في بيوت أذن اللّه أن ترفع
عبد الله بن علي الطريف
في بيوت أذن اللّه أن ترفع 1444/7/12هـ
أما بعد: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس...
أيها الإخوة: قال أحد الأنصار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم لَمّا سَمِعْنَا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللّهِ ﷺ مِنْ مَكّةَ، وَتَوَكّفْنَا قُدُومَهُ، كُنّا نَخْرُجُ إذَا صَلّيْنَا الصّبْحَ إلَى ظَاهِرِ حَرّتِنَا نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللّهِ ﷺ فَوَاَللّهِ مَا نَبْرَحُ حَتّى تَغْلِبَنَا الشّمْسُ عَلَى الظّلالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلاً دَخَلْنَا، وَذَلِكَ فِي أَيّامٍ حَارّةٍ. حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ﷺ جَلَسْنَا كَمَا كُنّا نَجْلِسُ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلٌّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ حَيْنَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَى مَا كُنّا نَصْنَعُ وَأَنّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ ﷺ عَلَيْنَا، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ، هَذَا جَدّكُمْ قَدْ جَاءَ.. قَالَ: فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ﷺ وَهُوَ فِي ظِلّ نَخْلَةٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنّهِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ بقُباءٍ وَأَسّسَ مَسْجِدَهُ، وكَانَ ﷺ أَوّلَ مَنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي قِبْلَتِهِ ثُمّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ ثُمّ جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ إلَى حَجَرِ أَبِي بَكْرٍ ثُمّ أَخَذَ النّاسُ فِي الْبُنْيَانِ.. ثم خرج ﷺ متوجها إلى المدينة.. وما وازن موكبُه ﷺ بيتاً من بيوتات الأنصار إلا اعترضوا طريقَه وقالوا يا رسولَ الله: أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ وَالْمَنَعَةِ فيقَولَ ﷺ: «خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ» لِنَاقَتِهِ فَيخَلّون سَبِيلهَا، فَانْطَلَقَتْ، حَتّى إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النّجّارِ، فَلَمّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللّهِ ﷺ عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ وَرَسُولُ اللّهِ ﷺ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لا يَثْنِيهَا بِهِ ثُمّ الْتَفَتَتْ إلَى خَلْفِهَا، فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوّلَ مَرّةٍ فَبَرَكَتْ فِيهِ ثُمّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمّتْ وَوَضَعَتْ جِرَانهَا.. فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ ﷺ وأَمَرَ بِهِ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا وهو مسجده.. وَنَزَلَ ﷺ عَلَى أَبِي أَيّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتّى بَنَي مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ وكان ﷺ يعَمِل فِيهِ لِيُرَغّبَ الْمُسْلِمِينَ للْعَمَلِ فِيهِ...
أيها الإخوة: إن المتأمل لفعل النبي ﷺ ومبادرته ببناء المساجد عند نزوله أي دار من دور الإسلام؛ ليعلم علم اليقين أهمية المسجد، ودوره المهم في الأمة، فلقد كان المسجد منطلقاً لكل خير ومصدراً لكل قرار ينظم شؤون الدولة الفتية.. ولذلك تضافر الكتاب والسنة في بيان أهميته ورتب رسول الله ﷺ الأجور الكبيرة للمهتمين بالمساجد والمترددين عليها.. وخصهم بمنح عظام لا تكون إلا لهم.!
ومن ذلك أيها الأحبة: قول الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). [النور:36 -38]. أي: يتعبد لله فِي بُيُوتٍ: عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد. أَذِنَ اللَّهُ أي: أمر ووصى أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ: هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله. وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ: يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد. قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ، وذكر منهم، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ». رواه البخاري وغيره عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ شَدِيد الْحُبّ لَهُ أَوْ الْمُلازَمَة لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دَوَام الْقُعُود فِي الْمَسْجِد، وقال ابن رجب: أي يحب المسجد ويألفه لعبادة الله فِيهِ، فإذا خرج مِنْهُ تعلق قلبه بِهِ حَتَّى يرجع إِلَيْهِ، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله فانقادت لَهُ..
