قتل الناشط الإيطالي في ميزان الإسلام

عبدالله يعقوب
1432/05/24 - 2011/04/28 15:34PM
الحمد لله الذي أنزل الميزان ليقوم الناس بالقسط.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).
وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وخيرتُه من خلقه وخليلُه. بُعث بالحنيفية السمحة.. وتركنا عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ. أمره ربه بالعدل فقال: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى...
أيها المؤمنون بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً.. هنيئاً لكم هذا الدين.. الذي أنتم به مؤمنون.
وهنيئاً لكم هذا الأمن.. الذي تلامسون، والسكينةَ التي تنعمون، ووحدةَ الصف واجتماعَ الكلمة التي تعايشون.
وشكرُ هذه النعمة.. إنما يكون.. بتوحيد العبادة لله، والاعتصامِ بحبل الله جميعاً، وعدمِ التفرق، وتركِ منازعة الأمر أهله.
فأمةُ الإسلامِ اليوم.. كما ترون وتشاهدون.. تعيشُ جراحات ونكبات، وفرقةً وشتات، وبعداً عن الهوية الإسلامية، وانجرافاً إلى الدعوات والنعرات الجاهلية.. وقانا الله شرها.. وكفانا أهلها.
أيها الناس... لقد جاء في محكم التنزيل أوامرُ ونواهٍ، وتوجيهات ووصايا، يجب على المسلم أن يعمل بها، وأن يجعلها نصب عينيه، وهدفاً ومقصداً له، لا يحيد عنها، ولا يتنازل عن شيء منها. ومن تلكم الوصايا الكريمة.. الوصيةُ بالعدل.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
إن العدل – عباد الله - مطلب لكل مسلم، بل مطلب لكل عاقل، بل مطل لكل إنسان، بل هو مطلب كل مخلوق.
بالعدل وصف الله تعالى نفسه الكريمة فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وقال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).
وبالعدل.. أمر اللهُ عباده المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).
وبالعدل أمر أنبياءه الكرام، فقال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وبالعدل.. أمر أنبياءُ اللهِ أقوامَهم.. قال شعيب عليه السلام: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
وخير من قام بالعدل وأمر به.. رسولُنا ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم. تجد ذلك في مواقف كثيرة من سيرته وسنته. ومن أبرز مواقف العدل في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم.. موقفه يوم بدر مع مجموعة من المشركين الذين ناصروا قضيته العادلةَ في مكة، ووقفوا في صف المسلمين ضد الظلم الذي وقع عليهم في شأن المقاطعة في شعب أبي طالب، ثم أخرجوا كرهاً للقتال.. فأمر عليه الصلاة والسلام بترك مقاتلتهم وعدم التعرض لهم..
روى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم.. قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا). لقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الرجلين حسن صنيعهما مع المسلمين. فكان هذا النداء قبل المعركة بالكف عنهما حفظاً لمعروفهما معه ومع المسلمين.
إن هذا العدل والإنصاف والوفاء شعارٌ يجب أن يتحلى به كلُ مسلم. مع كل إنسان مسلمٍ أو غير مسلم.
وإنما نقول هذا أيها المسلمون.. لأن وكالات الأنباء تناقلت خبرَ رجل من نشطاء السلام والداعين له في غزة في فلسطين.
كان هذا الرجل وهو إيطالي الجنسية واسمه (فيكتور أريغوني) ممن يحمل المؤن الغذائية إلى غزة. وينصر قضيةَ أهلنا في غزة في المحافل الدولية. وينكر على الصهيونية أفعالها الخبيثة ضد المسلمين. يفعل هذا كله، وهو غير مسلم بل نصراني... فكان حق هذا الرجل أن يعرف له هذا الفضل، وتحفظ له هذه المكرمة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما تقدم ذكره..
ولكن وبكل أسف.. تعرض هذا الرجل لاغتيال غادر على يد بعض المجرمين، الذين نبرأ إلى الله من فعلهم.. ونعده خطأ شرعياً ومنكراً لا يجوز فعله ألبتة. ومهما كان الفاعل.. ومهما كانت مسوغاته.. فقد تعدى على الأمن.. وارتكب جرماً شنيعاً رفضه عقلاء العالم.
لقد جهل ذلك الفاعل.. المنهجَ الشرعي في التعامل مع الكافر غير المحارب.. وجهل قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). وجهل قولَ النبي صلى الله عليه و سلم : (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). أخرجه البخاري.
وهذا التصرف يشبه تلك الممارسات العدوانية التي اقترفتها بعض الجماعات المنحرفة في بلادنا قبل سنوات حين اعتدوا على بعض المستأمنين والمعاهدين من غير المسلمين. وغدروا بهم وقتلوهم بحجة الجهاد في سبيل الله. وبحجة إخراج المسلمين من جزيرة العرب.
أيها المسلمون.. في غزوة بدر.. وبعد أن جُمع الأسارى وعددهم سبعون، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ). أخرجه البخاري.
يقول هذا اعترافاً بفضل المطعم ونصرته له، حين أجار النبيَ الكريمَ لما رجع من الطائف وخشي على نفسه، فبعث إلى المطعمِ بن عدي فقبل أن يجيره، وخرج مع بنيه ومواليه في السلاح، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة، وطاف بالبيت سبعاً، ثم دخل بيته عليه الصلاة والسلام.
فحفظ له النبيُ صلى الله عليه وسلم هذا المعروف، وقال فيه هذه الكلمة العظيمة مع أنه رجل مشرك.
فالواجب علينا أيها المسلمون.. أن نتأسى بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم.. سِلماً وحرباً.. قولاً وفعلاً. وأن نُحكِّم الشريعةَ الغراء في عواطفنا وأفعالنا.. وان يكون هدفنا رفع راية التوحيد، وأن يكون الدين كله لله.. لا للأهواء والعصبيات والحزبيات.
وفق الله الجمع لمرضاته.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فتوبوا إليه واستغفروه

الخطبة الثانية...
أيها المسلمون... إذا كان قتل المعاهد والمستأمن وهم غير مسلمين، فيه ما فيه من الوعيد.. فكيف بقتل المسلم !
فكيف بمن يقلب البلاد رأساً على عقب.. ليقتل في مجازر وحشية فئاماً من البشر... يضربهم بالرصاص الحي.. ويسلط عليهم العصابات المسلحة.. أو الكتائب العسكرية..
يلتفت العالم هذه الأيام ليرى المأساة في سوريا وليبيا.. عندما تراق الدماء المعصومة وتهدر الكرامة الإنسانية المحفوظة.. على أيدي رجال النظام من المجندين ومن المتشبهين بالمدنيين.
تراق هذه الدماء الزكية المسالمة دون ذنب ولا جريرة إلا أنهم يطالبون بحقوقهم وكرامتهم وحريتهم، دون أن يُشهروا سلاحاً أو يُطلقوا رصاصاً..
فبأي حق يقتلون؟ وبأي سبب تستباح دمائهم؟ ويطلق الرصاص الحي عليهم؟
نتمعر كثيراً ونحن نرى المجازر الدامية، والجراحات النازفة، بغير حق ولا ذنب يبيح قتلهم على أيدي إخوانهم المسلمين من العسكريين، فهل رخصت الدماء إلى هذا الحد عند هؤلاء؟

ألم يعلموا بالتهديد والوعيد لمن يقتل مؤمنًا متعمدًا؟
يقول الله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان
وأن يولي عليهم خيارهم..
وان يحقن دماءهم، ويصون أعراضهم، ويحفظ أموالهم..
وصلوا وسلموا..
المشاهدات 1706 | التعليقات 0