في ظلال اسم الرقيب (1)

شايع بن محمد الغبيشي
1445/02/08 - 2023/08/24 15:11PM

في ظلال اسم الرقيب (1)

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

عباد الله الرقيب اسم عظيم من أسماء الله الحسنى، دعونا عباد الله نتفيأ ظلال هذا الاسم ونتعرف على ثمراته وآثاره قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وقال تعالى {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} ومعناه: أي الرقيب على عباده، الذي يراقب أقوالهم وأفعالهم، وحركاتهم وسكناتهم، وما يجول في قلوبهم وخواطرهم. وهو الحَافِظُ الذي لا يَغِيْبُ عَنْهُ شَيْءٌ[1]

هو الرقيب على الخواطر واللوا ... حظ كيف بالأفعال بالأركان [2]

وأعظم ثمرات معرفة هذا الاسم تحقيق منزلة المراقبة، والمراقبة هي: الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى الضَّمَائِرِ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.

والمراقبة أقسام ثلاثة: مراقبة الله عند إرادة الطاعة وفعلها ومراقبة الله عند إرادة المعصية وفعلها ومراقبة الله حال الكرب والبلاء والمحنة.

واليوم عباد الله سنتحدث عن مراقبة الله جل وعلا حال الطاعة قال ابن عطاء رحمه الله: «أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات» ماذا لو تذكر العبد أن الله مطلع عليه عند فعله للطاعة وأن يفرح بطاعة عبده ويحبُ من عبد أن يطيعه وأنه سبحانه يتقرب من عبده كلما تقرب العبد إليه؟ حين تتوضأ وتستشعر أن الله يراك ويحب ذلك منك، حين تذهب إلى بيته وتقف مصلياً بين يديه وتستشعر أنه يرى وقوفك ويحبه ويسمعُ ما تقول ويفرح به ويحبه ويطلع على قلبك فيخشع قلبك له ويشعر بلذة الصلة بالله سبحانه قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)}، حين تبر والديك وتستشعر أن الله يراك ويحب منك ذلك، حين تقرأ القرآن وتستشعر أنه كلام ربك وأنه يحب ذلك منك، ويفرح بقراءتك لكلامه فيذكرك في نفسه ويكون معك بتوفقه ولطفه ورعايته فما هو شعورك؟  تأمل قوله جل وعلا: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} وقوله "وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " حين تتصدق حين وتحسن إلى الناس وحين تسعى في بذل الخير للغير وتستشعر أن الله يراقبك مراقبة المحب لعبده فتلك درجة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وذلك يثمر لك ثمرات عظيمة منها:

أولاً: الفرح بالله عز وجل والأنس السرور به سبحانه وذلك نعيم عظيم "فإن سرور القلب بالله وفرحه به، وقرة العين به لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا البتة وليس له نظير يقاس به وهو حال من أحوال أهل الجنة. حتى قال بعض العارفين: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب"([3])   ... يا عبد الله حين تطيع الله وأنت تستشعر مراقبة الله لك واطلاعه عليك يمتلأ قلبك أنساً وفرحاً بربك فتقر عينك وينشرح صدرك وينور قلبك، " فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين" ([4])  

ثانياً: الإخلاص لله عز وجل قال ابن منظور رحمه الله: "من راقب الله أحسن عمله" فحين تعلم أن الله يطلع على عبادتك، يطلع على قلبك وما يدور فيه، حين تعلم أن قلبك هو محل نظر الرب جل وعلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم فذلك يثمر لك الاخلاص لله عز وجل والسلامة من الشرك والرياء فتخلص لله في أعمالك في صلاتك في صدقتك في إحسانك وتنسى نظر الناس إليك ومديحهم وثناءهم وذلك والله أعظم الفوز واربح الغنائم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد: عباد الله ومن ثمرات استشعار مراقبة الله حال الطاعة:

ثالثاً: اتقان العمل وإداء الطاعات على أكمل وجه، حينما تعلم أن الله ينظر إلى طاعتك فذلك يدعوك إلى أن تأتي بها على أكمل وجه، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً، حين تشرع في الوضوء وتستشعر أن الله ينظر إليك وأنه يحب المتطهرين فإن ذلك يدفعك إلى العناية بإسباغ الوضوء، وحين تقف في الصلاة وأنت تستشعر نظر الله إليك فتحسن القيام وتحسن الركوع والسجود وتهتم بأذكار الصلاة، حين تسجد وتستشعر أنك أقرب ما تكون إلى الله وأن الله يحب منك أن تسأله وتدعوه وأنه وعدك بالإجابة كما قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» رواه مسلم وقال صلى الله : "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء قمن أن يستجاب لكم» رواه النسائي، حين تقرأ القرآن وأنت تستشعر أن الله يسمع تلاوتك ويحب منك أن ترتل كلامه وتحسن صوتك به فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا ‌أَذِنَ ‌اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به» رواه البخاري وفي رواية مسلم: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا ‌أَذِنَ ‌لِنَبِيٍّ ‌يَتَغَنَّى ‌بِالْقُرْآنِ" أي: ما استمع شيئا كاستماعه لقراءة نبي يتغنى بالقرآن، إذا استشعرت ذلك يا عبد الله فإنه يدفعك إلى تجويد تلاوتك وتحسين صوتك وترتيل القرآن وترنمك به، وهكذا سائر العبادات.

رابعاً: المسارعة إلى الطاعات والاستكثار منها حين يعلم العبد أنه على موعد مع الله وأن الله يحب خطوه المبارك وعمله الصالح، لو قيل لرجل من الناس إنك ستلتقي بشخص عظيم مرموق وأنه سمع عن جهودك وأعمالك ويريد أن يطلع عليها كيف سكون شعور ذلك الإنسان؟ فكيف اذا استشعر أن الله يطلع على أعماله وأنه كلما تزود من الأعمال كلما أحبه الله عز وجل، كيف وهو الذي يدعونا إلى المسارعة إلى الخيرات ويدلنا أنه السبيل إلى نيل جنته ونعيمه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، فأن للعمل الصالح عند استشعار اطلاع الرب على عبده ومحبته سبحانه لذلك له لذة خاصة وسرور يملأ القلب أُنْساً "وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا السُّرُورَ يَبْعَثُهُ عَلَى دَوَامِ السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِي طَلَبِهِ، وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَذَا السُّرُورَ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَلْيَتَّهِمْ إِيمَانَهُ وَأَعْمَالَهُ. فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ حَلَاوَةً، مَنْ لَمْ يَذُقْهَا فَلْيَرْجِعْ، وَلْيَقْتَبِسْ نُورًا يَجِدُ بِهِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ" ([5])  

خامساً: الفوز بمحبة الله عز وجل حين تعلم أن الله يراك وأنت تطيعه ويحب منك تلك الطاعة، وأنه يتقرب منك كلما أقبلت عليه فهو الذي قال " وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " حين تعلم أنه يحبك حين تسابق إلى الصالحات  وتكثر من نوافل الطاعات، تأمل قول الله عز وجل في الحديث القدسي: " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته " رواه البخاري

أي حب هذا؟! أي رعاية هذه؟! أي عناية من الرب الرحيم اللطيف الودود؟! يا فوز من سارع إلى طاعة الله يا فوز من أحبه الله جل وعلا، اللهم اجعلنا من المسارعين إلى طاعتك اللهم ارزقنا حبك وجب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك يا حي يا قيوم.

 



[1] / شأن الدعاء (1/ 71)
[2] / نونية ابن القيم = الكافية الشافية (ص: 207)
([3]) ـ «مدارج السالكين» (2/ 67 ط الكتاب العربي):
([4]) ـ «طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم» (1/ 8)
([5]) ـ «مدارج السالكين» (2/ 67 ط الكتاب العربي):

المرفقات

1692879086_في ظلال اسم الرقيب 1.pdf

المشاهدات 773 | التعليقات 0