في ميزان الله... !!
نايف بن حمد الحربي
1436/10/21 - 2015/08/06 13:42PM
[font="](في ميزان الله... !!) جامع العزيزية: 12/10/1435هـ[/font]
[font="][/font][font="][/font]
[/font]
[font="]
[/font]
[font="]أما بعد :[/font]
[font="]فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، مَن استَدخَلَهَا في الدُنَا بها سُرَّا, في الأخرى تَفئَّ بها الظِلَّ, ووُقِيَّ بإذنِ اللهِ حَرَّا.[/font]
[font="]
[/font]
[font="]معاشر المسلمين، لم يزل طولُ الأمدِ في أُتُونِ الغفلة, عاملاً فاعلاً في تغييب معاني الإيمان من النفوس, وطَالِعُوا إن شِئتم كتابَ الله: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ[/font][font="] [/font][font="]} وقد كانوا {أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ} وتأملوا السُنَّة : "إنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ[/font][font="] [/font][font="]فِي[/font][font="] [/font][font="]جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ..." وأبصِروا الواقع, وستجدون مفاهيمَ للإيمانِ تَجِلُّ عن الحصر, قد أَعمَلَ طُولُ الأمدِ فيها مِعْوَلَهُ, حتى محى آثارهَا مِن الأفهام, وقد كانت مِن قبلُ رواسيَ في النفوس شامخة, تُؤَطِرُ السُبلَ, ويُحكَمُ مِن خلالها على الأفعال, فياللهِ آلدينُ قد نُسِخ؟ أم أنَّ عقدَ المِلةِ مِن الذِمَمِ قد فُسِخ؟[/font]
[font="]أَمَا والمخاطبون أهلُ إسلام, وكلُهُم يُؤَكِدُ على دين الله الـمُقَام, فتعالوا سَويّاً, نتَفَقَدُ آثارَ طُولِ الأمدِ في واقعنا, على مُفردةٍ مِن مُفردات الإيمان, لا على المُفرداتِ كُلِهَا, مُستحضرين خطابَ الرحمنِ لأهلِ الإيمانِ على طولِ الزمان: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ[/font][font="] [/font][font="]مِنَ[/font][font="] [/font][font="]الْحَقِّ}[/font]
[font="]فما هو مِعيارُ الظفر؟ وما هو مِعيار الخسارةِ في حياةِ البشرية؟ ما المِعيارُ الذي صاغَهُ الوحيُّ بتَنَزُّلِهِ؟ ثّمَّ ما المعيارُ الذي اُستُبدِلَ به مع طولِ الأمد؟[/font]
[font="]أهل الإسلام, لا أظُنُّ أحداً مِن أهل القبلةِ يُنَازِعُ في أنَّ معيار الظَفَرِ الذي جاءَ به الوحيُّ هو سَلامَةُ الدين, وإن ذهبت الدنيا, كُلُ الدنيا {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} {يَا قَوْمِ إِنَّمَا[/font][font="] [/font][font="]هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا[/font][font="] [/font][font="]مَتَاعٌ[/font][font="] [/font][font="]وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} "ربح البيع أبا يحي" "اصبري يا أُمَّاهُ فإنك على الحق"[/font]
[font="]ومع طولِ الأمد, وغلبةِ العقلِ المَعيشي على كثيرٍ من الناس, أصبح معيارُ الظفرِ السائدِ في واقعنا اليوم, سلامةُ الدنيا, وإن أضر المرءُ بدينه, هذا يُبدِي مَعايِيَرَهُ صَراحةً, وذاك يأتيها مِن باب التَعَقُّلِ والحكمة, وحقيقةُ كُلٍ منهما أنَّهُ إنما يَدرَأُ عن دنياه, غيرَ مُبَالٍ بما حَلَّ بدينه.[/font]
[font="]نقول هذا؛ لأن لله -سبحانه- سُنَّةً على حَمَلةِ الدينِ جَارية, تقضي بابتلائهِم؛ ليتميَّزَ الصادقُ مِن الكاذب {الم[/font][font="] * [/font][font="]أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} أفي هذه الأمة فقط؟[/font][font="] [/font][font="]{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ } إذاً لماذا يا رب؟ {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فهذا قد يُفصَلُ مِن وظيفته! وذاكَ قد تُشَوَّهُ سُمعتُهُ! وثالثُ قد يُلقَى في غَياهبِ السجون, ورابعُ قد يأتي مَكرُ القومِ على نفسِهِ! وآخرُ يُغرَى ببريقِ المناصبِ وتَعَرُّضِ الدُنيا! كُلُ هذا, لا لِجُرمٍ اقترفوه, ولا لواجبٍ مَطَلُوه, وإنما فقط, لقيامهم على حدود الله, إذْ أنهم حُرَّاسُ الشريعة, والقَيِّمُونَ على الدين, والقَيِّمُ مُؤتَمنٌ على ما اُستُودِع.[/font]
