قُدَّوَةُ الدُّعَاةِ فَي القَرْنِ الثَّانِي عَشَر 8 جماد أولى 1436 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1436/05/06 - 2015/02/25 17:30PM
قُدَّوَةُ الدُّعَاةِ فَي القَرْنِ الثَّانِي عَشَر 8 جماد أولى 1436 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا بِالإِيمَانِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَجَعَلَ سِيَرَ الأَوَّلِينَ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَفْهَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَشْفِي الْقُلُوبَ مِنْ لَظَى الأَوَام، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَاًة دَائِمَةً بِبَقَاءِ اللَّيَالِي الأَيَّام .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَطْلَعِ الْقَرْنِ الثَّانِي عَشَرَ الْهِجْرِيِّ قَدِ ارْتَكَسُوا فِي الشِّرْكِ وَارْتَدُّوا إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَانْطَفَأَ فِي نُفُوسِهِمْ نُورُ الْهُدَى ، لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ وَاسْتِعْلَاءِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالِ عَلَيْهِمْ ، فَنَبَذُوا كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاتَّبَعُوا مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنَ الضَّلَالِ ، فَعَدَلُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ فِي النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَيَسْتَعِينُونَهُمْ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَات ، وَعَبَدُوا الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ وَعَكَفُوا عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِين ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى هَذَا رَدْحَاً مِنَ الزَّمَنِ ، حَتَى قَيَّضَ اللهُ لَهُمْ عَالِمَاً أَنَارَ اللهُ بِهِ الطَّريِق َ، وَأَزَالَ اللهُ بِهِ الْبِدَعَ وَالْخُرَافَات ، وَالشِّرْكَ وَالضَّلَالات .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّهُ الشَّيْخُ الْمُجَدِّدُ مُـحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ ، وُلِدَ سَنَةَ 1115 هـ فِي بَلْدَةِ الْعُيَيْنَةَ الْوَاقِعَةَ شَمَالَ الرِّيَاضِ ، وَنَشَأَ فِي حِجْر أَبِيهِ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلامَاتُ النَّجَابَةِ وَالْفِطْنَةِ فِي صِغَرِهِ ، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَبْلَ بُلُوغِ الْعَاشِرَةِ وَبَلَغَ الاحْتِلَامِ قَبْلَ إِتْمَامِ الاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، قَالَ أَبُوهُ : رَأَيْتُهُ أَهْلاً لِلصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ ، وَزَوَّجْتُهُ فِي ذَلِكَ الْعَام .
دَرَسَ عَلَى وَالِدِه الْفِقْهَ الْحَنْبَلِيَّ وَالتَّفْسِيرَ وَالحْدِيثَ ، وَكَانَ فِي صِغَرِه مُكِبَّاً عَلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْعَقَائِدِ ، وَكَانَ كَثِيرَ الاعْتِنَاءِ بِكُتُبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ القَيِّم رَحِمَهُمَا اللهُ .
رَحَلَ إِلَى مَكَّةَ قَاصِداً حَجَّ بَيْتِ الله الْحَرَامِ، ثُمَّ زَارَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَالْتَقَى هُنَاكَ بِعُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَاسْتَفَادَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَأَقَامَ فِيهَا مُدَّةً دَرَسَ الْعِلْمَ فِيهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَجْدٍ مُرُورَاً بِالأَحْسَاءِ ، وَفِي رِحْلَتِهِ الطَّوِيلَةِ هَذِه رَأَى بِثَاقِبِ نَظَرِهِ مَا بِنَجْدٍ وَالْأَقْطَارِ التِي زَارَهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ وَالْعَادَاتِ الْفَاسِدَةِ ، فَصَمَّمَ عَلَى الْقِيَامِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَنَبْذِ الْخُرَافَاتِ والشِّركِيات .
وَكَانَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَمَا زَارَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ كَانَ يَسْمَعُ الاسْتِغَاثَاتِ الشِّرْكِيَّةَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدُعَاءَهُ مِنْ دُونِ اللهِ .
وَقَدْ كَانَتْ نَجْدُ مَرْتَعَاً لِلْخُرَافَاتِ وَالْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ التِي تَتَنَاقَضُ وَأُصُولَ الدِّينِ الصَّحِيحَةِ ، فَقَدْ كَانَ فِيهَا قُبُورٌ تُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، يَحُجُّ النَّاسُ إِلَيْهَا ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهَا حَاجَاتِهِمْ، وَيَسْتَغِيثُونَ بِهَا لِدَفْع ِكُرُوبِهِمْ .
