في حديث الخطباء عن الوطنية ؟؟؟؟؟؟

أبو عبد الرحمن
1430/10/04 - 2009/09/23 04:42AM
أين الغلو في الوطنية..؟!


عبدالله بن ثاني


حينما انتهى بنا الإمام من صلاة القيام في ليلة من ليالي العشر الأخيرة من رمضان المبارك، كان أمام كل مصلٍ كتاب صغير لمؤلف جليل، نحسبه والله حسيبه من أهل العلم والفضل، بعنوان: (حب الوطن من منظور شرعي)، وقد تولت طباعته جهة حكومية ذات نشاط طيب في مثل هذا المجال..
تناولته وبدأت بفحص مباحثه، وسررت بما تضمنه الكتاب من أدلة شرعية على حب الوطن، إلا أن المبحث الأخير (الغلو في الوطنية) قد عكر صفو تلك الفرحة التي غمرتني وبخاصة أن هذا المبحث يطلع عليه مختلف الفئات، وغالباً ما يثبت من كل كتاب في ذهن القارئ الخلاصة والنهاية والنتيجة، ولم يكن هناك مسوغ لنقل كلام الشيخ محمد الغزالي لنا في السعودية عن الغلو في الوطنية، حيث قال: (ولكن العصور الحديثة طورت هذا المعنى الساذج، وجعلت الوطنية ولاء للتراب وعبادة له وقياماً بحقوقه وتفانياً فيه، والعمل به. أي جعلت الوطن إلهاً، والتعلق به عبادة وضخمت المشاعر الإنسانية حول هذا المحور المسحور، بحيث ابتلعت علاقات الناس بدينهم فإذا لم تفلح في إزالتها أفلحت في تأخير رتبتها، وإخفات الكلام عنها، وإماتة أحكامها ووصاياها.
وهذا الضرب من الوثنية ينكره الإسلام أشد الإنكار، إن ارتفاق البشر من مكان ما لا يطوع لهم عبادة هذا المكان... أما الوطنية بالمعنى المجتلب من الغرب فهي مستحدث في حضارتنا وتاريخنا لا نقره ولا نرضاه).
وهذا النقل من المؤلف في غير موضعه، لأنه نقله من كتاب الغزالي (حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي)، ويظهر من خلال العنوان أن هذا الكلام جاء في سياق نقد الفكر القومي والمبادئ البعثية، وليس لها ارتباط فيما يخص الغريزة والفطرة، والدليل على ذلك أن الغزالي نفسه من أشد الناس تعلقاً وحباً لوطنه مصر، فلم يغادرها مع تعرضه للسجون والتعذيب، ولم نجد أحداً منذ فجر التاريخ عبد أرضاً أو سجد لتراب، كما أن القوميين والبعثيين كان ولاؤهم للفكر ومبادئ الحزب بمفهوم عام أينما وجد، دون النظر إلى حدود الوطن بمفهومه الخاص، وكانت القومية مطية لتحقيق الأهداف الحزبية.. وبما أننا في وطن لا يؤمن بالحزبية ولا بالقومية، فليس من المناسب الاستشهاد بهذا الكلام الذي جاء في سياقات وظروف خاصة غير متوافرة في بيئتنا، ثم إن المؤلف كان قصده غرس حب المملكة العربية السعودية وتقرير مفهوم الوطنية في النفوس والنص على أنه لا يتعارض مع المفهوم الشرعي في ظل واقع أصبح ينتزع من تلك النفوس حب الوطن بسموغات وهمية لتحقيق أهداف حركية تحارب هذا المفهوم الذي تقره الفطرة والجبلة الإنسانية، والمؤسف أن المؤلف لم يأت بمثال واحد يبين لنا حقيقة هذا الغلو، ولم يضع ضوابط يعرف من خلالها القارئ الغلو المرفوض، وإنما جاء بكلام عام يفسره كل قارئ تفسيراً مختلفاً قد يظن من خلاله أن الحديث عن الوطن واحترام رموزه من حاكم وعالم وعلم وخارطة وعملة محذور شرعي، ويتهم كل شاعر يتغنى بقصيدة وطنية أو كاتب يثني على الوطن ويدافع عن قضاياه بأنه تجاوز الحدود إلى الغلو المرفوض.. فتكون كلمة حق أريد بها باطل!.
والمشكلة أن هذا الكتاب تناقلته أيدي الشباب ووقعت أعينهم على المبحث الأخير والوطن يعاني من جفاء في الشعور وقصور في الفطرة وفقر في العاطفة بسبب التحذير على مدى عقود من الوطنية والولاء للوطن على يد الحركية التي تستهدف ذلك بقصد وترصد، حتى ولّد ذلك التحذير جيلاً حركياً يرى الوطنية كفراً ووثنية يجب محاربتها، فسعوا إلى تفجير مدخراته وطمس مكتسباته تحت ذرائع ومسوغات لا يقرها شرع ولا عقل ولا منطق.
ومن ينعم النظر ويمعن الفكر يجد أن هذا الجفاء للوطنية كان نتيجة تأصيل ممنهج من قبل منظري الحركية بعد ربطها بمصطلحات تنفر منها نفس المسلم كالوثنية والصنمية، ومن أمثلة ذلك ما ركزعليه مؤلف كتاب (إدارة التوحش) أبو بكر ناجي، الذي لا يجد حرجاً من الضرب على هذا الوتر حينما ينقل قول الشيخ العلامة (بزعمه) عمر محمود أبو عمر - فك الله أسره على حد زعمه-: (وهنا لابد من التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية ).
ولما كشف العلماء والمفكرون خطورة اختطاف المصطلحات الشرعية وتوجيهها لتحقيق مآربهم ومنها (الوطنية) لجأ الحركيون إلى إسلوب غير مباشر، يلبسونه لبوس الشرعية وينفذون من خلاله إلى تحقيق مكاسب حركية، فربطوا الحديث عن قضايا شرعية بمصطلح الغلو المرفوض شرعاً، ومن أمثلة ذلك الغلو في الوطنية والغلو في طاعة ولي الأمر.
والسؤال: كيف يكون الحديث عن هذين الأمرين غلواً وإنما أتى الحديث عنهما بسبب الهجوم الشرس عليهما من قبل جهات معادية تتربص بنا الدوائر؟!.. والجواب: إن الحديث عنهما من قبل العلماء وطلبة العلم والدعاة والخطباء والكتّاب في المنابر ووسائل الإعلام لا يعد غلواً وإنما هو تقرير لأمر شرعي تساهل الناس في حقيقته، وكلنا يذكر موقف العلماء الأجلاء وكثرة حديثهم عن بيان حقوق ولي الأمر لما تطاول بعض المحسوبين على الصحوة على النيل من حرمة الوطن وولي الأمر، مثلما وقف الإمام أحمد بن حنبل أمام محاولة بعض فقهاء بغداد الخروج على الخليفة في فتنة القول بخلق القرآن، ولم يذكر التاريخ أن حديث الإمام أحمد كان غلواً؛ لأنه كان رد فعل لمعالجة وتصحيح.
وهل يعد الحديث والدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد الهجمة الشرسة ومحاولة تشويه صورته وسيرته، عن طريق تلك الرسوم في الدنمارك غلواً يستحق التحذير منه انطلاقاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)؟!.. وهل يناسب هذا الظرف الحديث عن مسألة الغلو والإطراء في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!.
إن المتأمل في الواقع الحركي يشهد أنه غير إستراتيجيته بعد بيان العلماء للموقف الشرعي تجاه هذه القضايا، فلجأ إلى تشويه من يحاول المعالجة والتصحيح تحت مظلة الغلو في الوطنية وطاعة ولي الأمر، وخير مثال إطلاقهم مصطلح (الجامية) على كل من يقرر مسألة طاعة ولي الأمر ويضبطها بضوابط الشرع ولمزه للتقليل من شأنه، بعد أن امتلأت الساحة أثناء أزمة الخليج وغزو صدام للكويت، بخطب نارية ومحاضرات تحريضية على ولي الأمر ونزع هيبته من نفوس الناس في وقت كنا في أمس الحاجة إلى اللحمة الوطنية ووحدة الصف قيادة وشعباً، في صورة لا تختلف كثيراً عن تشويه دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب ولمزها بمصطلح الوهابية من قبل أعداء الدعوة السلفية ومن حطب في حبالهم من القبوريين والمبتدعة.. والله من وراء القصد.
المشاهدات 4819 | التعليقات 5

((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))


مرور الكرام;849 wrote:
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تحية وشكرا لأخي مرور وأحب أن أوضح

التالي :


المنقول والاقتباسات على أنواع :


1- موافق مكتمل : للتعاون في نشره وتقريبه والإشادة به أو التعريف بصاحبه .

2- موافق ناقص : للحث على إكماله من أهل القدرة والكفاية .

3- موافق مشتمل على خطأ: للسعي في تصحيحه وإصلاحه.

4- موافق في الجملة: يتحدث عن مسألة اجتهادية أو قابلة لتعدد الآراء ووجهات النظر .

5- مخالف مشتمل على حق : للإفادة مما نبه إليه ، بقطع النظر عن هدفه ( إصلاح أو تشهير).

6- مخالف يثير سؤالا منطقيا : للإجابة عنه وتبريره.

7- مخالف يثير شبهة : لكشفها وتزييفها .

8- مخالف متمكن من منبر إعلامي : للتعاون في معالجة ما يبثه ، ولأخذه في الاعتبار (بالرد والتوضيح ،تلميحا أو تصريحا) عند معالجة موضوع تناوله في منبره .

ولا يلزم بالضرورة أن أعلق في أول الأمر على

كل ما أنقل لبعث الهمم نحو التعليق، و لإتاحة

الفرصة لمشاركة الجميع وجلهم من الخطباء

ونحن في ملتقاهم ، لا سيما ما كان من المنقول

واضحا مشربه ظاهرا أمره أومن كان صاحبه

باديا وجهه مستعلنا توجهه .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أينا أكثر وطنية
د. عبدالله بن سليمان آل مهنا


رئيس شؤون «الحرمين»: «الوطنية» مفهوم مستورد أفرز سلبيات « غير إنسانية

الخميس, 08 أكتوبر 2009


الرياض - فيصل المخلفي


دعا الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي صالح الحصين طلبة العلم الشرعي إلى مقاومة فكرة «الغلو في الوطنية»، التي قال إنها تسربت للمجتمع.
ووصفها بأنها غير ملائمة للقيم الإسلامية، وبأنها تقوم على التمييز بين المواطن والمقيم. وقال إن ذلك التمييز ليس موجوداً لدى الشعب ولكنه لدى فئة من الموظفين.
وذكر الحصين - في محاضرة ألقاها في جامع إسكان أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أمس، تحت عنوان «الحوار الوطني وأثره في تعزيز الوحدة الوطنية» - أن الوطنية «عبارة مستوردة تعني مفهوماً معيناً، لكن هذا المفهوم ليس واضحاً، إذ إن هذه العبارة في سندها الفكري تختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان آخر، ومن شعب إلى شعب آخر».
وزاد أن البلاد بحاجة إلى توعية بمفهوم الوطنية «على أساس الجماعة في الإسلام بكل مضامينها من الولاء لبعضهم، وأوسع بكثير من فكرة الوحدة الوطنية». وأضاف أن «مفهومنا للوحدة الوطنية هو مفهوم الجماعة في عقيدتنا الإسلامية بكل ما تُبنى عليه وبكل أسسها ومضامينها».
واعتبر الحصين «أن فكرة الوطنية أنشأت سلبيات غير إنسانية وغير حضارية، وبالنسبة لنا غير إسلامية».
وأكد أهمية مؤتمرات الحوار التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. وقال إن الغرض من المشاركة بالحوارات في المدارس والجامعات هو إدخال الحوار في المنهج الدراسي لأنه مهم لتربية الطالب على أسس الحوار.



رئيس الحوار الوطني: التشويش في فهم الوطنية قد ينتهي بنتائج مدمرة



للحوار دوران الأول وقائي والآخر داعم




صالح الحصين



أبها: الوطن



أوضح رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن الحصين أن التشويش في فهم الوطنية قد ينتهي بنتائج مدمرة لافتاً إلى أن أول تجربة لوطننا الحبيب مع الإرهاب والتفجير وخطف الطائرات كان الاتهام فيها يوجه إلى شباب يجمعهم أنهم يرفعون شعار الوطنية بالرغم من انتمائهم إلى اتجاهات وعقائد فكرية مختلفة.



وأضاف أن هؤلاء الشباب تحولوا بعد أن نضجوا وتقدمت بهم السن إلى مواطنين صالحين، بل كان بعضهم مثالاً يحتذى للمواطن الصالح، ولم يكن العامل الذي وجه هؤلاء الشباب إلى الإرهاب العمر فقط، وإنما كان التشويش في فهم الوطنية.



وقال الدكتور الحصين في معرض رده على ما كتبه الدكتور عبدالله ناصر الفوزان في العدد 3307 من "الوطن" تحت عنوان "رئيس الحوار الوطني ينتقد الحوار الوطني" إن للحوار دوراً وقائياً ودوراً داعماً في تعزيز الوحدة الوطنية حيث يتركـز الدور الوقائي في مقاومة التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية، ويتركز الدور الداعم على التوعية بمفهومنا الخاص نحن المواطنين السعوديين للوحدة الوطنية.





الحصين يرد على الفوزان:



إذا لم يكن القارئ من طلاب العلم الشرعي فننصحه أن يعيد قراءة



ملخص المحاضرة



كتب الدكتور عبدالله ناصر الفوزان مقالا في العدد 3307 من "الوطن" يوم الاثنين 30 شوال 1430 ـ 19 أكتوبر 2009 تحت عنوان "رئيس الحوار الوطني ينتقد الحوار الوطني" منتقدا ما جاء في المحاضرة التي ألقيتها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت عنوان " دور الحوار في تعزيز الوحدة الوطنية"، وبنى انتقاده على ما نشرته صحيفة الحياة عن المحاضرة.



ولتوضيح الأمور التي التبست على الكاتب وغيره ممن قرأ مقاله، نورد هنا ملخصا للمحاضرة المشار إليها، والتي ألقيت في مسجد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على جمهور من طلبة العلم الشرعي، بعد صلاة المغرب يوم الثلاثاء 17/10/1430 وقد صُمّمت المحاضرة على أساس شمولها لعناصر رئيسة:



أولا: أن للحوار دورا وقائيا ودورا داعما في تعزيز الوحدة الوطنية:



ويتركز الدور الوقائي في مقاومة التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية، ويركز الدور الداعم على التوعية بمفهومنا الخاص نحن المواطنين السعوديين للوحدة الوطنية.



ثانيا: بما أن نقيض الوحدة: الفرقة والشتات، وأن اختلاف الاتجاهات والآراء والمفاهيم هو أساس الفرقة، فإن الحوار ينتهي في الغالب بالقضاء على الاختلاف، أو على الأقل بتحييد آثاره الضارة، ومعروف أن الحوار هو البديل الصالح عن العنف في أحوال الاختلاف، وهذا يلخص الدور الوقائي للحوار.


ثالثا: فيما يتعلق بدور الحوار الداعم للوحدة الوطنية، فيتحقق بالتوعية بالمفهوم السليم للوحدة الوطنية، ونشر هذا الوعي ومقاومة التشويش في فهم هذا المصطلح، ذلك أن (الوحدة الوطنية) مؤسسة على فكرة (الوطنية) وهذا المصطلح (الوطنية) له مفاهيم متعددة بل ومتعارضة. فكل بلد من البلدان له مفهومه الخاص للأساس الفكري للوطنية، وقد يكون هذا الأساس الفكري سندا للاتحاد كما يكون سندا لحركات الانفصال.



وضربت المحاضرة مثلا بالإلزاس واللورين، حينما كان النزاع عليها بين ألمانيا وفرنسا، وكان الأساس الفكري للوطنية لدى كل طرف هو سند حجته السياسية في دعوى أن الإقليم جزء منه.

كما أوردت المحاضرة أمثلة من العالم العربي حينما شاعت النظريات الوطنية المختلفة: الفرعونية، والفينيقية والآشورية... إلخ، وأن الشام ظل في كل العصور التي يعرفها التاريخ اسما يطلق على مجموعة بشرية واحدة تسكن أرضا واحدة، ثم تمزقت أشلاء وطنية سميت: سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين.


والتشويش في فهم الوطنية قد ينتهي بنتائج مدمرة، ومن أمثلة ذلك أن أول تجربة لوطننا الحبيب مع الإرهاب والتفجير وخطف الطائرات كان الاتهام فيها يوجه إلى شباب يجمعهم أنهم يرفعون شعار الوطنية بالرغم من انتمائهم إلى اتجاهات وعقائد فكرية مختلفة. لقد تحول هؤلاء بعد أن نضجوا وتقدمت بهم السن إلى مواطنين صالحين، بل كان بعضهم مثلا يحتذى للمواطن الصالح، ولم يكن العامل الذي وجه هؤلاء الشباب إلى الإرهاب العمر فقط وإنما كان التشويش في فهم الوطنية.



رابعا: أن المواطنين في المملكة العربية السعودية، وكلهم مسلمون يسلّمون بأن الإسلام لهم: منهج حياة، ويعتقدون مرجعية القرآن والسنة الصحيحة في توجيه هذا المنهج، لهم – أو يجب أن يكون لهم- مفهوم خاص (للوطنية) وبالتالي (للوحدة الوطنية). هذا المفهوم يختلف في المعنى والقيمة والوزن عن مفاهيم الآخرين.

هذا المفهوم يسمو بـ"الوحدة الوطنية" إلى أن تكون جزءا من العقائد الإيمانية التي يلقنها النشء. هذا المفهوم ليس فقط أعظم قوة رسوخا بحكم صلته بعلم العقيدة، بل إنه مفهوم منسجم متناسق يبرأ من التناقض الذي يظلل مفاهيم الآخرين. كما يتسم بالعمق والشمول، ويقاوم كل فرصة للتشويش الفكري وسوء الفهم، والبذور الفكرية للتفرقة والشقاق.



خامسا: مفهومنا للوحدة الوطنية، يجب أن يشمل كل ما يشمله مصطلح (الجماعة) التي لا يكاد متن من المتون المختصرة في علم العقيدة يغفل التنصيص عليها عند تعداد مسائل الاعتقاد.


على سبيل المثال متن العقيدة (الطحاوية) المكتوب في القرن الثالث حيث يتضمن هذا النص "و(نعتقد) الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيغا وعذابا".



مصطلح (الجماعة) لا يشمل مجرد المعنى اللغوي والشكلي للمصطلح، بل يتجاوز ذلك إلى تحقيق قيم: الأخوة والموالاة والتكافل والتواد والتراحم. ويعني دوائر متعددة يتضمن بعضها بعضا، ولكنها تعتمد على الأساس الفكري نفسه، وهذا سر قوتها في الانسجام والتناسق وعدم إتاحة الفرصة للتناقض، أو أن تحمل الفكرة بذور هدمها.



تبدأ مؤامرة صغيرة هي دائرة (الأسرة) وتقتضي من الفرد تحمل أبلغ المسؤوليات تجاه أفراد الأسرة الآخرين من الوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأقارب، وتحيط بدوائر (الأسر) دائرة الجوار (الحي) وللجار حقوق تتجاوز حقوق غير الجار، ثم تجيء دائرة (المدينة) و(القرية) وتتميز بحقوق لأفرادها ليست لغيرهم، فلا يُتَجاوز المحتاجون فيها – فيما يتعلق بحقهم في الزكاة- حتى تدفع حاجتهم ((أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)).


وهكذا تتسع الدوائر حتى تشمل دائرة الأمة التي تكرر في القرآن اقترانها بعقيدة التوحيد (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).



(الجماعة) في عقيدة المواطن السعودي دوائر تنداح كما تنداح دوائر الماء عندما تلقي فيه بالحجر، تبدأ دائرة صغيرة وتنتهي بدائرة عظمى اسمها (الأمة) في داخل هذه الدائرة الواسعة توجد دائرة ضيقة نسبيا هي مركز الإسلام (الوطن السعودي). هذه الدائرة تشمل ما يطلق عليه الفقهاء إلى ما بعد عصر الشافعي (مكة ومخاليفها (أي توابعها) والمدينة ومخاليفها واليمامة ومخاليفها أي ما تشمله تقريبا في الوقت الحاضر الحدود السياسية للمملكة العربية السعودية.



وهذه الدائرة تتميز بخصائص وتحكمها قواعد شرعية خاصة، من أبرزها: وجوب أن يكون المواطن فيها مسلما، ولا يجوز أن يكون غير المسلم مواطنا فيها. وعندما سأل أحد المستمعين المحاضر عن أهمية الأرض في مفهوم الوطن، أكد المحاضر أن الأرض مقوم أساسي للوطن، سواء كانت الأرض حقيقة واقعية أو افتراضية وهمية، ومثّل المحاضر للأرض الواقعية بمركز الإسلام (الوطن) بالنسبة للمواطن السعودي، وللأرض الافتراضية أو الوهمية بالأرض الموعودة لشعب الله المختار (يسريل إسرائيل – إسرائيل الكبرى) بالنسبة لليهودي.



وتظهر أهمية الأرض كمقوم للوطن من أن السياسيين الغربيين عندما يريدون أن يعبروا عن تأييدهم لدعوى الوطنية اليهودية، يصرحون بتأييدهم لفكرة الأرض الموعودة، واستشهد على ذلك بخطابي الرئيسين الأمريكيين في الكنيست (كلينتون في أكتوبر 1995م وبوش في 15 مايو 2008)



إيضاح: كما ترى الشعور الإيجابي الشرعي للفرد المسلم تجاه (الجماعة) سواء في الدائرة الصغيرة أو الدائرة الكبيرة ذو أساس فكري واحد يتفق في الطبيعة، وإن اختلف في القوة أو بعبارة أخرى في الحقوق والالتزامات.



وبالعكس فإن انعدام هذا الشعور الإيجابي الشرعي أو ضعفه أو من باب أولى تحوله إلى شعور سلبي، يجعل الفرد يقع ضمن أحد المسميات الآتية (حسب الأحوال): (عاق، قاطع رحم، فاسق، باغ، خارجي، مرتد، جاهلي).



سادسا: في المقارنة بين مفهومنا للوطنية وللوحدة الوطنية ومفاهيم الآخرين، تضمنت المحاضرة أن مفاهيم الآخرين للوطنية كانت في بعض الأحيان معوقة لفكرة الاتحاد، وكمثال على ذلك: تعويق (الوطنية) لدى بعض بلدان الاتحاد الأوروبي عن الموافقة على دستور الاتحاد. وأن هذه المفاهيم كانت في كثير من الأحيان أساسا لاتجاهات سلبية لا أخلاقية مثل ما يسمى بـ"النعرة الوطنية" وكراهية غير المواطن (شوفونيزم) أو الخوف الوهمي منه (أكزنوفوبيا) وغيرها من الأمراض الاجتماعية ذات العلاقة.


سابعا: مع ما أشير إليه من صحة مفهوم مصطلح (الجماعة) وقوته وسهولة سيطرته على القلوب والعقول، ورسوخه واستعصائه على التشويش في الفهم والانحراف في الفكر، إلا أن هذا لا يعني أن نستغني عن استعمال مصطلح (الوحدة الوطنية) لأن هذا المصطلح اكتسب صفة الشعار، والفكرة تبلغ أعلى مستوى لقوتها عندما تتحول إلى شعار، ولكن يجب أن يكون مفهومنا لهذا المصطلح مفهوماً واضحاً ودقيقاً بحيث يشمل كل ما يدل عليه مصطلح "الجماعة" في كتب العقيدة. وأن تتم توعية الناس بهذا المفهوم، ويتحمل مسؤولية ذلك بالوسائل المتاحة – ومنها الحوار – طلبة العلم الشرعي والمهتمون بتنمية الشعور الوطني الصادق.


- تنبيه (1) نص المحاضرة كاملا يوجد على موقع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني على الإنترنت، ولكن إذا لم يكن القارىء من طلاب العلم الشرعي الذين لهم إلف بمتون العقيدة وشروحها فننصحه قبل ذلك أن يعيد قراءة الملخص ويستوعبه فهما، وإلا فنخشى أن لا يستطيع إدراك مغزى المحاضرة أو يسيء فهمها كما حدث.


- تنبيه (2) يقول المثل الشائع (إذا أردت أن يصدق الناس ما تقول، فقل ما يحبون أن يسمعوه) هذا في حق السامع. أما في حق القارئ فيقول المثل الآخر (يقرأ ما يفهم ولا يفهم ما يقرأ) ونربأ بإخواننا الكتاب في الصحف السعودية أن ينطبق عليهم المثلان، ولكن المناسبة أوجبت التنبيه لأن الكاتب إذا لم يلتزم الحذر من مضرب المثلين فسوف يؤذي نفسه، وأخطر من ذلك يجر الأذى والضرر على وطنه. وفق الله الجميع للشعور بالمسؤولية الوطنية لأن ذلك هو حقيقة الوطنية الصادقة.


صالح بن عبدالرحمن الحصين


رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري