قَبْلَ أَنْ نَنْدَمَ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعَ فيه النَّدَمُ 26ربيع الثاني 1434 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَهَذَا تَطْبِيقُ السَّلَفِ , وَهَذَا الْوَاقِعُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ , فَهَلْ نَحْنُ مُعْتَبِرُونَ ؟ وَهَلْ نُقَدِّمُ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ عَلَى الْعَاطِفَةِ ؟ أَمْ أَنَّنَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَ الشَّرْعَ وُنَجَرِّبَ حَظَّنَا فِي الثَّوْرَاتِ وَالْمُظَاهَرَاتِ وَالضَّغْطِ الْجَمَاهِيرِي كَمَا يُسَمُّونَهُ لِأَخْذِ حُقُوقِنَا ؟
أَيُّهَا الْعُقَلاءُ : إِنَّ بِلَادَكُمُ الْمَمْلَكَةَ بَلَدٌ مُتَرَامِي الأَطْرَافِ وَيَجْمَعُ أُنَاسَاً مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَمِنْ مَشَارِبَ مُخْتَلِفَة , فَوَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ لَوْ حَدَثَ انْفِلَاتٌ لِلأَمْنِ فِي هَذِهِ الْبَلادِ وَضَيَاعٌ لِلسُّلْطَانِ لَصَارَ عِنْدَنَا أَعْظَمُ بِمَرَاحِلَ مِمَّا تُعَانِيهِ الْبِلادُ الْقَرِيبَةُ التِي انْحَلَّ نِظَامُهَا وَانْفَرَطَ عِقْدُهَا , وَضَاعَ زِمَامُهَا !!! فَكُلٌّ يُرِيدُ اسْتِقْلَالاً بِقُطْرِهِ وَمَنْطِقَتِهِ , وَكُلٌّ يُرِيدُ الزَّعَامَةَ وَالرِّئَاسَةَ , فَهَلْ تَظَنُّونَ أَنَّهُ سَيَأْتِيْكُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ لِيَحْكُمَ ؟ أَمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَعْدِلَ فِيكُمْ !
كَمْ سَيَفْرَحُ بِذَلِكَ الأَعْدَاءُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الصَّلِيبِيِّينَ ؟ وَكَمْ سَتُغَرِّدُ وَتُهَلِّلُ دَوْلَةَ الْمَجُوسِ التِي كَانَتْ وَلا تَزَالُ تَتَرَبَّصُ بِنَا الدَّوَائِرَ وَتُثِيرُ عَلَيْنَا الْقَلاقِلَ ؟
أَلَا نَكُونُ عُقَلاءَ وَنَصْبِرُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ ظُلْمٍ أَوْ اسْتِئْثَارٍ إِنْ وُجِدَ ؟
إِنَّ احْتِمَالَ الْمَفْسَدَةِ الصُّغْرَى لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُظْمَى مَنْهَجٌ قُرْآنِيٌّ وَطَرِيقٌ نَبَوِيٌّ , فَإِنَّ كَانَ هُنَاكَ ظُلْمٌ وَقَعَ , أَوْ سِجْنٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلا يُخَوِّلُنَا أَنْ نَسْعَى فِي انْفِلاتِ الأُمُورِ وَخُرُوجِ الْغَوْغَاءِ وَالْجُمْهُورِ , بَلْ نَتَحَمَّلُ وَنَصْبِرُ , وَمَنْ أَصَابَهُ سِجْنٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَرِفْعَةٌ فِي دَرَجَاتِهِ , ثُمَّ نَسْعَى بِالطُّرِقِ السَّلِيمَةِ , وَنَتَمَسَّكَ بِالْهُدُوءِ وَنُطِيلُ النَفَسَ وَنَضْبِطُ النَّفْسَ حَتَّى تَرْجِعَ الأُمُورَ لِنِصَابِهَا !
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنَّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنَا لِمَا يُحِبِّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ بِنَواصِيهِمْ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ مَعَ انْتِشَارِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَكَثْرَتِهَا صَارَ كُلٌّ يَتَكَلَّمُ وَيَتَلَقَّى مِمَّنَ هَبَّ وَدَبَّ , وَإِنَّهُ مَعَ الأَسَفِ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَنَاقَلُونَ شُبْهَاتٍ لَبَّسُوا بِهَا عَلَى الْعَامَّةِ , وَأَقْنَعُوا بِهَا قَلِيلَ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ تَشْكِيكَاً فِي وُلَاةِ أَمْرِ بِلادِنَا .