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ تَوَسُّلُهُمْ فِي بَلْدَةِ مَنْفَوحَة بِفَحْلِ النَّخْلِ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ مَنْ تَأْتِيهِ مِنَ الْعَوَانِسِ تَتَزَوَّج !! فَكَانَتْ مَنْ تَقْصِدُهُ تَقُولُ : يَا فَحْلَ الْفُحُولِ أُريدُ زَوْجًا قَبْلَ الْـحَول !!
وَقَدِ ابْتَدَأَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ دَعْوَتَهُ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لا يُدْعَى إِلَّا اللهُ ، وَلا يُذْبَحُ وَلا يُنْذَرُ إِلَّا لَهُ ، وَلا يُسْتَغَاثُ إِلَّا بِاللهِ ، وَلا يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ إِلَّا اللهُ . وَعَزَّزَ كَلامَهُ بِالآيَاتِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَأَقْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَفْعَالِهِ ، وَسِيرَةِ أَصْحَابِهِ رِضْوُانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَمَعَ أَنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ بَدَأَ دَعْوَتَهُ بِلِينٍ وَرِفْقٍ فِي بَلْدَتِهِ الْعُيَيْنَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَقِيَ مُعَارَضَةً شَدِيدَةً مِنْ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ وَكَثُرَ أَعْدَاؤُهُ لاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَكَانَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ قَدِ ابْتَدَأَ دَعْوَتَهُ فِي بَلْدَةِ حُرَيْـمِلاءَ حَيْثُ كَانَ يُقِيمُ أَبُوهُ الذِي تُوُفِّيَ سَنَةَ (1153) وَلَكِنْ لَمَّا رَأَى أَهْلُ الضَّلَالِ أَنَّ الشَّيْخَ قَدْ أَعْلَنَ دَعْوَتَهُ وَاشْتَدَّ إِنْكَارَهُ لِمَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَاجْتَمَعَ حَوْلَهُ طُلَّابُ الْعِلْمِ مِنْ أَقْطَارِ نَجْدٍ ، لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى مَنَاصِبِهِمْ التِي كَانُوا أَحْرَزُوهَا بِرِعَايَةِ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَاتِ ، قَامُوا بِإِيذَائِهِ وَتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَأَغْرَوْا بِهِ بَعْضَ الْفُسَّاقِ حَتَّى هَمُّوا بِقَتْلِه فِي إِحْدَى اللَّيَالِي وَلَكِنَّ اللهُ حَمَاهُ مِنْهُمْ ، فَرَجَعَ إِلَى الْعُيَيْنَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَكَانَ أَمِيرُهَا عُثْمَانَ بْنَ مَعْمَّرٍ فَأَكْرَمَ الشَّيْخَ وَنَاصَرَهُ وَقَامَ مَعَهُ وَأَعَانَهُ ، وَحَصَلَ خَيْرٌ كَثِيرٌ مِنْ نَشْرٍ لِلسُّنَّةِ وَالتَّوْحِيدِ وَإِزَالَةٍ لِمَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ .
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الشَّرِّ عَادُوا مَرَّةً ثَانِيَةً وَحَرَّضُوا عَلَى الشَّيْخِ أَمِيرَ الأَحْسَاءِ حِينَذَاكَ وَكَانَ قَوِيَّاً شِرِّيرَاً ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَعْمَّرٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ الشَّيْخِ أَوْ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْعُيَيْنَةِ ، فَخَافَهُ ابْنُ مَعْمَّرٍ وَأَخْبَرَ الشَّيْخَ بِكِتَابِ أَمِيرِ الأَحْسَاءِ وَأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ، فَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ إِلَّا أَنْ خَرَجَ إِلَى الدِّرْعِيَّةِ وَكَانَتْ مَقَرَّ أُسْرَةِ آلِ سُعُود.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنْ هُنَا ابْتَدَأَتْ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ فِي حَيَاةِ الشَّيْخِ ، وَقَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ نَاصَرَهُ وَوَقَفَ مَعَهُ .