أيها الأحبة: المساجد بقاع أرضية تُنَضِّرُها الأنوار السماوية، وترفُّ عليها الملائكة بأجنحتها، إنها أفضل المواقع عند الله، وهي أماكن المنافسة في الخيرات.. واجتماع المؤمنين، وأداء العبادات، ونزول الملائكة والرحمات.... في هذه البيوت تُغسل القلوب، وينجلي صدؤُها، وفيها يجتمع المؤمنون معاً، طاعة لله عز وجل، وتتساوى الرؤوس مع الأجساد القائمة لله تعالى ركوعاً، وسجوداً، وقياماً، وخضوعاً.
هنا السماوات تبدو قُـرب طالبها
هنا الرحـاب فضاء حين يُلتـمس
هنا الطهارة تحيــا في أماكنهــــــــــــــــــا
لا الطِّيب يبلى ولا الأصداء تندرسُ
يفرح الباري سبحانه برُوْادِها المترددين إليها وكأنهم من ترددهم استوطنوها، قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاةِ وَالذِّكْرِ إِلا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ [تلقاه ببره وتقريبه] أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ». رواه ابن ماجة وأحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَقَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ». رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والنُّزُل: هو ما يُعدُّ للزائر عند قدومه.. وَقَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ». رواه الطبراني عن سلمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني.
ولقد بلغ حب المسجد في نفس رسول الله ﷺ منزلة كبيرة حتى أنه كان يُخرجُ به يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ في مرَض موته. كما قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
أخي الحبيب: إذا خرجت إلى المسجد فأنت في خير كثير وحظ وفير من الأجور، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لا يَنْصِبُهُ إِلا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلاةٍ لا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». رواه أبو داوود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّه،ِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً. وقال َرَسُولَ اللَّهِ: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ.؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». روى هذه الأحاديث مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ.. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ.! قَالَ: أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ». رواه مسلم. وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «مُنْتَظِرُ الصَّلاةِ مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ كَفَارِسٍ اشْتَدَّ بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى كَشْحِهِ [الكاشح: العَدُوُّ الذي يُضْمِرُ عَداوَته] تُصَلِّي عَلَيْهِ مَلائِكَةُ اللَّهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُومُ وَهُوَ فِي الرِّبَاطِ الأَكْبَرِ». رواه أحمد، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الشيخ الأرناؤوط: إسناده حسن.. أسأل الله أن يجعلنا من رواد المساجد المتعلقين بها وصلى الله...
الخطبة الثانية
المساجد أيها الأحبة: أحب البقاع إلى الله تعالى، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا». رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
«بَشِّرِ النَّبِيُّ ﷺ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
ومن الفضائل التي تغيب عنا قول النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ، بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ». رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الألباني: حسن. وإدراكها بأن يكون المسلم قائماً في الصف حين يُكبِّر الإمام تكبيرة الإحرام، وأن تُكبِّر معه مباشرة، وقد حافظ بعض الناس على ذلك فوجد فيه من النعيم العظيم والسكينة والهداية شيئاً كبيراً.
أيها الإخوة: ومن فضائل إتيان المساجد قَولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ، وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..
ولقد أدرك سلف الأمة هذا الفضل وسعوا إليه قال سعيد بن المسيب: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد". وقال ربيعة بن يزيد: "ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً". وقال يحيى بن معين: "لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة".
وبعد أحبتي: نحن في زمن أحوج ما نكون فيه لكل ما يجمعنا ويؤلف بيننا ويشعرنا بوحدة الصف، والاجتماع لصلاة الجماعة في المساجد من أعظم وسائل ذلك، وهي مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّنا صَلَّيْنا فِي بُيُوتِنا كَمَا يُصَلِّي الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْنا سُنَّةَ نَبِيِّنا، وَلَوْ تَرَكْنا سُنَّةَ نَبِيِّنا لَضَلَلْنا، أسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباع سنته إنه جواد كريم..