(قد أفلح من زكاها)
عبدالله محمد الطوالة
الحمدُ للهِ، {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}، القائمِ بأرزاق خلْقهِ، فما لأحدٍ مِنهُم عنهُ غِنًى، الخلائقُ كُلُّهم فُقراءُ إليهِ، ولهُ سبحانهُ وحدَهُ مُطلَقُ الغِنى، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، بنى السَبعَ الشِدَادَ فأحْكمَ ما بنى، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}..
وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، دعا إلى الله وجاهدَ في سبيله، فما ضَعُفَ وما اسْتَكانَ وما وَنَى، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابهِ الأخيارِ الأطهارِ الأُمَناء، والتابعينَ ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا...
أمّا بعدُ: فأوصِيكُم أيّها النَّاسُ ونفسِي بتقوى اللهِ عزّ وجلَّ، فاتَّقوا اللهَ رَحمكُم اللهُ.. فمن أرادَ محبةَ اللهِ، فاللهُ يحبُ المتقينَ، ومن أحبَّ أن يكونَ اللهُ وليَّهُ، فاللهُ وليُّ المتقينَ، ومن أرادَ معيَّةَ اللهِ، فاللهُ مع المتقينَ، ومن أرادَ كرامةَ اللهِ، فأكرمُ النَّاسِ عندَ اللهِ أتقاهُم، ومن أرادَ فوزَ الآخرةِ، فالآخرةُ عندَ ربِّكَ للمتقين، ومن أرادَ قبولَ أعمالهِ، فإنَّما يتقبلُ اللهُ من المتقينَ، فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}..
معاشر المؤمنين الكرام: تزكية النفس مقامٌ شريف، ومطلبٌ عليّ؛ والمتأملُ في كتاب اللهِ الكريم: يرى أن أطولَ قسمٍ في القرآن الكريم هو ذلك القسمُ الذي جاء في مطلع سورةِ الشمس: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، هذه الأقسامُ الأحدَ عشر، جوابها جوابٌ واحد: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، هذا الجوابُ يتمثلُ في الغاية الكبرى التي خلقَ الله الإنسانَ من أجلها، وهيَ عبادةُ اللهِ وتوحيده، فالفوزُ والفلاحُ لمن حققَ هذه الغاية، فزكَّى نفسهُ بالإيمان والطاعة، وطهَّرها من الآثام والرذائل.. والخيبةُ والخسرانُ لمن قصّرَ في تحقيق هذه الغايةِ، وأهلك نفسهُ ودساها بالكفر والمعصية.. ففوز الدنيا والآخرة بالتزكية، (قد أفلح من تزكى)، وبالتزكية تتحقّقُ التّقوى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، وفي الآية الأخرى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}.. ولقد امتنّ اللهُ على عباده فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.. وفي صحيح مُسلم أنَّ النبيَّ ﷺ كان يقول في دعاءه: "اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها".. قال الإمام الغزالي: (جوهَر عمليَّة التزكية: الارتقاء بالنَّفس درجةً درجة؛ من السيِّئ إلى الحسَن، ثمَّ ترقِّيها في مراتب الحُسنِ والصَّفاء حتى تبلغَ أعلى المستويات الإنسانيَّةِ وأسماها).. فلا بدَّ إذن من التدرُّج في التزكية؛ كما يُعطى المريضُ دواءهُ شيئاً فشيئًا، لتتحسن صحتهُ شيئاً فشيئًا، فلو أعطي الدَّواءَ دفعة واحدة لما تحمله، فهكذا التزكية، يَرتقي بها المسلم في سلَّم الفضائل خطوةً بعد خطوة؛ كلَّما ارتقى درجةً حافظَ عليها حتى يتعودَ عليها وتصيرَ ديدنَه، ثم يرتقي للتي تليها؛ وفضلُ الله لا يتناها.. في صحيح البخاري: "أيُّها النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا، وإنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ "..
إذا علم هذا يا عباد الله: فإنَّ تزكيةَ النُّفوسِ تتحقَّقُ بأمورٍ كثيرة، أهمِها التوحيدُ والإخلاص: فهو الأصلُ والأساس، وعليه مدارُ القبولِ والرد؛ فلا يُقبلُ من العملِ إلَّا ما كان خالصًا لله، والإخلاصُ من الخلوصُ وهو نقاءُ الشيءِ وصفاءهُ من الشوائب والكُدَر.. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}..
ومن أهمّ أسبابِ تزكيةِ النفس: المتابعةُ وموافقةُ السنة، فهذا هو الشرطُ الثاني لقبول الأعمالِ بعد الإخلاص، في الحديث الصحيح، قال ﷺ: " مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ"..
ومن أهم أسباب تزكية النفوس، أداء الفرائضُ على الوجه المطلوب: قال الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ".. وتأمل كيفَ قرَن اللهُ تعالى بين الصلاةِ والتَّزكية بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}.. وقال الله في شأن الزكاة والصدقة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.. وقال جلّ وعلا في شأن الصومِ وأنه من أعظم أسباب تزكية النفوس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. وأما الحج فقد قال المصطفى ﷺ عنه: "مَن حجَّ لله فلم يرفُث ولم يفسُق، رجعَ كيوم ولدته أمُّه"..
ومن أعظم أسباب تزكية النفس: المحاسبة: قال الإمام ابن القيم: (فإنَّ زكاة النَّفس وطهارتها موقوفٌ على مُحاسبتها؛ فلا تَزكو ولا تطهُر ولا تصلحُ البتة إلَّا بمحاسبتها، فبمُحاسبتها يطَّلِعُ على عيوبها ونقائصِها، ومن ثمّ يمكنهُ السَّعيَ في إصلاحها).. ثمّ إنّ المحاسبةَ لن تؤتيَ ثمارَها إلا بالصِّدق مع النَّفس، والتوبةِ الصادقة، والعزمِ على تطهير النَّفسِ مما يَشوبها ويدنسها، فالتخليةُ قبل التحلية..
ومن أعظم أسباب التزكية: المجاهدة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}..
كما أنّ من أسباب التزكية المهمّة: الدعاء والتضرُّع، ففي محكم التنزيل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}، وكان من دعاء نبيِّنا ﷺ كما في صحيح مسلم: "اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها"..
ومن الأسباب: تذكُّر الموت والتفكُّرُ في حقيقة الدنيا، وأن متاعها حقيرٌ قليل، وأنَّها مهما طالت فهي إلى زوالٍ، فمَن جعل هذه المعاني نُصْبَ عينيه هانت عليه الدنيا، وعمِلَ على التزوُّد منها بما ينفعه في الآخرة، ويبلغهُ رِضا ربِّه جلّ وعلا..
ومن أسباب تزكيةِ النفس: كثرةُ الذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.. وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. فذِكر الله حياةُ القلوب وزكاتها، وصلاحها وطمأنينتها، وأفضلُ الذِكرٍ تلاوة القرآن الكريم وتدبُّره، وفهْمُ معانيه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين}..
ومن الأسباب المهمة لتزكية النفس: معرفة مداخل الشيطان: فذلك مما يعين بفضل الله على السلامة من مكائده، وسدِّ المَنافذ التي يتسلل منها إلى القلوب فيفسدها ويدسيها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}..
كما أنّ كلّ عملٍ صالحٍ يحبه الله عزَّ وجلّ ويرضاه، فهو لا شك ممَّا تَزكو به النَّفس؛ وتصلح به الأحوال، كطلَب العلم الشَّرعي، والصُّحبةِ الصَّالحة، والتفكُّرَ في مخلوقات الله وبديعِ صنعه، ومساعدة المحتاجين وقضاءِ حوائج المسلمين..
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور}.. أقول ما تسمعون...
.
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}..
معاشر المؤمنين الكرام: جاء في صحيحِ البخاري قال ﷺ: "أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قلَّ"، وقال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «يَـا أَيُّهَا النَّاسُ، خُـذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ».. وفي الحديث الصحيحِ أن النبي ﷺ قال: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ».. وحيث أنّ النّفسَ بطبيعتِها مَلولَةٌ مُتقلِّبهٌ، فهي تحتاجُ إلى تمرينٍ ومُسايسةٌ، إلى أن تألفَ الأعمالَ وتتعوَّدَ عليها، وهذه هي المجاهدةٌ التي ذكرها اللهُ تعالى في كتابهِ بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.. وتأمَّل في كلمةِ (سُبُلنَا)، لتعلمَ أنَّ طُرقَ الخيرِ كثيرةٌ ومُتنوعةٌ، وأنها كُلها تُوصِلُ بإذن اللهِ إلى مَرضاةِ الله، ليختارَ الانسانُ منها ما يُناسِبهُ وما تميل إليه نفسه، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}.. وما من طاعةٍ من الطاعات يداوم عليها المسلمُ فترةً من الوقت، إلا ويَألفَها ويَتعوَّدَ عليها ومن ثمَّ فإنه بفضل الله لا يتَرُكَها أبداً.. صَلواتُ التَّطوعِ والنَّوافِلِ, كصَلاةِ الضُحى والوترِ والسُننِ الرواتِبِ كُلِّها, مما يمكنُ التَّعودَ عليهِ، التبكيرُ إلى المسجدِ وطولُ المكثِ فيهِ، الخشوعُ في الصلاةِ، المحافظةُ على الأذكارِ بأنواعِها، وكَثرةُ الحمدِ والشُّكرِ والتسبِيحُ والاستغفار، كُلُّها أمور سهلة يمكنُ لكُلِّ من أرادَ أنْ يتَعوَّدَ عليها.. صِيامُ الأثنينِ والخميسِ والأيامُ البيضُ.. المحافظةُ على وردٍ مُعينٍ من القرآنِ الكريمِ.. تَخصِيصُ مِقدارٍ مُعينٍ من الصدقةِ يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً.. برُّ الوالدينٍ وصلةُ الأرحامِ وزيارةُ الأحبابِ ومواصلتُهم في اللِه, كُلُّها عاداتٌ ميسورة يمكنُ لأيٍّ مِناَّ أنْ يألَفهَا ويُدَاوِمَ عليها.. إدخالُ السُّرورِ على أخيكَ المسلِمِ، قضاءُ الحاجاتِ, وتَفريجُ الكُرباتِ جميعها أمورٌ سهلةٌ يمكنُ أنْ يتعوَّدَ عليها أيُ مُسلِمٍ.. ترويض النفسِ على كظمِ الغيظِ، وعلى الردِّ بالتي هي أحسن عادةٌ، بل هي والله من أجملِ العاداتِ، فإنَّما الحُلُم بالتحلُّم وإنَّما الِعلمُ بالتعلُّم.. رِقةُ الطبعِ وطَهارَةُ القلبِ وسَلامَةُ الصدرِ عَادة جميلة يمكنُ لأيِّ إنسانٍ أن يُدرَّبَ نفسهُ عَليها، جاءَ في بعض الآثار: "عوِّدوا قُلُوبَكم الرِّقةَ".. الابتسامَةُ المشرِقَةُ، والوجهُ الصبوحُ والكلمةُ الطيبةُ، والمنطِقَ الجميلُ كُلُّ ذلك عاداتٌ رائعة يَستطِيعُ الجميعُ أن يمتِلكُوها.. جاءَ في الأثرِ أنَّ كلباً تعرضَ لعيسى عليهِ السلامُ وهو في طريقهِ فقال: اذهب عَافاكَ اللهُ، فقيلَ لهُ: أهكذا تخاطِبُ الكلب؟ فقال: لسانٌ عودتهُ الخيرَ فتعودَ.. نظافةُ البدَنِ وحُسنُ المظهرِ وجَمالُ الرائِحةِ عَاداتٌ جميلةٌ يُحبُها اللهُ فاللهُ جميلٌ يحبُّ الجمالَ.. إتقانُ العَملِ والانضبَاطُ والجدِّيةِ واحترامُ النظامِ, عاداتٌ حضاريةٌ يمكنُ للجميعَ أنَّ يتحلَّى بِها .. وفي الحديث الحسنِ: «إنَّ اللهَ يحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عَملاً أن يُتقِنَهُ».. تَرشِيدُ الانفَاقُ في المالِ والكهرباءِ والماءِ وبَقِيةُ أمورِ الحياةِ كُلِّهَا عاداتٌ طيبةٌ مَيسورةٌ للجميع، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.. والخلاصةُ يا عبادَ اللهِ: أنَّ النَّفسَ إذا اعتادت على شيءٍ وألفتهُ سَهُلَ عليها القيامَ بهِ، ومن ثم يَصعُبُ عليها تَركَهُ والتَّخلِي عنهُ، واسألوا إن شِئتُم الثَابِتينَ على طَاعاتِهم سَنواتٍ طويلةٍ.. ما الذي يَجدُونَهُ من الرَّاحةِ واللذَّةِ، وكيفَ أنَّ هذه الأعمالَ التَّعبدِيةِ الكبيرةِ والشَّاقَةِ في نَظرِ الكثيرينَ صارت عِندَهُم سَهلةً يَسيرةً، مِصدَاقُ ذلك في كتاب اللهِ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}..
فيا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..
اللهم صلى على محمد ...