لَمَّا وَصَلَ الشَّيْخُ إِلَى الدِّرْعِيَّةِ قَصَدَ تِلْمِيذًا لَهُ كَانَ قَدْ دَرَسَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ فِي حُرَيْمَلاء اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيلِمْ الْعَرِينِي فَنَزَلَ عِنْدَهُ بَعْضَ الْوَقْتِ ، فَتَسَامَعَ وُجُهَاءُ الدِّرْعِيَّةِ بِالشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ فَقَابَلُوهُ وَعَرَفُوهُ ، وَلَمَّا اطَّلَعُوا عَلَى دَعْوَتِهِ أَرَادُوا أَنْ يُشِيرُوا عَلَى الأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ بِنُصْرَتِهِ فَهَابُوهُ ، فَأَتَوْا إِلَى زَوْجَتِهِ وَكَانَتْ امْرَأَةً صَالِحَةً عَاقِلَةً وَأَتَوْا أَخَاهُ ثِنِيَّانَ بْنَ سُعُودٍ فَأَخْبَرُوهُمَا بِمَكَانِ الشَّيْخِ وَوَصَفُوا لَهُمَا مَا كَانَ الشَّيْخُ يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فَاتَّبَعَا دَعْوَةَ الشَّيْخِ وَقَرَّرَا نُصْرَتَهُ .
فَلَمَّا دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أَخْبَرَتْهُ بِمَكَانِ الشَّيْخِ وَقَالَتْ لَهُ : هَذَا الرَّجُلُ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ وَهُوَ غَنِيمَةٌ فَاغْتَنِمْ مَا خَصَّكَ اللهُ بِهِ ، فَأَعْجَبَهُ قَوْلُهَا ، ثُمَّ دَخَلَ كَذَلِكَ عَلَى أَخِيِه ثِنِيَّانَ وَأَخِيهِمَا مِشَارِي فَأَشَارَا عَلَيْهِ بِمُسَاعَدَتِهِ وَنُصْرَتِهِ فَقَبِلَ كَلامَهُم ، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَى الشَّيْخِ لِيَأْتِيَ فَقَالُوا لَهُ : لا ، بَلْ سِرْ أَنْتَ إِلَيْهِ بِنَفْسِكَ فِي مَكَانِهِ وَأَظْهِرْ تَعْظِيمَهُ وَالاحْتِفَاءَ بِهِ !
فَذَهَبَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ إِلَى مَكَانِ الشَّيْخِ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَبْدَى غَايَةَ الْإِكْرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِمَّا يَمْنَعُ بِهِ نِسَاءَهُ وَأَوْلادَهُ , وَقَالَ لَهُ : أَبْشِرْ بِبِلَادٍ خَيْرٍ مِنْ بِلَادِكَ وَأَبْشِرْ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنَعَةِ ! فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : وَأَنَا أُبَشِّرُكَ بِالْعِزَّةِ وَالتَّمْكِينِ ، وَهَذِهِ كَلِمَةُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا وَنَصَرَهَا مَلَكَ بِهَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ , وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَأَوَّلُ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ ، وَأَنْتَ تَرَى نَجْدَاً وَأَقْطَارَهَا أَطْبَقَتْ عَلَى الشِّرْكِ وَالْجَهْلِ وَالْفُرْقَةِ وَقِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضَاً فَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ إِمَامَاً يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ .
وَهَكَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ابْتَدَأَتْ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ حَيَاةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ رَحِمَهُمَا اللهُ ، بَلْ صَفْحَةً جَدِيدَةً لِلْجَزِيرَةِ وَالْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ الذِي رَحِمَهُ اللهُ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ التِي جَدَّدَ اللهُ بِهَا مَا انْدَرَسَ مِنَ الدِّينِ ، وَللهِ الْمِنَّةُ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ فِي سِيرَةِ الشَّيْخِ مُحّمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ عِبْرَةً لِلدُّعَاةِ إِلَى اللهِ , حَيْثُ إِنَّهُ اعْتَنَى كَثِيراً بِجَانِبَيْنِ فِي رَدِّ النَّاسِ إِلَى اللهِ , هُمَا : تَعْلِيمُ العِلْمِ وَتَصْحِيحِ عَقَائِدِ النَّاسِ .