[font="]فهؤلاء الأفذاذ, الذين أرخَصُوا كُلَّ ما يملِكون في سبيل رِفعَةِ دينهم, الذين زخرت نصوصُ الوحيين بإطراء صنيعهم, كيف ننظُرُ إليهم كمجتمعٍ اليوم؟ أقولُهَا وبصراحة: قد يكونُ بيننا مَن يَنظرُ إليهم نَظرَةَ إكبَار, لكنَّما سَوادُنَا الأعظم, يَرونهم مساكين, قد ضَيعُوا مستقبلَهُم بما أَتوا مِن خدمةٍ لدينِ الله, أضرت بمصالحهم الدنيوية, وقد كان بإمكانِهم -بِنَاءً على مفاهيمنا- أن يَظفَرُوا بفُرصَةٍ لعيشٍ أفضلٍ في هذه الدنيا, لو سَبحُوا مع التيار, ولم يختاروا طريقَ المواجهة.[/font]
[font="]تَنَزَّلَ الوحيُّ على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أَوَّلَ مرة, فعادَ مِن حِراءٍ فَزِعَا, لِتعرِضَهُ زَوجُهُ على ابنِ نوفل, لِيُعلِمَهُ ما كان له كالتَوطِئة: "هذا الناموس الذي أُنزِلَ على موسى[/font][font="] [/font][font="]يا ليتني فيها جَذعَاً إذ يخرجك قومُك" ليأتِ السؤال: "أومُخرِجِيَّ هم؟"[/font][font="] [/font][font="]ليسمع: "لم يأتِ أحدٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودِي" فيا سبحان الله, أبناءُ الإسلامِ الذين رفعَ الإسلامُ ذكرَهُم ولم يكونوا قبلَه شيئا, أضحوا اليوم, يَرونَ في نصرته عاملَ خسارةٍ مُحققٍ يَنأونَ بأنفسهم عنه!! لماذا؟ لأنَّ حقائقَ الإيمانِ القاضيةِ بحتمِيَةِ الامتحان, قد غابت في واقعنا عن الأذهان, فدعُونَا اليومَ نتَذاكرُ طرفاً مِنها؛ لَعَلَّهَا أن تُعَدَّلَ في مفاهيمنا كفَّةَ الميزان, قال الله: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ[/font][font="] [/font][font="]حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[/font][font="] [/font][font="]} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ[/font][font="] [/font][font="]} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا[/font][font="] [/font][font="]مِنْ[/font][font="] [/font][font="]قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا[/font][font="] [/font][font="]حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ[/font][font="] [/font][font="]...} {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} وعند أبي داوود مِن حديث سعد بن أبي وقاص: "أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ..."[/font][font="] [/font][font="]سأل رجلٌ الشافعي: أيُّمَا أفضلُ للرجل: يُمَكَّنُ أو يُبتَلَى؟ فقال الشافعي: "لا يُمَكَّنُ حتى يُبتَلَى, فإن الله ابتلى نوحاً, وإبراهيمَ, وموسى, وعيسى, ومحمداً -صلوات الله وسلامه عليهم- فلما صبروا مَكَّنَهُم, فلا يَظنُّ أحدٌ أن يَخلُصَ من الألمِ البتة" ا.هـ. وقال أبو سعيد الهروي: " عُرضتُ على السيفِ خمسَ مرات, لا يُقال لي: ارجع عن مذهبك, وإنما يُقالُ لي: اُسكت عمَّن خالفك, فأقولُ: لا اسكت" ا.هـ. فواعجباً مِمَّن سَبَر الطريق, وعَرَف كريمَ عاقبةِ القوم, كيف يَجنَحُ عنه لرغبةٍ, أو رهبةٍ زائلة؟! فيا رب الثباتَ على رضاك حتى نلقاك.[/font]
[font="] [/font][font="] [/font][font="] [/font]
[font="] أقول هذا القول, واستغفر الله لي ولكم...
