وَيَحْفَظُهُ بِلِيْنِهِ! يقول تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم﴾. قال الكَلْبِي: (فَتَرِقَّ لِلْقُرْآنِ قُلُوْبُهُمْ).

وَمِنْ آثَارِ قَسْوَةِ القَلْبِ: سُوْءُ الفَهْمِ والقَصْدِ، وتَحْرِيْفُ الدِّيْن؛قال ﷻ: ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾.

وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا: سَقَاهُ مِنْ أَدْوِيَةِ المَصَائِب، مَا يُلَيِّنُ قَلْبَه،قالَ بَعْضُهُمْ: (لَوْلَا مِحَنُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا؛ لَأَصَابَ العَبْدَ مِنْ أَدْوَاءِ الكِبْرِ، وَالعُجْبِ، وَالفَرْعَنَةِ، وَقَسْوَةِ القَلْبِ؛ مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِ!)؛ قال U: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

وَمِمَّا يُلَيِّنُ القُلُوْبَ: مُخَالَطَةُ المَسَاكِيْن، وَمُسَاعَدَةُ المَكْرُوْبِيْن؛ فَقَدْ شَكَا رَجُلٌ إلى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ قَسْوَةَ قَلْبِهِ؛ فَقَالَ لَهُ: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِيْنَ قَلْبِكَ: فَأَطْعِمِ المِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ اليَتِيمِ).

وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ: تَفْتَحُ مَغَالِيْقَ القُلُوْب، وَتُذِيْبُ قَسْوَتَها! قال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾. قالَ ابْنُ القَيِّم: (فَهَذَا حَالُ الجبَالِ -وَهِيَ الحِجَارَةُالصَّلْبَةُ- وَهَذِهِ رِقَّتُهَا وَخَشْيَتُهَا مِنْ جَلَالِ رَبِّهَا؛ فِيَاعَجَبًا مِنْ مُضْغَةِ لَحـْمٍ أَقْسَى مِنْ هَذِهِ الجِبَال! فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ على اللهِ: أَنْ يَخْلُقَ لَهَا نَارًا تُذِيْبُهَا؛ فَمَنْ لَمْيَلِنْ للهِ في هَذِهِ الدَّارِ قَلْبُهُ؛ فَلْيَتَمَتَّعْ قَلِيلًا؛ فَإِنَّ أَمَامَهُالمُلَيِّنَ الأَعْظَمَ!).

وذِكْرُ الآخِرَةِ: يُزِيْلُ الغَفْلَةَ، ويُذِيْبُ القَسْوَةَ! قال ﷺ: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ). يَعْنِي المَوْتَ.

وَمِنْ أَدْوِيَةِ قَسْوَةِ القَلْب: زِيَارَةُ القُبُوْر، وَذِكْرُ البَعْثِ والنُّشُوْر؛ قال ابنُ الجَوْزِي: (إنْ وَجَدْتَ مِنْ نَفْسِكَ غَفْلةً؛ فَاحْمِلْهَا إلى المَقَابِرِ، وَذَكِّرْهَا قُرْبَ الرَّحِيل).

وَمِنْ أَدْوِيَةِ قَسْوَةِ القَلْبِ: تَرْكُ الذُّنُوْب، وَذِكْرُ عَلَّامِ الغُيُوْب. قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ البَصْرِي: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي؟)قال: (أَذِبْهُ بالذِّكْرِ!). قال ابنُ القَيِّم: (في القَلْبِ قَسْوَةٌ، لا يُذِيْبُهَا إِلَّا ذِكْرُ الله؛ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ: ذَابَتْ تِلْكَ القَسْوَة: كَمَا يَذُوْبُ الرَّصَاصُ في النَّار).

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.

عِبَادَ الله: هَذِهِ القُلُوبُ تَقْسُوْ كَالْحَجَرِ، وَتَصْدَأُ كَالحَدِيْد، وَتَتَّسِخُكَالثِّيَاب؛ فَتَعَاهَدُوْهَا بِالتَّنْظِيْفِ والصِّيَانَة، وَلَيّنُوْهَا بِالتَّوْبَةِ والضَّرَاعَة، قَبْلَ أَنْ تَقُوْمَ السَّاعَة؛ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

* * * *

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ خُلَفَائِكَ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أبي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْتَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

 

 

المرفقات

1724867584_قسوة القلب.pdf

1724867585_‏‏قسوة القلب (نسخة للطباعة).pdf

1724867585_‏‏‏‏قسوة القلب (نسخة مختصرة).pdf

1724867588_‏‏قسوة القلب (نسخة للطباعة).docx

1724867588_‏‏‏‏قسوة القلب (نسخة مختصرة).docx

1724867588_قسوة القلب.docx

المشاهدات 1301 | التعليقات 0