قد يُفتى وبالمدينةِ مالكٌ!
محمد مرسى
1436/01/25 - 2014/11/18 05:29AM
قد يُفتى وبالمدينةِ مالكٌ!
صِنفٌ آخرُ ممَّن امتنعَ عن الاضطلاع بواجب النصيحةِ بحُجَّةِ أنَّه ليس عالِمًا، وأنَّ النصيحةَ والأمر والنهيَ إنَّما هي منوطةٌ بالعلماءِ.
وهذه الشبهةُ قد استحكمتْ في عقول طائفتين من المسلمين: أُولَاهما: أولئكَ المتورِّعون ورعًا كاذبًا لا محلَّ له من الإعرابِ، يقولون: حتى لا نفتح على أنفسنا باب التصدُّر الذي لسنا له أهلًا، وحتَّى لا نَفتح باب القول على الله بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منيرٍ.
ولهذه الطائفةِ نقول: إنَّ كثيرًا من القضايا التي تحتاجُ إلى أمرٍ أو نهيٍ؛ إنَّما هي من قبيل المعلومات من الدين بالضرورة لا تلتبس على مَنْ لديه أبجدياتُ المعرفة بالدين، فهل كلُّ شيءٍ يتطلَّبُ التوقُّف حتى يأتيَ عالمٌ محنَّكٌ ليُدلي فيه بدلوه؟
وهل تظنُّ أن قضايا التناصحِ حكرٌ على العلماء أو الملتزمين أو الأزهريين مثلًا؟!
نعم؛ نحن نسلِّم لكُم أنَّ هناكَ مسائلَ يجب التوقُّف فيها وإحالتُها إلى العلماء الراسخين ليقولوا فيها كلمتهم، ولكن على الجانب الآخر؛ فالكثرة الكاثرةُ من مسائل الأمر والنهي لا يتوقف فيها أحدٌ من المسلمين، فمَن ذا الذي يجهل فرضية الصلاة؟ فكيف لا يأمرُ أهله بها؟ ومَن ذا الذي يتوقَّفُ في حرمة الرِّشوة والكذب والغشِّ والتدليس وأذى الجار وقطيعة الرحم والسعي بين الناس بالنميمة وإطلاق البصر في العورات وغير ذلك من المحرَّمات التي يعرف الصغير والكبير أنها حرامٌ؟
هل تتوقَّف حتى يأتي عالمٌ لينصحَ زوجكَ بالصلاة؟ وهل تتوقَّف حتى تستفيَ عالمٌ في أمركَ ابنَكَ بإتقان واجباته المدرسية، أو حتَّى تُلفتَ نظر ابنتِك إلى تحرِّي اختيار صُويحباتها؟
كلُّها أمور - كما ترى - لا تحتاجُ إلى كلِّ هذا التهويل، وفي الوقتِ نفسه أنت أقدرُ الناس على أدائها بحكم مسئوليتكَ المباشرة عن أطرافها.
ولو أنعمتَ النظر لوجدتَ جُلَّ القضايا من هذه النوع.
إذًا؛ قد يُفتى وبالمدينةِ مالكٌ؛ لأنَّ مالكًا كان بِطرفٍ بعيدٍ منها، والفتوى لا تحتمل التأخير ولا التأجيل.
قد يُفتى ومالكٌ في المدينةِ لأنَّ الفتوى معلومةٌ لا التباسَ فيها، ولأنَّنا طالما سمعنا مالِكًا يُردِّدها من فوق منابر الوَعظِ في المساجدِ والساحاتِ والأنديةِ، فمتى نعقِلُ عن مالكٍ؟!
قد يفتى ومالكٌ في المدينةِ لأنَّ مالكًا لو شغل نفسه بهمِّ كلِّ كبيرٍ وصغيرٍ لما بقيَ منه شيءٌ لكُبريات المسائل، ولَـمَا كفى مدينَتَنا وحدها مليونُ مالكٍ!
وما زالت المرآةُ حاضرة معنا، بإرشاداتها نستأنسُ بها، فكثيرًا ما نكتفي بمِرآةٍ صغيرةٍ خفيفةِ المحمل للتأكد من تمام هندامنا، وقد نكتفي بواجهة محلٍّ أو مرآة سيَّارة أو سطحٍ معدنيٍّ مصقولٍ أو حتَّى ملء راحةِ يدٍ من ماءٍ صافٍ. وبحسابِ عدد المرَّات التي تحتاجُ فيها النظر لوجهكَ أو هندامكَ تجدُ معظمها ينقضي بأشياءَ بسيطةٍ أدَّت الفتوى ولم تنتظرْ المرآة الكبيرة التي تحتلُّ حائطًا كاملًا من غرفة النوم أو الحمَّام. وحتى في حضرة تلك المرآة الكبيرة قد تجدُ أنَّ الصغيرة تفي، لأنَّها تعلمُ أنَّه: قد يُفتَى ومالكٌ في المدينة.
أمَّا الطائفة الأخرى: فَهُمْ بعض الكُسالَى الذين وجدوا في تلك الشبهة مشجبًا يُعلِّقون عليه تقاعسهم وتهاونهم في أداء واجباتهم، فحريٌّ بهم أن يعلموا أنَّ الدين النصيحةُ
منقول د. محمود عبدالجليل روزن
صِنفٌ آخرُ ممَّن امتنعَ عن الاضطلاع بواجب النصيحةِ بحُجَّةِ أنَّه ليس عالِمًا، وأنَّ النصيحةَ والأمر والنهيَ إنَّما هي منوطةٌ بالعلماءِ.
وهذه الشبهةُ قد استحكمتْ في عقول طائفتين من المسلمين: أُولَاهما: أولئكَ المتورِّعون ورعًا كاذبًا لا محلَّ له من الإعرابِ، يقولون: حتى لا نفتح على أنفسنا باب التصدُّر الذي لسنا له أهلًا، وحتَّى لا نَفتح باب القول على الله بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منيرٍ.
ولهذه الطائفةِ نقول: إنَّ كثيرًا من القضايا التي تحتاجُ إلى أمرٍ أو نهيٍ؛ إنَّما هي من قبيل المعلومات من الدين بالضرورة لا تلتبس على مَنْ لديه أبجدياتُ المعرفة بالدين، فهل كلُّ شيءٍ يتطلَّبُ التوقُّف حتى يأتيَ عالمٌ محنَّكٌ ليُدلي فيه بدلوه؟
وهل تظنُّ أن قضايا التناصحِ حكرٌ على العلماء أو الملتزمين أو الأزهريين مثلًا؟!
نعم؛ نحن نسلِّم لكُم أنَّ هناكَ مسائلَ يجب التوقُّف فيها وإحالتُها إلى العلماء الراسخين ليقولوا فيها كلمتهم، ولكن على الجانب الآخر؛ فالكثرة الكاثرةُ من مسائل الأمر والنهي لا يتوقف فيها أحدٌ من المسلمين، فمَن ذا الذي يجهل فرضية الصلاة؟ فكيف لا يأمرُ أهله بها؟ ومَن ذا الذي يتوقَّفُ في حرمة الرِّشوة والكذب والغشِّ والتدليس وأذى الجار وقطيعة الرحم والسعي بين الناس بالنميمة وإطلاق البصر في العورات وغير ذلك من المحرَّمات التي يعرف الصغير والكبير أنها حرامٌ؟
هل تتوقَّف حتى يأتي عالمٌ لينصحَ زوجكَ بالصلاة؟ وهل تتوقَّف حتى تستفيَ عالمٌ في أمركَ ابنَكَ بإتقان واجباته المدرسية، أو حتَّى تُلفتَ نظر ابنتِك إلى تحرِّي اختيار صُويحباتها؟
كلُّها أمور - كما ترى - لا تحتاجُ إلى كلِّ هذا التهويل، وفي الوقتِ نفسه أنت أقدرُ الناس على أدائها بحكم مسئوليتكَ المباشرة عن أطرافها.
ولو أنعمتَ النظر لوجدتَ جُلَّ القضايا من هذه النوع.
إذًا؛ قد يُفتى وبالمدينةِ مالكٌ؛ لأنَّ مالكًا كان بِطرفٍ بعيدٍ منها، والفتوى لا تحتمل التأخير ولا التأجيل.
قد يُفتى ومالكٌ في المدينةِ لأنَّ الفتوى معلومةٌ لا التباسَ فيها، ولأنَّنا طالما سمعنا مالِكًا يُردِّدها من فوق منابر الوَعظِ في المساجدِ والساحاتِ والأنديةِ، فمتى نعقِلُ عن مالكٍ؟!
قد يفتى ومالكٌ في المدينةِ لأنَّ مالكًا لو شغل نفسه بهمِّ كلِّ كبيرٍ وصغيرٍ لما بقيَ منه شيءٌ لكُبريات المسائل، ولَـمَا كفى مدينَتَنا وحدها مليونُ مالكٍ!
وما زالت المرآةُ حاضرة معنا، بإرشاداتها نستأنسُ بها، فكثيرًا ما نكتفي بمِرآةٍ صغيرةٍ خفيفةِ المحمل للتأكد من تمام هندامنا، وقد نكتفي بواجهة محلٍّ أو مرآة سيَّارة أو سطحٍ معدنيٍّ مصقولٍ أو حتَّى ملء راحةِ يدٍ من ماءٍ صافٍ. وبحسابِ عدد المرَّات التي تحتاجُ فيها النظر لوجهكَ أو هندامكَ تجدُ معظمها ينقضي بأشياءَ بسيطةٍ أدَّت الفتوى ولم تنتظرْ المرآة الكبيرة التي تحتلُّ حائطًا كاملًا من غرفة النوم أو الحمَّام. وحتى في حضرة تلك المرآة الكبيرة قد تجدُ أنَّ الصغيرة تفي، لأنَّها تعلمُ أنَّه: قد يُفتَى ومالكٌ في المدينة.
أمَّا الطائفة الأخرى: فَهُمْ بعض الكُسالَى الذين وجدوا في تلك الشبهة مشجبًا يُعلِّقون عليه تقاعسهم وتهاونهم في أداء واجباتهم، فحريٌّ بهم أن يعلموا أنَّ الدين النصيحةُ
منقول د. محمود عبدالجليل روزن