فَتَارَةً يَقُولُونَ : الإِمَامَةُ لا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ , أَيْ أَنَّنَا لا نُطِيعُ إِلَّا حَاكِمَاً قُرَشِيَّاً وَمَنْ سِوَاهُ لا طَاعَةَ لَهُ , وَتَارَةً يَقُولُونَ : لا بَيْعَةَ إِلَّا لِمَعْصُومٍ , فَمَنْ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ لا يُطَاعُ , وَتَارَةً يَقُولُونَ : لابُدَّ فِي الْبَيْعَةِ مِنْ مُصَافَحَةِ الْمُبَايِعِ بِالْيَدِ , يَعْنِي : فَمَا دَامَ الْمَلِكُ لَمْ يُصَافِحْكَ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْكَ بَيْعَةٌ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، وَتَارَةً يَقُولُونَ : لا تَكُونُ الْبَيْعَةُ إِلَّا فِي خِلَافَةٍ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ !
وَهَذِهِ شُبُهَاتٌ فَاسِدَةٌ , وَالْجَوَابُ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ كَمَا يَلِي :
أَمَّا قَوْلُهُمْ ( إِنَّ الإِمَامَةَ لا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ ) فَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى صِحَّةِ الْوِلايَةِ لِمَنْ تَوَلَّى مَا دَامَ مُسْلِمَاً لَمْ يُرَ مِنْهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ , بَلْ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً , فَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَأَمَّا قَوْلَهُمْ (لا نُبَايِعُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ ) فَهَذَا مَرْدُودٌ عَقْلاً وَشَرْعَاً , فَأَمَّا بِالْعَقْلِ : فَأَيْنَ لِلنَّاسِ بِإِمَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ ؟ فَلَيْسَ هُنَاكَ مَعْصُومٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وَأَمَّا شَرْعَاً : فَالنُّصُوصُ مُتَوَاتِرَةٌ فِي طَاعَةِ وُلاةِ الأَمْرِ وَإِنْ جَلَدَ الظَّهْرَ وَأَخَذَ الْمَالَ , قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمَيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذْ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) رَوَاهٌ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ( إِنَّ الْبَيْعَةَ لا تَكُونُ إِلَّا بِالْمُصَافَحَةِ ) فَهَذِهِ مَرْدُودَةٌ كَذَلِكَ شَرْعَاً وَعَقْلاً ، فَكَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ كُلَّ الشَّعْبِ بِيَدِهِ وَهُمْ يَبْلُغُونَ الْمَلايِينَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ؟ وَأَمَّا شَرْعَاً : فَإِنَّهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَنَّ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إِذَا بَايَعُوا الإِمَامَ فَقَدْ ثَبَتَتْ بَيْعَتُهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الطَّاعَةُ كَمَا حَصَلَ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْحُكَّامِ وَالسَّلاطِينِ وَالْمُلُوكِ .
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُونَ (لا تَجِبُ الطَّاعَةُ إِلَّا إِذَا قَامَتِ الْخِلافَةُ الْعُظْمَى) فَهَذَا مُتَعَذِّرٌ بَعْدَ الْخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ وَلا يُمْكِنُ , وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَانَ لَهُ إِقْلِيمٌ بِالطَّاعَةِ وَالْوِلايَةِ وَجَبَتْ بَيْعَتُهُ وَحَرُمَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : وَلا يُفْهَمُ أَنَّنَا نُؤَيِّدُ الأَنْظِمَةَ الْمُجْرِمَةَ التِي تَهَاوَتْ , وَلَكِنَّنَا نَقُولُ بِمَا تَقَرَّرَ شَرْعَاً : أَنَّ الْمُنْكَرَ لا يُزَالُ بِمُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ , وَأَنَّهُ يُرْتَكَبُ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ , وَأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ !
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ يَرُدَّ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ إِلَيْهِ رَدَّاً جَمِيلاً , وَأَسْأَلُهُ جَلَّ وَعَلا أَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ لا ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَحْفَظَنَا بِالإِسْلامِ قَائِمِينَ وَأَنْ يَحْفَظَنَا بِالإِسْلَامِ قَاعِدِينَ , وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا عَقِيدَتَنَا وَقِيَادَتَنَا , وَأَنْ يُبْرِمَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعَةِ وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ , اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَنَائِبَهُ لِمَا تُحِبَّهُ وَتَرْضَاهُ , اللَّهُمَّ سَدِّدْ آرَاءَهُمْ وَصَوِّبْ عَمَلَهُمْ , وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهْمُ , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
*** استفدت في الخطبة الثانية من خطبة الشيخ الفاضل حمود بن ناصر مدير إدارة الأوقاف , حفظه الله .
(1) فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ [خيمته] ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ [المناضلة هي : المراماة بالنشاب للتدرب على القتال] ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ [الدواب من الإبل والغنم] .
المرفقات
قَبْلَ أَنْ نَنْدَمَ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعَ فيه النَّدَمُ 26ربيع الثاني 1434 هـ.doc
قَبْلَ أَنْ نَنْدَمَ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعَ فيه النَّدَمُ 26ربيع الثاني 1434 هـ.doc
المشاهدات 4813 | التعليقات 9
نعوذ بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن جزاك الله خير يا شيخ ونفع بك الإسلام والمسلمين
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
خطبة عظيمة ومهمة لواقعنا
خطبة في محلها ولكن حبذا لو كان هناك رسالة للمسؤول كي يتحقق التوازن في الطرح ويكون أكثر قبولا
جزاك الله خير الجزاء ياشيخ محمد وبارك في علمك وعملك
خطبة أظهرة فيها عقيدة أهل السنة والجماعة
فجزاك الله تعالى عن أخوانك الخطباء والمسلمين خير الجزاء
الرسالة للمسئول
قوله عليه الصلاة والسلام (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلايبدها علانية.......الخ الحديث)
وهل خطبة الشيخ حسين آل الشيخ إمام المسجد النبوي مخالفة لمنهج السلف
دعا إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ المجتمع إلى التحلي بكل ما يجمع ولا يفرق وإلى التحبيب بين الناس لا التبغيض وإلى الصبر الذي يمنع من القيام بما تعلم عاقبته، لاسيما في وقت الفتن، محذراً من الخروج على الحاكم المسلم ما لم يروا كفرا بواحاً وفق شروط يقررها علماء الأمة لا عامتها.
وقال فضيلته: على الرعية وعلى المجتمع أن يقوموا بحقوقه للراعي التي من أهمها طاعة الراعي في معروف طاعة الحاكم في غير معصية الله جل وعلا والحفاظ على السمع والطاعة ما لم يؤمروا بمعصية وأن يبذلوا المناصحة وفق الأصول الشرعية سرا لا علنا، بالرفق واللين واللطف وعلى الرعية الدعاء للحاكم بالتوفيق والصلاح والسداد، عليهم إعظام حق السلطان والحفاظ على إكرامه وتبجيله، وعلى الرعية الصبر على جور الحاكم إن جار أو ظلم ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها " قالوا فما تأمرنا يا رسول الله، قال: " أدوا اليهم حقهم، وسلوا الله حقكم "، وعلى الرعية الحذر أشد الحذر من الخروج على الحاكم المسلم ما لم يروا كفرا بواحا، وفق شروط يقررها علماء الأمة لا الدهماء والعامة.
وأضاف: إن على الحكام جميعا أن يسيروا في الرعية في بلاد المسلمين بقاعدة العدل، وان يحذروا من الظلم أو تمكينه في بلدانهم في شتى صوره ومختلف أشكاله، قد لايقع الظلم من ذواتهم وإنما يقع من بطانتهم، أو من ممن ولوه على المسلمين فيكون المسؤول حينئذ الحاكم فإن الله جل وعلا يقول في الحديث القدسي: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " فبالعدل يأمن الحاكم والمحكوم وبالظلم يعم الشر على الجميع، وينتشر الفساد وتحل في القلوب البغضاء، والأحقاد، وما هذه الثورات التي حدثت في بلاد المسلمين إلا صادق برهان على هذا الكلام، فعلى الحاكم أن يتفقد أحوال رعيته، وألا يشغله شاغل عن ذلك حتى لا يندم، وألا يحتجب دون حاجاتهم، وإلا فمتى حصل ذلك منه انفصمت العرى وحل الفساد العريض بين الحاكم والمحكوم، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة "، وعلى الحاكم أن يتق الله جل وعلا وأن يترك الهوى والعصبية جانبا، وأن يستعمل أهل التقوى، والورع وذوي الطاعة والبر على أمور المسلمين ممن يتصفون بالقوة والأمانة، الذين يحببون الناس بالبلاد بالخير يجمعون القلوب ولا يفرقون، يصلحون في البلاد ولا يفسدون، وإلا فمتى بلي الحاكم ببطانة سوء دب الخطر، واستحكم الشر، والتاريخ أكبر معتبر.