[/font]
[font="]
[/font]
[font="] الحمد لله مُولي النعمة, ودافعِ النقمة, واسعِ الرحمة, وصلى الله وسلم على خير البرية, وأزكى البشرية, وعلى عترته الطاهرة الزكية, ومَن سارَ على طريقته السوية..[/font]
[font="]
[/font]
[font="]أما بعد : أهل الإسلام, لم تزل قوافل التضحيةِ في سبيلِ نُصرةِ دينِ اللهِ ماضية, كُلَّما نأى أُناسٌ بأنفُسِهِم عن سبيلها حِفَاظاً على مَصالِحَ آنية, أو قذَفُوا بأنفُسِهِم مِن على متنِهَا تَدارُكاً لِلُعَاعَةٍ مِن الدنيا فانية, هيَّأ اللهُ لها أقواماً مَتنها اعتَلَوا, ومسيرتَها أكملوا, في اللهِ لم تأخذهم لومةُ لائم, لَمَّا سَبَرُوا حقيقةَ المغَانِمِ والمغَارِم, لِتَحِلَّ بساحهم عواملُ التمحيص, وهم في كُلِّ ما يَحِلُّ بهم غيرُ مُلامِين, وإنما اللومُ يَطالُ مَن قصدهم بالسوء, وأوقع بهم الأذى, إذْ أنهم لم يأتوا بِدَعَاً مِن الأمر, وإن أرعدَ أهلُ الأهواءِ وأزبدوا, وإنَّما جُرْمُ أحدهم: جهادٌ في سبيل الله, أو نُصرةُ مستضعفين يُعذبونَ في ذات الله, أو قولُ كلمةِ حَقٍّ أغاضت أعداءَ الله, ومَن أبى إلا لَومَهُم, فعليه أن يتأمَّل حالَ صحابةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فمنهم مَن قُتِل, ومنهم مَن عُذِّب, وآخرُ حُوصِر, ورابعُ عن بلده هُجِّر, كُلُ هذا, بسبب عدم تقديمهم التنازلاتِ حولَ دينهم, فهل هُمُ المـُلامُونَ فيِّمَا أصابَهُم؟ أم الـمُلامُ مَن ألحقَ بهم الأذى!؟ أحمدُ بنُ حنبل, إمامُ أهلِ السُنَّةِ بلا مُنَازع, سُجِنَ لسنتين وأربعةِ أشُهُر, وجُلِدَ بالسوطِ حتى أُغمِيَّ عليه, وفُرِضت عليه الإقامةُ الجبريةُ رَدحَاً مِن الزمن, كُلُّ هذا؛ لأنَّهُ أبى الكفر, فهل هو الـمُلامُ في إبائه؟ أمَّن طالَهُ بالأذى!؟ الحارثُ بنُ مسكين -مُفتي مِصرَ وقاضيها- أصرَّ على ما يَعتَقِدُهُ مِن أنَّ القرآنَ كلامُ الله مُنَزَّلٌ غيرُ مخلُوق, فأُلقِيَ في السجنِ خمسةَ عشرَ عاماً, هل هو الـمُلامُ فيها؟ أمَّن سجنه!؟ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية -الذي يَتباهى الموافقُ والـمُخالِفُ بنقل كلامه- سُجِنَ سبعَ مراتٍ لِـمُدَدٍ مُتَفَاوتة, زادت في مجموعها على خمس سنوات, حتى ماتَ في السجن, كُلُّ هذا؛ لعدم مُداهَنتهِ فيَّما يَعتقِدُهُ مِن الحق, فهل هو الـمُلاَمُ فيما وقع له؟ أم أنَّ الـمُلاَمَ مَن أوقعَ به!؟ الشيخُ المجاهدُ عمرُ المختار, علَّقَه الليطانُ على أعوادِ المشَانق, بسبب قيامه بما وجب عليه مِن فرضيةِ جِهَادِهم, هل هو الـمُلاَم فيِّما طالَهُ مِن شَنق؟ أم اللَّومُ يقعُ على الليطان!؟[/font]
[font="]في قائمةٍ مِن التضحياتِ تَجِلُّ عن الحصر, تَكشِفُ لَكَ في مجموعها عن معيارِ الظَفَرِ الحقيقي, وأنَّهُ سلامةُ الدين, ولو ذهبت الدنيا كُلُّ الدنيا, هذا هو كما جاءَ في شرع الله, وإن أفتَاكَ الناسُ وأَفتَوك, ليستقيمَ في ذهنِكَ حينها المعنى الحقيقيُّ لحديث: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا،[/font][font="] [/font][font="]وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا،[/font][font="] [/font][font="]فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ[/font][font="] [/font][font="]" وأنها غُربَةُ المفاهيم, لا غُربَةُ الأشخاص..[/font]
[font="]
[/font]
[font="][/font][font="] [/font][font="][/font]
[font="]أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجارنا مِن غَلَبَاتِ الهوى, وميلِهِ إذا مَال..[/font]
[font="]
[/font]
[font="]اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين, ...[/font][font="][/font]
وكتب/ نايف بن حمد الحربي