وَفِي هَذِهِ الْحِقْبَةِ مِنَ الزَّمَنِ قَلَّتْ الْمَشَاكِلُ فِي مُجْتَمَعِ الْجَزِيرَةِ ، فَانْعَدَمَتِ السَّرِقَاتُ وَشُرْبُ الْخُمُورِ ، وَأَصْبَحَتِ الطُّرُقُ أَكْثَرَ أَمْنَاً وَأَمَانَاً , وهذا بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بهَذِهِ الدَّعْوَةِ التِي سَارَتْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ , وَسَانَدَهَا وُلَاةُ أَمْرِ مُخْلِصِينَ مِنْ أُسْرَةِ آلِ سُعُودٍ , وَلَا زَالُوا عَلَى كَذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا بِفَضْلِ اللهِ وِمِنَّتِه .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَمَّا اسْتَقَرَّ الأَمْرُ بَيْنَ الأَمِيرِ وَالشَّيْخِ اشْتَرَطَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ عَلَى الشَّيْخِ شَرْطَيْنِ (الأَوَّلُ) أَنْ لا يَرْجِعَ عَنْهُ إِنْ نَصَرَهُمُ اللهُ وَمَكَّنَهُمْ (وَالثَّانِي) أَنْ لا يَمْنَعَ الأَمِيرَ مِنَ الْخَرَاجِ الذِي ضَرَبَهُ عَلَى أَهْلِ الدِّرْعِيَة وَقْتَ الثِّمَارِ .
فَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ : أَمَّا الأَوَّلُ فَالدَّمُ بِالدَّمِ وَالْهَدْمُ بِالْهَدْمِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَعَلَّ اللهَ يَفْتَحُ عَلَيْكَ الْفُتُوحَاتِ وَتَنَالُ مِنَ الْغَنَائِمِ مَا يُغْنِيكَ عَنِ الْخَرَاجِ . فَوَافَقَ الأَمِيرُ رَحِمَهُ اللهُ فَاسْتَقَرَّ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ وَبَدَأَ دَعْوَتَهُ مِنْ جَدِيدٍ ، وَتَوَافَدَ عَلَيْهِ طُلَّابُ الْعِلْمِ مِنْ كُلِّ مَكَانَ وَفَتَحَ الْحِلَقَ وَانْتَشَرَتْ دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ فِي أَرْجَاءِ الْجَزِيرَةِ ، وَحَصَلَتْ مُعَارَضَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ لِصَدِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَأَهْلِهَا كَعَادَةِ الْمُبْطِلِينَ ، وَقَامَتْ مَعَارَكُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِمْ كَانَ النَّصْرُ حَلِيفَاً لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ ، حَتَّى عَمَّتِ الدَّعْوَةُ الْجَزِيرَةَ الْعَرَبِيَّةَ بَلْ وَتَعَدَّتْهَا إِلَى أَقْطَارٍ كَثِيرَةٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ تَفَرَّغَ لِلْعِلْمِ وَالتَّأْلِيفِ وَتَدْرِيسِ الطُّلَّابِ ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ رَحِمَهُ اللهُ ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنَهُ سُعُودٌ الذِي كَانَ أَحَدَ تَلامِيذِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ , فَسَارَ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِيهِ وَاسْتَمَرَّ الْخَيْرُ وَالْعِلْمُ وَانْتِشَارُ السُّنَّةِ وَانْقِمَاعُ الْبِدْعَةِ . وَفِي عَامِ 1206 هـ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْعُيَيْنَة ، بَعْدَ أَنْ أَلَمَّ بِهِ مَرَضٌ كَانَتْ وَفَاتُهُ مِنْهُ ، وَكَانَ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ نَحْوَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَتُوِفِّيَ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَالاً يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ مُتَقَلِّلَاً مِنَ الدُّنْيَا زَاهِدَاً مُتَعَفِّفَاً مُقْبِلاً عَلَى الآخِرَةِ ، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ قَائِمَاً يَتَهَجَّدُ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَرَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ فِي عِلِّيِّيـْنَ . وأَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّه وَكَرَمِهِ أَنْ يَرْزُقَنَا خَشْيَتَهُ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ الذِي يُرْضِيهِ عَنَّا ! اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَميعِ سَخَطِكَ ! رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ! وَصَلِّ اللهمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات

قُدَّوَةُ الدُّعَاةِ فَي القَرْنِ الثَّانِي عَشَر 10 ذِي القِعْدَةِ 1435 هـ.doc

قُدَّوَةُ الدُّعَاةِ فَي القَرْنِ الثَّانِي عَشَر 10 ذِي القِعْدَةِ 1435 هـ.doc

المشاهدات 2792 | التعليقات 2

السلام عليكم : حدث خطأ غير مقصود في تاريخ الخطبة , والصحيح أنه 8 جماد أولى 1436 هـ


جزاك الله خيرا