لا .. بل ما ذكر الشيخ حسين آل الشيخ هو منهج السلف .. نصيحة عامة للجميع للرعية وللرعاة
وجزاك الله خير وبارك فيك أبا عبدالإله على النقل والتوضيح
ابو عبدالله التميمي
شكرالله لك ياشيخ محمدte=محمد بن مبارك الشرافي;15096]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ للرُّجُوعِ لِكِتَابِ رَبِّنَا وَإِلَى سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ حِين , وَلا سِيَّمَا عِنْدَمَا تَدْلَهِمُّ الْخُطُوبُ وَتُطِلُّ الشُّرُورُ بِأَعْنَاقِهَا , كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : إِنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ التِي حَصَلَتْ حَوْلَنَا وَلا تَزَالُ تَحْصُلُ , كَثِيرٌ مِنْهَا جَرَّ شُرُوراً وَأَحْدَثَتْ مَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ , وَإِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا انْفَلَتَ زِمَامُ الأَمْرِ صَعُبَ ضَبْطُهُ , وَإِذَا اتَّسَعَ الشَّقُّ صَعْبُ رَتْقُهُ , وَإِنَّ كَثِيرَاً مِنَ الْبِلادِ التِي اضْطَرَبَ وَضْعُهَا تَعِيشُ الآنَ فِي حَالٍ يَتَمَنَّوْنَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ , مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ حُكُّامُهُمْ مِنْ ظُلْمٍ وَغُشْم , فَفِي كُلِّ يَوْمٍ قَتْلٌ وَتَشْرِيدٌ , وَكُلُّ بَيْتٍ فِيهِ ثَكَالَى وَيَتَاَمى , وَلَمْ يَعُدِ الإِنْسَانُ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَلا عَلَى أَهْلِهِ وَلا عَلَى بَيْتِهِ , فَكَمْ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَمَا يَرْجِعُ حَتَّى يَجِدَ بَيْتَهُ خَبْرَاً بَعْدَ عَيْنٍ , وَأَهْلَهُ أَشْلاءَ مُمَزَّقَةً , وَآمَالُهُ عَادَتْ أَحْلامَاً , وَفَرْحَتُهُ صَارَتْ آلامَاً , فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بِمَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ , فَتَعَالَوا نَنْظُرُ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْفِتَنِ وَمَا جَاءَ فِيهَا , فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً ، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ (1) ، إذْ نَادَى مُنَادِي رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلاةَ جَامِعَةً . فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ , وَإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أوَّلِهَا ، وَسَيُصيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتنَةٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، وَتَجِيءُ الفتنَةُ فَيقُولُ المُؤْمِنُ : هذه مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تنكشفُ ، وتجيء الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ : هذِهِ هذِهِ . فَمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ ، فَلْتَأتِهِ منيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إِلَيْهِ . وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً فَأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَهَذَا تَطْبِيقُ السَّلَفِ , وَهَذَا الْوَاقِعُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ , فَهَلْ نَحْنُ مُعْتَبِرُونَ ؟ وَهَلْ نُقَدِّمُ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ عَلَى الْعَاطِفَةِ ؟ أَمْ أَنَّنَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَ الشَّرْعَ وُنَجَرِّبَ حَظَّنَا فِي الثَّوْرَاتِ وَالْمُظَاهَرَاتِ وَالضَّغْطِ الْجَمَاهِيرِي كَمَا يُسَمُّونَهُ لِأَخْذِ حُقُوقِنَا ؟
أَيُّهَا الْعُقَلاءُ : إِنَّ بِلَادَكُمُ الْمَمْلَكَةَ بَلَدٌ مُتَرَامِي الأَطْرَافِ وَيَجْمَعُ أُنَاسَاً مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَمِنْ مَشَارِبَ مُخْتَلِفَة , فَوَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ لَوْ حَدَثَ انْفِلَاتٌ لِلأَمْنِ فِي هَذِهِ الْبَلادِ وَضَيَاعٌ لِلسُّلْطَانِ لَصَارَ عِنْدَنَا أَعْظَمُ بِمَرَاحِلَ مِمَّا تُعَانِيهِ الْبِلادُ الْقَرِيبَةُ التِي انْحَلَّ نِظَامُهَا وَانْفَرَطَ عِقْدُهَا , وَضَاعَ زِمَامُهَا !!! فَكُلٌّ يُرِيدُ اسْتِقْلَالاً بِقُطْرِهِ وَمَنْطِقَتِهِ , وَكُلٌّ يُرِيدُ الزَّعَامَةَ وَالرِّئَاسَةَ , فَهَلْ تَظَنُّونَ أَنَّهُ سَيَأْتِيْكُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ لِيَحْكُمَ ؟ أَمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَعْدِلَ فِيكُمْ !
كَمْ سَيَفْرَحُ بِذَلِكَ الأَعْدَاءُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الصَّلِيبِيِّينَ ؟ وَكَمْ سَتُغَرِّدُ وَتُهَلِّلُ دَوْلَةَ الْمَجُوسِ التِي كَانَتْ وَلا تَزَالُ تَتَرَبَّصُ بِنَا الدَّوَائِرَ وَتُثِيرُ عَلَيْنَا الْقَلاقِلَ ؟
أَلَا نَكُونُ عُقَلاءَ وَنَصْبِرُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ ظُلْمٍ أَوْ اسْتِئْثَارٍ إِنْ وُجِدَ ؟
إِنَّ احْتِمَالَ الْمَفْسَدَةِ الصُّغْرَى لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُظْمَى مَنْهَجٌ قُرْآنِيٌّ وَطَرِيقٌ نَبَوِيٌّ , فَإِنَّ كَانَ هُنَاكَ ظُلْمٌ وَقَعَ , أَوْ سِجْنٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلا يُخَوِّلُنَا أَنْ نَسْعَى فِي انْفِلاتِ الأُمُورِ وَخُرُوجِ الْغَوْغَاءِ وَالْجُمْهُورِ , بَلْ نَتَحَمَّلُ وَنَصْبِرُ , وَمَنْ أَصَابَهُ سِجْنٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَرِفْعَةٌ فِي دَرَجَاتِهِ , ثُمَّ نَسْعَى بِالطُّرِقِ السَّلِيمَةِ , وَنَتَمَسَّكَ بِالْهُدُوءِ وَنُطِيلُ النَفَسَ وَنَضْبِطُ النَّفْسَ حَتَّى تَرْجِعَ الأُمُورَ لِنِصَابِهَا !
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنَّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنَا لِمَا يُحِبِّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ بِنَواصِيهِمْ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ مَعَ انْتِشَارِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَكَثْرَتِهَا صَارَ كُلٌّ يَتَكَلَّمُ وَيَتَلَقَّى مِمَّنَ هَبَّ وَدَبَّ , وَإِنَّهُ مَعَ الأَسَفِ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَنَاقَلُونَ شُبْهَاتٍ لَبَّسُوا بِهَا عَلَى الْعَامَّةِ , وَأَقْنَعُوا بِهَا قَلِيلَ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ تَشْكِيكَاً فِي وُلَاةِ أَمْرِ بِلادِنَا .
فَتَارَةً يَقُولُونَ : الإِمَامَةُ لا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ , أَيْ أَنَّنَا لا نُطِيعُ إِلَّا حَاكِمَاً قُرَشِيَّاً وَمَنْ سِوَاهُ لا طَاعَةَ لَهُ , وَتَارَةً يَقُولُونَ : لا بَيْعَةَ إِلَّا لِمَعْصُومٍ , فَمَنْ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ لا يُطَاعُ , وَتَارَةً يَقُولُونَ : لابُدَّ فِي الْبَيْعَةِ مِنْ مُصَافَحَةِ الْمُبَايِعِ بِالْيَدِ , يَعْنِي : فَمَا دَامَ الْمَلِكُ لَمْ يُصَافِحْكَ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْكَ بَيْعَةٌ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، وَتَارَةً يَقُولُونَ : لا تَكُونُ الْبَيْعَةُ إِلَّا فِي خِلَافَةٍ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ !
وَهَذِهِ شُبُهَاتٌ فَاسِدَةٌ , وَالْجَوَابُ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ كَمَا يَلِي :
أَمَّا قَوْلُهُمْ ( إِنَّ الإِمَامَةَ لا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ ) فَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى صِحَّةِ الْوِلايَةِ لِمَنْ تَوَلَّى مَا دَامَ مُسْلِمَاً لَمْ يُرَ مِنْهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ , بَلْ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً , فَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَأَمَّا قَوْلَهُمْ (لا نُبَايِعُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ ) فَهَذَا مَرْدُودٌ عَقْلاً وَشَرْعَاً , فَأَمَّا بِالْعَقْلِ : فَأَيْنَ لِلنَّاسِ بِإِمَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ ؟ فَلَيْسَ هُنَاكَ مَعْصُومٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وَأَمَّا شَرْعَاً : فَالنُّصُوصُ مُتَوَاتِرَةٌ فِي طَاعَةِ وُلاةِ الأَمْرِ وَإِنْ جَلَدَ الظَّهْرَ وَأَخَذَ الْمَالَ , قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمَيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذْ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) رَوَاهٌ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ( إِنَّ الْبَيْعَةَ لا تَكُونُ إِلَّا بِالْمُصَافَحَةِ ) فَهَذِهِ مَرْدُودَةٌ كَذَلِكَ شَرْعَاً وَعَقْلاً ، فَكَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ كُلَّ الشَّعْبِ بِيَدِهِ وَهُمْ يَبْلُغُونَ الْمَلايِينَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ؟ وَأَمَّا شَرْعَاً : فَإِنَّهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَنَّ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إِذَا بَايَعُوا الإِمَامَ فَقَدْ ثَبَتَتْ بَيْعَتُهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الطَّاعَةُ كَمَا حَصَلَ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْحُكَّامِ وَالسَّلاطِينِ وَالْمُلُوكِ .
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُونَ (لا تَجِبُ الطَّاعَةُ إِلَّا إِذَا قَامَتِ الْخِلافَةُ الْعُظْمَى) فَهَذَا مُتَعَذِّرٌ بَعْدَ الْخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ وَلا يُمْكِنُ , وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَانَ لَهُ إِقْلِيمٌ بِالطَّاعَةِ وَالْوِلايَةِ وَجَبَتْ بَيْعَتُهُ وَحَرُمَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : وَلا يُفْهَمُ أَنَّنَا نُؤَيِّدُ الأَنْظِمَةَ الْمُجْرِمَةَ التِي تَهَاوَتْ , وَلَكِنَّنَا نَقُولُ بِمَا تَقَرَّرَ شَرْعَاً : أَنَّ الْمُنْكَرَ لا يُزَالُ بِمُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ , وَأَنَّهُ يُرْتَكَبُ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ , وَأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ !
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ يَرُدَّ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ إِلَيْهِ رَدَّاً جَمِيلاً , وَأَسْأَلُهُ جَلَّ وَعَلا أَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ لا ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَحْفَظَنَا بِالإِسْلامِ قَائِمِينَ وَأَنْ يَحْفَظَنَا بِالإِسْلَامِ قَاعِدِينَ , وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا عَقِيدَتَنَا وَقِيَادَتَنَا , وَأَنْ يُبْرِمَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعَةِ وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ , اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَنَائِبَهُ لِمَا تُحِبَّهُ وَتَرْضَاهُ , اللَّهُمَّ سَدِّدْ آرَاءَهُمْ وَصَوِّبْ عَمَلَهُمْ , وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهْمُ , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
*** استفدت في الخطبة الثانية من خطبة الشيخ الفاضل حمود بن ناصر مدير إدارة الأوقاف , حفظه الله .
(1) فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ [خيمته] ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ [المناضلة هي : المراماة بالنشاب للتدرب على القتال] ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ [الدواب من الإبل والغنم] .
[/quote]
تعديل التعليق