في فضل حسن الخلق
عبد الله بن علي الطريف
1436/01/28 - 2014/11/21 08:34AM
في فضل حسن الخلق : 27 / 1 / 1436 هـ
أما بعد : أيها الإخوة : حسن الخلق صفة المرسلين، وأفضل أعمال الصديقين وهو خلق فاضل عظيم النفع، أساسه الصبر والحلم والرغبة في مكارم الأخلاق وآثاره العفو والصفح عن المسيئين، وإيصال النفع إلى الخلق أجمعين، حسن الخلق عرفه الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمة الله فقال: هو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئة بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة وهي قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199] أي خذ ما عفا وصفى لك من أخلاق الناس، واغتنم ما حصل منها وغض النظر عما تعذر تحصيله منهم وعن نقصها وكدرها؛ ومعنى ذلك أن تشكر الناس على ما جاء منهم من الخير والإحسان؛ وما سمحت بها طباعهم من الخُلقِ الطيب؛ ولا تطلب منهم أو تطالبهم بما زاد عما حصل ولو كان لازما لهم فإنك بذلك تستريح وتريحهم.
ثم قال رحمه الله: أما من يريد من الناس أن يكونوا كاملين مُكملين لكل ما يحب ويستحب وإذا أخلوا بشيء من ذلك عاتبهم وأهدر ما جاء منهم من الخير والإحسان فهو عن حسن الخلق بمعزل، ولا يزال معهم في نزاع ولجاج وعتاب؛ وإنما الحازم من يوطن نفسه على تقصير المقصرين ونقصان الناقصين.
وقد أرشد الرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هذا الخلق الفاضل في معاملة الزوج لزوجته فقال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ». لا يفرك: لا يبغض رواه مسلم.. فأمر بالإغضاء عما فيها من العيوب، وأن يكون نظره فيها من المحاسن والمنافع؛ ويجعل هذا شفيعا لهذا لأنه بذلك تدوم الزوجية والصحبة الطيبة والصفاء، ويقل النزاع والخصام، وقس على هذا الذي ذكره رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميع المعاملات والحقوق، فالمعاملة بين الوالدين وأولادهم إذا كانت على هذا الوصف حصل البر وأديت الحقوق.
فإذا وَطنَ الولد نفسه على شكر ما حصل من ولده من البر ولو قليلا، وعفا عن تقصيره ازداد البر وحصل للولدين راحة, فرحم الله من أعان أولاده على بره, وكذلك الأولاد عليهم القيام ببر والديهم, وأن يوطنوا أنفسهم على ما ينا لهم من الوالدين من سوء الخلق وشراسته, وسيء الأقوال والأفعال التي تصدر منهم ليوطنوا أنفسهم على أحتمالها وأن يشكروهم على ما نالهم منهم من الإحسان مهما كان فهذا من البر والصلة التي لا يوفق لها إلا ذو حظ عظيم.
وكذا حقوق الأصحاب والجيران والمعاملين ينبغي أن يسلك معهم هذا المسلك: وهو القناعة بما جاء منهم، وتحمل ما لا يوافق الإنسان من قول أو فعل أو معاملة فبهذا تدوم الصحبة وتقوى.
أيها الإخوة: ومما قال الشيخ رحمه الله: أما من كان إذا جاءه من أصحابه أو معامليه ونحوهم سيئةٌ واحدة أهدر بها ما سبقها من المحاسن, فهذا من أعظم الحُمق وقلة الوفاء وعدم الإنصاف, ومن كان بهذا الوصف فهو أبعدُ الناس من حسن الخلق, والمقصود أن المعاملة بين المختلطين المرتبطين بحق من الحقوق إذا بُنيت على قوله: (خُذِ الْعَفْوَ) فوطن العبد نفسه على أخذ المنافع والصفح عن ضده أو صلت صاحبها إلى كل خير وسَلِمَ بها من شرورٍ كثيرة, وإذا بنيت على الاستقصاء وطلب جميع الحق مستوفى, حصل النقصُ والخلل. أ ـ هـ
أيها الإخوة: لقد أمتدح الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] ولما سُئِلت عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ" رواه أحمد وصححه الألباني.. فأنعم به من خلق وأكرم به من أدب. ولقد حدد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغاية الأولى من بعثته والمنهج المبين في دعوته فقال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" وفي رواية: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ".. رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
أيها الإخوة: ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام حسن الخلق في الدين وما اختص الله به أهله من المقام والأجر العظيم، نشير لبعض هذه المقامات والأجور بذكر بعضها.. فقد جعل رسول الله البر حسن الخلق وقال العلماء البر: يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق. فعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأنْصَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإْثمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. رواه مسلم
ثم يخبرنا بالهدية العظيمة، وهي حب الله لنا إن نحن سرنا في طريق الخلق القويم، وإن نحن كنا ممن يتمسكون بمكارم الأخلاق.. فقال صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً." صححه الألباني.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ. رواه الترمذي وقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وقال الألباني حديث صحيح الصحيحة..
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لِيُبَلِّغُ الْعَبْدَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ" رواه الطبراني بالكبير وهو حديث حسن
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح...
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ..؟ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ.؟ فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ . رواه الترمذي وصححه وابن حبان والبخاري بالأدب المفرد. وقال صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم في بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.. الهم اجعلنا ممن حسن خلقه واكتبنا ممن هم في أعلى الجنة.. بارك الله لي ولكم..
الثانية:
أيها الإخوة: ولقد حقق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله ودعا إليه وتثمله فكان له القدح المُعلَّى والمقام الأوفى، فكان خير قدوة بحسن خلقه وكريم تعامله، ونحن من مشكاته نقتبس وبهديه نهتدي فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فقال: وعليكم.. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» رواه البخاري ومسلم
والمعنى: أن اليهود أساءوا للرسول صلى الله عليه وسلم حيث دعوا عليه وكأنهم يسلمون عليه فقالوا السام عليكم أي الموت لكم.! فرد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وعليكم.. فقط ولم يقل ما قالوا من الفحش وهو بهذا دعا عليهم بما دعوا عليه به.. ثم وجه عائشة بتوجيه لها وهو عام للأمة فقال لها: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» أي احذريهما وابتعدي عنهما والعنف الشدة والقسوة والفحش التكلم بالقبيح.. ثم طمأنها وقال: «يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».. والظاهر واله أعلم أن كل من دعا على أحد ظلماً وتعديا لا يستجاب له..
وكان صلى الها عليه وسلم يسلم على الصبيان ويداعبهم ويدعو لهم ويحنك صغيرهم وربما بال أحدهم في حجره فيأمر بالماء فيرشه على موضع البول ولا يعنف أو يتبرم مما حدث فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ" أي سلة عطار لطيب ريحها...
أيها الأحبة: سيرة عطرة وخلق عظيم تبوأه رسول الهل صلى الهم عليه وسلم نحن بحاجة ماسه لتتبع أثره...
أما بعد : أيها الإخوة : حسن الخلق صفة المرسلين، وأفضل أعمال الصديقين وهو خلق فاضل عظيم النفع، أساسه الصبر والحلم والرغبة في مكارم الأخلاق وآثاره العفو والصفح عن المسيئين، وإيصال النفع إلى الخلق أجمعين، حسن الخلق عرفه الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمة الله فقال: هو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئة بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة وهي قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199] أي خذ ما عفا وصفى لك من أخلاق الناس، واغتنم ما حصل منها وغض النظر عما تعذر تحصيله منهم وعن نقصها وكدرها؛ ومعنى ذلك أن تشكر الناس على ما جاء منهم من الخير والإحسان؛ وما سمحت بها طباعهم من الخُلقِ الطيب؛ ولا تطلب منهم أو تطالبهم بما زاد عما حصل ولو كان لازما لهم فإنك بذلك تستريح وتريحهم.
ثم قال رحمه الله: أما من يريد من الناس أن يكونوا كاملين مُكملين لكل ما يحب ويستحب وإذا أخلوا بشيء من ذلك عاتبهم وأهدر ما جاء منهم من الخير والإحسان فهو عن حسن الخلق بمعزل، ولا يزال معهم في نزاع ولجاج وعتاب؛ وإنما الحازم من يوطن نفسه على تقصير المقصرين ونقصان الناقصين.
وقد أرشد الرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هذا الخلق الفاضل في معاملة الزوج لزوجته فقال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ». لا يفرك: لا يبغض رواه مسلم.. فأمر بالإغضاء عما فيها من العيوب، وأن يكون نظره فيها من المحاسن والمنافع؛ ويجعل هذا شفيعا لهذا لأنه بذلك تدوم الزوجية والصحبة الطيبة والصفاء، ويقل النزاع والخصام، وقس على هذا الذي ذكره رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميع المعاملات والحقوق، فالمعاملة بين الوالدين وأولادهم إذا كانت على هذا الوصف حصل البر وأديت الحقوق.
فإذا وَطنَ الولد نفسه على شكر ما حصل من ولده من البر ولو قليلا، وعفا عن تقصيره ازداد البر وحصل للولدين راحة, فرحم الله من أعان أولاده على بره, وكذلك الأولاد عليهم القيام ببر والديهم, وأن يوطنوا أنفسهم على ما ينا لهم من الوالدين من سوء الخلق وشراسته, وسيء الأقوال والأفعال التي تصدر منهم ليوطنوا أنفسهم على أحتمالها وأن يشكروهم على ما نالهم منهم من الإحسان مهما كان فهذا من البر والصلة التي لا يوفق لها إلا ذو حظ عظيم.
وكذا حقوق الأصحاب والجيران والمعاملين ينبغي أن يسلك معهم هذا المسلك: وهو القناعة بما جاء منهم، وتحمل ما لا يوافق الإنسان من قول أو فعل أو معاملة فبهذا تدوم الصحبة وتقوى.
أيها الإخوة: ومما قال الشيخ رحمه الله: أما من كان إذا جاءه من أصحابه أو معامليه ونحوهم سيئةٌ واحدة أهدر بها ما سبقها من المحاسن, فهذا من أعظم الحُمق وقلة الوفاء وعدم الإنصاف, ومن كان بهذا الوصف فهو أبعدُ الناس من حسن الخلق, والمقصود أن المعاملة بين المختلطين المرتبطين بحق من الحقوق إذا بُنيت على قوله: (خُذِ الْعَفْوَ) فوطن العبد نفسه على أخذ المنافع والصفح عن ضده أو صلت صاحبها إلى كل خير وسَلِمَ بها من شرورٍ كثيرة, وإذا بنيت على الاستقصاء وطلب جميع الحق مستوفى, حصل النقصُ والخلل. أ ـ هـ
أيها الإخوة: لقد أمتدح الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] ولما سُئِلت عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ" رواه أحمد وصححه الألباني.. فأنعم به من خلق وأكرم به من أدب. ولقد حدد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغاية الأولى من بعثته والمنهج المبين في دعوته فقال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" وفي رواية: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ".. رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
أيها الإخوة: ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام حسن الخلق في الدين وما اختص الله به أهله من المقام والأجر العظيم، نشير لبعض هذه المقامات والأجور بذكر بعضها.. فقد جعل رسول الله البر حسن الخلق وقال العلماء البر: يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق. فعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأنْصَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإْثمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. رواه مسلم
ثم يخبرنا بالهدية العظيمة، وهي حب الله لنا إن نحن سرنا في طريق الخلق القويم، وإن نحن كنا ممن يتمسكون بمكارم الأخلاق.. فقال صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً." صححه الألباني.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ. رواه الترمذي وقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وقال الألباني حديث صحيح الصحيحة..
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لِيُبَلِّغُ الْعَبْدَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ" رواه الطبراني بالكبير وهو حديث حسن
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح...
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ..؟ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ.؟ فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ . رواه الترمذي وصححه وابن حبان والبخاري بالأدب المفرد. وقال صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم في بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.. الهم اجعلنا ممن حسن خلقه واكتبنا ممن هم في أعلى الجنة.. بارك الله لي ولكم..
الثانية:
أيها الإخوة: ولقد حقق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله ودعا إليه وتثمله فكان له القدح المُعلَّى والمقام الأوفى، فكان خير قدوة بحسن خلقه وكريم تعامله، ونحن من مشكاته نقتبس وبهديه نهتدي فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فقال: وعليكم.. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» رواه البخاري ومسلم
والمعنى: أن اليهود أساءوا للرسول صلى الله عليه وسلم حيث دعوا عليه وكأنهم يسلمون عليه فقالوا السام عليكم أي الموت لكم.! فرد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وعليكم.. فقط ولم يقل ما قالوا من الفحش وهو بهذا دعا عليهم بما دعوا عليه به.. ثم وجه عائشة بتوجيه لها وهو عام للأمة فقال لها: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» أي احذريهما وابتعدي عنهما والعنف الشدة والقسوة والفحش التكلم بالقبيح.. ثم طمأنها وقال: «يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».. والظاهر واله أعلم أن كل من دعا على أحد ظلماً وتعديا لا يستجاب له..
وكان صلى الها عليه وسلم يسلم على الصبيان ويداعبهم ويدعو لهم ويحنك صغيرهم وربما بال أحدهم في حجره فيأمر بالماء فيرشه على موضع البول ولا يعنف أو يتبرم مما حدث فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ" أي سلة عطار لطيب ريحها...
أيها الأحبة: سيرة عطرة وخلق عظيم تبوأه رسول الهل صلى الهم عليه وسلم نحن بحاجة ماسه لتتبع أثره...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق