فِي حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ
أيمن عرفان
1438/05/14 - 2017/02/11 06:35AM
[align=justify]
لقاؤنا اليوم مع شرط من شروط كمال الإيمان، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». (لَا يُؤْمِن) أَيْ: إِيمَانًا كَامِلًا. وفي رواية لمسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». المتأمل في هذا الكلام يجد أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن محبة أي شخص آخر، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أمرا ثانويا أو أمرا مخير فيه بل هي واجب على كل مسلم، وهي عبادة عظيمة نعبد بها الله عز و جل وقربة نتقرب من خلالها إليه، و أصل عظيم من أصول الدين، ودعامة أساسية من دعائم الإيمان.
فإذا كنا مطالبين بمحبته ، فلابد أن نعرف لماذا نحبه؟ ما هي بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟
(1) موافقة مراد الله تعالى في محبته: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحب الخلق إلى الله فقد اتخذه خليلا وأثنى عليه ما لم يثن على غيره كان لزاما على كل مسلم أن يحب ما يحب الله وذلك من تمام محبته سبحانه.
(2) مميزات النبي صلى الله عليه وسلم: فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس وأطهر الناس وأعظم الناس في كل شيء، هو الذي نقل إلينا رسالة ربنا، هو الذي جعله الله سببا في خروجنا من الظلمات إلى النور، هو الذي علمنا كيف نعبد الله، هو الشفيع، وهذه كلها دواعي لأن يكون صلى الله عليه وسلم أحب الناس.
(3) شدة محبته لأمته وشفقته عليها ورحمته بها: كما وصفه ربه فقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة 128]. حتى أنه من رأفته بالأمة بكى من أجلها، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى} الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِى». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ). فهكذا كانت رحمته بالأمة، وهكذا كانت محبته للأمة حتى أنه كان يتمنى أن يرانا صلى الله عليه وسلم، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا». قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ». فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا». فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز التَّمَنِّي لَا سِيَّمَا فِي الْخَيْر وَلِقَاء الْفُضَلَاء وَأَهْل الصَّلَاح (وَدِدْت أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَاننَا) رَأَيْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا. (بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي) لَيْسَ نَفْيًا لِإِخْوَتِهِمْ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتهمْ الزَّائِدَة بِالصُّحْبَةِ، فَهَؤُلَاءِ إِخْوَة صَحَابَة، وَاَلَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَة لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ.
(4) حتى أحشر معه يوم القيامة: روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ).
فهل هناك دلائل على محبته صلى الله عليه وسلم؟ هناك علامات وإشارات تدل على ذلك، منها:
(1) تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل أحد: تقديم كلام النبي على كلام نفسه، وفعل النبي على فعل نفسه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات 1]. أي لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا.
(2) سلوك الأدب معه صلى الله عليه وسلم: ويتحقق بأمور، منها: أ) الثناء عليه والصلاة والسلام عليه لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب 56].
ب) التأدب عند ذكره بأن لا يذكره مجرد الاسم بل مقرونا بالنبوة أو الرسالة قال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور 63]. قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتجهم. أمرهم أن يشرفوه ويفخموه. جـ) الأدب في مسجده وكذا عند قبره وترك اللغط ورفع الصوت.
د) توقير حديثه والتأدب عند سماعه وعند دراسته كما كان يفعل سلف الأمة وعلماؤها، وكان مالك إذا أراد أن يجلس (أي للتحديث) توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، وتطيّب، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال: أوقّر به حديث رسول الله. و كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول أقعدوني فإني أعظم أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع".
(3) تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به: وهذا من أصول الإيمان وركائزه ومن الشواهد في هذا الباب ما ناله ابو بكر من لقب الصديق روى البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: (اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير- يَعْنِي عَقِب الْإِسْرَاء- فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة ؟ قَالَ نَعَمْ ، إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ ، أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء قَالَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق).
(4) اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته والاهتداء بهديه: فطاعة الرسول هي المثال الحي والصادق لمحبته ولهذا قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران 31].
(5) الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم: في حياته وبعد موته، أما في حياته فقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في دفاعهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بأرواحهم، وأما بعد موته فيكون الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ب نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها وبحفظها ورد الشبهات عنها.
ومن الأمور التي تزيدنا حبا لرسول الله أن نتعلم من الصحابة حب رسول الله:-
(1) روى البخاري في صحيحه عن عَبْد اللَّهِ بْن هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الآنَ يَا عُمَرُ». قَوْله (لَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُون أَحَبَّ إِلَيْك مِنْ نَفْسك) أَيْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ لِبُلُوغِ الرُّتْبَة الْعُلْيَا حَتَّى يُضَاف إِلَيْهِ مَا ذُكِرَ. وَعَنْ بَعْض الزُّهَّاد: تَقْدِير الْكَلَام لَا تَصْدُقُ فِي حُبِّي حَتَّى تُؤْثِر رِضَايَ عَلَى هَوَاك.
(2) في الصحيح: (أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوّادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ - وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ – وَقَالَ: اسْتَوِ يَا سَوّادُ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي، وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ. قَالَ: فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ: اسْتَقِدْ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ. فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ).
(3) خُبَيْبَ بن عَدِيٍّ وقع في أيدي المشركين وقرروا قتله، فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادُوهُ ونَاشَدُوهُ: أَتُحِبُّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ فَقَالَ : لا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَحَبُّ أَنْ يُفَدِّيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكُهَا فِي قَدَمِهِ.
(4) في رحلة الهجرة حينما وصل النبي ومعه أبو بكر إلى الغار قال أبو بكر : والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما لك يا أبا بكر؟) قال : لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ما يجده .
طالما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الدين فهو من أهم الأمور التي ينبغي على الوالدين أن يبذلوا جهدهم في الوصول إلى ترسيخ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أبنائهم بشتى الطرق مثل:
أولا : بيان مكانة حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في التشريع الإسلامي الشريف، فلا يتذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بحب المصطفى العدنان، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ » .
ثانيا : أن نقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأبنائنا ونعرفهم به من خلال القرآن: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". جوانب القدوة من شخصيته _صلى الله عليه وسلم_ وشخصيته كلها قدوة، والتأكيد على أنه النموذج المرتجى لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
ثالثا: نكثر من الحكايات عنه صلى الله عليه وسلم، حكاية معجزاته _صلى الله عليه وسلم_، حكاية أخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء ووصيته باليتيم، حكاية أخبار رقته _صلى الله عليه وسلم_ ورحمته وبكائه وبأنه هو النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته، وغير ذلك.
[/align]
لقاؤنا اليوم مع شرط من شروط كمال الإيمان، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». (لَا يُؤْمِن) أَيْ: إِيمَانًا كَامِلًا. وفي رواية لمسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». المتأمل في هذا الكلام يجد أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن محبة أي شخص آخر، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أمرا ثانويا أو أمرا مخير فيه بل هي واجب على كل مسلم، وهي عبادة عظيمة نعبد بها الله عز و جل وقربة نتقرب من خلالها إليه، و أصل عظيم من أصول الدين، ودعامة أساسية من دعائم الإيمان.
فإذا كنا مطالبين بمحبته ، فلابد أن نعرف لماذا نحبه؟ ما هي بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟
(1) موافقة مراد الله تعالى في محبته: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحب الخلق إلى الله فقد اتخذه خليلا وأثنى عليه ما لم يثن على غيره كان لزاما على كل مسلم أن يحب ما يحب الله وذلك من تمام محبته سبحانه.
(2) مميزات النبي صلى الله عليه وسلم: فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس وأطهر الناس وأعظم الناس في كل شيء، هو الذي نقل إلينا رسالة ربنا، هو الذي جعله الله سببا في خروجنا من الظلمات إلى النور، هو الذي علمنا كيف نعبد الله، هو الشفيع، وهذه كلها دواعي لأن يكون صلى الله عليه وسلم أحب الناس.
(3) شدة محبته لأمته وشفقته عليها ورحمته بها: كما وصفه ربه فقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة 128]. حتى أنه من رأفته بالأمة بكى من أجلها، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى} الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِى». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ). فهكذا كانت رحمته بالأمة، وهكذا كانت محبته للأمة حتى أنه كان يتمنى أن يرانا صلى الله عليه وسلم، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا». قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ». فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا». فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز التَّمَنِّي لَا سِيَّمَا فِي الْخَيْر وَلِقَاء الْفُضَلَاء وَأَهْل الصَّلَاح (وَدِدْت أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَاننَا) رَأَيْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا. (بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي) لَيْسَ نَفْيًا لِإِخْوَتِهِمْ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتهمْ الزَّائِدَة بِالصُّحْبَةِ، فَهَؤُلَاءِ إِخْوَة صَحَابَة، وَاَلَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَة لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ.
(4) حتى أحشر معه يوم القيامة: روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ).
فهل هناك دلائل على محبته صلى الله عليه وسلم؟ هناك علامات وإشارات تدل على ذلك، منها:
(1) تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل أحد: تقديم كلام النبي على كلام نفسه، وفعل النبي على فعل نفسه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات 1]. أي لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا.
(2) سلوك الأدب معه صلى الله عليه وسلم: ويتحقق بأمور، منها: أ) الثناء عليه والصلاة والسلام عليه لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب 56].
ب) التأدب عند ذكره بأن لا يذكره مجرد الاسم بل مقرونا بالنبوة أو الرسالة قال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور 63]. قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتجهم. أمرهم أن يشرفوه ويفخموه. جـ) الأدب في مسجده وكذا عند قبره وترك اللغط ورفع الصوت.
د) توقير حديثه والتأدب عند سماعه وعند دراسته كما كان يفعل سلف الأمة وعلماؤها، وكان مالك إذا أراد أن يجلس (أي للتحديث) توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، وتطيّب، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال: أوقّر به حديث رسول الله. و كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول أقعدوني فإني أعظم أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع".
(3) تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به: وهذا من أصول الإيمان وركائزه ومن الشواهد في هذا الباب ما ناله ابو بكر من لقب الصديق روى البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: (اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير- يَعْنِي عَقِب الْإِسْرَاء- فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة ؟ قَالَ نَعَمْ ، إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ ، أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء قَالَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق).
(4) اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته والاهتداء بهديه: فطاعة الرسول هي المثال الحي والصادق لمحبته ولهذا قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران 31].
(5) الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم: في حياته وبعد موته، أما في حياته فقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في دفاعهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بأرواحهم، وأما بعد موته فيكون الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ب نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها وبحفظها ورد الشبهات عنها.
ومن الأمور التي تزيدنا حبا لرسول الله أن نتعلم من الصحابة حب رسول الله:-
(1) روى البخاري في صحيحه عن عَبْد اللَّهِ بْن هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الآنَ يَا عُمَرُ». قَوْله (لَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُون أَحَبَّ إِلَيْك مِنْ نَفْسك) أَيْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ لِبُلُوغِ الرُّتْبَة الْعُلْيَا حَتَّى يُضَاف إِلَيْهِ مَا ذُكِرَ. وَعَنْ بَعْض الزُّهَّاد: تَقْدِير الْكَلَام لَا تَصْدُقُ فِي حُبِّي حَتَّى تُؤْثِر رِضَايَ عَلَى هَوَاك.
(2) في الصحيح: (أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوّادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ - وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ – وَقَالَ: اسْتَوِ يَا سَوّادُ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي، وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ. قَالَ: فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ: اسْتَقِدْ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ. فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ).
(3) خُبَيْبَ بن عَدِيٍّ وقع في أيدي المشركين وقرروا قتله، فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادُوهُ ونَاشَدُوهُ: أَتُحِبُّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ فَقَالَ : لا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَحَبُّ أَنْ يُفَدِّيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكُهَا فِي قَدَمِهِ.
(4) في رحلة الهجرة حينما وصل النبي ومعه أبو بكر إلى الغار قال أبو بكر : والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما لك يا أبا بكر؟) قال : لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ما يجده .
طالما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الدين فهو من أهم الأمور التي ينبغي على الوالدين أن يبذلوا جهدهم في الوصول إلى ترسيخ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أبنائهم بشتى الطرق مثل:
أولا : بيان مكانة حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في التشريع الإسلامي الشريف، فلا يتذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بحب المصطفى العدنان، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ » .
ثانيا : أن نقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأبنائنا ونعرفهم به من خلال القرآن: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". جوانب القدوة من شخصيته _صلى الله عليه وسلم_ وشخصيته كلها قدوة، والتأكيد على أنه النموذج المرتجى لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
ثالثا: نكثر من الحكايات عنه صلى الله عليه وسلم، حكاية معجزاته _صلى الله عليه وسلم_، حكاية أخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء ووصيته باليتيم، حكاية أخبار رقته _صلى الله عليه وسلم_ ورحمته وبكائه وبأنه هو النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته، وغير ذلك.
[/align]