في عشر ذي الحجّة

[font="] في عشر ذي الحجّة

[/font]
[font="] [/font][font="] الحمد لله مقرّ الأزمان و الدهور. مرتّب الأيام و الليالي و الشهور.مجريها على قدره المقدور. ألا إلى الله تصير الأمور.[/font]

أحمده وهو الحقيق بالحمد و الكمال، المختصّ بالعظمة و الجلال، سبحانه لا يشغله حال عن حال و كل شيء عنده بمقدار عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال.
و نشكره على ما وعد به و وعده الحق من مثوبات مضاعفة و أجور، رتّبها بفضل منه و نعمة على العمل الميسور، في بعض الأيام و الشهور. اللهم ربّنا وفقنا للتجارة الرابحة التي لن تبور.
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الملك الحقّ المبين، شهادة الصفاء و الوفاء و اليقين، اللهم ثبتنا على الشهادة عند النزع و يوم الدين.. اللهم و اجعلنا يوم الفزع الأكبر بفضلها من الآمنين.
و نشهد أنّ سيّدنا محمدا عبدك و رسولك النبيّ الطاهر الأمين، أرسلته رحمة للعالمين، فرفعت درجته على الناس أجمعين.. اللهم صلّ عليه صلاة توصلنا إليه و تجمعنا عليه، و تقرّبنا لحضرته و تمتّعنا برؤيته، و على آله هداة الإسلام، و أصحابه السادة الأعلام، و أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين الكرام.. اللهم اجمعنا معه في أعلى مقام، و ارزقنا يا ربّنا في جواره حسن الختام..
أمّا بعد، أيها الناس اتّقوا الله فقد أمركم بتقواه و حبّب إليكم الإيمان، و اجتنبوا معاصيه فقد كرّه إليكم الكفر و الفسوق و العصيان، و راقبوه فإنّه معكم يسمع و يرى في كل مكان و أوان. و اشكروه حقّ شكره، فقد خولكم ما لا يحصى من النعم و الإحسان، و احذروا بطشه فقد حذركم نفسه في محكم القرآن..
عباد الله، إنّ الذي فرض عليكم الطاعة في الشهر الحرام، هو الذي فرضها عليكم في سائر الأيام، فاعبدوه على كل حال و في كل زمان ليزحزحكم بطاعته عن النار و يدخلكم دار السلام، و قد أظلّكم شهر حرام و فيه يسنّ كثرة الصيام و القيام، و منه عشر ليال أقسم الله بها في كلامه الذي هو أصدق الكلام، و بها أتمّ الله الموعد لموسى ابن عمران عليه و على سائر الأنبياء أفضل الصلاة و السلام، و أنزل الله فيها على محمّد صلى الله عليه و سلم " اليوم أكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ". فلله الحمد على الكمال و له الشكر على التمام، و من أحسن فيها العمل أحسن الله له الجزاء كما يقول تعالى " هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان* فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان ".. روى الترمذي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر "، قالوا: يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " و لا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجل خرج بنفسه و ماله فلم يرجع من ذلك بشيء " .. فكفى هذه الأيام شرفا أنّ الله أقسم بها في كتابه تنويها بشأنها و لفتا لأنظارنا، و عطفا لقلوبنا لتقبل فيها على العمل الصالح.. قال الحق تبارك و تعالى: " و الفجر* و ليال عشر* و الشفع و الوتر* و الليل إذا يسر ". و من مزاياها أنّها الأيام التي تتوافد فيها على بيت الله الحرام من كلّ فجّ عميق جماعات الحجيج يحملهم الطّهر، و يحدوهم الأمل في ربّ كريم، مردّدين: لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك..
و في هذه الأيام يخرج الحجّاج من مكّة إلى منى ثمّ إلى عرفة، ليشهد الجمع الحاشد لربّ السماء و الأرض بالوحدانية و الملك و العظمة و السلطان.. إنّه لمظهر فريد في دنيا البشرية، لا نظير له في أي تشريع، و لا مثيل له في أي مكان، و لا شبيه له في أي زمان من الأزمنة، أن ترى ملايين البشر اعتزلوا ما ألفوه طوال حياتهم من توابع الثراء و الجمع و التفنّن.. الكلّ في موقف واحد لا يملك أميرهم و لا راعيهم و لا ماجدهم و لا صعلوكهم، لا يملك أيّ كان بناءا و لا عقارا، قد آوتهم الخيام، و قد تجرّدوا من ثياب الترف و الزينة.. فيوم عرفة هو أحد الأيام العشر، و بداية التتويج لها.. أمّا الأيام الباقية فلكل ليلة فضلها، و لكل يوم خاصيته التي لا يعلمها إلاّ الله، يجمعها جامع، هو أنّ الأجور تتضاعف بها، و الحسنة تنمو و تخصب و تثقل في الميزان كرما من الله و فضلا و نعمة.. روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " ما من أيام أفضل عند الله، و لا العمل فيهنّ أحبّ إلى الله تعالى من هذه الأيام العشر. فأكثروا فيهنّ من التهليل و التكبير و ذكر الله، و إنّ صيام يوم منها يعدل بصيام سنة، و العمل يضاعف فيها سبعمائة ضعف ".. ينبهنا هذا الحديث إلى بعضأنواع الذكرلما اختصّت به من خاصيات لا يعلمها إلاّ الله، و لا يعرف أسرارها إلاّ الحقّ تبارك و تعالى، أو ما أطلع عليه رسوله و بلّغه إلينا..
أوّلا: و التهليل قول المؤمن: لا إله إلاّ الله، وهي الشهادة الفارقة أي التي تفرق بين الإيمان و الكفر، الموجبة للسعادة. إنّ فضل لا إله إلاّ الله و ثقلها في الميزان، و ما تؤثر في النفس من يقين، و ما تعمر القلوب به من ثبات لهي في أبعادها أوسع مما يتصوّر، و يكفيكم أنّها سبب لشفاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم.. روى البخاري عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: " أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلاّ الله خالصا مخلصا من قلبه ". و عنه أيضا: " أكثروا من شهادة أن لا إله إلاّ الله قبل أن يحال بينكم و بينها و لقّنوها موتاكم ".. و روى ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يقول الله تبارك و تعالى: لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخله أمن عذابي ".. و يزداد الثواب و الأجر إذا ما قرنت الشهادة بالإستغفار.. روى ابن عديّ عن أبي بكر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " عليكم بلا إله إلاّ الله و الإستغفار فأكثروا منهما، فإنّ إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب و أهلكوني بلا إله إلاّ الله و الإستغفار. فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، و هم يحسبون أنّهم مهتدون "..
كلمة لا إله إلاّ الله معناها أنّ كل قوّة و كل سلطة هي قوّة زائفة و سلطة عاجزة لا تأثير لها، و أن ّالقوّة لله وحده و أنّ الملك لله وحده، و أن ّالعبادة لله وحده، و أنّ الطاعة لله وحده، و أنّ كل البشر سواء عبيد أمام الله.. فإذا قالها الإنسان حاضر القلب مستبصرا بصيرا بأبعادها، حرّرته من كل خوف، و سمت به سموا يتناسب مع مهمّته من خلافة الله في أرضه..
فلا إله إلاّ الله في الأرض و في السماوات.. لا إله إلاّ الله في الصحو و السكرات.. لا إله إلاّ الله في العمد و الهفوات.. لا إله إلاّ الله في جميع اللحظات.. لا إله إلاّ الله على سائر الحالات.. فهو الله لا إله إلاّ هو له الحمد في الأولى و الآخرة و له الحكم و إليه ترجعون..
أحبّتي في الله، أكثروا من الإستغفار فهو شعور الإنسان أنّ مآله إلى الله، و أنّه محاسب على عمله، و أنّ لا ملاذ له و لا وزر له إلاّ رحمة ربّه و عفوه، و أن نفسه قلقة من الإثم راغبة في الله. و الله ربّكم و ربّ محمد يقول: " و إنّي لغفّار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثمّ إهتدى "..
ثانيا: التكبير وهو قول المسلم ( الله أكبر ) روى الطبراني عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " كلمتان إحداهما ليس لها نهاية دون العرش، و الأخرى تملأ ما بين السماء و الأرض: لا إله إلاّ الله و الله أكبر "، ثم عمّم عليه الصلاة و السلام، فأمر أمّته بالإكثار من الذكر، أي ذكر الله بقلب واع خاشع.. فعلى المؤمن أن يعمل في هذه الأيام العشر على صون لسانه عن كل شيء إلاّ عن ذكر الله و ما هو في حاجة إليه لحياته" ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب " ألا و أنّ ذكر الله يطرد الشيطان، و يثبّت الإيمان، و يرفع المؤمن إلى درجات الإحسان قال تعالى: " و من يعش عن ذكر الرحمان نقيّض له شيطانا فهو له قرين " و قال تعالى: " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين "..
ومن الذكر المحبوب لا حول ولا قوّ إلاّ بالله..روى أحمد والترمذي عن قيس بن سعيد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلّك على باب من أبواب الجنّة، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ". وعن جابر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استكثروا من لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فإنّها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضرّ أدناها الهمّ ". وروى أحمد بن حنبل و ابن حبّان عن أبي أيوب الأنصاري أنّ عليه الصلاة و السلام قال: " ليلة أسري بي مررت بإبراهيم عيه السلام فقال: يا جبريل من هذا معك؟ قال: محمد، فسلّم عليّ و رحّب بي و قال: مر أمّتك أن يكثروا من غرس الجنّة، فإنّ تربتها طيّبة و أرضها واسعة. قلت: وما غرس الجنّة؟ قال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله "..
فأكثروا عباد الله من الذكر في هذه الأيام العشر، و صلوه بما يدلّ على سلوك المتّقين بالتصدّق على المحتاجين، و الأرامل و المساكين و النفقة في إعمار المساجد و تأهيلها و تأثيثها، فإنّ الصدقة يتضاعف ثوابها كالذكر في هذه الأيام العشر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * و سبّحوه بكرة و أصيلا * هو الذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور و كان بالمؤمنين رحيما " ..
أقول ما قلت واستغفر الله العظيم لي و لكم و لوالدي و لوالديكم و للمسلمين من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنّه هو التواب الرحيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.


الثـانية: كرامات العشر


الحمد لله الذي لم يجعل حاجبا على أبوابه.. الحمد لله الذي لم يجعل حائلا بينه و بين عباده.. الحمد لله الذي فتح أبواب التوبة لجميع عباده.. الحمد لله الذي فتح بالباقيات الصالحات جنّاته.. الحمد لله الذي أغلق برحمته أبواب نيرانه.. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادة نقية صافية صادقة أدّخرها لي و لكم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم..

و نشهد أنّ سيدنا محمد عبدك و رسولك النبيّ الأميّ باني دولة الإسلام و محطّم دولة الأوثان و الأصنام.. اللهم فصلّ و سلّم و بارك عليه و على آله الأطهار الطيبين، و على أصحابه الأبرار الميامين، و من تبعهم و سلك نهجهم بإحسان إلى يوم الدين..
عباد الله، اتّقوا الله و راقبوه في السرّ و العلن، و أعلموا أنّ الأيام العشر من ذي الحجّة فرصة نوعية فريدة لترك الناعمات و أكل الطيبات و معانقة المستحسنات و التمتّع باللذات و الشهوات، فهي علامة القبول للطّاعات و تكفير الذنوب و الخطيئات، و تبديل السيئات بالحسنات، و البشارة بإرتفاع الدرجات، و انشراح الصدر بنور الإيمان و سكون القلب بقوّة اليقين، و ما ظهر عليه من العلامات، و انفجار بحور العلوم من القلب على الألسنة، و أنواع الحكم و الفصاحة و البلاغة.
يقول الحق تبارك و تعالى: " و الفجر* و ليال عشر* و الشفع و الوتر* و الليل إذا يسر* هل في ذلك قسم لذي حجر ".. قوله: و الفجر: إختلف العلماء في ذلك، قال ابن عباس: عنى بالفجر: صلاة الصبح، و ليال عشر: هي عشر ذي الحجة، و الشفع: الخلق، و الوتر: هو الله، و الليل إذا يسر: إذا ذهب ببداية بزوغ شمس النهار، هل في ذلك قسم لذي حجر: أي أنّ ذلك قسم لذي لبّ و عقل، و جواب القسم قوله تعالى: " إنّ ربّك لبالمرصاد ".. و قال مقاتل رحمه الله: و الفجر: عنى به غداة جمع يوم النحر، و ليال عشر: وهي عشر ليال قبل الأضحى و إنّما سمّاها عزّ و جلّ: ليال عشر لأنها تسعة أيام و عشر ليال. أمّا الشفع: فآدم و حوّاء، و الوتر: هو الله جل و علا. " و الليل إذا يسر ": إذا أقبل، وهي ليلة الأضحى فأقسم الله سبحانه بيوم النحر و العشر و بآدم و حوّاء.. و أقسم تبارك و تعالى بنفسه و بليلة الأضحى، فلمّا فرغ منها قال: " هل في ذلك قسم لذي حجر "، يعني هل في ذلك القسم كفاية لذي لبّ، يعني ذا عقل، فيعرف عظم هذا القسم..
و قد ورد في عشر ذي الحجة من كرامات الأنبياء، و ما نقل في ذلك من الأخبار و الآثار و فضائل الأعمال، من ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ الله قبل توبة آدم، و تاب عليه بعرفة، لأنّه اعترف بذنبه، و فيه بذل إبراهيم ماله للضيفان و نفسه للنيران، و ولده للقربان، و قلبه للرحمان، و لم يصحّ لأحد التوكل إلاّ لإبراهيم خليل الرحمان، و فيه وجد إبراهيم الخلّة، و فيه بنى عليه السلام الكعبة الشريفة.. و فيه أكرم الله موسى عليه السلام بالمناجاة، و فيه نزلت على داود المغفرة، و فيه كانت بيعة الرضوان فأنزل تبارك و تعالى: " إذ يبايعونك تحت الشجرة " وهي شجرة سمرة و كان ذلك يوم الحديبية، و أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ألف و أربعمائة رجل و قيل ألف و خمسمائة، و أول من أطلق يده للمبايعة أبو سنان الأسديّ رضوان الله عليه و على جميع الصحابة و التابعين. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه و سلم:" من أحيا ليلة من ليالي عشر ذي الحجة، فكأنّما عبد الله عبادة من حجّ و اعتمر طول سنته، و من صام منها يوما فكأنّما عبد الله سائر سنته ".. وعن عليّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " إذا دخل عشر ذي الحجّة فجدّوا في الطاعة، فإنّها أيام فضّلها الله تعالى و جعل حرمة ليلها لحرمة نهارها، فمن صلى في ليلة من ليالي العشر في الثلث الأخير أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بالحمد مرّة، و المعوذتين، و يكرّر سورة الإخلاص ثلاثا، و يقرأ آية الكرسي، و يكرّر ذلك في كل ركعة، فإذا فرغ من صلاته رفع يديه و قال: سبحان ذي العزّة و الجبروت، سبحان ذي القدرة و الملكوت، سبحان الله ربّ البلاد و العباد، و الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مباركا على كل حال، الله أكبر كبيرا، ربّنا جلّ جلاله و قدرته بكل مكان "، ثم يدعو بما شاء، فإنّ له من الأجر بإزاء من حجّ إلى بيت الله الحرام و زار قبر الرسول صلى الله عليه و سلم، و جاهد في سبيل الله، و لم يسأل شيئا إلاّ أعطاه إياه، و أن صلاّها في كل ليلة من ليالي العشر، أسكنه الله تعالى الفردوس الأعلى، و محا عنه كل سيئة، و قيل له: استأنف العمل، فإذا كان يوم عرفة، و صام نهارها، و صلى ليلها، و دعا بهذا الدعاء، و أكثر التضرّع بين يدي الله تعالى يقول الحق تبارك و تعالى: يا ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له و أشركته بالحجّاج إلى بيتي، قال: فتستبشر الملائكة بما يعطي الله تعالى ذلك العبد بصلاته و دعائه "..
أحبّتي في الله، من أكرم هذه الأيام العشرة أكرمه الله عز و جل بعشر كرامات: البركة في عمره، و الزيادة في ماله، و الحفظ لعياله، و التكفير لسيئاته، و التضعيف لحسناته، و التسهيل لسكراته، و الضياء لظلماته، و التثقيل لميزانه، و النجاة من دركاته، و الصعود على درجاته.. و من تصدّق في هذه الأيام على مسكين، فكأنّما تصدّق على أنبيائه و رسله، و من عاد فيها مريضا فكأنّما عاد أولياء الله و بدلائه، و من شيّع جنازة فكأنّما شيّع جنازة شهدائه، و من كسا مؤمنا كساه الله من حلله، و من لطف فيها بيتيم لطف الله تعالى به يوم القيامة تحت ظلّ عرشه، و من حضر مجلسا من مجالس العلم فكأنّما حضر مجالس أنبياء الله و رسله..
أيها المؤمنون، إنّ ما توعدون من الآخرة لآت، و إنّكم في دار هي محل العبر و الآفات، و أنتم على سفر و الطريق كثيرة المخافات، فتزوّدوا من دنياكم قبل الممات و تداركوا هفواتكم قبل الفوات.. و حاسبوا أنفسكم و راقبوا الله في الخلوات، و تفكّروا فيما أراكم من الآيات، و بادروا بالأعمال الصالحات.. و استكثروا في أعماركم القصيرة من الحسنات قبل أن ينادي بكم منادي الشتات، قبل أن يفاجئكم هاذم اللذّات، قبل أن يتصاعد منكم الآنين و الزفرات.. قبل أن تتقطّع قلوبكم عند فراق الدنيا حسرات، قبل أن يغشاكم من غمّ الموت الغمرات، قبل أن تزعجوا من القصور إلى بطون الفلوات، قبل أن تتمنّوا رجوعكم إلى الدنيا لتعملوا و لكن هيهات..و أعلموا أن الله أمركم بالصلاة و السلام على نبيّكم المختار. فبالصلاة عليه تذهب الهموم و تمحى الأوزار. اللهم فصلّ و سلم على الذي أتممت به على الخلائق المنّة، و جعلت ما بين قبره و منبره روضة من رياض الجنة.. و على آله الأطهار الطيبين و صحابته الأعلام الميامين.. اللهم ارض عنهم و عن أهل بدر و المبايعين و عن بقية الصحابة أجمعين. و عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم ارحم الخلفاء الراشدين، و الأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق و كانوا به يعدلون.. اللهم انصر الإسلام و المسلمين، واخذل الكفرة و المشركين.. اللهم اصلح من كان في صلاحه صلاح للإسلام و المسلمين، و اهلك اللهمّ من كان في هلاكه صلاح للإسلام و المسلمين..

عباد الله إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكّرون..



الشّيخ محمّد الشّاذلي شلبي
الإمام الخطيب
جامع عثمان بن عفّان بالزّهور - تونس





المشاهدات 1816 | التعليقات 0